أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسن عجمي - الفلسفة الأخلاقية في اللغة العربية















المزيد.....

الفلسفة الأخلاقية في اللغة العربية


حسن عجمي

الحوار المتمدن-العدد: 5301 - 2016 / 10 / 1 - 03:12
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


اللغات معلومات متوارثة. و خير دليل على ذلك هو اللغة العربية التي تتضمن أفكارا ً فلسفية و اجتماعية كاحتوائها على فلسفة أخلاقية سامية. و نظرية أن اللغة مجموعة معلومات متوارثة تفسِّر لماذا اللغة فطرية و مُكتسبَة في آن.

الخير و العدل

تحتوي اللغة العربية على فلسفة أخلاقية مُميَّزة. تتعدد الأمثلة على صدق هذه النظرية بفضل قوة و سيادة عمليات الاشتقاق في اللغة العربية. مثل ذلك أن كلمة " إختار " أو " إختيار " مشتقة لغويا ً من كلمة " خير " حيث الجذر هو (خ - ي - ر). و بما أن " إختار " أو " إختيار " مشتقة من " خير ", إذن بالنسبة إلى العربية الاختيار الانساني يعتمد على الخير. و بذلك تتضمن اللغة العربية أن الناس مخلوقون أو مكوّنون لكي يختاروا الخير. لذلك من منطلق اللغة العربية , الناس مبرمجون على فعل الخير. من هنا تقول اللغة العربية إن الإنسان بطبيعته خيّر و مخلوق بطريقة تجعله يقبل القيم الأخلاقية و يعمل على ضوئها. و تؤكد العربية على هذه الفلسفة الأخلاقية من خلال الارتباط اللغوي بين كلمة " أخلاق " و كلمة " خَلْق ". فبما أن " أخلاق " مشتقة من "خَلْق " حيث الجذر هو (خ- ل- ق) , إذن من منظور اللغة العربية الأخلاق مبنية على الخلق و نتيجة حتمية لعملية الخلق كخلق الإنسان كما أن الخلق كخلق الكون هو عملية أخلاقية. و بذلك بالنسبة إلى العربية , الإنسان مخلوق لكي يفعل الخير علما ً بأن الأخلاق نتيجة طبيعية لعملية الخلق كخلق الإنسان. لا تكتفي العربية بهذا بل تضيف تعريفا ً مثيرا ً لمفهوم العدل. من الممكن اشتقاق كلمة " عدل " من كلمة " عادَلَ " بمعنى ساوى بين أمريْن حيث يكون الجذر هو (ع - د - ل). و بذلك تتضمن اللغة العربية معلومة متوارثة مفادها أن العدل يتكوّن من معاملة الناس بمساواة. فالعدل هو المساواة ما يشير إلى أن العربية تنادي بالمساواة بين الناس. و " قيَّمَ " من "قِيم ". و لذا تصر اللغة العربية على أنه لا بد من تقييم الأشياء كافة فالحكم عليها على ضوء القِيم الأخلاقية كالعدل و المساواة. هكذا اللغة العربية تشكِّل دعوة أخلاقية عمادها عدم التعصب في الحكم و التقييم بل اللجوء دوما ً إلى القِيم لاتخاذ الأحكام.

