أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - خاتمة بقلم المحقق: 3















المزيد.....

خاتمة بقلم المحقق: 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5297 - 2016 / 9 / 27 - 17:18
المحور: الادب والفن
    


كأحد القراء، وقبل أيّ إعتبارٍ آخر، كنتُ أنتظرُ من الأوراق الأخيرة للسيرة الروائية عودةَ كاتبتها إلى رفدنا بتفاصيل وافية تخصّ موضوع عشقها الأول؛ أي حين كانت في سنّ المراهقة، وأرتبطت بعلاقة غامضة مع ابن زوج والدتها. وكان حبيبها المراكشي، " المهدي "، على صواب لما أخبرها ذات مرة بأنّ تلك التجربة كانت أساس شعورها بالإحباط والخواء. بل إنّ كاتبتنا تجاهلت الحديث عن هذا الأخير، على الرغم من كونه الأكثر قرباً لقلبها في مراكش. هيَ المُشرفة على حياة ما بعد الموت، كان من المدهش أن تبدو شديدة الإهتمام بالخانم السورية الغنية، الغامضة بشخصيتها وسيرتها على السواء. عطفاً على ما ذكرته سلفاً، يتعيّن عليّ التأكيد بأنّ هذا الإهتمام إن هوَ إلا برهانٌ آخر على كون هذه السيرة الروائية تتسم بالموضوعية البحتة. بكلمة أخرى، إنها عمل فنيّ لم تشأ فيه مؤلفته أن تنظر إلى الأبطال والشخصيات الأخرى من خلال مرآة نفسها. كذلك لن نغض الطرف عن حقيقة، أنّ مبعث الإهتمام بالخانم السورية إنما لكونها عشيقة مفترضة لشقيق الراوية. لكأنما الكاتبة كانت تُحاول شدّ القاريء، وللمرة الأخيرة، إلى سيرة " فرهاد " بوصفه بطلاً للرواية ـ كما زعمت في بداية السرد. على أنها، برأيي دائماً، عجزت عن إجتياس دخيلة شقيقها بنفس المقدرة التي أظهرتها مع الشخصيات الأخرى. سببُ عجزها، لعله يعود إلى أنّ حيوات الآخرين كانت مادة خام لعملها الفنيّ المُتخم بعناصر خيالية وفنتازية. فيما أنّ حياة " فرهاد " مُتصلة بحياتها هيَ، ولا يمكن معالجتها ـ كمادة فنية ـ بعيداً عن الواقع بكل ما فيه من فجاجة ورثاثة وضياع. وإذاً، فلنقرأ ماذا كتبته " شيرين " عن مواطنتها السورية تلك.
" سوسن خانم، كانت جزءاً من عالم رجال الأعمال، الذي كنتُ أتخيّله فيما مضى مُبهراً وغامضاً في آن واحد. الصفتان الأخيرتان، ربما طرأتا آنذاك لفكري إعتباراً من لقائي بها لأول مرة في رواق الفنون. لاحقاً، تعيّن عليّ أيضاً التفكير بأنّ الأقدارَ وضعتني كنوعٍ من ( حائل ) بين هذه المرأة وبين أشخاص معينين. لم ألتقِ بها في الرواق مرة أخرى، إلا أنني كنتُ على علم بأنها بقيت على صلة مع المهدي عن طريق مراسلات أدبية. كأن ترسل إليه بقصائد أو