أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - خاتمة بقلم المحقق: 1















المزيد.....

خاتمة بقلم المحقق: 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5294 - 2016 / 9 / 24 - 18:05
المحور: الادب والفن
    


هأنذا أعود مرة أخرى في هذا المُختتم، مثلما سبقَ وفعلتْ كلماتي عندَ استهلال الرواية. أُدركُ، ولا شك، شعوركم بالخيبة نوعاً. وهوَ في واقع الحال نفس شعوري، لما أنهيتُ لأول مرة قراءة أوراق مخطوطة الرواية. ولكنها سيرة حياة، قبل كلّ شيء. وخاتمة حياة أيّ كائن حيّ مطابقة لبدايتها، ولو بشكلٍ مجازيّ. لعل البعض يعتقد، بأنني عدتُ إلى أسلوب المراوغة. على أنه لا بدّ عاذري، عندما سأضعُ أمامه مبررات إنتحال إسمي لآخر عناوين الرواية. وزيادة في طمأنة القاريء، عليّ التنويه منذ البدء بأن النصّ الأصل للخاتمة، المُرقّش بخط الراوية، قد أودعتُهُ هنا بكامله. إلا أنني أعطيتُ لنفسي الحقّ في التصرّف بترتيب النصّ، طالما أنه كان شبيهاً بعقدٍ منفرط ويحتاج لمن يلمّ شذراته. ومن يملك مثل هذا الحق، غير مُحقق الكتاب؟
أما بشأن ظروف إنهاء الرواية، فلعل النص ليسَ فيه ما قد يفيدنا سوى قول مؤلفته، أنها في السجن لا تفعل شيئاً: " إلا عادة الكتابة بمثابرةٍ وهوَس يُقاربان حدّ الجنون ". فكان من الضروريّ الرجوعُ إلى مبتدأ القول، حين ذكر المحامي شيئاً من هذا القبيل في رسالته لشقيق موكلته: " كانت تستعجلُ إنهاءَ كتابة اعترافاتها، وذلك قبل بدء مناقشة القضية من لَدُن محكمة استئناف مراكش ". بناءً على تلك الحقائق، يجوز الإستناج بأنّ " شيرين " كانت من شدّة الحماسة للسرد أنها لم تعُد ( أو لم تستطع بسبب ضيق الوقت؟ ) بقادرة عن الخروج من السياق كي تنبئنا بظروف إنهائها له. ولو أنّ ثمة ناقداً من الإتجاه الشكلانيّ قد قرأ فاتحتي هذه، فلربما رسمَ ابتسامة ساخرة على فمه قبل أن يحرك لسانه بالقول: لعُمري، فإنك أسهبتَ فيما لا علاقة للرواية به؛ كون النصّ رهينَ اللغة والأسلوب لا حياة صاحبه وظروفها!

***
عَلِمنا، أنّ الرواية موزعة على ستة فصول. لكأنما مؤلفتها، المراوحة خطوها آنئذٍ بين العالم والقيامة، ترمزُ إلى عدد أيام الخَلق؛ هيَ المولودة عند سفح الجودي ( جبل نوح )، والمُجاورة مذ سني عُمرها الغضّة في سفح قاسيون ( جبل آدم ).. أو أنها تعدّ روايتها خلقاً لعالمٍ لا يقلّ خيالية عن عالم مراكش، الواقعيّ. الورقة الأولى من مخطوطة الرواية، الخارجة من سياق تلك الفصول الستة، تُستهلّ بما يُشبه التهويمات عن مناخ مراكش صيفاً وكيفَ يؤثّر على مزاج المقيمين فيها: " سماءٌ منصهرة كنحاسٍ أحمر، ملائمة لنعت هذه المدينة، المرابطة على طرف الصحراء والمحدق بها الأطلس الحالق.. المدينة، المختصَرة فصولها بخريفٍ وصيف. عامٌ واحدٌ حَسْب، تكفّل بي في مراكش؛ من الخريف إلى الخريف. بينهما صيفٌ فائق الحرارة، لدرجة أنكَ ترى عصافيرَ تحلّق في السماء وهيَ تهذي كالمخمورة ثم لا تلبث أن تسقط إلى الأرض ميتة.. صيفٌ فاحش الأنفاس، مثل ليالي العشيق في قلعته المنيعة، المحروسة بجيش من الجواري والغلمان والكلاب.
وإنه صيفُ صيد الأجساد، في أكثر حالاتها عُرياً وغلمة وعرامة. تتساقط الأرواح بدَورها، ينهشها الشعور بالخطيئة مثل نار تأكل نفسها. الأجواء مكتومة، والأجساد مكبوتة. لا نفَس، لا نَسيم، لا نأمة. سيلٌ من العرَق، ينهمرُ من الأحياء المخنوقة ليصبّ في وادي ساحة الفناء والنجيع. زحفٌ من الأخيلة، متدفّق من كلّ جهات المدينة الخيالية، لا يلبث أن يطوّف حول منارة العماء. قرعُ الطبول يشتدّ، مُعيداً للساحة ذكريات رؤوس مقطوعة. يَضيع عندئذٍ صوتُ الحلايقيّ، المفعم ببحّة الشبق.. تعود الأفاعي إلى صناديقها الخشبية.. تُحبس القردة في أقفاصها؛ يُجللهم جميعاً عارُ العرض النهاريّ. أما نقّاشة الحناء، الغارقة في عتمة حلم اليقظة، فلا تأمل إلا بزبون يكفِها عناء وقرف مضاجعة غيره تحت سقفٍ كئيب وكامد ـ كما كان أملي بضربة حظّ تعيدُ حباً مستحيلاً لعُمرٍ أفتقدَ الربيعَ ".

