أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - العراقي في رواية -الحفيدة الأمريكية- أنعام كجه جي















المزيد.....

العراقي في رواية -الحفيدة الأمريكية- أنعام كجه جي


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 5291 - 2016 / 9 / 21 - 02:45
المحور: الادب والفن
    


العراقي في رواية
"الحفيدة الأمريكية"
أنعام كجه جي
الأعمال الأدبية المهمة والمؤثرة تتركنا في حالة من التفكير وهيجان العاطفة، فهي تثير مشاعرنا وفي ذات والوقت تجعلنا نفكر بما حصل، بما فعلنا، بما اتخذناه من مواقف، فهي توقد فينا ضميرنا الوطني والقومي والإنساني، وتجعلنا نحاسب الذات، ونخضعها لقانون الأخلاق والمبدئية دون سواه، هل كنا صادقين فيما نفعل ونقول أم غير ذلك؟، هل الدوافع المنفعية/المادية هي التي تدفعنا لنقوم بهذا العمل أم هناك الدوافع الاخلاقية والإنسانية؟، هل الإنسان العراقي يقدر على التخلي عن عراقيته ـ رغم كل المبررات والمحفزات التي سيحصل عليها مقابل هذا الأمر؟ وهل تبيح له عراقيته أن يقدم على هذا فعل؟.
كل هذا الأسئلة وأكثر تجيبنا عليها "زينة" التي تفجر فينا مفهوم الوطنية، مفهوم الإنسانية، مفهوم الانتماء للعراق، فالعراق في لرواية ليس جغرافيا أو مدينة، وليس تاريخ، أو علاقة اجتماعية أو عائلية، العراق في الراوية يصل إلى مرتبة الإله، مرتبة المقدس، الذي يجعل ضميرا حيا متقدا يحرقنا في أي هفة أو زلة أو خطأ نقدم عليه، فالعراق ههنا هو الرب الذي يحاسبنا على ما نفعل، ما نقول، وهو أيضا ضميرنا الإنساني الذي يحافظ على كينونتنا من التماهي مع الماديات والرغبات والحاجات، فهو
(المرسخ) للروحانيات/للحب/للصدق/للإخلاص وكل الصفات الإنسانية النبيلة، ويبعد عنا كل افعال/اعمال/أفكار التي تدعونا للتخلي/لترك هذا الإله/العراق وعبادة إله/وطن آخر.
تصوير حالة الكافر تجعلنا نبتعد عن القيام بما قام به، فهي حالة مزرية وبائسة، هذا ما بدأت به "زينة" حديثها فقالت: "لكن الغزل ما عاد، اليوم، يناسبني، من يغازل امرأة تحمل مقبرة بين الضلوع؟
بائسة أنا، طاولة زينة مقلوبة، مشروخة المرآة" ص9، عندما تتخلى امرأة عن علاقة الحب مع الرجل فهذا يعني بأنها وصل إلى القنوط من الحياة، فالمحفز لوجدوها/فرحها يكون بوجود هذا الحب ومن يقوم به، لكنها تركت هذا الحب والحبيب وانغمست في يأسها.
من خلال هذا الجحيم تحذرنا "زينة" من أن نكون مثلها، بما هي عليه وفيه، تبدأ حديثها عن المبررات والدوافع التي جعلتها تقدم على فعل الكفر/الخيانة والعمل مع الجيش الأمريكي كمترجمة في العراق، فالمادة والعوز هما دائما كنا المبرر لفعل الكفر/الخيانة "ـالوالدان؟ لم يغمض لهما جفن طوال الليل من الفرحة، وبقيا إلى جانبي يتوسلان أن أسرع بتسجيل أسمي قبل أن تطير الفرصة إلى غيرنا.
