أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد هيهات - وضع الكحل في عيني الأسد














المزيد.....

وضع الكحل في عيني الأسد


أحمد هيهات

الحوار المتمدن-العدد: 5292 - 2016 / 9 / 22 - 15:46
المحور: الادب والفن
    


وضع الكحل في عيني الأسد
عاد صابر إلى حجرته الضيقة التي يتقاسم فضاءها المحدود مع ذلك الأثاث التقليدي القليل والمتاع القديم والملابس التي زحف عليها البلى، عاد منهك القوى فاقد الأمل بعد رحلة بحث شاقة وفاشلة من أجل الحصول على عمل جديد بعد أن طرد من عمله السابق والذي كان مهينا إلى حد إهدار الكرامة الآدمية، ولكن واجباته والتزاماته الأسرية الضرورية تفرض عليه الصبر والجلد والتحمل من أجل الحفاظ على الحد الأدنى من العفاف والكفاف إلى أن جاء الفرج الشديد الذي أخرجه من ضيق خانق إلى ضيق فسيح بعد أن استغنى عنه صاحب المزرعة التي كان يعمل بها بسبب توالي سنوات الجفاف واضطرار مالكها إلى بيع ما تبقى من البقر والأغنام.
وقبل أن يسترجع صابر أنفاسه المتسارعة بسبب المسافة الطويلة التي قطعها على قدميه عاجلته زوجته التي لم تكمل بعد عامها الأول بخبر لم يكن في الحسبان، رغم أنه خبر يسعد به الأزواج عادة ويطيرون من الفرح ويهلُّلون ويكبّرون ويدلّلون ويغنّجون بفضله زوجاتهم رضى بهذا الصنيع، أما صابر فقد نزل عليه الخبر كالماء البارد بل كالصاعقة التي قصمت ظهره وهشمت بوصلة حياته وهوت به في مجاهل التفكير والخوف من الحاضر والمستقبل بسبب يقينه البالغ من استحالة قدرته على تحمل مصاريف فرد إضافي إلى الأعباء التي ينوء بها كاهله ولا يقوى على حملها، كان وقع الصدمة شديدا على صابر إلى درجة أنه لم ينبس ببنت شفة رغم الأفكار المضطربة والخواطر الهائجة والمتلاطمة في رأسه، ولا أقدم على حركة واحدة فقد تجمَّد الدم في عروقه، واكتفى بوضع يديه المتصلّبتين على جانبي رأسه التي أدخلها بين ركبتيه وبقي على هاته الحال مدة غير يسيرة ليستدرك بعد ذلك بعبارة موجزة :
- مبارك علينا، لعله يكون قدم سعد وفاتحة خير
اطمأنت الزوجة الحائرة قليلا وشرعت ترتب المائدة البلاستيكية الصغيرة التي يوجد عليها إبريق الشاي ذي اللون الفضي المشوب باللون الأسود المترتب عن الاحتراق غير الكامل لوقود أسطوانة الغاز الصغيرة، والقليل من زيت الزيتون والخبز شبه اليابس، والابتسامة المسروقة تعلو محياها الشاحب رغم السواد الحالك الذي يلف حياتهما واليأس المطبق الذي يغلف مستقبلهما.
قبل أن يستسلم صابر للنوم الذي يتربص به منذ دخوله إلى غرفته الصغيرة أدار بحركة متثاقلة مفتاح المذياع الأسود الذي فقد واجهته الأمامية تحت تأثير عوادي الزمن، كما فقد بعض أزراره حتى أصبح صابر ينتقل بين القنوات الإذاعية بواسطة مفك البراغي يدير به بعضها ليحصل على التردد المطلوب، ضبط الموجة على الإذاعة الوطنية الرسمية وصادف ملخص أخبار العالم : الكونغرس الأمريكي يصوت بالإجماع على الرفع من قيمة المساعدات المالية لإسرائيل، ويصوت بالأغلبية على تمويل جيل جديد من الصواريخ النووية، وعلى عدم التدخل العسكري في النزاعات المسلحة، الحكومة السعودية تقترح على باريس بضعة ملايير من الدولارات لإنقاذ الاقتصاد الفرنسي من تراجع قيمية اليورو في مقابل الدولار الأمريكي، وذلك نظرا لتطابق وجهات نظر البلدين حول قضية السلام في الشرق الأوسط .