خواطر، لكي يُقيّمها ويقوّم بنيانها اللغويّ. على أنها، مثلما أعترفتْ له ذات مرة، كانت تمزّق غالباً ما تكتبه. أظنُ أنها كانت تبحثُ في هذا الشاعر، اللطيف والمُرهف، عن حبّ تٌجدد من خلاله حياتها حتى ولو سلبته من امرأته. ثم برزتُ أنا في المشهد، فلم يكن منها سوى مراقبتي عن كثب بوساطة مرافقتها الأمينة؛ الشريفة. هذه المرافقة، دخلت عند ذلك على الخط، وكنا قد علمنا كيف أشتطت في مهمتها كونها تتعشّق النساء. إلا أنّ هذا، شأنٌ آخر! .. على أيّ حال، لم يكن المهدي يكنّ للخانم شعوراً آخر غير الصداقة البحتة. ولكنها لم ترعوِ، إلى وقت أن تعرّفت على فرهاد. قبل ذلك كله، كانت مواطنتنا تتقرّب من غوستاف. ولعلّ الأصح، أنه هوَ من كان يُبدي الإهتمام بها، مُنبهراً ولا شك بجمالها وذكائها وثقافتها. ولعلها من ناحيتها تجاوبت مع الرجل، بغية الإستفادة من علافاته في مجال الإستثمار. كان إتفاقاً، بكل تأكيد، أن أظهر ثانية لأكون بمثابة الحائل بينهما.
" حياة سوسن خانم، السابقة على مراكش، أحيطت بنوعٍ من السرية المتعمّدة. الأشخاص القلائل، الذين ربما أمتلكوا أسرارها ( كمرافقتها وسكرتيرها )، كانوا من ذوي الطبع الكتوم مثلها سواءً بسواء. ولكن كون غوستاف فضولياً، فضلاً عن إهتمامه الشديد بها قبل تعارفنا، جعله آنذاك يُنذر وقتَ أعوانه لتسقّط أخبارها. هؤلاء، وبالرغم من إمكانياتهم الكبيرة، عادوا بنزر يسير من المعلومات. هذه المرأة، المولودة على الشاطيء السوريّ قبل أكثر من ربع قرن، وجدت نفسها في مراكش مقطوعة من روابط حياتها الأولى. كانت من عائلة أعيان عريقة، ما عتمَ أفرادها أن تشتتوا في العالم على أثر إستيلاء " مرابعيهم " على السلطة. بدَورها، تنقلت سوسن من بلد لآخر. يبدو أنها كانت مراهقة بعدُ، حينَ واجهت زيجة متعثرة. لقد أقترنت برجلٍ خليجيّ، وما لبثت أن قدمت معه إلى المغرب. المعلومة الأخيرة، كنتُ قد نقلتها ذات مرة لسيمو. وإذا به يرتبكُ، ويتلجلج بعبارته؛ هوَ من سبقَ وتبجّحَ أمامي، بكونه من ساعدَ مواطنتي على نيل الإقامة المؤقتة!.. كذلك، يُمكن أن يُنظر بشكّ فيما يتعلق بمزاعم ميل سوسن خانم، المثليّ. كان غوستاف مصدرَ هذه المعلومة، الوحيد. وربما ألّفها بنفسه، بناءً على خدمة الشريفة عند الخانم بصفة مرافقة. موضوع إختفاء الشريفة، يطرحُ إشكالاً آخر فيما يخصّ علاقة الخانم مع شقيقي، الذي عيّنته سكرتيراً في مكتبها. ولكن أنّى لي إمكانية تحرّي الموضوع، طالما أنه اتفقَ مع استعدادي لرحلة أغادير، المشؤومة ".