الاقتصاد و التنافس

الفلسفة الأخلاقية مرتبطة بالاقتصاد لا محالة. و اللغة العربية تدافع عن نظرية محدَّدة في الاقتصاد من دون أن تتخلى عن أخلاقيات الاقتصاد المرجو. من الممكن اشتقاق مصطلح الاقتصاد من مصطلح " قصَدَ " حيث الجذر هو (ق- ص – د). و لذا اللغة العربية تتضمن معلومة وراثية تقول إن الإقتصاد لا بد أن يُبنَى على أساس مقاصد الناس. و بذلك تدافع اللغة العربية عن الاقتصاد الحر لكونه اقتصادا ً معتمدا ً على مقاصد فغايات الناس بدلا ً من أن يكون موجّها ً من قبل الدولة أو من قبل جهة معينة. لكن تؤنسن العربية هذا الاقتصاد الحر حين تربط لغويا ً بين التنافس و النفس. فمن الممكن اشتقاق مصطلح " تنافس " من كلمة " نفس " حيث يكون الجذر هو ( ن - ف - س ). و بما أن التنافس مشتق من النفس , إذن اللغة العربية تتضمن معلومة متوارثة مضمونها أنه لا بد أن نتنافس مع الآخرين على أنهم أنفسنا. على هذا الأساس تحوّل اللغة العربية الاقتصاد الحر إلى اقتصاد إنسانوي يراعي التعامل الأخلاقي الراقي مع الآخر الذي لا بد أن نراه على أنه الأنا. كما أن مصطلح " العملة " مشتق من " العمل ". و بذلك بالنسبة إلى اللغة العربية , قيمة العملة كامنة في العمل أي أن العملة في حد ذاتها لا قيمة لها بل قيمتها معتمدة فقط على ما تنتج من عمل. و هذا يعني أيضا ً أن قيمة العملات المالية قائمة في استثمارها ما يؤدي حتما ً إلى توظيف الناس و إفادة الآخرين. و هذا نوع من أنواع إعادة توزيع الثروة. هكذا اللغة العربية متضمنة لفلسفة إجتماعية و اقتصادية معتمدة على فلسفة أخلاقية عالية.

السلام و الإيمان و المجتمع

من الممكن لغويا ً إشتقاق " السلام " و " السليم " من بعضهما البعض بما أن جذرهما واحد ألا و هو ( س – ل – م ). من هنا تؤكد اللغة العربية على أن الشخص السليم أو المجتمع السليم هو الذي يحيا في سلام. هكذا تدعو اللغة العربية إلى إحلال السلام الذي بدونه لا يوجد ما هو سليم. و من الأمثلة الرائعة أنه من الممكن إشتقاق كلمة " إيمان " من كلمة " أمن " فجذرهما هو ( ء – م – ن ). و لذلك تتضمن العربية معلومة متوارثة تقول إن الإيمان هو الذي يحقق الأمن. و على ضوء هذه النتيجة تحتوي العربية على معلومة أن الذين يستخدمون إيمانهم لإرهاب الآخرين ليسوا بمؤمنين بل فقط الذين يحققون الأمن هم حقا ً مؤمنون. لا تكاد تتوقف اللغة العربية عن رسم معالم الأخلاق. فالمجتمع من جَمَعَ. و لذا بالنسبة إلى العربية , المجتمع هو الذي يجمع بين الأفراد بدلا ً من أن يفرِّق بينهم. فتمسي العربية قائلة إن على المجتمع أن يجمع بين الأفراد و أن لا يفرِّق بينهم. و في هذا دعوة أخلاقية مبنية على الاجتماع السلمي و التوافق الاجتماعي.أما أهلا ً فهي من أهل. هكذا حين نقول أهلا ً فنحن نرحِّب بالآخر و نرسل رسالة ضمنية بأن الآخر أصبح من أهلنا. على هذا الأساس تدعونا اللغة العربية إلى إعتبار الآخرين من أهلنا فتسمو مجددا ً في فلسفتها الأخلاقية. و عائلة من عالَ بمعنى ساعَدَ. و بذلك اللغة العربية تقول إن العائلة هي التي لا بد من إعالتها. و لذا القيم العائلية مسيطرة على الثقافة العربية. هكذا اللغة تشكّل عقولنا و تصرفنا. و الصديق من صَدَق و لذا صديقك هو مَن يصدق معك. و كلنا نريد مَن يصدق معنا. لذلك أمست الثقافة العربية معتمدة على العلاقات الشخصية كعلاقات الصداقة. كل هذا يرينا مدى عمق الفلسفة الأخلاقية في اللغة العربية و دورها في صناعة مَن نحن.