بعد انتهاء موجز الأخبار تساءل صابر بينه وبين نفسه: لماذا لا يتم نقل الحقائق المؤلمة من قبيل إنفاق مئات الملايير سنويا لإنتاج الأسلحة لقتل الأبرياء خصوصا، فيما أكثر من خمس مائة مليون نسمة في العالم تتضور وتموت جوعا، وأكثر من خمسين مليون طفل في العالم يموتون كل سنة بسبب الأمراض والفاقة...لم تستطع هذه الخواطر الوقوف في وجه النوم الغاشم الذي استبد بصابر فلم يفق إلا على صوت زوجته وهي تتوجع وتتقيأ بعد أن حاولت طويلا كتم وجعها وآلامها عن زوجها الذي عرض عليها التوجه إلى المستشفى، فرفضت وبررت ذلك بأنها مجرد آلام مألوفة عند النساء لأنها علامات الحمل ولا داعي لرؤية الطبيب، فاستسلم وتظاهر بالاقتناع تحت ضغط قلة ذات اليد واكتفى بأن طلب منها أخذ قسط من الراحة.
أفاق صابر في اليوم الموالي قبل موعده المعتاد وخفَّ بفرح ونشاط لا يعرف له مصدرا، غير قادر على ربط الصلة بين حالته النفسية المنتعشة والحلم الذي عاشه ليلة البارحة والذي رأى فيه شعاعا قويا تخبو معه كل النجوم والأجرام يخرج من غرفته ليملأ الدنيا نورا وضياء، وفي الوقت ذاته وجد نفسه موزعا بين قوتين إحداهما تحاول السناء به إلى مركز هذا الشعاع، منبعها روحه الشفّافة التي تتطلع إلى السماء والعلياء، وأخراهما تجذبه إلى الأرض تنبعث من جسده المنهك وشهواته ورغباته المتوثبة، وقد تخلص من قوة الجذب التي يمارسها الجسد بترديد عبارة : طالب الدنيا كشارب ماء البحر كلما ازداد شربا ازداد عطشا فلا يزال يشرب رغبة في الارتواء حتى يهلك ولا يرتوي.
غادر صابر غرفته دون أن يوقظ زوجته المتعبة وقلبه مطمئن بالتوفيق، ونفسه تملأها القناعة واليقين في الفرج القريب، وأن الجناح عما قريب سيرتاش وأن العضد سيشتد لأنه قد سلّم أمره إلى خالقه الكريم وآوى إلى ركن شديد، طاردا كل هواجس الخوف والشك والارتياب التي تثبط همته وعزيمته، متخلصا من سائر ما يعتلج في نفسه من خواطر انسداد الأفق واشتداد الفاقة التي لطالما طوحت به في غيابات المجهول، فخرج ذلك الصباح الباكر وأذنه تلتقط على غير العادة حنين ربابة وأنين ناي وتتحسس همس سحابة وألحان أغصان الشجر، وعينه تلحظ الأمل ينبعث من شقائق النعمان وتغريد العصافير.
قضى يوما طويلا في البحث عن عمل ومع مرور الساعات الكسيحة وتثاقل خطوات ظلال الشمس الربيعية المؤذية بدأ يفقد مسلماته الصباحية ويراجع بدهياته الغضة الطرية، وشرع يتساءل عن إمكانية خروجه حقا من الضنك والعوز والمسغبة إلى الاكتفاء والاغتناء، ثم عادت إليه هواجس المقارنة بين ركام الثروات والملذات عند البعض إلى حد التخمة والملل، وركام البؤس والجوع والجهل حتى الموت عند الآخرين، وعاتب نفسه التي طمعت في ما لا مطمع فيه، وأمسى يرى الحصول على عمل أصعب من وضع الكحل في عيني الأسد.
قصة قصيرة 22-09-2016
أحمد هيهات



#أحمد_هيهات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخوف الذي يأبى الموت
- الخبز الاسفنجي المُحَلَّى
- الانتخابات المغربية والطريق الضائعة إلى الديمقراطية
- الموقعة الخاسرة
- في معايير اختيار المؤلفات في التعليم الثانوي
- الشمس تستسلم مرة أخرى
- المسيد أو العصا بدون جزرة
- أقساط غير مريحة
- الطائرة الحقيقية
- من البيت الأحمر إلى البيت الابيض - البوصلة التائهة -
- القلوب الباردة (قصة قصيرة)
- مثلث البيتزا
- كواليس الذاكرة
- النساء أجمل وأكرم وأقوى
- الشذوذ في الشعر العربي : انحراف أم ثورة ؟
- إكسير السعادة
- مكر النهايات
- القطعة
- الإبداع الفني بين الآلهة والشياطين
- فائدة الإبداع بين أفلاطون وأرسطو


المزيد.....




- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد هيهات - وضع الكحل في عيني الأسد