أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عدنان غازي الرفاعي - عدنان الرفاعي يخترق حصون أعداء الأسلام ويضرب بقوة في أروع ما تقرأه حول شبهة وجود أخطاء نحوية في القرآن !















المزيد.....



عدنان الرفاعي يخترق حصون أعداء الأسلام ويضرب بقوة في أروع ما تقرأه حول شبهة وجود أخطاء نحوية في القرآن !


عدنان غازي الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 5284 - 2016 / 9 / 13 - 23:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بفضل الله تعالى ومننه..بينت في كتبي أن القران الكريم يمتاز عن غيره من الكتب السماوية بكونه تنزيلا من عند الله تعالى وهذا يتعلق بكونه معجزة, ويتماثل مع الكتب السماوية الأخرى بكونه انزالا من عند الله تعالى وهذا يتعلق بكونه منهجا..وأيضا يمتاز عن الكتب السماوية الأخرى بكونه قول الله تعالى (صياغة لغوية مباشرة من عند الله تعالى ) , في حين يتماثل مع الكتب السماوية الأخرى بكونه كلام الله تعالى ( معنى من عند الله تعالى) وبينت أن صفة العربي التي تعلقت بالقرأن الكريم, تصفه بالكمال والتمام والخلو من العيب والنقص, منهجا ومعجزة
إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون [ يوسف ـ 2 ]
ففي كتاب الله تعالى , مشتقات الجذر (ع ر ب ) تدور دلالاتها في اطار ..الكمال والتمام والخلو من النقص والعيب وأخذت كلمة (الأعراب ) المعنى المقابل , كونها من الفعل المتعدي بالهمز (أعرب) حيث المتعدي نقل المعنى الى الأتجاه الاخر..
فالكلمات القرأنية ليست وضعية اصطلاحية من عند البشر كما هو شأن جميع لغات العالم (بما فيها مفردات اللغة العربية غير القرأنية) , انما هي فطرية موحاة من الله تعالى , علمها لادم عليه السلام قبل أن تحل نفسه في جسده , وهبط بها الى الأرض وحافظت عليها أمة أمية الى حين نزول القرأن الكريم مصوغا من تلك المفردات...
...ومفتاح الدخول لأحكام كتاب الله تعالى , ولأدراك ما يحمل من معجزات , هو صياغته اللغوية, فمعجزته تكمن في صياغته اللغوية كونها من الله تعالى مباشرة...وعند وضع قواعد اللغة العربية من قبل السابقين. كان القرأن الكريم المعيار الأهم الذي تم الأعتماد عليه في وضع هذه القواعد...
.. قام علماء اللغة بتقعيد اللغة العربية ، واعتمدوا في ذلك على ما استطاعوا استنباطه من صياغة النص القرأني ، وعلى ما شاهدوه في صياغة الشعر العربي ، وفي أقوال أبناء المجتمع العربي .. لكن .. بالتأكيد لم يحيطوا بحقيقة صياغة النص القرآني ، ولذلك ، في
بعض الحالات وقف بعضهم عاجزاً عن استيعاب صياغة بعض العبارات القرآنية ، وراح بعضهم الآخر بناء على ذلك يتهم صياغة كتاب الله تعالى بالنقص والمغالطة ، معتبراً ما وضعه البشر حجة على كتاب الله تعالى ..
.. من هنا .. فإن ما تم وضعه من قواعد للغة العربية ، على يد السابقين ، يحاكي لغة القرآن الكريم بدرجة كبيرة ، تتناسب مع درجة الجهد الذي تم بذله في تقعيد اللغة ، فما نسميه بالقواعد الإعرابية هو جزء مما يحمل القرآن الكريم من هذه القواعد .. ولا يمكن للبشر أن يحيطوا بأي جانب من جوانب النص القرأني ، فما أطره البشر من قواعد لغوية ، لا يتجاوز حدود إدراكهم ، ولذلك فجعل إدراك البشر حجة على كتاب الله تعالى هو جحود بكتاب الله تعالى ، وتصور له على أنه نص بشري ، تحكم من قام بصياغته ( جل وعلا عن ذلك علواً كبيراً ) قواعد اللغة التي وضعها بشر يخطئون ويصيبون ..