اللغة معلومات متوارثة

كل الأمثلة السابقة تدل على أن اللغة العربية مجموعة معلومات متوارثة. و الأدلة تكاد لا تنتهي لأن عملية الاشتقاق اللغوي في العربية قوية جدا ً ما يجعل معظم الكلمات العربية حاوية على معلومات متوارثة. مثل إضافي هو أنه من المتاح اشتقاق كلمة " معرفة " من كلمة "عُرف". و بذلك تقول اللغة العربية إن المعرفة كامنة في العُرف ما يفسِّر لماذا ثقافتنا العربية ثقافة عُرفية بمعنى أننا نسعى دوما ً إلى الحفاظ على العادات و التقاليد. فحقيقة أن اللغات تتكوَّن من معلومات متوارثة تفسِّر لماذا اللغة تشارك بقوة في صياغة الثقافة. فبما أن اللغة معلومات متوارثة , و علما ً بأن الناس يفكرون و يتصرفون على ضوء ما يرثون و يملكون من معلومات , إذن من الطبيعي أن اللغات تشكّل الثقافات. و لذا أيضا ً الذين يستخدمون لغات مختلفة ينتمون إلى ثقافات مختلفة. هكذا تفسِّر هذه النظرية اختلاف الثقافات. فالثقافات مختلفة باختلاف اللغات. و اللغات مختلفة باختلاف معلوماتها المتوارثة بالإضافة إلى اختلاف كلماتها و أصواتها.

كما أن كلمة " حكمة " مشتقة من كلمة " حُكم " و بذلك تحتوي اللغة العربية على معلومة متوارثة مفادها أن الحكمة موجودة في الحُكم و أن الحاكم لا بد أن يكون حكيما ً. و تقول اللغة العربية إن العقل هو الذي يربط بين الأفكار علما ً بأن العقل مشتق من عَقَلَ بمعنى ربط . و تضيف العربية قائلة إن اللغة هي الأداة التي تمكننا من التحدّث علما ً بأن مفهوم "اللغة " مشتق من " لغا " كلغا بكذا بمعنى تكلّم به. أما الأحداث فهي التي نتحدّث عنها. و النظريات لا بد أن تعتمد على النظر أي على ما نراه في الواقع لكون مفهوم " النظرية " مشتقا ً من مفهوم "النظر". و الإنسان هو مَن ينسى. لكن مَن ينسى هو مَن يفكر. و بذلك اللغة العربية تصر على أن الإنسان هو مَن ينسى و يفكر. هكذا اللغة العربية تملك عقلا ً خاصا ً بها و تتصرف على أنها فيلسوفة. و بما أنها تمتلك عقلا ً , إذن هي كائن حي. كل هذا يصدق على اللغات الأخرى كافة لكن اللغة العربية تقدِّم أقوى دليل على أن اللغات معلومات متوارثة بسبب قوة عمليات الاشتقاق فيها بالمقارنة مع اللغات الآخرى. فاللغة العربية فيلسوفة بامتياز. و مثل على أن اللغات الأخرى تحتوي أيضا ً على معلومات متوارثة هو التالي : في اللغة الإنكليزية من الممكن اشتقاق كلمة "Information " بمعنى " معلومات " من كلمة " formation " بمعنى " تشكّل " أو "تكوّن" , و العكس صحيح. و لذلك بالنسبة إليها , المعلومات معتمدة في وجودها على ما هو متكوِّن أي على الكون ذاته , و المتكوِّن أي الكون بالضرورة يتكوّن على ضوء المعلومات.

