أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالجواد سيد - رحيل بابا جمال-مقتطفات من السيرة الذاتية















المزيد.....

رحيل بابا جمال-مقتطفات من السيرة الذاتية


عبدالجواد سيد
كاتب مصرى

(Abdelgawad Sayed)


الحوار المتمدن-العدد: 5298 - 2016 / 9 / 28 - 11:20
المحور: الادب والفن
    


رحيل بابا جمال - مقتطفات من السيرة الذاتية
كانت الناصرية قد إزدحمت بالطلبة ، ولذا فقد تم تقسيم الدراسة فيها إلى فترتين، صباحية ومسائية ، ولعله فى تلك السنين فقط ، قد بدأ العمل بنظام الفترتين الدراسيتين فى مصر، وأذكر إننا كنا ضمن الفترة المسائية ، ونظرا للأعداد المتزايدة من الطلبة ، فقد تم نقلنا فى العام التالى مباشرة إلى مدرسة صغيرة ، إسمها الثغر الثانوية ، كانت قد بنيت حديثا فى حى ثروت مقابل مبنى المخابرات العامة . وفى تلك المدرسة قضيت الصف الثانى الثانوى، وعشت تجارب لايمكن أن تنسى أو تمحى من ذاكرتى أبداً. ففى بداية السنة التى إنتقلنا فيها إلى تلك المدرسة ، مات فجأة رئيسنا المحبوب، ومثلنا الأعلى بابا جمال عبدالناصر، فى نهاية شهر سبتمبر 1970م. نزل خبر وفاة جمال عبدالناصركالصاعقة على رؤوس المصريين والعرب والعالم . كان جمال عبدالناصر يترأس مؤتمر القمة العربى ، الذى عُقد فى القاهرة فى أواخر شهر سبتمبر1970 ، من أجل إيقاف القتال الضارى ، الناشب بين قوات المقاومة الفلسطينية المقيمة فى الأردن ، وبين قوات الجيش الأردنى. بذل جمال عبدالناصر جهوداً كبيرة ، لإقناع الملك حسين ملك الأردن ، وياسرعرفات ، رئيس منظمة فتح أكبر الفصائل الفلسطينية بالمصالحة ، وترتيب خروج القوات الفلسطينية من الأردن إلى لبنان. كان جمال عبدالناصر قد أصبح بطل القومية العربية وراعى القضية الفلسطينية دون منازع ، ولم يكن هناك غيره يستطيع أن يلعب هذا الدور. حضر معظم الملوك والرؤساء العرب ذلك المؤتمر، ومنهم الملك فيصل ملك السعودية ، وأمير الكويت الشيخ سالم الصباح. نجح جمال عبدالناصر فى مسعاه، وغادر الرؤساء والملوك القاهرة ، مبتهجين بهذا الإنجاز العربى الكبير. كان أمير الكويت هو آخر المغادرين ، وكان جمال عبدالناصر فى وداعه حتى سلم الطائرة. كان قد أنجز واجبه حتى اللحظات الأخيرة ، لكنه كان قد كلف نفسه فوق طاقته ، وضغط أكثر على صحته ، التى كانت فى تدهور سريع منذ هزيمة 1967م. فجأة خيم سكون عميق على مصر كلها ، بعد أن أخذت جميع الإذاعات المصرية تذيع آيات القرآن بشكل مستمر. إستولى القلق على شعب كامل ، وحبس الجميع أنفاسه فى إنتظار خبرمخيف. بعد ساعات قليلة خرج علينا صوت حزين هو صوت أنور السادات ، نائب الرئيس ، ليعلن للعالم نبأ وفاة جمال عبالناصر، وفى لحظة واحدة إنفجر الصراخ والعويل من كل بيوت مصر، وإتشحت مصر كلها بالحزن والسواد.
لاأعرف كيف سافرنا إلى القاهرة أنا وصديقي رفعت رسمى وعادل عباس للمشاركة فى جنازة بابا جمال ،كنا فى حوالى السادسة عشرة من عمرنا، وكانت تلك هى المرة الأولى التى أسافر فيها إلى القاهرة. أصدرت الحكومة قراراً بأن تصبح كل القطارات المتجهة إلى القاهرة مجاناً ، لتمكين الشعب المصرى من المشاركة فى تشييع رئيسه المعبود ، وقد خفف علينا ذلك القرار مصاريف السفر، لكننا كنا مستعدين للسفر حتى مشيا على الأقدام ، كنا واقعين تحت ضغط حزن هائل ، ولم نكن نعى مانفعل ، فقط أخبرنا أهالينا باكين بأننا ذاهبون لتوديع بابا جمال ، وإستقلينا أحد القطارات من محطة سيدى جابر ، مع آلاف من مواطنى الإسكندرية الزاحفين على القاهرة ، وهناك إلتقينا مع ملايين من البشر، جاءوا من كل أنحاء مصر والعالم العربى لتوديع ذلك الرجل الذى تمكن من قلوب كل هذه الملايين . قضينا ثلاثة أيام