.. إعراب النص ، من المفروض أن يكون تابعاً لإدراك دلالاته ، وقواعد اللغة التي تم وضعها من قبل السابقين لا تحيط بكتاب الله تعالى ، لأن البشر لا يستطيعون الإحاطة بكل جوانب كتاب الله تعالى ، ولذلك من الضروري استمرار البحث والتدبر في كتاب الله تعالى - في هذا الأمر - حتى قيام الساعة .. ولو استمر البحث في كتاب الله تعالى ، لاكتشفنا الكثير من قواعد اللغة ، سواءٌ في جانب الإعراب ، أم في جانب الإملاء ..
.. وهنا يرمي الجهلاء بجهلهم ، على كتاب الله تعالى ، اعتمادا على أهوائهم من جهة ، وعلى ترهات بعض ما يحمله الموروث من جهة أخرى .. وهذا هو قمة الإساءة لكتاب الله تعالى ..

.. في هذا البحث .. سنتناول بإذن الله تعالى ، أهم النصوص التي أتهموا بها كتاب الله تعالى بالخطأ اللغوي ، لنرى أن هذه النصوص تحمل قمة الإعجاز البلاغي في إيصال الدلالات المحمولة بها إلينا ، وأن تهمهم ناتجة عن عدم إدراكهم لصياغة النص القرآني ، وعن عدم امتلاكهم لإرادة طاهرة في معرفة الحق .
المثال الاول الذي سنتاوله هو في قوله تعالى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ [17 / الشورى ] , قالوا لماذا لم يتبع خبر لعل اسمها في التأنيث فيقول (لعل الساعة قريبة) .؟..فكلمة الساعة مؤنثة, وحسب وهمهم فلا بد أن يكون خبرها (قريب ) مؤنثاَ أي بالصيغة ((قريبة))
أقول...
فضلا عن القول بأن المراد هو مجئ الساعة , فأنه من المعلوم في لغة كتاب الله تعالى أن وزن (فعيل) يستوي فيه المذكر والمؤنث , كما هو في كلمة (عقيم) في قوله تعالى
فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم) [الذاريات ـ 29 ]
..وكما هو الحال في كلمة (الْعَقِيمَ) التي تصف ( الرِّيحَ) المؤنثة ـ كما رأيناـ في قوله تعالى التالي ..
وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) [ الذاريات ـ 42 , 41 ]
...وكلمو ((قريبة)) بهذه الصيغة لم تأتي في في كتاب الله تعالى أصلا , فما يرد بدلا منها للحالات المؤنثة هو كلمة (قريب)
اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ الشورى (17) -
وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ الأعراف (56) -
يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا الأحزاب (63) -
للحديث بقية في الجزء الثاني ..................
========
.. ولنأخذ مثالا اخر .. في قوله تعالى ..
هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيم [ الحج / 19 ]
.. قالوا : كان من المفترض أن يقول : هذان خصمان اختصما في ربهما ..
.. وهذه الشبهة أقل من أن يُرَد عليها ، فمن المعلوم أن كلمة خصم تعني العداوة والخلاف مع طرف اخر ، وإن وردت بصيغة المثنى (خصمان) فتعني فريقين دون تحديد لعدد أفراد كل فريق ..
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) [ص : 22 23 21 ]
.. وشبيه ذلك كلمة طائفة ، حيث كلمة (طائفتان) تعني مجموعتين كل منهما مكونة من أفراد ..
وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الححرات : 9 ]
.. عندما يقع الاقتتال بين طائفتين ، هل تمسك كل طائفة سيفاً واحدا وتضرب به؟!!! .. أم يشتبك الأفراد من الطائفتين فيما بينهم ؟ .. وبالتالي فالاقتتال يكون بين مجاميع الأفراد من الطائفتين ... ولذلك نرى صيغة الجمع ( اقْتَتَلُوا ) .
