أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - محمد الحمّار - مخالفة القانون: أين الداء وما الدواء؟














المزيد.....

مخالفة القانون: أين الداء وما الدواء؟


محمد الحمّار

الحوار المتمدن-العدد: 5296 - 2016 / 9 / 26 - 02:48
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


عدم احترام الطوابير في الإدارات العمومية وفي المحلات التجارية، رمي الفضلات المنزلية في الأودية والخنادق والشوارع والأزقة والبالوعات، "تربية" الكلاب فوق سطوح المنازل وعلى شرفاتها ؛ سياقة متهورة للسيارات والحافلات و الدراجات النارية وحتى المتروات: استعمال سائقي المترو الفرامل وكأنهم يقودون سيارات "الطمبوناج" التي نجدها في مدينة الملاهي، تحول المسلك اليميني للطرقات السيارة إلى المسلك الأسرع عوضا عن المسلك الشمالي، مجاوزة الدراجات النارية للسيارات على يمين هذه الأخيرة، سير العربات على سكة المترو، عدم تعليق علامة حمراء من في مؤخرة العربات الناقلة لأعمدة تتجاوز طول العربة بمتر واحد، قفز العربات على الرصيف في بعض المناطق بدعوى تفادي الاكتظاظ، مخالفة كل قوانين المرور من طرف عربات التاكسي الجماعي، عفوا عربات الموت الجماعي، رفض سيارات الأجرة العادية الوقوف عند إشارة الزبون واشتراط معرفة وجهة طالب الخدمة مسبقا، خرق علامة "قف" وحتى اقتلاع العلامة من مكانها، حرق الضوء الأحمر، المرور في الدوار في الاتجاه المعاكس، ربوض العربات في مستوى الدوار من جهة الأولية وحجبها الرؤية أمام الداخلين للدوار، إنهاء العمل بقانون الأولوية على اليمين، السير في الاتجاه المعاكس في طريق ذات اتجاه واحد…
هكذا فإن المواطن التونسي لا يطبق القانون. وهو لا يطبقه لا لانه يجهله أو لأنه لا يريد الامتثال له أو لأن القانون صعب التطبيق. أما الدليل فهي الابتسامة (وهي لا تخلو من السخرية) التي يخزك المخالف بها وخزا إذا أنت عاتبته على صنيعه. أعتقد أن السبب الرئيسي للتطاول على علامات رسمية ضبطت لتيسير العيش الجماعي إنما هو غياب الرقيب.
لكنني لن أتحدث عن الرقيب المادي مثل عون الأمن أو العون البلدي أو عون المالية. لا لشيء سوى لأن العون المادي إنما هو أداة تكميلية، ضرورية للردع لكنها ليست نافعة للتعليم والتربية والتدريب والتطبيق. أما الرقيب الأصلي فهو الرقيب الذاتي. هو الضمير؛ هو الوعي.
بكلام آخر ينبغي أن يكون المواطن رقيب نفسه. بل ينبغي أن تصبح غالبية المواطنين ممن يراقبون أنفسهم وإلا فإن المسألة ستبقى في عداد الاستثناء. والاستثناء لا يؤسس القاعدة.
إلا أننا نصطدم بحاجز مهم هنا: كيف تصير غالبية المواطنين رقباء أنفسهم والحال أنهم لم يكونوا كذلك أبدا، والحال أن المجتمع ليست له تقاليد بهذا الخصوص؟ فلو كانت له تقاليد لكانت هي الغالبة اليوم على السلوك الجماعي، ولكان هذا الأخير محل إجماع.
إن الرقابة الذاتية التي تنبثق عن الوعي وعن الضمير لا تتوفر إلا بفضل تلبية شرط أساسي، ألا وهو إرضاء الثقافة الوطنية والهوية الثقافية العامة للمواطن. و للتونسيين ثقافة كبيرة ومعروفة لكنها ليست في طور إرضاء من طرف المجموعة. إنها في وضع فوضوي، ما يجعل المنتمين إليها مرتابين بشأنها أو ممتعضين منها إن لم نقل مستنفرين منها، وبالتالي فسيكون لهذا الإخلال تأثير معاكس على سلوك المواطنين، معاكس لتطلعاتهم ولآمالهم . ولكي تلعب الثقافة دورها الإيجابي، بما في ذلك ترويض المواطنين وإعادة توجيههم صوب السلوك الجماعي المرضي، وذلك عبر توفر آليات الرقابة الذاتية، لا بد من إعادة تنشيط الثقافة الوطنية بصفتها حلبة لصقل الهوية الثقافية وبناء على أن هذه الأخيرة ضمانة لقوة الردع الذاتي.
وتنشيط الثقافة الوطنية يتطلب لا شيء سوى وسيلة العقل لممارسته. لكن ليس أي عقل. فعلى الرغم من وحدة العقل بين البشر إلا أن طريقة اشتغال العقل عند التونسي والكوري مثلا ليست هي نفسها. والتونسي والألماني مثلا لا يفكران بنفس الطريقة. كلاهما يعرف الخطأ والصواب، لكن لكل واحد منهما المسلك الخاص به، حسب ثقافته وطبيعة العلاقات بين مكونات هذه الأخيرة، مسلك التمييز بين الخطأ والصواب، و بالتالي المسلك الخاص به و المفضي إلى تشكل قرار الاضطلاع بالخطأ وبالصواب.
ما العقل عند التونسي مقارنة بالعقل عند غير التونسي؟ في هذا الصدد، يمكن القول إن الأوروبي عموما دينه في عقلة أما التونسي، والعربي المسلم عموما، فعقله في دينه. واذا كان عقل الأوروبي سليما الآن (على الأقل بمقاييسه هو) فذلك لأن الأوروبي بصدد إرضاء ثقافته تلبية لشروطها وعلى الأخص شرط التدين بالعقل. اما التونسي، فإذا أسلمنا بأن عقله غير سليم، نظرا لغياب الرقابة الذاتية لديه وتمظهرات ذلك الغياب عبر سلوكه اليومي فذلك لأنه ليس بصدد إرضاء ثقافته و تلبية شروطها وعلى الأخص شرط العقلانية الدينية. وحين نعلم أن الثقافة التي ينتمي إلها التونسي والتي يعوزها الإرضاء هي ثقافة الاسلام، نستنتج أن التونسي، سواء أكان مؤمنا أو ملحدا، سواء أكان ممارسا للشعائر أم لا، فإنه يشترك مع كافة التونسيين في مسؤولية إرضاء هذه الثقافة.
ولكن ثقافة الإسلام تعاني في الظرف الراهن ومنذ عقود من خلط خطير بين الدين والثقافة، بين العقيدة الدينية والعقيدة التجريبية، الانثروبولوجية. وهذا مما أدى الى انخرام النظام العقلاني العام، ومنه إلى عدم تشكل نظام للرقابة الذاتية، وبالتالي إلى بروز مواقف يغلب عليها التباين و التناقض والتنافر والعدوانية والعنف.
في ضوء ما سبق نخلص إلى أن إحياء الثقافة الوطنية لا يتطلب استيراد النموذج تلو الآخر من النظريات الدينية، ولا أسلمة الأفراد والمجتمع. بل يتطلب إحياؤها: أولا، الكف عن البحث عن التعقلن والعقلانية في كل شي عدا في الدين؛ ثانيا، اجتهادا من طرف المنظرين لتبيين الفرق الشاسع بين الدين والتجربة الحياتية في ظل ثقافة الإسلام؛ ثالثا، فهما وتفهما من طرف الجمهور العريض ومن طرف الإعلام؛ رابعا، أدوات عمل تتمثل بالخصوص في برامج ومناهج تربوية وتعليمية في مستوى التحدي المطروح.
في كلمة، لكي يكون المواطن رقيب نفسه، يتوجب بذل جهود تاويلية للواقع و للدين معا حتى يتوصل التونسيون إلى بلوغ نقطة الالتقاء مع سائر البشر في القدرة على فرز الصواب من الخطأ مع الحفاظ على حق الاختلاف في السبل المؤدية إلى بناء تلك القدرة المشتركة.



