أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيثم بن محمد شطورو - الكاتب و الزبالة















المزيد.....

الكاتب و الزبالة


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 5292 - 2016 / 9 / 22 - 04:38
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كيف للكتابة أن تـنطلق من الزبالة؟.. المدينة تختـنـق بالروائح الكريهة.. إنها الهمجية. إنها البربرية. إنها التوحش.إنها التـفكك الاجتماعي. إنها الأنانية الضيقة و البوتـقة الضيقة للفردية المنحـطة..
الشارع موضع رمي النـفايات التي هي نـشر انحطاطه و دناءته. هذه تـقـذف في الشارع من سيارتها ورقة تـنـظيف تحمل مخاطها القـذر إلى الفضاء العام. حيوان في سيارته يقـذف بعلبة بيرة أو عصير في الشارع. كائن دنيء يرمي بفضلات ورشته على جانب طريق. أخرى من بلكونة شقـتها تمارس هواية رمي كيس الزبالة من فوق. شاحنة أو جرار حمل النفايات المنزلية يشق الطرقات بدون غـطاء يغـطيها فـتـتـناثر بعض قاذوراته و قاذورات البلدية التي لا تحرص على وضع الغطاء أثناء سيرها في الشارع..
الشارع. الفضاء العام. الملكية المشتركة للجميع هي عند جزء هام من المجتمع موضع تـشفي و انـتـقام و تخلص من نفاياته بما هي زبالة، و بما هي كذلك أنانية ضيقة و افـتـقار للمعنى و عدم إحساس بالوطنية و الروح الكلية الجامعة. كأنها جرذان تعيـش لوحدها بين الحفر. كأنها خفافيش لا تستأنس إلا بليلها الداخلي أما النهار بما هو المجتمع فمكروه لديها.. مجتمع مفكك بعضه لا يحترم بعضه و بالتالي لا يحترم نفـسه.. انانوية ضيقة تحتـقـر نفسها فتحتـقر الآخر..
واقع الزبالة هذا بالنسبة للكاتب هو واقع الجهل و انعدام الرابطة العقلية بين الأفراد و انحطاط إلى التوحش و الهمجية و البربرية..ذاك الحيوان البشري البليد ضعيف الحس الجماعي، تغيب عنه المصداقية مع الذات و الآخر، و المصداقية بين القول و العمل، و ما هو في النهاية إلا نتاج لسياسة التجهيل التي دأبت على انتهاجها الدكتاتورية النوفمبرية التي أجرمت في اغتيال العقل التونسي تعليميا و ثـقافيا..
الحيوان البشري الذي مارس درجة من التمدن زمن الدكتاتورية و لكن كان ذلك نتاج الخوف. ما أن أزيحـت الدكتاتورية حتى أفصح عن بربريته و حيوانيته و توحشه و نـتانـته الوجودية التي تلمسها في نـتانة المدينة المكتـظة بالزبالة...
بالنسبة للكاتب، الفكر الحر هو مفتاح ارتـقاء الأعمال و الإنتاج و النظرة الجمالية إلى المدينة.. لذلك فالحل الجوهري بالنسبة له، هو فعل الارتـقاء الحضاري بواسطة الثـقافة و الفكر. و عليه فالدولة بما هي سلطة سياسية و مجتمع مدني و أحزاب و هيئات إدارية مختلفة و رجال أعمال، مطالبة بالارتـقاء بواقع الكتاب الحر و الكتابة الحرة و الكاتب الحر..
***
لكن الكاتب في تونس بقـدر ما يؤلمه واقع التـشضي و فقر المعنى، بقدر ما ينخر وجدانه أجواء جوانية من إحساس الإحباط من قيمة الكلمة التي يكتبها و الفكر الذي يحمله و المعنى الذي يؤمله في إنسان جديد.. هذا الإحباط ناتج عن تهميش دوره في الدولة و المجتمع.. عن قـتله بالصمت و عدم الالتـفات إليه إلا فيما ندر..
في واقع الكتاب المرير سواء في تكاليف نشره التي يضطلع بها و لو كان الطبع عن طريق دار نشر، و عن شبه انعدام لقنوات توزيع الكتاب سواء في الداخل أو الخارج، و انعدام وجود نقد أدبي و حركة فكرية صاخبة في الجرائد و المجلات تعرف بالكتاب و أفكارهم و تحثهم من باب النقد على الرد و التطور، و كذلك لعدم تمكن الكاتب من التـفرغ للكتابة إن لم يكن بورجوازيا، فهو لا يتمتع بمنحة تـفرغ للكتابة أصلا و لذلك لن نتحدث عن قيمتها بما أنها منعـدمة.. أي أن هذه الدولة تعيش بلا كتاب و خاصة كتاب الأدب من رواية و شعر و قصة قصيرة.. إنها بلاد الأمية الثـقافية.
الكاتب موجود و الكتابات تصدر و لكن ذلك لا يعني احتـفاء به و قراءة له و تـشجيع له و للكاتب و إحاطته المادية نتاج عمله و تعبه. وطن أخرق مازال يعتـقد أن الكتابة لا تستحق مقابلا ماديا، و لا تستحق اهتماما و لا جعل الكتابة بوصلة للدولة و المجتمع.. لذلك يعاني الكاتب من الإحباط و عادة ما لا يكرر حماقة إصدار كتاب لمرة ثانية أو ثالثة..
***
أتـذكر مقالا قرأته في جريدة القدس سنة 2009، يتحدث عن الولايات المتحدة الأمريكية التي ظهرت فيها إحصائية توقـف عندها الكونجرس الأمريكي مذعورا. تـفيد هذه الإحصائية بانخفاض نسبة المطالعة للكتاب الحر أي الأدب و الفكر ب2 في المائة.. اعتبر الساسة الأمريكان المسألة خطيرة و اجتمع الكونغرس بعدما بحث نوابه في الأسباب و قاموا بإقـرار عدة إجراءات لتغـطية هذا النـقص في المطالعة. و كانت من أهم تلك الإجراءات هي بناء مكتبات عمومية جديدة و اتباع سياسة اشهارية أكثر فاعلية للكتاب و غيرها من الإجراءات..