. هنا أيضاً .. عندما يختصم خصمان ( فريقان ) ، فالخلاف والجدال والاختلاف يكون بين مجموعي أفرادهما ، وبالتالي تناسبه صيغة الجمع (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ)
.
. ولنأخذ مثالا آخر .. في قوله تعالى ..
إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى [ طه : 5 ]
.. قالوا : كان من المفروض أن ُتستبدل كلمة (أخفيها ) بكلمة (أظهرها) ..... ما نراه أن كلمة (أخفيها ) تتعلق ب (السَّاعَةَ ) وليس بإتيانها ، فصيغة التأنيث واضحة في كلمة (أتية) , وفي الضمير المتصل في كلمة (أخفيها) ..
(والساعة ) هي الانقلاب الكوني الذي هو نهاية هذا العالم الذي نعيش فيه ، وهو عالم الامتحان ، الذي ُنجزى فيه على سعينا فيما بعد الساعة , ف (الساعة ) كحيثيات انقلاب كوني تتغير بها نواميس هذا العالم (أتية)...بمعنى : عناصر الكون ، كحيثيات انقلاب كوني تتغير بها نواميس هذا العالم الذي نُمتحن فيه ، تسير باتجاه نقطة الانقلاب الكوني ، حيث تنقلب النواميس التي تحكم عالمنا ، رأساً على عقب ، وهذا ما تحمله كلمة (أتية )..وأما كلمة (أخفيها) تؤكد ذلك ، فإخفاء الشيء لا يعني عدم وجوده ، أنما يعني جعله خارج ساحة الاطلاع المباشر للآخرين عليه ..
وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة : 271 ]
وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا [الأحزاب : 37]
وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ [ الممتحنة : 1 ]
.. إذاً .. نقطة الانقلاب الكوني (الساعة ) التي تنقلب فيها النواميس الحاكمة لحركة حياتنا الدنيا هذه التي ُنمتحن فيها ، مسألة آتية ، تسير إليها كل عناصر الكون ، وهي أمر واقع ، وليس مخفيا على العلماء ، لكنه قريب من الخفاء ، حيث تحتاج رؤيته إلى رفع الغطاء العلمي عن ذلك .. وهذا عين ما تنطق به العبارة القرآنية (أكَادُ أُخْفِيهَا)
والجملة (أكَادُ أُخْفِيهَا) اعتراضية بين الجملة (إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ) وبين جملة (لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ) حيث لام التعليل في كلمة (لتجزي ) واضحة , .. فإتيان الساعة هو من أجل أن تُجزى كلُّ نفسٍ بما تسعى
.. ولو جاءت الجملة الاعتراضية (أكَادُ أُخْفِيهَا) على الشكل (أكاد أظهرها ) لكانت الساعة كانقلاب كوني ، خارج نواميس الكون الذي نعيش فيه ..
للحديث بقية في الجزء الثالث
==============
(( وأنفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقولَ رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدَّقَ وأكن من الصالحين )) [ المنافقون : 10 ]
.. فما هي الحكمة من ورود كلمة : (( وأكن )) مجزومةً ، وهي - كما نرى - معطوفة على كلمة : (( فأصدقَ )) المنصوبة ؟ ..
.. ما نراه أنَّ الفاء في كلمة (( فيقولَ )) هي الفاء العاطفة السببيّة ، بمعنى : مسبّب عن ( أن يأتي ) ، ويقول فعل مضارع معطوف على أن يأتي ، وكلمة : (( لولا )) تحضيضيّة بمعنى هلاَّ ، وتختص بالماضي المؤوَّل عن المضارع ، كون طلب التأخير أمنية تتعلَّق بالحاضر وليس بالماضي ، و (( أخرتني )) فعل ماض والتاء فاعل والنون للوقاية والياء مفعول به ، و (( إلى أجل )) جار مجرور متعلِّقان بـ (( أخرتني )) ، و (( قريب )) صفة .. والفاء في (( فأصدَّقَ )) عاطفة ، وبالتالي نرى فأَصَّدَّقَ منصوبة .. وبهذا يكون المعنى : ربِّ هلاَّ أخرتني إلى أجلٍ قريبٍ من أجل أن أصَّدَّقَ .. فالتأخير إلى أجلٍ قريبٍ هو وسيلة يريدها القائل من أجل أن يقوم بعمل هو (( فأصدَّقَ )) .. وإلى هنا السياق واضح ..
