أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - اسعد عبدالله عبدعلي - مهنة صباغ الأحذية والتحديات الاجتماعية















المزيد.....

مهنة صباغ الأحذية والتحديات الاجتماعية


اسعد عبدالله عبدعلي

الحوار المتمدن-العدد: 5300 - 2016 / 9 / 30 - 23:11
المحور: المجتمع المدني
    


مهنة صباغ الأحذية والتحديات الاجتماعية
اسعد عبدالله عبدعلي

كل صباح ينهض جميل باكرا ليحمل عدته على ظهره, ويتجه نحو كراج المشتل, ليجلس على الرصيف عارضا مهارته في مسح الأحذية, وبيده فرشاة الأصباغ وعلب الألوان والتلميع, كي يصبغ أحذية الناس مقابل اجر معين, ليعيد أليها بريقها الذي خطفته أتربة الشوارع ومستنقعات الماء, كل هذا ليعين أسرته الكبيرة بما يتحصل من رزق, كان في بداية مزاولته للمهنة يحس بالحرج, بل عاد باكيا أول يوم عندما جلس على الرصيف ليمسح أحذية المارة, لكن ماذا يفعل وأبوه توفي وترك كل العالة في رقبة الطفل جميل, وكان في العاشرة فقط, ترك المدرسة ليجلس على الرصيف, يزيت أحذية الموظفين والطلاب والجنود والمتنزهين, نعم أنها مهنة تجعل المجتمع لا يحترم صاحبها وتضيع كرامته, لكن هي أفضل من مهنة الوزير اللص بمعايير العدل والإنصاف, كان جميل دوما يتهرب من المناسبات الاجتماعية للأقارب, خوفا من أن يسخر منه البعض باعتباره مجرد صباغ أحذية.
اليوم تعيش فئة كبيرة من المجتمع العراقي ظروف قاسية, تدفعهم للعمل في مهنة متعبة وحساسة, باعتبارها مهن مهينة أو تهدر كرامة الإنسان بحسب نظرة المجتمع, فالفقر تسبب بضياع الأحلام لفئة واسعة, مما اضطرهم لترك الأحلام على رفوف النسيان, والانغماس في حياة مهنية غريبة, ومهينة أحيانا, هم لم يخططوا أن تكون حياتهم بهذا الواقع, بل الظروف الضاغطة هي من فرضها عليهم, لذا نجد البعض لجأ الى مهن مثل مهنة مسح الأحذية ليسد حاجات أهله, وكي يرد قسوة الحياة, فهي طريق للهروب من الواقع المرير الى شيء أمر منه.
● أحاديث صباغي الأحذية
حاولت أن افهم عن قرب دوافع العمل كصباغ أحذية, فالتقيت بعدد منهم فكانت هذه الأحاديث:
حدثني شاب ( اسمه باسل), بالسادسة عشر من العمر, في الباب المعظم حيث يفترش الرصيف, ليصبغ أحذية الناس, فقال: منذ كان عمري ثمان سنوات وأنا أتنقل بين الإعمال لأحصل على رزقي, فقدت أبي وأنا في الثامنة من العمر, فدفعت بي أمي للعمل في السوق لأوفر للعائلة المال, فاشتغلت أبيع أكياس النايلون, وحمال انقل السلع, لكن مردودها قليل جدا, وعندما أصبحت بسن 13 سنة لجأت لمهنة صبغ الأحذية, ووجدتها اقل جهدا وأكثر مردودا, نعم أنا اخجل أن يراني احد أقاربي وأنا اعمل بهذه المهنة, لكن العمل أفضل من الجلوس في البيت, أنا اعمل ومقابل جهودي احصل على رزق يسد حاجات أهلي, أتمنى أن تتغير حياتي للأحسن واحصل على فرصة عمل أفضل.
أما الطفل مهند ( 11سنة ) كان مبتسما وهو يعمل قرب تقاطع "البانزيخانة" في شارع الداخل (مدينة الصدر), فيقول : منذ سنة وتغيرت حياتي, حيث تمرض بالسرطان وما عاد يستطيع على المشي, وكان هو أبي هو المعيل الوحيد لعائلتنا, لذا أصبح علي الحمل الثقيل, فانا اكبر أخوتي, فتركت المدرسة, واشترت لي أمي صندوق صبغ الأحذية, وجلست في باب كراج الداخل, وبدأت اعمل وها هي سنة أنا أعيل أهلي, لكن أتحسر على المدرسة, وأحس بالحزن وأنا أشاهد أصدقاء المدرسة, وهم يذهبون صباحا للمدرسة, كل حلمي أن اترك هذا العمل وان أعود للمدرسة.
ثم التقيت بالشاب فراس ( 25سنة ) في كراج بغداد الجديدة قرب سينما البيضاء والتي تحولت لمخزن حاليا, فقال : هذه الدنيا لم تريني الا وجهها القبيح, فالفقر ورثته عن أبي, ونعيش حياة صعبة جدا منذ أن فتحت عيني على هذه الدنيا, لا احلم ولا أتمنى أشياء عظيمة, بل كل تفكيري في كيفية تحصيل ما اجلب به حاجات أهلي, الأيام الجميلة لا توجد في قاموس حياتي, بل هي وجدت لغيرنا, وهذه المهنة تسبب احتقاري نفسي, فحتى أني اخجل أن أبوح بسرها لأقاربي , فاعمل في مكان بعيد كي لا يعرف الأقارب طبيعة عملي, اعتقد أن العدالة لا وجوده لها في حياتنا, فقط الظلم هو الذي يسود الحياة, هذه المهنة توفر لي بعض المال الذي يمكنني من شراء حاجات عائلتي مع توفير الدواء لامي المريضة.