***
كأنما الكاتبة نُزِعَتْ من السرد بنفس الطريقة، التي انتزَعَت هيَ فيها حياتَها. تُظهر أسفاً لعجزها عن معرفة مصير الشريفة، ولكن على خلفية واقعية لا خيالية. بمعنى أنّ إهتمام " شيرين " كان منصبّاً على استقصاء علاقة تلك المرأة بشقيقها وليسَ على إحدى شخصيات روايتها. أو أن الأمر أكثر بساطة؛ بحيث أنّ كلا الجانبين، الفني والحقيقي، قد تماهى في ذهن الكاتبة وبخاصّة لأنه يتعلق بسيرة روائية. ثمة عبارة جليّة تمام الجلاء في سياق السرد، تفترض فيها الكاتبة أنّ الشريفة كانت بالنسبة إليها نوعاً من ( قرين ). عليّ كان، كقاريء، أن أنتظر وقائعَ تجعل ذلك الإفتراض على محملٍ من الجدية. إذ تم تقديم الشريفة كإمرأة ساقطة، سهلة المنال، تتقلّب بين أحضان الرجال والنساء على نفس السوية من الرغبة الجامحة. كانت تفعل ذلك بحساسية قليلة، كمن لم يُعانِ في الطفولة والمراهقة من إغتصابٍ تلوَ الآخر بوصفها " ابنة حرام ". تشديدي على التعبير الأخير، مردّه إلى أنّ السرد لم يقطع حبل الشكّ في هذه المسألة. ولو أنني بصدد دراسة نقدية، لاستنتجتُ فوراً مغزى ثيمة ( القرين ): إنه مجرد ذريعة للقول بشكل موارب، بأنّ " شيرين " كان ينتابها بين حين وآخر إحساسُ الريبة ببنوّتها لأب مجهول. هذا الإحساس، كانت تطويه بشكلٍ مُحكم بانتسابها لأسرة نبيلة من الأمراء الكرد. على أنها، هيَ المتماهية بالسرد مثلما ألمعنا باستمرار، ما كانت لتمنع نفسها عن بث ابتسامة سخرية بين السطور تشي بعدم إقتناعها بذلك النسب.
وهيَ ذي في أيامها الأخيرة، لا تُقدم على خطوة بسيطة لمحاولة تبرئة نفسها؛ معنوياً، على الأقل. قد يكون إعترافها بالجريمة مُبكراً، أراحها نفسياً. مما حرمنا، في المقابل، من إمكانية تسجيلها لأدق التفاصيل الخاصّة بمشاعرها ـ كقاتلة عن سبق إصرار. على المنقلب الآخر، قد تكونُ " شيرين " أمِلَت في إحتمال عثورنا بطريقة ما على يومياتها، وأننا سنقرأ فيها ما يتعلق بأفكارها وتهويماتها وأحلامها. المحامي، أشارَ إلى ذلك بذكاء في رسالته إلى شقيقها: " ويخيّل إليّ، أنّ ما كتَبَته لم يكن وليد لحظات الحبس الإحتياطيّ. إنما هوَ سكبٌ لأفكار راودتها منذ زمن بعيد، أقدمَ حتى من زمن غربتها ". في صفحة أخرى أبعد، كنا قد قرأنا كلمات إحتفاء بصداقة " خدّوج " على الرغم من الجفاء لاحقاً بينها وبين الراوية بسبب شقيق هذه الأخيرة: " صداقتنا، قُدّرَ لها خلال أسبوع واحد أن تتقدّم إلى أمام ـ كخطواتنا المُثابرة يومئذٍ على أرضيّة رصيف الشارع ذي الاسم الملكيّ، المُتصل مع المدينة القديمة: أعتقدُ أنني من واجبي الآنَ تسجيلَ مشاعري، علّها تُنقل يوماً إلى من أضحَت غريمة لي؛ تُنقل شفاهاً، بطبيعة الحال، بما انّ المَعنيّة كانت لا تقرأ شيئاً تقريباً غيرَ مجلاتٍ فرنسية متخصصة بأخبار الموضة والمجتمع ".
كقاريء دائماً، كنتُ أعتقد خلال تتبعي لبداية تعارف " خدّوج " مع شقيق الراوية، أنّ ذلك هوَ بؤرة السرد؛ بالنظر خصوصاً لوجود الخطيب العراقيّ كمحفّز للحبكة. إلا أنّ " فرهاد " لا يلبث أن يحلّق بعيداً خارجَ السّرب، ولن تستطيع الراوية جذبه مجدداً سوى في الفصل الأخير. وإذا بنا نفاجأ عندئذٍ بكونه قد أعاد علاقته مع " خدّوج "، وأنه كان في سبيل الإقتران بها. هذا الحدث، ترافق مع خبرٍ غامض عن حَبَل " الشريفة " وإمكانية أن يكون " فرهاد " متورّطاً بفضيحة. ولكن، كان من المحال الإعتماد على الأوراق الأخيرة للنص، لفصل تلك الخيوط المتشابكة. فالمؤلّفة أخبرتنا في مكان آخر، بأنّ ما أسمتها " رحلة أغادير المشؤومة " جعلتها عاجزة عن متابعة الوقائع. بطبيعة الحال، كانت " شيرين " تقصدُ ذيول الرحلة، المنتهية بها إلى الجريمة ثمّ السجن. وإذاً، عليّ كان أن أعود إلى صفة محقق الكتاب، لكي أحاول ربط الأمور بعضها ببعض. كان عليّ، والحالة تلك، الحصول على المعلومات اللازمة بوساطة تحريّات شخصيّة سواءً بالإعتماد على شهود الأحداث أو أرشيف الصحافة والشرطة. ما لم يكن ليخطر لي ببال، أنني سألمّ في الأثناء بخبر وجود مذكرات أخرى مكتوبة من لَدُن شخص معروف لنا جميعاً. من نافِلة القول، أنّ ذاكَ الخبر لا شأن له بمذكرات المغدور " غوستاف ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خاتمة بقلم المحقق: 2
- خاتمة بقلم المحقق: 1
- سيرَة أُخرى 41
- الفصل السادس من الرواية: 7
- الفصل السادس من الرواية: 6
- الفصل السادس من الرواية: 5
- الفصل السادس من الرواية: 4
- الفصل السادس من الرواية: 3
- سبتة
- الفصل السادس من الرواية: 2
- تخلَّ عن الأمل: الفصل السادس
- سيرَة أُخرى 40
- الفصل الخامس من الرواية: 7
- الفصل الخامس من الرواية: 6
- الفصل الخامس من الرواية: 5
- الفصل الخامس من الرواية: 4
- الفصل الخامس من الرواية: 3
- الفصل الخامس من الرواية: 2
- تخلَّ عن الأمل: الفصل الخامس
- سيرَة أُخرى 39


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - خاتمة بقلم المحقق: 3