.. النساء لا يبكين من الهجران فسحب بل من شحة ما في اليد، النقود سعادة أخرى، وأنا سأجلب السعادة لوالدتي ... لن أدع الفرصة تفوت" ص16و17، دخول الجحيم يبدأ بهذا التفكير، بهذه الحسبة المادية، يعتقد الإنسان أنه بها سيترك بؤسه وينتقل إلى الرفاهية والسعادة، لكن هل الأمر كذلك، أم أنه يغوص في جحيم آخر، اشد ألما ووجعا؟
"زينة" تقدم لنا تفاصيل رحلتها إلى العراق بتفاصيلها الدقيقة، وكأنها تريدنا أن نعرف كل خطوة تخطوها وما يصاحبها من مشاعر واحساس، فتقول عند بداية رحلتها: "عندما وضعت قدمي على درج الباص، في تلك اللحظة، فقط، أدركت أنني قد طويت عمري الماضي كله، أمام عيني، صفحة جديدة وحياتي لن تكون بعد الآن مثلما كانت عليه" ص31، أفكار متفائلة تحملها "زينة" مع بداية رحلتها إلى لوطن، إلى البلد الذي ستسهم في تسليمه للاحتلال الأمريكي، لكن هل ستتخلص من عقدة العراق وتنجح في أن تكون أمريكية خالصة؟
الجيش الأمريكي
الجيش الذي جاء ليحتل العراق لم يكن صافي العرق أو موحد العقيدة، فكل جندي جاء مع هذا الجيش له حساباته الخاصة ومصلحة شخصية، فهو جيش مصالح وليس جيش وطني أو قومي، لكن أفراده مجتمعين كانوا يقوموا بعمل واحد، احتلال العراق، فأحد عناصر هذا الجيش كان عراقي صافي العرق والانتماء للعراق لكنه جاء الآن ليساهم في احتلال الوطن الذي دافع عنه في السابق، "كان قد خدم في الجيش العراقي، قبل هجرته واستقراره في فيلادلفيا، وخاض حربي إيران والكويت، ومات الخوف في قلبه بعد أن رأى من الجثث ما لم تراه أعيننا" ص58، كأن "زينة" بهذا المشهد تريدنا أن نعرف طبيعة الجيش العظيم الذي يحتل الدول والذي يرهبه كل الدول، فهو جيش مرتزقة أكثر منه جيش وطني أو قومي، "نحن النساء الخمس في المجموعة، أن نتظاهر بالصبر والتحمل أكثر من الرجال؟ كانت بيننا واحدة تجاوزت السبعين من العمر، لم تضع الشركة أي شروط أمام المتقدمين، مهما كان عمرك أو دينك أو أصلك أو جنسيتك أو مستواك الدراسي فأنت صالح ما دمت تتحدث بالعربية والانجليزية، حتى لو لم تكن تفك حروفها" ص58، هذا المشهد يؤكد طبيعة الجنود الذين يخدمون في هذا الجيش، فهم مجموعة من الأشخاص جاءوا ليتقاضوا رواتب علية تخلصهم من الديون والقروض البنكية التي تثقل كاهلهم، فليس لهم أن هدف سوى هذا، الهدف المادي، حتى لو كان على حساب تدمير بلد وتشريد شعب، فهذا (الجندي) هو كحال صائد الجوائز الذي يتعرض للقتل والاصابة ويقوم بالقتل الآخرين ليحصل على جائزة مالية.
لكن هل كان عناصر هذه الجيش مكونة من الأفراد العامة فقط، أم أن هناك من هم متفوقين ومن المثقفين والمتعلمين؟ تجيبنا "زينة"...بينهم شاب من البصرة، عاش في بوسطن ويتكلم الإنجليزية بأنفة لورد بريطاني.
ـ أين تعلمت هذا التغريد يا مالك؟
ـ في أكسفورد
كان يحمل الدكتوراه في الأدب المقارن، وكتب أطروحته في الأساطير لدى شكسبير والسياب، فلماذا ترك البلبل الغريد فضة المعاني وجاء إلى تنك الاستجوابات الأمنية؟
... ـ أكلنا خرة يا زينة
الجيش أفسد أخلاق شكسبير أيضا" ص123، جاء هذا الحديث ليؤكد حالة التنوع والاختلاف وطبيعة الدوافع التي جاءت بهذا الجندي ليخدم في الجيش الأمريكي، فهو جيش خليط لا يحمل عقيدة أو فكر أخلاقي بالمطلق، وكل ما يهمه هو تنفيذ الأوامر ومن ثم الحصول على المال لقاء ما يقوم به من مهام تطلب منه.
وهناك عناصر أخرى انضمت لهذا الجيش كانت حاقدة على النظام السابق مما جعلها تقدم على فعل الخيانة للعراق بحجة التخلص من الديكتاتور، "...الذي هرب من ملاحقة البعث للشيوعيين، قاصدا أوروبا الشرقية، وانتهى في كعبة الرأسمالية.