***
كون أوراق المخطوطة غير مرقّمة ( مثلما نوهتُ في مكانٍ ما من مقدمتي )، جعلَ ترتيب السياق يعتمدُ على الحدس أكثر منه على المنطق. وهيَ ذي ورقة، تُحيلنا كلماتها أيضاً لمبتدأ الفصل الأول، حينَ أكّدت المؤلفة أنها ليست بطلة الرواية: " فرهاد، شقيقي الأبهى من تمثال إلهٍ إغريقيّ، هوَ من تحتّمَ عليه أن يكون بطلها. أما أنا، كاتبة هذه التذكرة اللعينة، فلم أكن أكثر من ظلٍّ لتمثال. ولكن شجرة مراكش الجميلة، الكريمة، كانت وارفة الأفياء بحيث استظلّ في كنفها كلانا مع حيوات أخرى: خَدّوج، سَوْسن، غُزْلان، الشريفة، الأميرة.. وغيرهن من نساء سترد أسماؤهن في تذكرتي؛ أسماء لنساء، ما زالَ الحنينُ لقضيب التمثال يَضربُ أجسادهن بسياط الشبق والشهوة والغُلمة! ". في تلك الورقة، تقدّم المؤلفة لقارئها " المفترض " ما يُشبه الإعتذار لأنها هيمنت على السرد، بحيث بقيَ شقيقها في مؤخرة المشهد. ولم يكن بلا مغزى، إيرادها مجدداً لأسماء نساء روايتها مع أشخاص آخرين أحتل كلّ منهم مساحة معينة في السرد.
" إننا نعيش حياتنا حَسْب، لا حياة غيرنا. فمهما كان هؤلاء قريبين لنا حدّ التوأمة، فإننا نبقى أسرى التعبير على الورق عن ذواتنا. ولا يتعلق الأمرُ بالأنانية والنرجسية، بقدَر ما هوَ حقيقة موضوعية مرتبطة بنا كبشر موهوبين للوحدة والعزلة ـ كما ميت في قبر. ولكن، هل كنتُ منصفة مع الأسماء الأخرى، وبالأخص الأنثوية؛ كخدّوج والشريفة وغزلان وسوسن والأميرة؟ قد لا أكون أعطيتُ لكل من تلك الأسماء ما يستحقه من مكان في الذاكرة، إلا أنني حاولت أن أحيي شخصه كتجسيدٍ فنيّ لا كصورة في ألبوم. ربما أسقطتُ مشاعري، وأهوائي أيضاً، على البعض ممن أحببتُ بعثهم مجدداً على الورق. فلو استقرأ ذلك، القاريءُ المفترض، فإنني أؤكّد بكونه على غير محمل تصفية الحساب. يُضافر ذلك حقيقة، أنّ حياتي المراكشية تحركت غالباً ضمن حلقة نسائية. على أن الأمر يتعلق بنساء شرقيات، مُشبعن بثقافة إسلامية وفي مجتمع ما يفتأ شبه بدائيّ. بطبيعة الحال، لم أكن أفضلهن أو أسوأهن، سوى أنني بقيتُ مصرّة على التمايز عنهن والإنفراد بشخصيتي الأكثر خصوصية. ولكن ماذا بشأن الأبطال الآخرين، من الرجال؛ ماذا عن سيمو وغوستاف؟.. ألا تبّاً لكل شيء! ".
لا تجيبُ فوراً عن سؤالها، وكأنما ذكرُ ذينك الإسمين قد جعلها ترتجف، يَدُها الممسكة بالقلم الناشف، الأسود اللون. على أنني سأعثر على عبارة مُسهبة في ورقة أخرى، تعود فيها " شيرين " إلى النقطة تلك: " كوني أجنبية، وأجيد اللغة الفرنسية، جعل إقترابي من دائرة المقيمين الأوروبيين أمراً لا مناص منه. سيمو، هوَ من جذبني إلى ذلك المستنقع، وما عتمَ أن غرقَ معي. لئن كان