بالإضافة إلى الأمثلة السابقة , لهذه النظرية القائلة بأن اللغات معلومات متوارثة قدرة تفسيرية ناجحة ما يدعم صدقها. فبما أن اللغة مجموعة معلومات متوارثة , و علما ً بأن الجينات البيولوجية هي معلومات متوارثة , إذن من الطبيعي أن توجد اللغة في جيناتنا البيولوجية فتكون اللغة فطرية و تولد فينا بمجرد أن نولد كما يقول عالِم اللغات نعوم تشومسكي. هكذا تفسِّر هذه النظرية لماذا اللغة فطرية و كامنة في بيولوجية الإنسان. من جهة أخرى , بما أن اللغة معلومات متوارثة , و علما ً بأن الثقافة و التواصل و الإدراك هي عمليات إنتاج و تبادل للمعلومات , إذن من المتوقع أن تكون اللغة نتيجة الثقافة و التواصل و الإدراك فتغدو مُكتسبَة كما يصر عالِم اللغات دانيال إفيريت. و هكذا تنجح هذه النظرية في تفسير لماذا اللغة هي أيضا ً مُكتسبَة و نتيجة تواصلنا و إدراكنا و ثقافتنا. و على هذا الأساس أيضا ً تتمكن هذه النظرية القائلة بأن اللغة معلومات متوارثة من التوحيد بين النظريتيْن السابقتيْن حين تفسِّر فتعبِّر عن أن اللغة فطرية و مُكتسبَة في آن. و هذه فضيلة معرفية أخرى لهذه النظرية. فالفلاسفة و علماء اللغة منقسمون حول قضية ما إذا كانت اللغة فطرية أم مُكتسبَة. لكن نظرية أن اللغة معلومات متوارثة تحل هذا الخلاف و توحِّد بين النموذجيْن اللغويين السابقين لأنها تتضمن و تفسِّر كيفية أن اللغة فطرية و مُكتسبَة معا ً. إنسان بلا لغة إنسان بلا معلومات. و إنسان بلا معلومات إنسان بلا وجود. حياة بلا لغة حياة عمياء. و كون بلا لغة كون أعمى فباللغة نحيا و باللغة نُبعَث.



#حسن_عجمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسفة التربوية و صراع الحداثة و التخلف
- فلسفة الميتافيزياء و العلوم المعاصرة
- فلسفة العلوم
- المعنافوبيا
- المعنالوجيا
- فلسفة الحداثة في مواجهة ما بعد الحداثة
- الفلسفة الإنسانوية في مواجهة فلسفة الثنائيات
- غزل فلسفي : كولونيا
- الفلسفة الاسلامية و دورها الاجتماعي و السياسي
- فلسفة الدين بين الحداثة و ما بعد الحداثة
- فلسفة الحياة و العقل و اللغة
- البحث عن لغات فكرية جديدة
- فلسفة الزمن و الكون و الوهم
- فلسفة العلم و الديمقراطية
- سوبر تفكيك الأصولية و الإرهاب
- الديمقراطية نظام تواصلي و معلوماتي
- فلسفة الكون المعلوماتي
- الكون نظام تواصلي
- العلم إعجاز لغوي
- العلم عملية تصحيح لغوية


المزيد.....




- تحويل الرحلات القادمة إلى مطار دبي مؤقتًا بعد تعليق العمليات ...
- مجلة فورين بوليسي تستعرض ثلاث طرق يمكن لإسرائيل من خلالها ال ...
- محققون أمميون يتهمون إسرائيل -بعرقلة- الوصول إلى ضحايا هجوم ...
- الرئيس الإيراني: أقل عمل ضد مصالح إيران سيقابل برد هائل وواس ...
- RT ترصد الدمار في جامعة الأقصى بغزة
- زيلنسكي: أوكرانيا لم تعد تملك صواريخ للدفاع عن محطة أساسية ل ...
- زخاروفا تعليقا على قانون التعبئة الأوكراني: زيلينسكي سيبيد ا ...
- -حزب الله- يشن عمليات بمسيرات انقضاضية وصواريخ مختلفة وأسلحة ...
- تحذير هام من ظاهرة تضرب مصر خلال ساعات وتهدد الصحة
- الدنمارك تعلن أنها ستغلق سفارتها في العراق


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسن عجمي - الفلسفة الأخلاقية في اللغة العربية