أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفصل السادس من الرواية: 5















المزيد.....

الفصل السادس من الرواية: 5


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5287 - 2016 / 9 / 17 - 09:42
المحور: الادب والفن
    


الرياض، كان قد أنتزع أولاً من صفته كمنزل كي يتحوّل إلى نزل سياحيّ. هذا، مع أنّ مهمة الترميم كانت الإحتفاظ بالرونق المحليّ للعمارة والفنون التزيينية مع إضافاتٍ جذرية، منتمية لحياة الغرب. بكلمة أخرى، جعلُ الزبائن يشعرون بأنهم أنتقلوا إلى أجواء ألف ليلة، وفي الآن نفسه، إحتفاظهم بسبل الراحة المعتادين عليها في بلدانهم المتقدّمة؛ كالحمّام الحديث وحجرة السفرة والمسبح والبار. " إريك "، بحرصه المأثور، كان قد عمل جاهداً على تقليل مصاريف تجديد البناء. على ذلك، أستُبعِدَ الزليجُ لإرتفاع سعره. فتمّ طليُ الجدران بالجبص إلى مستوى متر تقريباً، ثم كسيت البقية بملاط أصفر. الأسقف المستعارة، المفترض أن تكون من خشب الجوز المصبوغ بالقار، أستعيضَ عنها بألواح من بلاستيك أسوَد، رخص. كما جرى إلى حدّ كبير، إختصارُ نقوش الأسقف والأعمدة والأقواس. نباتات الزينة، أقتصرت على نخلتين قزمتين في صدر الدار وبعض أصص الرياحين على الترّاس. في المقابل، زوّد المالك السابق كلاً من الحجرات بمكيّف مزدوج الخدمة، بالنظر للإرتفاع الكبير بدرجات الحرارة صيفاً في مراكش وإنخفاضها أحياناً في الشتاء إلى الصفر. كذلك زيّن الحجرات بنسخ عن لوحات رسامين مغاربة معروفين، مُدعياً أنها أصلية ومهداة من قبلهم كونهم أصدقاءه. هذه اللوحات، تعكس نمط الحياة في المدينة وريفها، المتسم ببدائية بُحبذها أولئك السيّاح الهاربون من حياة الرفاهية والإسمنت المسلح.
" ولكن، عبثاً كان كلّ ذلك.. "، قال لي مُرافقي المُختصّ بعوالم وأحوال المقيمين الأوروبيين. ثم تابع " سيمو " قوله بنبرة ساخرة: " الزبائن، شرعوا بالهروب قبل أن يكتشف صاحب الرياض العيوبَ في ترميمه. إذ اشتكوا من أنهم لا يستطيعون الإغتسال جيداً بسبب ندرة مياه الدوش، عدا عن تعطّل أجهزة التكييف غالباً. الفطور، كان مكوّناً من كِسَر خبز باغيت ونزر يسير من الزبدة والمربى وكأس عصير. الشاي والقهوة، وحتى الماء النقيّ، كان من الممكن الحصول عليهم من المطبخ بإضافة ثمنهم للفاتورة ـ كالنبيذ والبيرة والكحول سواءً بسواء! ". بيْدَ أنّ " سيمو "، من ناحيته، كان لا يقلّ جشعاً عن صهره الفرنسيّ. وكنتُ قد أنذرته بالطرد، ما لو أعاد طرح فكرته الخرقاء؛ وهيَ إعادة المنزل إلى صفة النزل، بتأجير الحجرات الستّ في الدورَين الأول والثاني. " غوستاف "، أيدَ موقفي مؤكّداً أنّ أحداً غيري لا شأن له بالرياض. وهوَ من شاءَ مفاجأتي بهدية لا تقدّر بثمن، حينَ أمرَ لاحقاً بنقل الكثير من محتويات مكتبته إلى الرياض.
قبل ذلك، كنتُ قد أعددتُ الدور الأرضيّ كشقّة خاصّة بي. الحجرتان الكبيرتان، المحاذيتان للمطبخ والرواق، فتحتهما على بعضهما البعض جاعلة من إحداهما صالة إستقبال. الحجرة الثالثة، المركونة بلصق الحمامات، تعيّن عليها أن تصبح مكتبتي الأثيرة. كون قريني يدرك أهميتها العملية والتزيينية، فإنه أمر " سيمو " بجلب معلّم لبناء مدفأة على الطراز الأوروبيّ، دون أن يغفل ضرورة تطعيمها بقطع الموزاييك المحليّة المصدر. كذلك دَعَمَ الحجرة بمنضدة مكتب من خشب العرعر ومقعد مكسو بالجلد الفاخر، علاوة على أريكة فارهة من الطراز الباروكي. يوماً بعد يوم، كانت تصلني أكسسوارات نادرة من لدن " غوستاف "؛ جلود حيوانات تمّ صيدها في أفريقيا، صناديق خشبية مشغولة بالفضة والصدف، زربيات بربرية، أسلحة بيضاء تفليدية، بنادق وغدارات أنتيكية، أسطرلاب وبوصلة وكرة أرضية ومرصد فلكي دقيق الحجم.