فى القاهرة ، نزلنا فيها فى أحد البنسيونات القديمة بشارع رمسيس ، حيث كان من المفترض أن تمر الجنازة. لم يكن لدينا بطاقات شخصية بعد ، وأذكر أن صاحب البنسيون قد أشفق علينا عندما لاحظ صغر أعمارنا ، وأدرك أننا جئنا من الإسكندرية للمشاركة فى توديع بطل كل المصريين ، فقبل أن يسكننا فى أحد غرف البنسيون بدون أى إثبات شخصية. كانت الدموع فى أعيننا خير إثبات شخصية. كنا نقضى النهار نتخبط فى كل طريق، نبكى مع أى جمع باكى ، وننوح مع أى جمع نائح. كانت هناك جموع كثيرة، جاءت من كل مكان فى العالم ، وكان هناك حتى عرب خليجيون باكين فى الشوارع ، فى إنتظار مرور الجنازة. لم يكن من الممكن أن نتصور آنذاك ، أننا سنصبح يوما عمالاً فى بلاد هؤلاء الضيوف الباكين فى الشوارع ، ولاكنا نتصور أننا سنثور يوما على هذا العشق الأعمى لجمال عبدالناصرصاحب كل هذا الحزن نفسه . كان هناك جموع من المدارس الثانوية، وجموع من طلبة الجامعات ، وجموع من العمال، وجموع مختلطة من كل الفئات والطبقات . وإنتشرت بين الجماهير أغنية حزينة ، لايعرف أحد حتى اليوم من ألفها ومن لحنها تقول ( الوداع ياجمال ياحبيب الملايين ، ثورتك ثورة كفاح عشتها طول السنين). كانت كل هذه الملايين تنشدها بالآهات والدموع . لاأعرف كيف مرت تلك الأيام الثلاثة ، ولاكيف سافرنا ولا كيف عدنا، أذكر فقط أننا برغم ماعانيناه من مشقة ، لم نستطع رؤية نعش بابا جمال أثناء مروره فى شارع رمسيس ، حيث كنا نسكن وكما كنا نتوقع. أذكر أن السلطات قررت فجأة، وخوفاً من تدافع الحشود الهائلة على النعش ، نقله بشكل سريع إلى مسجده فى مصر الجديدة، حيث تم دفنه. لاأتذكر إذا كان قد تم نقل النعش بطائرة أو بسيارة ، ولكن فى لحظة خطيرة أثناء الجنازة ، تم تغييركل خطة المسيرة، وإنتزع النعش من بين الجماهيرالحزينة ، ونقل مباشرة إلى مقبرته بمصر الجديدة. وهكذا ضاعت منا تلك اللحظة العزيزة، التى تكبدنا من أجلها كل تلك المشقة، وهى أن نلمس نعش بابا جمال بإيدينا. أذكر أيضاً أنه عند عودتنا كانت نقودنا قد نفذت، ولم يبقى معنا سوى ثمن طبق كشرى واحد، تقاسمنا ثلاثتنا أكله.
لم تكن تلك هى مظاهرتى الأخيرة من أجل بابا جمال، فبعد حوالى ثلاث سنوات على رحيله، دعى العقيد القذافى زعيم الثورة الليبية إلى مسيرة شعبية كبرى، يلتقى فيها الشعبان، الليبى والمصرى، فى مدينة السلوم المصرية، للضغط على أنور السادت، خليفة بابا جمال ، للإسراع بإتمام مشروع الوحدة المصرية الليبية ، التى كان العقيد القذافى يؤمن بها إيماناً لايقل عن إيمان بابا جمال نفسه ، لكن أنور السادات رفض الدعوة وإعتبرها ضغطاً غير مقبول ، لكن العقيد لم يستسلم ، وأرسل الجماهير الليبية إلى مدينة السلوم ، ودعى الجماهير المصرية للقائها هناك، وكالعادة إستبدت بى الحماسة ، وأقنعت ضحيتيى الدائمتين، رفعت وعادل ، بالسفرمعى إلى السلوم للقاء الجماهير الليبية هناك، وإستقلينا أحد القطارات المتجهة إلى مرسى مطروح من محطة سيدى جابر، متصورين أنه سيكون معنا آلاف المصريين ، كما حدث فى جنازة بابا جمال، لكن الأمر كان مختلفاً هذه المرة، فلم يكن هناك سوانا على علم بهذه المظاهرة فى ذلك القطار المتجه إلى مدينة مرسى مطروح ، والذى تم إيقافه فى مدينة الضبعة بأمر السلطات ، وإعادته إلى الإسكندرية مع غيره من القطارات ، خوفاً من تدافع الجماهير الليبية على مدينة مرسى مطروح. وهكذا عدنا إلى الإسكندرية محبطين ، بعد أن فشلت محاولتنا فى تأييد حلم الوحدة العربية ، الذىسخرله بابا جمال عمره، وذلك قبل أن يمضى الزمن وأدرك ، أن ذلك الحلم لم يكن سوى حلم زائف، ليس سوى ذريعة من تلك الذرائع ، التى يخلقها الديكتاتور، للسيطرة على حياة الناس!!!



