أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - خاتمة بقلم المحقق: 2















المزيد.....

خاتمة بقلم المحقق: 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5296 - 2016 / 9 / 26 - 02:56
المحور: الادب والفن
    


ها هيَ " شيرين " تتحدث عن الحبّ، بالإحالة إلى علاقتها مع الرجل الأول: " ما الذي أوقعَ ديدمونة في عشق عطيل، سوى شهوة اللحم الأبيض لنار الجمرة السوداء. شكسبير، بعبقريته الفذة، أظهر هذه الحقيقة بشكلٍ ملتوٍ حينَ جعلَ مشاعر بطله هشّة للغاية حدّ أن يخترقها شخصٌ حسود بكذبة خرقاء. بيْدَ أن الغيرة القاتلة، ما كان يُمكن أن تتأجج في داخل عطيل لولا أنّ الأمرَ متواشجٌ مع عقدة اللون. سبقَ لي في مبتدأ السيرة هذه، أن شبهتُ سيمو بمواطنه؛ بطل مسرحية شكسبير. على أنّ هذا العشيق الأول، الذي سلبَ بكارتي، كان قد أمتلك الصفات الخارجية، دونَ الجوهرية، لمواطنه ذاك. كيفما كان الأمرُ، فإنّ عظمة عطيل لم تُفده شيئاً عندما أجازَ القدَرُ لخادمٍ تافه أن يلعبَ لعبته الخبيثة والقاتلة. المفارقة، في هذه المقاربة، أنّ سيمو هوَ من مثّل دورَ الخادم على مسرح الحياة الواقعية الأشبه بمثيله الخياليّ. ولا أعني وظيفته فقط، بل وأيضاً كلّ ما خطط له منذ البداية كي تصل الثمرة الناضجة إلى فمه. ولكنها كانت مسمومة، تلك الثمرة.
" حسناً، لقد كنتُ قد رسمتُ بالكلمات صورة كاريكاتورية مماثلة لشخصية غوستاف بناءً على الصورة الأصل لمعبوده؛ أرثور رامبو. وأعترفُ، بأنّ مذكرات الرجل شكّلت خلفية بشكلٍ أو بآخر لرسمي ذاك، المَوْصوف. بصرف النظر عن فارق العٌمر بينهما، فإن كلاهما كان يحفرُ قبرَهُ بيده متوهّماً أنه سيجدُ كنزاً في الحفرة. على أنّ المعلّم سيبقى مخلّداً رغماً عنه، ما اِنفكّت أشعاره ( وحتى رسائله العادية لأمه وشقيقته ) تلهم الأجيال المتتالية. أما التلميذ، فلن يبقى منه سوى خبر مقتضب في جريدة محلية يذكرُ واقعة مقتله. ولعلّ غوستاف كان زاهداً أيضاً في الخلود، حينَ أختار الإبتعاد عن الأدب والتفرغ للتجارة. وكمعلّمه سواءً بسواء، شاءَ فيما بعد أن يعود للكتابة من باب التسلية. ولكن المذكرات، مثلها في ذلك مثل الرسائل، أفصحت عن مَلَكَة صاحبها الأدبية وكما لو أنها كانت تمهّد لعودته إلى الكتابة. الموتُ المبكر، منعَ رامبو من إستدلال طريقه. فيما أنّ غوستاف أفاق من الوهم قبيل موته، فقرر إهمال شأن مذكراته وكأنها لم تكن موجودة قط ".