.. فحتّى كلمة (( فأصدَّقَ )) لا نرى ما يربط المعنى بالشرط ، فالمعني ليس : إن أخرتنِ إلى أجلٍّ قريب أصَّدق .. لأنَّه من الممكن ألاَّ يصَّدَّق لو تمَّ تأخيره ، والحقيقة أنَّه إن أُخِّر لا يصَّدَّق .. فالله تعالى يقول : (( فقالوا يا ليتنا نُردّ ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون ....... ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون )) [ الأنعام : 27 - 28 ] .. فتأخير المتمنّي لهذا التأخير إلى أجلٍ قريب لا يقتضي أنَّه سيصَّدَّق كما يزعم ، على الرّغم من أنََّ طلبه للتأخير هو من أجل أن يصدَّق .. وحتى هنا .. لا وجود لأيِّ شرط .. ولذلك نرى كلمة (( فأصدَّقَ )) منصوبة ..
.. لكن .. إن تصدَّق .. ألا يقتضي ذلك أن يكون من الصالحين ؟ .. بالتأكيد .. من هنا نرى أنَّ العبارة القرآنيّة : (( وأكن من الصالحين )) تعني : وعندها ، إن أخرتنِ وأصَّدَّقْ أكن من الصالحين .. وهنا تكمن عظمة البلاغة في كتاب الله تعالى ، بوصف التصدّق شرطاً للدخول في ساحة الصالحين .. فكون الإنسان من الصالحين مشروطاً بكونه متصدِّقاً ..
.. ولو جاءت كلمة (( وأكن )) منصوبة : (( لولا أخرتني إلى أجلٍ قريبٍ فأصَّدَّقَ وأكون من الصالحين )) ، لكان المعنى : لولا أخرتني إلى أجلٍ قريبٍ من أجل أن أصَّدقَ ومن أجل أن أكون من الصالحين .. وفي هذا الحال من ورود كلمة (( وأكون )) المفترضة ، بهذه الصيغة ، يكون الانتقال إلى ساحة الصالحين ، هو نتيجة طلب تأخيره ، ولا يقتضي ذلك شرطاً هو التصدّق ..
.. إذاً .. ورود العبارة القرآنيّة (( رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدَّقَ وأكن من الصالحين )) بهذه الصيغة ، حيث كلمة (( فأصدَّقَ )) منصوبة وكلمة (( وأكن )) مجزومة ، هو قمّة البلاغة ، وليس خطأً لغويّاً ، كما يزعم من لم ولن يروا الحقيقة في حياتهم ، لأنَّها ليست هدفهم ..

==============

وراحوا يهاجمون كتاب الله تعالى من خلالها .. من هذه اللوحات البلاغيّة ، ما هو محمول في قوله تعالى :
(( وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً أمماً ..... )) [ الأعراف : 160 ]
قالوا : وكان يجب أن يُذكَّر العدد ، ويأتي بمفرد المعدود فيقول اثني عشر سبطاً ..
.. معلومٌ أنَّ تمييز الأعداد من ( 11 ) إلى ( 99 ) هو مفرد منصوب ، وليس جمعاً : (( أسباطاً )) .. ومعلوم أنَّ السبط مُذكَّر فلماذا جاءت (( اثنتي )) بصيغة التأنيث ؟ ..
