أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ستار جبار سيبان - طفولة وقصر














المزيد.....

طفولة وقصر


ستار جبار سيبان

الحوار المتمدن-العدد: 5301 - 2016 / 10 / 1 - 03:13
المحور: الادب والفن
    


كانوا يسمونه القصر ..
على طول الشارع الترابي الممتد مابين مستشفى العام والسوق الكبير انتصبت البيوت ذات النسق بارتفاعها الخجول عن الارض ، لاتكاد تميز بينها لكثرة الشبه في واجهاتها الامامية المبنية من الطابوق ، واجهات البيوت عبارة عن شباك بدرفتين في كل طرف من البيت ، يتوسطهم باب يفضي الى ( هول ) الى اليمين او اليسار ، تعاكسه غرفة استقبال الضيوف ( الخطار ) ، ماعدا بيت واحد يقع في بداية البلوك الثالث يتوسط هذه البيوت المطلة على شارع ( 60 ) , كنا نسميّه ( القصر ) ، كنا نراه شاهاقاً يلامس السماء ، بغرفه العلوية في الطابق الثاني التي لاتقل شبهاً بمثيلاتها في الطابق الأرضي ، من حيث التصميم ، وتبييضه بالاسمنت الملون ، وتزيينه بزخارف ملونة اخترعها والدي بفطرته الفنية ، حين عمل ( لبّاخاً ) فيه قبل ان يكتمل بنائه ، وبعد اكتماله غُطيت نوافذه العلوية والارضية فضلاً عن الابواب التي تتوسطها بمشبكات سيميه مؤطرة بالخشب ، للحد من تسلل الحشرات والبعوض ، اللذان لاتنفع بالقضاء عليهم سيارة ( ام الدخان ) التي تجوب أزقة المدينة وساحاتها ، البعوض الذي كان يتكون ككرة فوق رؤوسنا قبيل ساعات الغروب ، حين كانت الساحات واركان الأزقة الترابية ملاذنا الوحيد لنشوء الصداقات الاولى .
انه قصر بيت ابو خليل الجبوري ، او كما كنا نسمّيهم ( المٓدٓن ) ، لانعرف اول من اطلق هذه التسمية ، وكل الذي نعرف بأنها تطلق على كل من يرتدي ملابس لاتشيه ملابسنا ، ونطق حروف كلامه لايشبه لهجتنا ونطقها ، مختلفين عنا حتى باسمائهم ، ابنهم الكبير خليل ، وبناتهم سهاد ونهاد والصغيرة الشقراء صاحبة العيون الزرقاء والشعر الذهبي كان أسمها ميعاد ، قيل كانوا من سكنة الاعظمية يسكنون بيتا صغيراً هناك ، هذا القصر الكبير هو الوحيد الذي كان يترك بابه مفتوحاً لصغار المنطقة الفقراء الحفاة يتجمعون داخل ( الهول ) الذي ينتصب فيه جهاز تلفاز على طاولة صغيرة ذات قوائم رفيعة اربعة ، متكئة على جدار مطلي باللون السمائي ، ينقل مباراة بالابيض والاسود بين المصارع العراقي عدنان القيسي وخصمه اعتقد كان اسمه فيريري ، لم تثر اهتمامي عكسيات القيسي على خصمه بقدر ما كنت امتع نظري بألوان الجدران وطقم القنفات ورائحة الطعام الشهية ، وثياب الكيمون ذات الالوان الفاتحة وهي تكشف عن زنود الفتيات الثلاث وهن يضعن اقدامهن الناصعة البياض على بلاط الارضية البارد بلونيه الأبيض والأسود ، الذي بدا لي كأنه رقعة شطرنج اتخذتُ فيها مكان جندي بائس منتظراً لحظة موته في معركة لاناقة له فيها ولا جمل ، يعج الهول بتصفيق الحفاة كلما لاحت لهم قفزة من قفزات القيسي وهو ينزل عٍكسيته على ظهر خصمه ، وهكذا الى ان نخرج من بيت ابو خليل فرحين ضاحكين تودعنا عيونهم بالرحمة والشفقة ، يتسرّب الاولاد داخل الازقة الترابية حتى يتواوروا عن الانظار ، اذهب انا الى بيتنا الذي لايفصله عن القصر سوى بيت واحد ومدخل زقاق . فضولي الدائم للتبصبص ومشاهدة برامج الاطفال بعد السادسة عصراً في بيت ابو خليل كل يوم في ذلك الصيف الحار لم ينقطع ، حتى جاء ذلك اليوم الذي جاء فيه ابي متأخراً الى البيت وقد هبط الظلام وغابت الشمس قبل ساعتين او اكثر ، ولم يجدني ، حينها سأل امي عني ، سمعته يناديني بغضب حين رآني متخذاً من الارض مجلساً خارج بيت ابو خليل ، اشاهد التلفزيون من خلف الباب المشبك المؤطر بالخشب ، كان هول البيت بالنسبة لي هو التلفزيون ، ليست تلك الشاشة المربعة الصغيرة المنتصبة على الطاولة ، اراقب حركاتهم ، جلوسهم ، اثاثهم ، كل شئ مرتب ، الصور المزججة ذات الأُطر البنية المعلقة على الجدران ، كل شئ جميل وله عطره ، تركت مجلسي وانا انفض بكلتا يدي ماعلق ببيجامتي من تراب ، ملبياً نداء ابي الذي قابلني بوجه متجهم وعينين غاضبتين قائلاً ( مو عيب گاعد بباب الناس ) قال ذلك وهو يجتاز الباب خلفي محذراً اياي بالذهاب مرة اخرى ، حزنت وتألمت كثيراً تلك الليلة ، تركت عادة الذهاب هناك ، بعد ان عاد ابي عصر اليوم التالي مستقلاً سيارة تاكسي ، ركنت بمحاذاة بابنا ، انزل من صندوقها الخلفي كارتوناً كبيراً تبين فيما بعد أنه جهاز تلفاز بحجم كبير بأطار خشبي بلون غامق ، لم يدم بقاء بيت ابو خليل اكثر من سنة ونصف او سنتين في القطاع ، توالت العوائل الغنية والتي لم تكن من ذات اصول جنوبية على هذا القصر وكان آخرهم عائلة لاتقل شبهاً بنظام معيشتهم عن بيت ابو خليل ، يطلقون عليهم اسم بيت ( الجِدّه ) التي كانت تعمل قابلة لتوليد النساء الحوامل ، تركتُ القطاع والقصر وبيت الجِدّه وظل اثر جلوسي على التراب هناك عالقاً في ذاكرتي .



#ستار_جبار_سيبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعدام قدور وتنانير وطفوله
- حبة هيل ودمعه ..
- تظاهرات شارع الداخل
- ستار جبار ونيسّه وقداحة الرونسون
- من سيربح الملايين في المسامح كريم
- موكفايه
- ميركل تهشم زجاجة المارد
- بين أزمير وياس خضر
- إنما نقاتلهم لوجه الله
- هسه يجي بابا البطل
- اكتب بأسم ربك
- في طريقي اليك ..
- كولا مقدسه
- بدريه
- البوابه
- حبة الحظ .


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ستار جبار سيبان - طفولة وقصر