***
مع امتلاكي لمنزل، بصرف النظر عن الإجراءت القانونية المُجحفة، كنتُ قد دخلتُ طوراً جديداً من بطالتي. وأعني موضوع الكتابة، بطبيعة الحال، طالما أنني لا أعرف مهنة غيرها. شهران على أثر انتقالي للرياض، وكنتُ ما أزال أشعر بإنعدام الأمان النفسيّ؛ بخواء الروح وعبث الحياة. على أنني كنتُ أحاول تزجية الوقت بمشاغل مفيدة، تتوافق مع شغفي بأشياء محددة وخصوصاً نباتات الزينة. طريقة بناء الرياض، كانت تجعل من المتعذر وجود حديقة أو حتى أحواض للورود. فالشمس، وهيَ الأم الرؤوم للنبات، لم تكن أشعتها لتصل بشكل كافٍ إلى صحن الدار. لهذا السبب، كان الترّاس هوَ أنسب مكان لنمو النبات. تركتُ النخلتين الوحيدتين تحرسان شقتي الأرضية، وهما في فخارتيهما الضخمتين. هذا النوع الأنيق من النخل، المُسمّى " واشنطن "، سرعان ما أنتصبت أغراس منه في فخارياتها على الدورين الأول والثاني.
أما الترّاس، فكنتُ بحاجة لمعونة من بستانيّ لإنجاز العمل فيه. ولكن، تبيّن أنني كنتُ أجهل مواهب " سيمو " المتعددة. مُرافقي هذا، وحالما أبدى استعداده للعمل ثمة، فإنه أتخذ وضعية المفكّر فراحَ يحكّ عثنونه الخفيف، الخشن والشديد السواد. أسبوعان على الأثر، وكان الرجلُ خليقاً به أن يقف في المكان نفسه كي يسمع كلمات الإطراء. الحق أنني شعرتُ ببعض الضيق، لأن أحداً غيري أسهمَ في تحويل الترّاس إلى ما يُشبه الجنة: شجيرات النخيل والدفلى والبوكسيا، كانت مجاورة للجدران الستة، مخففة وهج الشمس عن الأرضية المرصوفة بالحجر الملوّن. حوض عريض بين حجرة المكتب والخيمة البربرية كان محتفٍ بأزهار مشرقية، وآخر بنفس الحجم تقريباً كان في الموضع الأكثر تعرضاً للشمس وقد أتخم بصباريات وأشواك مكسيكية. عرائش المجنونة بعدة ألوان وياسمين بنجيمات بيض وغاردينيا ناصعة الأزهار وكرمة بزمعات عنبها الأزرق، نهضوا من فخارياتهم لكي يتسلقوا الجدران أو يتهدلوا عبرَ حواف المنوَر المتوسّط الترّاس.
" لدينا البستانيّ، المناسب.. "، قالها قريني فيما كان يشمل الترّاسَ بنظرة إعجاب. وأردفَ للفور: " ولكننا بحاجة إلى كلب حراسة، كونكِ تقيمين في الرياض وحيدة معظم الوقت ". لم تكن هيَ المرة الأولى، التي يطرحُ فيها " غوستاف " هذا الموضوع. وعلى ما أذكرُ، فإنني كنتُ قد أجبته آنذاك بنبرة مرحة: " لا تنسَ أنني كردية؛ وأن بني قومي جُبلوا على رهاب الكلاب! ". إلا أنه لاحظَ الآنَ صمتي، الموحي بانشغال الفكر. ولعله ظنّ أنني مهمومة بموضوع آخر، فلم يلحّ على سماع جوابي. على أنّ ذهني ما كان عندئذٍ نائياً بي عن موضوع الحراسة، وإن كان يُحلّق في مكان أبعد. لقد كنتُ أستعيدُ حديثاً مع مُرافقي، جرى بالأمس القريب، على خلفية علمه بحال أخيه غير الشقيق. إذاك، عرفتُ مُصادفةً أنّ " حمو " عمل كحارس ليلي في نفس الرياض. هذا الشاب، المتغرب عن أيّ طموح غير جمع المال ـ كالكثير من أنداده الشلوح ـ كان قد سبقَ وأغلق محل الحلويات بعد ما كثرت خسائره. فرَضيَ بالعمل ليلاً لدى صهره الفرنسيّ، مقابل راتبٍ زهيد. وإذاً، رفعتُ رأسي لأقول أخيراً لقريني: " أعتقدُ أنني وجدتُ حارساً ليلياً جيداً، وهوَ على كلّ حال من أسرة سيمو! ".