***
المفارقة، أنّ " شيرين " بنفسها تجاهلت حقيقة كونها كاتبة؛ أنها أودعت مذكراتها الأولى في مكان ما ( أعلمُ يقيناً أنها لم تتلفها! ). فلم تُشر بكلمة لتلك المذكرات، أو ربما أكتفت بما أوردته عنها في أوراق السجن المُشكّلة رواية حياتها. على أنّ حرصها على إيصال الأوراق لشقيقها عبْرَ المحامي، لهوَ دليلُ كونها مهتمّة بترك أثرٍ في هذا العالم. وإلا، فكيفَ من الممكن تفسير عنايتها بعقد مقارنات أدبية في الوقت المُبتسر، المتبقي لها في الحياة؛ هيَ من كانت قد حزمت أمرها على الإنتحار، مثلما أوضحته جلياً منذ الأسطر الأولى لكرّاستها: " هذه الأوراق، كم تشبه مصيرَ صاحبتها، المحكوم عليها بالموت: الصفحاتُ البيضُ، كفنٌ.. والمِدادُ الأسوَد، حِدادٌ. كان ينقصُ الأحمر؛ لون دم صاحبة الأوراق، المسفوح على أرضية الباحة الداخلية لمبنى الحجز الإحتياطيّ، أين استقرّ الجسدُ ". ومن الفصل الأول نفسه، نستلّ إشارة أخرى عن خطتها المبيّتة للإنتحار: " كم بتّ أكرَهُ ساعةَ الضُحى، هذه؛ أنا من يجلس الآنَ خلف نافذة غرفة الحبس الاحتياطي، الشبيهة بفجوة قبرٍ أحدثتها الجرذانُ التائقة إلى لحم الموتى؛ أنا الضجرة منذ حين، حتى أنني كففتُ عن التسلي بهرش جسدي؛ جسدي الوسخ، الذي سيعجز غداً عن غسل أشلائه مستخدماتُ المشفى الحكوميّ، الأكثر وساخة ".
أضف إلى ذلك، عدم إيراد الراوية تفاصيل واقعة مقتل " غوستاف "، المُدبّر، وكأنما هيَ أمرٌ ثانويّ وليسَ الحدث الأهم المفضي أيضاً لإنهاء حياتها بطريقة لا تقلّ مأساوية. ولو عدنا إلى الشأن الأدبيّ، فإنّ تلك الواقعة من المفترض أنها مصبّ السرد في الرواية؛ أو حلّ عقدتها ( حبكتها )، إذا شئنا استخدام لغة النقد الكلاسيكي. الإشارة الوحيدة لذلك الحدث، وردت في إحدى الأوراق الأخيرة للمخطوطة بصورة تهويمات فيها ما فيها من تعبيرٍ متهكّم ولاذع: " كاتيا، تتهيأ لمرافقتنا إلى أغادير مع رجلها. خبرٌ مزعج لسيمو، قد يقوّض خطته. هوَ يريدُ شاهدَيْن على الجريمة لا أربعة. هذا ما يحتاجه التحقيقُ، على أيّ حال. ولو كان الرجلُ قرأ روايات أجاثا كريستي، أو بالقليل شاهد الأفلام المأخوذة عنها، لكان فهمَ معنى ( الجريمة غير الكاملة ). أشردُ بعيداً بفكري، إلى مدينتي الأولى؛ أين المكتبات الأثيرة وصالات السينما الحميمة.. أشردُ، فيما كاتيا ما تفتئ تبكي زغب عانتها، المُجبرة على حلقه بحَسَب رغبة غوستاف. وتعقّب الحمقاءُ، بأنها لا تريد أن تصبح جارية مسلمة. ربما إنها لا تبغي أيضاً أن تكون زانية، حبيسة منزل بعلها العاجز عن تدبير شهود أربعة. قبيل سفرنا، عادَ إلى تعذيبها بسياط الجماع الجماعيّ. حين وصَفَتهم مرة أخرى بالساديين، فإنني فكّرتُ على الأثر بالمركيز دو ساد؛ أحد إيقونات الأدب الإباحي. أعتقدُ أنني قرأتُ مذكراته باللغة الفرنسية.. أو لا، لا.. تلك كانت مذكرات كازانوفا، وكنتُ قد استعرتها من مكتبة المركز الثقافي الفرنسي بدمشق. أما هنا، في مراكش، فإنني لم أسأل عن مكتبات أو معاهد أو حتى صالات سينما. كان يكفي لإرضاء غرور إمرأة رجل أعمال ـ كذا ـ أن تُدعى رسمياً لحفل كوكتيل في القنصلية الفرنسية. هه! ".