#محمد_الحمّار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حتى تنهانا الصلاة عن الفحشاء والمنكر...
- الضحكة التي تكاد تهزم التونسيين
- تونس: خسرنا الدنيا فهل ربحنا الدين؟
- كيف أكون عربيا إسلاميا مستقبلا؟
- لا نداءَ ولا نهضةَ بلا اجتهاد، لكن أيّ اجتهاد؟
- الكدح إلى الله والكدح التاريخي
- اللهجة العامية عربيةٌ فما الذي يزعج دعاة التعريب؟
- هل فهِمنا الإسلام وطوَّرنا اللغة العربية؟
- تونس، بلد عربي؟
- كفى استخفافا بالتونسيين
- لو أصبحت تونس بلدا ديمقراطيا، لَما انتحر أرسطو وقدم ساركوزي
- هل الإسلاميون وحدهم يلعبون لعبة الغرب؟
- جريمة سوسة: لماذا بريطانيا؟
- المسلمون والفهم الضبابي للواقع، داعش نموذجا
- تونس: كفانا مغالطة لأنفسنا !
- الشباب التونسي بين إخلالات الحاضر ورهانات المستقبل
- وكأنّ التوانسة سيموتون غدا...
- تونس: الإصلاح اللغوي والتربوي من أضغاث الأحلام إلى الحلم
- تونس: وهل سيُنجز الإصلاح التربوي بعقل غير صالح؟
- تونس: التجديد الديني بين تطاول المفكرين وتبرير المشايخ


المزيد.....




- طهران تدين الفيتو الأمريکي ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- عشية اتفاق جديد مع إيطاليا.. السلطات التونسية تفكك مخيما للم ...
- الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس في الشرق الأوسط
- سويسرا تمتنع في تصويت لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم ا ...
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر مؤيد للفلسطينيين من حرم جامعة كولو ...
- بمنتهى الوحشية.. فيديو يوثق استخدام كلب بوليسي لاعتقال شاب ب ...
- البرلمان العربي يستنكر عجز مجلس الأمن عن تمكين فلسطين من الح ...
- الكويت: موقف مجلس الأمن بشأن عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ي ...
- قائمة الدول التي صوتت مع أو ضد قبول الطلب الفلسطيني كدولة كا ...
- لافروف يعلق على اعتقال شخصين في ألمانيا بشبهة -التجسس- لصالح ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - محمد الحمّار - مخالفة القانون: أين الداء وما الدواء؟