أراقب ما حولي فأرى خليطا عجيبا من المتدينين المتأمركين، ومن اليساريين الذين ضيعتهم بوصة موسكو" ص26، أرادت الراوية أن تفضح كل من ساهم المشاركة بهذا الجيش الذي احتل العراق، فهم بمجملهم خانوا العراق وتبعوا خطوات الشيطان، بصرف النظر عن الدوافع أو المبررات.
وما يلفت النظر في المشهد السابق فضح وتعرية اليسار العراقي الذي خان اليسار وخان العراق وانطوى تحت لواء الامبريالية ـ أبشع صورة للرأساملية ـ .
تحدثنا "زينة" عن اعمال هذا الجيش (العظيم) في العراق فتقول: "...في مداهمة البيوت التي نشك بأنها تؤوي إرهابيين، ليل طويلة مثقلة بالترقب والصراخ والتوسلات والنحيب والنظرات الحادة الأمضى من السكاكين" ص98 إذن الجيش الأمريكي يقوم بالاعتداء على العراقيين وترهيبهم واعتقالهم لمجرد الشك بأنهم يؤوى من يقاوم الاحتلال.
العراقي قبل الاحتلال
لكشف الكذبة التي جاءت بهذا الجيش الجرار، الذي دمر وخرب العراق وقتل وشرد العراقي، تحدثنا الراوية عن الحياة في العراق قبل الاحتلال، فهل حال العراقي كان أفضل مع (الديمقراطية) التي جاء بها الاحتلال؟ أم أن حكم (الديكتاتور) كان جنة بالنسبة للعراق وللعراقي بعد (الديمقراطية) الامريكية؟، "ـ حيدر. اسمه حيدر يا زينة أنه أخوك بالرضاعة" ص74، بهذا الاجتماع كان يعيش المواطن العراقي، فلا يوجد حواجز أو موانع بين المواطنين، فهذه المسيحية لها أخ مسلم شيعي بالرضاعة، ومثل هذا المشهد يؤكد على وحدة وتكامل المجتمع العراقي.
"حيدر" السلم الشيعي تثق به "جدة زينة" المسيحية حتى بعد الاحتلال وتفشي ظاهرة الطوائف، لكن ما كان في السابق، في العهد القديم كان يحول دون حدوث أي تغير أو تبديل لهذه العلاقة الحميمة التي تشكلت بين العراقيين، "ما الذي يجعل جدتي تضع ثقتها برجل من جيش المهدي، يأتي بها إلى عمان" ص127، الاجابة تكون بالعلاقة التاريخية التي تجمع الجدة بحيدر وعائلته.
فالعلاقة التاريخية التي تجمع العراقي أكبر من أن تتأثر بهذا القول أو ذاك، ذروة هذه العلاقة التي تجمع العراقيين كانت من خلال هذا المشهد، "حين طرقت الباب فتح لي حيدر وباس رأسي، فيه شبه من مهيمن، تنقصه عشر سنوات ليصبح هو، أشار إلى الغرفة الداخلية، فتحت الباب، وجدت طاووس متربعة فوق عباءتها على الأرض. تتمتم آيات من القرآن قرب السرير، والعذراء تصغي" ص181، هذا هو العراق الذي كان، هذا حال العراقيين، لا يفرقون بين دين ودين، بين مملة وأخرى، فالعراق يجمعهم، من أهم ما في هذا المشهد التوحيد بين القرآن والعذراء التي تستمع له، رغم رمزية المشهد إلا أنه يعطي صورة واقعية عن حال العراقيين قبل الاحتلال وقبل تفشي سرطان الطائفية، وهو من أروع المشاهد فنية وتعبيريا وفكريا وموضوعيا، أنه مشهد يجعلنا نستفيق مما آلت إليه أوضاعنا، فعل يعقل أن ننسى كل ذلك الزمن الذي كان بيننا وننساق وراء هذا الدجال وذلك الكذاب، أجزم بأن الرواية لو اقتصرت على هذا المشهد فقط لكانت تستحق الاهتمام، فما بالنا أن كانت مترعة بمشاهد واحداث واقول توزاي أو تتفوق عليه، وهنا تكمن أهمية الرواية، أهمية اخراج الجرح العراقي/مأساة تموزي إلى العلن ومكاشفة الذات والأخرين الذي ساهموا أو وقفوا على الحياد ـ هم بحيادهم وقفوا مع الطرف القوي ـ بأنهم مجرمي بحق العراق والعراقي، بحق الإنسانية ولا مجال للمسامحة أو الغفران.