#عبدالجواد_سيد (هاشتاغ)       Abdelgawad_Sayed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العدوان الإيرانى الروسى ، وميراث الكراهية الأمريكى السعودى
- شعائر الحج ، وعبث التاريخ
- آسيا رمضان عنتر ، أنجلينا جولى الأكراد
- مصر الحديثة ، بين الخطر المسلم ، والخطر المسيحى
- إزدراء الأديان ، أم إزدراء الجهل والإستبداد؟
- نابوليون ، وليس محمد على
- تركيا كمان وكمان
- شواطئ الستينات-مقتطفات من السيرة الذاتية
- دفاعاً عن الجيش التركى
- الثورة الشيعية-ستانلى لين بول -ترجمة عبدالجواد سيد
- تاريخ البابوية القبطية المبكر-ستيفن ديفيز-ترجمة عبدالجواد سي ...
- تركيا وروسيا وإسرائيل ، ثورة دبلوماسية، أم مؤامرة جديدة؟
- وداعاً 30يونيو
- الإتحاد الأوربى والمشروع الإسلامى
- حضارة بابل وخرافات الخمينى
- عصر الأنوار والحروب الدينية
- مصر والبحر المتوسط
- فى ذكرى جيفارا المصرى، شهدى عطية الشافعى
- أقليات الشرق وخداع الحداثة
- الشرق الأوسط وصراع الحضارات


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالجواد سيد - رحيل بابا جمال-مقتطفات من السيرة الذاتية