حين تـفكر في المسالة فانك تلاحظ وعيا واضحا بالمسالة الثـقافية و دورها. لكن و الأهم أن القوة الحقيقية مصدرها قوة الفكر و الثـقافة و رواجها. أي أن القوة الإنسانية هي قوة حضارة و ليست قوة همجية. و برغم اندهاشي الشخصي من الخبر و ذلك لما أعرفه من ثـقافـة عنف عامة في أمريكا إلا أني حرصت على متابعة الأفلام الأمريكية و قراءة بعض الأعمال الأدبية الأمريكية، فوجدت أن رجل الأعمال مثـقـف و القاتـل مثـقـف و قيادات العصابات مثـقـفين و صائدي السمك مثـقـفين بل إن "همنغواي" الكاتب الأمريكي المعروف هو صائد حيوانات في إفريقيا و صائد سمك و محارب مع الجمهوريـين الشيوعيـين في الحرب الأهلية الاسبانية.. أمريكا العجيبة هذه في عنفها الحضاري.. فتاجر المخدرات هناك هو شخص وسيم و مثـقـف و قارئ يحترم القوانين و يحترم المجتمع و هو في نفس الوقت قاتل...
***
يحدد دور الثـقافة الفيلسوف الألماني "هيغل" في كونها تحقـق ترقي الذات الفردية لتـتـسامى إلى مستوى الأنا الكلي إنسانيا. هذا الترقي الذاتي بواسطة الفكر بحيث يكون إنسانا هو في نفس الوقت خلق رابطة فكرية و شعورية مع الآخر. هنا تـرتـقي الرابطة بين الأنا و الآخر من مجرد تجاور أو تساكن في نفس المكان إلى رابطة روحية فيها من الحب و الاحترام المتبادل كما فيها من التـنافس في الفعل و العمل و الانجاز على قاعدة ارفع هي قاعدة الإبداع و ليس الحسد و التباغض..
و انه برغم التـقدم الإنساني عبر القرون، و إلى غاية اليوم، و في المستـقبل، يـبقى اكتـشاف السومريـين للكتابة هو الاكتـشاف الأعـظم المعبر عن اللحظة الجوهرية الخالدة لانـتـقال البشرية الفعلي من الهمجية إلى الحضارة...
الكتابة، التدوين، الكتاب.. عنوان الإنسان المتحضر أبديا. فالجماعة الأمية هي المفتـقدة للكتاب و إنتاجه و قراءته.
تلك اللحظة الجوهرية الخالدة نجد صداها واضحا في القرآن من حيث تسميته كقرآن، كلمات لكي يتم قراءتها و عملية القراءة هي عملية تـفكير و ليست بعملية حفظ و ترتيل و تغني أو إنشاد.. و من حيث أن كلمة "اقرأ" هي كلمته الأولى الافـتـتاحية لرسالته إلى الإنسانية جمعاء تجدها مبثوثة في جميع متـنه من حيث وجوب قراءته أي التـفكير فيه و ليس اخذ كلماته مثلما وردت حفظا و دليل ذلك هو تسمية الكتاب مجمله بـ"القرآن".
"اقرأ باسم ربك الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم". علم بالقلم منـفـتحة متجهة للكل. القلم على الورق يكتب في النهاية بفعل الله. الكتابة فعل إلاهي بما أن منبعها هو الروحي العميق أو الذاتي في ذاته و لذاته بما هي عـقل و قلب و عالم جواني يسيل على الورق.. لنا أن نخصص أنها الكتابة الصادقة أو النابعة من الأعماق و من الذات..
لا غرابة هنا في أن يكون حتى القلم المنـتـقد للأديان أو الذاهب إلى إنكار وجود الله صادر في عمقه من الروحي الإنساني بما هو إلاهي.. الله ينفي نفسه في الطبيعة مثلما قال "هيغل".
التـفكير في ذاته و لذاته حرية. هذه الحرية مثلما تكـشف الله أو تخترعه ( الاختراع يكون من الإمكان الموجود بالقوة سلفا) فهي تـنـفيه و تـنكره كذلك. و بما انه من ضرورات الإثبات هو النفي مثلما انه لا وجود لنهار إلا بواسطة الليل، فان ربك هو منبع ما يسنه القلم إنسانيا في ديالكتيكه مع الطبيعة و المجتمع أدبيا و فكريا و فلسفيا و قرآنيا..
فمجتمع كتابه المقدس قرآن يأمر بالقراءة و هو لا يقرأ. كتابه المقدس يقول أن الله منبع كل قلم يكتب.. مجتمع يتـفاخر بالتـزامه بقرآنه و هو أبعد ما يكون عن القراءة و القرآن و أصحاب القلم السائلة عبر أسنتها روح الله قرآنيا.. لذلك فقط و أساسا هي مجتمعات متوحشة و بربرية و مفككة و تكره بعضها نتاجا لكره كل فرد لنفـسه كما هي بعيدة عن جوهر الإسلام.. مجتمع يكره نـفـسه لأنه لا يتواصل معها فكريا و شعوريا. لا يتواصل لأنه لا يقرأ.. إنها مجتمعات فـقـدت بوصلة الحضارة الكامنة في تاريخها و الواضحة في متن قرآنها..
مأزق الكتابة و الكتاب تراه في الزبالة كما تراه بوضوح في عدم القراءة. نـتانة المدينة تعبر عن نـتانة العالم الجواني المختـنـق نتاج موروث سلطوي فقهوي منحط أزاحه عن القراءة لصالح الحفظ.. أبعده عن القراءة ليبعده عن التيار الرباني العذب في القلب الذي يتصاعد بالبشر إلى مرتبة الإنسان و يوحده مع جوهره الرباني.. الم يقل ربك في قرآنه أن الله اقرب إليك من حبل الوريد؟
معرفة الله بالقراءة. هذه هي رسالة القرآن الجوهرية. الارتـقاء الروحي الإنساني الحضاري.. هذا هو مكمن كل قوة و حضور حر سيادي في العالم. هذا ما قامت عليه أوربا. أوربا الحضارة بعد الهمجية. أوربا هي الإنسانية اليوم كحضارة. أوربا قامت بالقـفزة عبر القراءة و الكتابة الفكر. أوربا التي حاورت الرب و فكرت فيه و هذا ما يتم حجبه في الثـقافة العامة عند العرب.. من بين ما قالت أوربا هذه الفقرة للمفكر الانكليزي "توماس براون" القائـل :
"إن الله يفضل أن يقوم الإعجاب بخليقـته على العلم، من أن يقوم على البداوة المشدوهة التي تحملق في بلاهة إلى الطبيعة و ترتعد فرائصها أمام نذر شؤم وهمية لا وجود لها."