الراوية تحدثنا في اكثر من مشهد عن تجاوز العراقي لطائفة، وكيف كان العراق أكبر من كل الطوائف، بحيث استطاع أن يوحد المجتمع ليكون أي مواطن هو عراقي أولا وأخيرا، "صاح بهنام بالعربية وولعه بالشعر القديم، عن محفوظاته من قصائد الغزل التي أدار بها رأس أمي فما عادت ترى رجلا غيره بين البشر وحين أصرت على الاقتران به قال لها جدي:
ـ هذا آشوري، أش جابو على العرب؟
ـ آشوري بلوشي برتكيشي ... أريده ولن أتزوج غيره" ص133، إذن الفواصل بين الطوائف لم تكن موجودة، وكانت المجتمع العراقي يتجاوزها ـ في حالة وجدها عند البعض ـ بهذا الطرح يكون العراق ـ كان ـ متجاوز الطائفة ومتحد اجتماعيا ومدنيا.
ومن المشاهد الأخرى التي تتحدث عن تجاوز الطائفية في العراق، "ـ كيف كان جدي قوميا هو المسيحي الكلداني؟
ـ ولملا؟ هل تمنع الأديان حب الوطن؟" ص90، بهذا الشكل كان العراق يصهر كل مواطنيه في بوتقة الوطنية والقومية، فلا فرق بين دين ودين، فالوطن والقومية جامعة للكل، والعراق يوحد والجميع.
العراق بعد الاحتلال
حال العراقي بعد الاحتلال تغير، فمع بداية دخول الأمريكي العراق شعر بأن الشر والخوف والموت والتشرد سيدخل مع هذا الجيش المتوحش، من هنا وصفتهم لنا الراوية بهذا الشكل، "ظهروا من وراء أشجار السرو وراحوا يرمقون رتلنا بنظرات من نار" ص14، بهذا المشهد يتأكد لنا عدم ترحاب العراقي بالمحتل.
بعد الاحتلال كان العراق منتهك مباح لكل الأشرار والشرور، "صارت بغداد مشاعا لأهلها. والعراق بلا وال" ص24، التدريج بالمشاهد وتقديمها على مراحل، جاء ليخفف من الصدمة التي ستحل المتلقي، فالراوية متأكد بأن هناك انقلاب/طوفان/زلزال/اعصار حل في العراق، لكنها لا تريد صدمنا من أول مشهد، ولهذا قدمت لنا مشاهد تمهد لما هو أعظم، لما هو جريمة إنسانية اقترفتها أمريكيا والمتحالفين معها بحق العراق والعراقي.
"ونحن نعبر جانبا من بغداد، حطاما لم أر مثله من قبل...بلى.. إن هذه المباني المحترقة المتداعية التي تصفر فيها الريح تشبه الرماد الذي هطل على نيويورك بعد ذلك الحادي عشر الأليم من سبتمبر" ص48، أول مشاهد الخراب الذي جاء به الاحتلال، تعمدت "زينة" أن تجعل الفعل مؤثر من خلال استخدامها الفعل المضارع "تصفر" كتأكيد على استمرار فعل الحرق والخراب الحاصل في العراق، فهو لم ينتهي، وما زالت (بغداد) تحترق وتنتهك، واعتقد بأن التركيز على ذكر بغداد تحديدا، دون سواها من المدن، جاء ليعطي "الحرق" تأثيرا أقوى في المتلقي، بحيث يشعر بحجم الكارثة التي حلت في العراق، فلا مجال لتجاهل هذا الاحتلال أو التغاضي عنه.
اعمال الاحتلال دائما تكون كارثة على المواطن والوطن، تحدثنا "زينة" عن أعمال المحتل فنقولك " كل يوم، يأتي رجال ونساء لكي يشتكوا ويحتجوا ويطالبوا. هذا أحرق جنودنا دكانا له، وتلك دهست سيارة عسكرية بقرتها، وثالث كسروا زجاج بيته أو تهدم البيت كله بعد أن سقطت عليه قذيفة، نحن سبب كل الكوارث في المدينة المدللة.