***
كوني امرأة شرقية، ومحظية رجل أوروبيّ، فإنّ تضخّم الذات لديّ كان تعبيراً عن الوهم بالحصول على السعادة. لقد خيّل إليّ أنني أوصدتُ عليّ أبداً بابَ الحياة المريحة والمرفهة والمطمئنة، الشبيهُ بباب الرياض الخارجيّ المفتوح على درب الفقر والخصاصة. مع أنني لم أنل حياة طبيعية خلال معظم سني عُمري، إلا أنّ طبيعة الخير لديّ لم تتأثر بذلك كثيراً أو قليلاً. هأنذا أنطلق من موقع الثراء، إلى موقع آخر على حافة الحاجة. غيرَ أنني لم أنطلق قبل أن أستلم من " غوستاف " سيارته الجاغوار الرياضية، النادرة والباهظة الثمن. فعلتُ ذلك، كون سيارة الرانج روفر مألوفة لأعين أفراد العائلة بما أنّ " سيمو " حضرَ بها أكثر من مرة إلى الفيلا.
لعلني سهوتُ سابقاً عن التنويه، بكوني حصلتُ على شهادة قيادة سيارة على أثر فترة تدريب قصيرة بإشراف هذا المرافق. فضلتُ الذهابَ دونه إلى الفيلا، مُستغنيةً أيضاً عن رفقة امرأته. لقد شئتُ إغاظة " غوستاف "، المهتم ولا شك بالحصول على تقرير عن الزيارة بوساطة أحد عميليه هذين أو ربما كليهما. ومع ذلك، فلم أكن واثقة تماماً من كون قريني عاجزاً عن استلام رسالة من شخص ما، تمدّه بالمعلومات اللازمة حول زيارتي. لقد شبهته دوماً بأحد الأباطرة الرومان، المتسمين بالميل إلى الغرابة والشذوذ والتطيّر وتأليه الذات.
" غُزلان "، هيَ من تعهّد فتح الباب، ولم تلبث أن تضاحكت بصوتٍ عال لما رأت سيارتي عند طرف الفيلا. ثم وقفت أمامي كمألوف العادة، برقتها وسحرها وفطنتها. إلا أنها كانت مدهوشة، ولا شك، من مجيئي إلى الفيلا. عانقتني بحنان، وهيَ تمتمُ عبارت ترحيبها بلسانٍ متلعثم. لما سارت أمامي، لحظتُ امتلاء ردفيها: " كأني بكِ ستنجبين لحمو، وليَّ عهده؟ "، خاطبتها بنبرة مُداعبة. توقفت عند ذلك، لتلتفت إليّ مُجيبةً من فم مغتصب البسمة: " أبداً. ولكن قد يكون أحدهم قد تكلم عن امرأة سيمو، فالتبسَ عليكِ الأمر؟ ". وعليّ كان أن أقفَ مبهوتة، لما أنطوى عليه كلامها من غرابة. منذئذٍ، وإلى أن غادرتُ المكان، طفقَ داخلي مشغولاً بالخبر الأكثر جدّة: إذ لا " الشريفة "، ولا زوجها، نبسا بكلمة عن موضوع الحمل. هذا الأخير، لم أكن أستغرب تكتمه طالما أنه لا يكنّ لإمرأته سوى مشاعر الإحتقار والإزدراء. " ولكن، ما بالها هيَ، فلم تخبرني؟ أيكون مجرّدَ إشاعة، ذلك الخبر؟ أم أنّ ثمة فضيحة، ومن الأفضل عدم البوح بالخبر أمامي؛ أنا بالذات؟ أيكون الأمرُ له علاقة بفرهاد؟ آه، يا إلهي الرحيم..! ".







#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل السادس من الرواية: 4
- الفصل السادس من الرواية: 3
- سبتة
- الفصل السادس من الرواية: 2
- تخلَّ عن الأمل: الفصل السادس
- سيرَة أُخرى 40
- الفصل الخامس من الرواية: 7
- الفصل الخامس من الرواية: 6
- الفصل الخامس من الرواية: 5
- الفصل الخامس من الرواية: 4
- الفصل الخامس من الرواية: 3
- الفصل الخامس من الرواية: 2
- تخلَّ عن الأمل: الفصل الخامس
- سيرَة أُخرى 39
- الفصل الرابع من الرواية: 7
- الفصل الرابع من الرواية: 6
- الفصل الرابع من الرواية: 5
- الفصل الرابع من الرواية: 4
- الفصل الرابع من الرواية: 3
- الفصل الرابع من الرواية: 2


المزيد.....




- السجن 18 شهراً لمسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-
- رقص ميريام فارس بفستان جريء في حفل فني يثير جدلا كبيرا (فيدي ...
- -عالماشي- فيلم للاستهلاك مرة واحدة
- أوركسترا قطر الفلهارمونية تحتفي بالذكرى الـ15 عاما على انطلا ...
- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفصل السادس من الرواية: 5