غريباً، أن يتمكن هكذا رجل من إغراء فتاة على درجة جيدة من الوعي والثقافة، فإن ذلك عائدٌ أساساً إلى عجز الشخصية المدينية قدّام المكر القرويّ. إلا أنها كانت كأيّ شخصية انسانية، فيها ما فيها من نقاط ضعف ". ثم تدعم رأيها بقول لعشيقها " غوستاف "، يبدو أنه رسخَ في ذاكرتها مما قرأته في مخطوطة مذكراته: " هؤلاء البرابرة ( مؤكد أنه كان يقصد المواطنين ككل لا البربر تحديداً! )، يتميزون بغلبة المسلك الريفيّ على شخصيتهم، المُتسمة بالتقلّب والمزاجية والجشع والدهاء. فعلى الرغم مما يُظهرونه لكَ من لطف أقرب إلى الإستجداء، إلا أنك لن تعرف أبداً متى وكيفَ ستوجّه إليك ضربةُ الغدر ".
تتابعُ عبارتَها، وإذا بها تؤكد أنها لم تعوّل على تلك المذكرات في فهم الشخصية المغربية: " لا يمكن إعطاء إنطباع عام عن عقلية شعب من الشعوب، سواء أكان الإنطباعُ متعاطفاً أو عدائياً. الأديان،من حقها وحدها أن تفعل ذلك؛ كونها متغرّبة عن العلم ومستندة على الغيب. كلّ النظريات البشرية، بما فيها الليبرالية، شاءت في هذا المجال أن تنحو منحى الأديان. نزعة التملّك، على رأيي، هيَ وراء هكذا نظريات شمولية تبغي تجريد الإنسان من وحدته ومسخه إلى مجرد آله خالية من الروح. الإيديولوجيا الرأسمالية الليبرالية، تتوّجت مؤخراً بالنصر الكاسح، سياسياً على الأقل. وإنه لعصرٌ سعيد، سيحتفل فيه الإنسان منذئذٍ بأن يكون عبداً بملء حريته ودونما ضغط أو إكراه من جانب مؤسسة حزبية أو عسكرية أو دينية: إعمل وإكدح، أيها الآلة، لمدة ثماني ساعات، مع ساعات إضافية لو شئتَ لكي تزيد راتبك الشهريّ.. ثمّ سدد نصف هذا الراتب كإيجار لمنزلك، أو قسط لثمن شرائه، مع المصاريف الأخرى من طعام وملبس وسكائر وخدمات.. ثم خطط في الأثناء لإجازتك، المكونة من ثلاثة إلى خمسة أسابيع، فيما إذا كنتَ ستقضيها في سياحة خارجية أو استجمام داخلي أو سجن منزلي! ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة أُخرى 41
- الفصل السادس من الرواية: 7
- الفصل السادس من الرواية: 6
- الفصل السادس من الرواية: 5
- الفصل السادس من الرواية: 4
- الفصل السادس من الرواية: 3
- سبتة
- الفصل السادس من الرواية: 2
- تخلَّ عن الأمل: الفصل السادس
- سيرَة أُخرى 40
- الفصل الخامس من الرواية: 7
- الفصل الخامس من الرواية: 6
- الفصل الخامس من الرواية: 5
- الفصل الخامس من الرواية: 4
- الفصل الخامس من الرواية: 3
- الفصل الخامس من الرواية: 2
- تخلَّ عن الأمل: الفصل الخامس
- سيرَة أُخرى 39
- الفصل الرابع من الرواية: 7
- الفصل الرابع من الرواية: 6


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - خاتمة بقلم المحقق: 1