يأتون في الصباح، بعد أن يقفوا في طوابير طويلة أمام البوابة وينصاعوا على مضض لإجراءات تفتيش دقيقة وقاسية، " ص96، مشهد قاسي يصور حال العراقي بعد الاحتلال، فبعد الكرامة التي كان يتمتع بها في وطنه أصبح يعامل باحتقار، يتعرض للأذى المادي والمعنوي، الجسدي والروحي، وها هو يقف ذليلا أمام المحتل لعل وسعى يحصل على شيء مما خسره من ماديات، أما الروحانيات، فهي بالتأكد من خلال هذا الطابور وتلك الإجراءات لن يحصل عليها بالمطلق، بل سيتعرض للذل والإهانة أكثر.
عملية الاقتحام لمنازل العراقيين كانت تتم بطريقة شرسة ووحشية، تحدثنا "زينة" عن الاستاذ الجامعي الذي تعرض منزله للاقتحام فتقول: "كسر أربعة من الجنود الباب الحديدي للحديقة ودخلوا إلى الطاولة وركلوا الباب الخشبي وصاروا في الداخل، كانت هناك أسرة نائمة وامرأة استيقظت وبدأت تولول، ثم ظهر رجل بدشداشة بيضاء مادا يديه مفتوحتين نحو الجوند وهول يقول
،yes
صرخوا فيه وأشاروا بأن ينبطح ففهم على الفور. .. والرشاش m16 مصوبه إلى رأسه" ص105و106، هذا ما جاء به المحتل الأمريكي للعراقي، (ديمقراطية) لا يحسده عليها أحد، فدخول البيوت عنوة، وترويع ساكنيها أمرا عاديا عند الاحتلال، وما يقوم به يمثل حق هذا الجيش في القيام بأي فعل.
لا تكتفي "زينة" بهذا المشهد بل تكمله لنا، فتحدثنا عما علق بضميرها من تأنيب: "...وفي عيني صورة المدرس الذي يلتصق خده بالأرض، يداري كرامته الجريحة في بيته وأمام امرأته وأطفاله... وفوق هذا يطلب المعذرة منا" ص110، مشهد من أصعب المشاهد التي جاءت تصف امتهان كرمة العراقي من قبل الاحتلال، فتعلقه بذاكرة "زينة" المجندة الأميركية التي من المفترض أن تكون مخلصة للجيش الذي تخدم فيه، جاء يعكس الصورة، ويكشف لنا بأن الاحتلال يبقى احتلال ويمارس فعل إذلال الوطنيين إن كانوا مع المقاومة أو على الحياد، لكن ما بالنا بمن يخدم الاحتلال، فهل يجد معاملة استثنائية؟ أم أنه أيضا يعالمون بعين الطريقة؟
سادة القوم الذين جاؤوا مع الاحتلال هم أولى الناس بالذل، فقد رضوا أن يكون أسياد يعملوا ويحكموا ويسودوا تحت حراب الاحتلال، فهم فاقدي للكرامة، فلا بأس من معاملتهم باحتقار من قبل اسيادهم، هذا ما كان من قبل الاحتلال الذي لم يتوانى عن اهانة عضوات البرلمان، "كانت ثلاثة محجبات من نساء البرلمان يعترضن على شمشمة كلابنا لثيابهن" ص119، المحتل لا يحترم أي إنسان يقبل به، فهو على يقين بأن هذا العميل باع وطنه وباع نفسه، فلا بأس إذن من إذلاله، فهو لا يستطيع أن يتخلى أو يترك عمله كعميل أو كمعاون أو مساعد للاحتلال، من هنا وجدنا هذه المعاملة المهينة ليس للنساء ـ علما بأنهن يعاملن بطريقة استثنائية في الأماكن العامة في المجتمعات المحافظة ـ بل لعضوات برلمان أيضا، وهنا كان الإذلال مزدوج ويحمل لهن أكثر مما يحمله للمواطنة العادية، وبهذا يكون العراقي مهما كان مكانه ومهما كانت صفته معرض للإهانة وللإذلال.
لكن كيف كان العراقي يأكل ويشرب؟ وكيف كان ظروف حياته العادية؟، وما هي التغيرات التي حصلت له، تحدثنا الرواية عن هذا الأمر نبقول: "ـمولدة.ماكو كهرباء، ماكو ماي، إزدحام. مفخخة. حرامي... عركة. مات. إنخطف. فلت. إغتيال. إيراني. إنفجار. الله يرحمه. خطية. هاون. بريمر. أميركان. تحشيبش. ماكو شبكة." ص124، تعمدن الراوية أن تسرد لنا الحال باللهجة العراقية لتكون أقرب إلينا، ولكي تشعرنا بعدم تدخلها في سرد الاحداث، فمثل هذا الواقع لا يمكن العيش فيه، لعدم توفر الحد الأدنى من شروط الاستقرار والحياة.