***
إنها مصرّة إلى النهاية على أن تعطي إنطباعاً، بكونها إمرأة ضالة. وكأنما أقدارُها قد منحتها أكثرَ من هذا العُمر القصير، المُراوح على عتبة العشرين. في مقابل ذلك، نرى أنها كانت موضوعية عندما عمدت إلى وضع حيوات الآخرين تحت مجهرها. لئن لم تكن منصفة مع نفسها، فإنّ الحقيقة لن تدينها بل ستكون مُدينة لكلماتها في سبر أغوار شخصياتٍ كانت تتحرك على مسرح الحياة في تلك الحقبة، الحافلة بالأحداث. على أنّ ثمة سؤالاً مفصلياً، إنّ صحّ التعبيرُ، كان يؤرقني منذ إنتهائي لأول مرة من قراءة المذكرات: أمن الممكن أن يُنتجَ المرءُ، مهما يكن موهوباً، عملاً أدبياً وهوَ مقيّد الحرية وفوق ذلك مسكونٌ بهاجس الإنتحار؟
وعلى ما يبدو، أنّ سؤالاً مماثلاً تقريباً كان قد راودَ المؤلّفة؛ مثلما نتبيّنه من قراءة هذه الشذرات: " أدركُ بأنّ ما فعلته هنا، شبيهٌ بمن يزرع الألغام خلفه ثم يمضي خطوات إلى الوراء كي يتمزق بفعل الإنفجار. إلا أنّ الألغام، في أيّ حال من الأحوال، ما تني في مكانها! حين كنتُ أخلد للفراش، على أثر يومٍ مضنٍ من الكتابة، كنتُ أحياناً أفكّر بأولئك الأشخاص، الذين أضحوا أبطال روايتي. وكنت أفكّر عندئذٍ، ما إذا كنتُ محقة بإقتحام حياة كل منهم الأكثر خصوصية، مُحتجّة بأنها مادة لعمل فني. علاوة على سؤال آخر، يُداور قي ذات المنحى؛ عن مدى قدرة عمل فني واحد على إستيعاب هذا العدد من الشخصيات ( والحُكم عليها فضلاً عن ذلك )، بكل ما فيها من أفكار وأهواء وميول؟ إنه ولا شك، سؤالٌ معضلةٌ. غير أنّ ما يُطمئن ضميري، أولاً، هوَ أنني لم أقم بتسيير الحقيقة على رجلين اصطناعيتين. مثلما أنني لم أعمد إلى إدانة أحد من منطلقٍ ذاتيّ؛ كأن يتوافق مع رغبة شخصية في الإنتقام. إلى ذلك، فهذا العمل الأدبي من المحال تقريباً أن يُطبع عند ناشر في بلدٍ من بلدان عالم الضاد. ولن يُحزنني قط، وأنا في عتمة الأرض الرطبة، أن يُلعن هذا العمل من لَدُن من يقرأه بوصفه أراجيف سجينة حق عام كانت تنتظر حكماً مشدداً عن جريمة جنائية ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خاتمة بقلم المحقق: 1
- سيرَة أُخرى 41
- الفصل السادس من الرواية: 7
- الفصل السادس من الرواية: 6
- الفصل السادس من الرواية: 5
- الفصل السادس من الرواية: 4
- الفصل السادس من الرواية: 3
- سبتة
- الفصل السادس من الرواية: 2
- تخلَّ عن الأمل: الفصل السادس
- سيرَة أُخرى 40
- الفصل الخامس من الرواية: 7
- الفصل الخامس من الرواية: 6
- الفصل الخامس من الرواية: 5
- الفصل الخامس من الرواية: 4
- الفصل الخامس من الرواية: 3
- الفصل الخامس من الرواية: 2
- تخلَّ عن الأمل: الفصل الخامس
- سيرَة أُخرى 39
- الفصل الرابع من الرواية: 7


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - خاتمة بقلم المحقق: 2