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمريكا الداعشية
- -بورقيبة- و الثورة
- -يلزمنا ناقفو لتونس- رئيس الحكومة الجديد يستحضر شعار -شكري ب ...
- في الالحاد الاسلامي
- الفردوس المفقود المأمول
- رئيس الجمهورية التونسية يسحب البساط من الجميع
- الصادقون و الكاذبون
- هل تتجه تونس نحو سلطة الشعب؟
- تركيا نحو الانهيار
- سؤال بسيط: هل انت مؤمن فعلا؟
- -أردوغان- يفلت من العقاب
- أبي الغائب الحاضر و الإمام الغائب
- فتاة -هرقل-
- تقدمية المثقف الستيني
- الرئيس يلعب بالنار
- -العصفورية-. ملحمة العرب المعاصرة
- أقانيم الجهالة بين القديم و الجديد
- الإحتفال المأتم لحركة النهضة التونسية
- أشبال العراق ينتفضون
- هل بالامكان ايجاد اسلام جديد؟


المزيد.....




- كاميرا مراقبة ترصد لحظة اختناق طفل.. شاهد رد فعل موظفة مطعم ...
- أردوغان وهنية يلتقيان في تركيا السبت.. والأول يُعلق: ما سنتح ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي
- الدفاع الروسية تكشف خسائر أوكرانيا خلال آخر أسبوع للعملية ال ...
- بعد أن قالت إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.. أستاذة جا ...
- واشنطن تؤكد: لا دولة فلسطينية إلا بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل ...
- بينس: لن أؤيد ترامب وبالتأكيد لن أصوت لبايدن (فيديو)
- أهالي رفح والنازحون إليها: نناشد العالم حماية المدنيين في أك ...
- جامعة كولومبيا تفصل ابنة النائبة الأمريكية إلهان عمر
- مجموعة السبع تستنكر -العدد غير المقبول من المدنيين- الذين قت ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيثم بن محمد شطورو - الكاتب و الزبالة