● أحاديث الناس عن مهنة صباغي الأحذية
حاولت أن اعرف رأي الناس بهذه المهنة, وما هي الآراء المنتشرة بين الناس عن المشتغلين بهذه المهنة, فالتقينا ببعض المواطنين لإبداء رأيهم:
يقول المواطن ضياء ( من سكنة مدينة الصدر ): الفقر والحاجة وانعدام فرص العمل للبعض, هي السبب الرئيسي لاتخاذ البعض من هذه المهنة مصدرا للرزق, فضغط الفقر هو الدافع للعمل, مع أني أراها مهنة تهدر كرامة الإنسان, لأنها تتعامل مع أقدام الناس, وحتى طريقة العمل أن تجلس تحت أقدام الناس بها نوع من الإذلال, والأغرب أننا بلد يقال عنه ذو الموازنات الانفجارية, للدلالة عن الأموال الضخمة جدا التي تصرف سنويا, من دون وجع قلب من قبل نخبة حاكمة فاسدة, لكن مع الأسف لا يحصل الفقير على دينار واحد, الفقر ينخر بفئة كبيرة ومن دون إي معالجات, الفقير ماذا يفعل فلا فرص للعمل أمامه, فيلجا لهكذا عمل والذي لا يكلفه أكثر من صندوق خشبي وعلب اللوان وفرش التلميع, لا يحتاج لخبرات آو دورات أو تراخيص عمل, لكن الأثر الأكبر الذي سيحدث لهذا الإنسان هو اثر نفسي سلبي بعد فترة من مزاولة هذا العمل, أتمنى أن هناك يكون طريقة لأداء العمل بشكل يحفظ كرامة الإنسان, مثلا يستلم الحذاء ويقوم بتلميعها هكذا يكون أفضل له نفسيا .
●هي مهنة أكثر شرفا من مهنة الرئيس
يضيف المواطن حيدر ( طالب جامعي ) : أنها مهنة توفر مصدر مالي لبعض العوائل الفقيرة, وتساعدهم في تلبيات حاجات بيوتهم, من غذاء بسيط ودواء, لكنها تهدر كرامتهم, فالمجتمع لا يرحم, والحكومة عاطلة فلا تقوم بعمل ما يساعد الفقراء, نعم المهنة شريفة فهي أفضل من التحول الى الاستجداء طلبا للرزق, وأفضل من اللجوء للسرقة, فهي رزق مقابل جهد حقيقي, بل اعتبر صباغ الأحذية أكثر شرفا من رئيس الوزراء, لأنه لا يأخذ ما لا يستحق, أتمنى أن تتغير نظرة الناس لصباغ الأحذية.
ويقول المواطن حسين (من سكنة حي أور ): عوامل الفقر والبطالة هي الدافع للبعض لمزاولة مهنة صبغ الأحذية في الشارع, والحقيقة هي طوق النجاة لهذه العوائل من الفقر والبطالة, ففي بلد فيه ندرة بالإعمال نتيجة غياب الخطط الإستراتيجية عن دولتنا, لكن الضغط يأتي اجتماعيا, فهذه الإعمال بنظر المجتمع من الإعمال المهينة, من صنف الإعمال ( الزبال, وعامل تنظيف المياه الثقيلة) , لذا حتى من يعمل بمهنة صبغ الأحذية تجده يخفي نوع عمله عن الناس والأقارب, خوفا من الفضيحة, وتأثير العمل على مزاوله سلبي نفسيا, حيث يحس المزاول للمهنة انه بدا يفقد الإحساس بالعزة والكرامة, وتؤسس أفكار عن الدونية والنقص والتماهي مع الإحساس بالعيب, اعتقد نحتاج الى تغيير لقيمنا الاجتماعية السلبية, لانتشال طبقة الفقراء والمحتاجين من الإحساس بالعيب, بل يجب تكريمهم.