من هنا كانت عملية النزوح والهجرة والهروب من جحيم الاحتلال تعد مسألة طبيعة لمجتمع يتعرض لهذه الظروف، "إنه مفهوم الآن خمسة ملايين عراقي تركوا الحياة التي يعرفون ومضوا إلى المجهول" هذه احدى نتائج الاحتلال، تفريغ الوطن من أهله، وجعلهم يبحثون عن النجاة بجلودهم فقط، هذا ما جاءت به (الديمقراطية) للعراق وللعراقيين.
ما كانت لتحدث هذه الهجرة الجماعية لو أن من قدموا مع المحتل عملوا على توفير الحد الأدنى من الأمن للمواطن، لكنهم جاءوا ليثروا الفساد في العراق، جاءوا ليشاركوا الاحتلال جرائمه، وهذا ما قالته لنا ؟زينة" عنهم: "رأيت عند وصولي إلى الموصل فلتانا عجيبا. مراكز الشرطة مقفلة ومضروبة، وعشرات الملثمين يسرحون في الشوارع، أهذه هي المدينة التي يرف فلبي عند ذكر اسمها ... مدينة أخرى" ص150، الخراب يسير حسب منهج واضح، وتفشي ظاهرة الفساد والعصابات المسلحة التي ترهب المواطنين ولا تضر المحتل بتاتا مسألة تخدم اهداف الاحتلال، وهذا المشهد تكرر في كافة الدول التي تعرضت لاحتلال سورية، ليبيا، وفلسطين.
كما قلنا الراوية تعمدت تقديم الخراب على دفعات، بحيث نتقبله الخراب ولا نصعق منه، فهي تريد منا أن نتعرف على حجم وطبيعة الخراب الذي حل في العراق، لكي لا ننسى، ولكي نتأكد بأن المحتل ومن جاء معه عملوا على تخريب وتدمير العراق.
"حكيت له عن مبان حكومية تحولت إلى رماد وخرائب سود، نساء فقيرات من أرامل الحروب أخذن أطفالهن وذهبن للسكن في مؤسسات وزارة الدفاع. معسكرات أقفرت من العسكريين. قصور وزارت صارت مقرات لأحزاب معارضة." ص165، هذا ما حصل في العراق بعد الاحتلال، بركان/زلزال دمره فلم يبقى منه شيء، فكل المشاهد مأساوية وقاسية، إن كانت متعلقة بالماديات أو بالإنسانيات، فالخراب كامل وشامل.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نضوج الفكرة وتألق اللغة في - هكذا ينتصر الحب على الحرب- شذى ...
- المتألق محمد شحرور
- الانسجام في ديوان -نوبات شعرية- مالك فايز المصري
- النبوءة في قصيدة -لأجل الغياب.. الذي أنا فيه- فرات إسبير
- احداث أيلول في رواية -المحاصرون- فيصل الحوراني
- الألوان في قصيدة -حالات البحار العاشق- عبد الناصر صالح
- الفكر الديني في قصيدة -في حضرة القدس- همام حج محمد
- الجنون في عالم مجنون في قصص -الخراب- نصري الصايغ
- لسرد الفارغ والشكل العادي في رواية -دنيانا... مهرجان الأيام ...
- التأنيث في قصيدة -غريب على الخليج- بدر شاكر السياب
- البياض والسواد في ديوان -رفيق السالمي يسقي غابة البرتقال- مح ...
- قوة السرد في مجموعة -قبل أن نرحل- عبد الغني سلامة
- اللفظ والمعنى عند همام حاج محمد في قصيدة - ما أطيب اللقيا بل ...
- الشاعر في ديوان -شرفات الكلام- علي الخليلي
- التناص في قصيدة -هيت لك- حبيب الشريدة
- الطفولة في مجموعة -أنثى المارشميللو- نور محمد
- التأنيث في ديوان -معجم بك- محمد حلمي الريشة
- الأدب الروائي في ديوان -أولئك اصحابي- حميد سعيد
- الإنسان في ديوان -ذاكرة البنفسج- ناصر الشاويش
- الفانتازيا والرمز والواقعية في مجموعة -أوهام أوغست اللطيفة- ...


المزيد.....




- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - العراقي في رواية -الحفيدة الأمريكية- أنعام كجه جي