● دعوة لتغيير نمط التفكير
صباغ الأحذية هي مهنة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه عند البعض, بسبب كم الضغوطات المهولة والتي حولت حياتهم الى جحيم حقيقي, وهي موجودة في أكثر بلدان العالم تطورا, لكن تأخذ هناك شكلا أخر يحمي كرامة المشتغل بها, وهي مهنة أفضل من السقوط في حضن الإرهاب أو الفساد, ففي ميزان العدل صباغ الأحذية أكثر شرفا من وزير فاسد أو مدير عام مرتشي, فصباغ الأحذية اشرف من كل مسؤول كبير يهدر المال العام, هؤلاء يحتاجون للدعم المعنوي من قبل المجتمع, وليس التسقيط والاستهجان والسخرية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اسعد عبدالله عبدعلي
كاتب وأعلامي عراقي



#اسعد_عبدالله_عبدعلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منهج صدام حسين في تدمير الجيش العراقي
- مرض السرطان, ومحنة غياب العلاج في العراق
- حوار بعثي ساخن
- البصقة البريئة
- لصوص صندوق تنمية العراق (DFI ), متى يحاكمون؟
- الباص, صراع وإزعاج وتدخين وتحرش
- المصارف الأهلية بوابة للفساد
- الدوري العراقي ومصيبة التشفير
- من علامات العشق السعودي – الإسرائيلي
- لماذا يفتتح مرتين مستشفى الأمام الصادق في الحلة؟!
- التحالف الوطني وانتظار الانطلاقة الجديدة
- مشروع مترو بغداد بين الحلم والوهم
- جمعة الصواريخ في بغداد... شكرا لكم
- أفكار امرأة أنانية
- يا وزارة التربية, نريد مدارس لصعوبات التعلم
- إياك والمرور بشارع التعذيب ( شارع نهاية الداخل)
- يوم الثلاثاء الملعون
- عوائل شهداء الحشد الشعبي تحت الضغط
- لماذا دعم صدام انتشار الفكر الوهابي؟
- تحالف القوى وأربع خطوات للعودة من الموت


المزيد.....




- التقرير السنوي للخارجية الأمريكية يسجل -انتهاكات جدية- لحقوق ...
- شاهد: لاجئون سودانيون يتدافعون للحصول على حصص غذائية في تشاد ...
- إسرائيل: -الأونروا- شجرة مسمومة وفاسدة جذورها -حماس-
- لجنة مراجعة أداء الأونروا ترصد -مشكلات-.. وإسرائيل تصدر بيان ...
- مراجعة: لا أدلة بعد على صلة موظفين في أونروا بالإرهاب
- البرلمان البريطاني يقرّ قانون ترحيل المهاجرين إلى رواندا
- ماذا نعرف عن القانون -المثير للجدل- الذي أقره برلمان بريطاني ...
- أهالي المحتجزين الإسرائيليين يتظاهرون أمام منزل نتنياهو ويلت ...
- بريطانيا: ريشي سوناك يتعهد بترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا في ...
- إخفاقات وإنجازات.. الخارجية الأميركية تصدر تقرير حقوق الإنسا ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - اسعد عبدالله عبدعلي - مهنة صباغ الأحذية والتحديات الاجتماعية