.. الذين لم يدركوا - ولا يريدون أن يدركوا - حقيقة الصياغة اللغويّة لهذه العبارة القرآنيّة ، حسبوا كلمة (( أسباطاً )) تميزاً للعدد (( اثنتي عشرة )) .. ولو عدنا إلى كتاب الله تعالى لرأينا أنَّ مشتقّات الجذر ( س ، ب ، ط ) تتعلَّق كلُّها بالأسباط ، ويردون ضمن سياقات قرآنيّة تذكر الرسل عليهم السلام ، وأنَّ هؤلاء الأسباط يُعطفون على الرسل عليهم السلام في مسألتي الإنزال والوحي .. ولذلك .. ذهبت بعض التفاسير إلى أنَّهم أبناء يعقوب عليه السلام ..
.. العبارة القرآنيّة : (( وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً أمماً ..... )) ، نراها تتحدَّث عن أمورٍ تتعلَّق ببني إسرائيل ، في سياق قصّة موسى عليه السلام مع بني إسرائيل ، وليس في سياقٍ يتحدَّث عن الأسباط ، ولا عن عصرهم كأشخاص أُنزل إليهم ، وأوحي إليهم .. أبداً ..
(( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون (159) وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً أمماً ........... )) [ الأعراف : 159 - 160 ]
.. فالذين قُطِّعوا اثنتي عشرة قطعةً هم بنو إسرائيل .. وتمييز العدد : (( اثنتي عشرة )) هو كلمة ( قطعةً ) المُضمرة ، التي يدلُّ عليها الفعل (( وقطعاهم )) ، أو : ( فرقةً ) ، أو : ( سبيلاً ) ، أو ( خصماً ) ، وكلُّ ذلك استشفافٌ من السياق .. ولم يُحدَّد التمييز بكلمة موجودة رسماً ، ليشمل كلَّ احتمالات التقطيع والتفريق ، فيكون المعنى أنَّهم مُزِّقوا بهذا التقطيع كلَّ ممزَّق ، فكلُّ حالات التمييز والاختلاف والتخاصم والتفريق محتملة ..
.. وفي هذه الصياغة المفتوحة دون ذكر رسم للتمييز ، نرى أنَّ العبارة : (( اثنتي عشرة )) هي حال من المفعول به في كلمة (( وقطعناهم )) .. أي قطّعناهم ، وفرَّقناهم ، ومزّقناهم ، معدودين بهذا العدد .. لتكون كلمة (( أسباطاً )) بدلاً من (( اثنتي عشرة )) ، وتكون كلمة (( أمماً )) بدلاً من كلمة (( أسباطاً )) . وهذا أبلغ ما يكون في حيثيّات التقطيع ..
.. فكما رأينا عدم ورود التمييز رسماً ، يفتح احتمالات التقطيع والتفريق والتمزيق والخصام والاختلاف والتناحر بينهم على كلِّ الاحتمالات ، وتأتي العبارات : [[(( اثنتي عشرة )) ،، (( أسباطاً )) ،، (( أمماً )) ]] مؤكِّدة حال هذا التقطيع والتفريق والتمزيق .. وهذا أبلغ ما يكون في وصف حالهم ..
========================
(( والذين يُتوفَون منكم ويذرون أزواجاً يتربّصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً ............ )) [ البقرة : 234 ]
.. قالوا : كيف تُعطف كلمة : (( وعشراً )) ، ( حيث حسبوها عشرة أيّام ) على العبارة : (( أربعة أشهر )) ؟ .. وكيف يكون ذلك ، وكلمة : ( أيَّام ) مذكّرة ؟ .. أليس من المعلوم - وفق قواعد اللغة - أنَّه لا بدَّ من المخالفة ؟ ..
.. وهناك من راح يهاجم كتاب الله تعالى ، زاعماً وجود أخطاء لغويّة فيه ، بناء على ذلك .. وللأسف لم نر إجابة شافية كافية من الموروث في ذلك ، تضع النقاط على الحروف ..
.. نقول : كون الشهر هو ما نراه - هنا من على الأرض - من منازل القمر أل (( 29 أو 30 )) منزلة : (( والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم )) [ يس : 39 ] ، حيث كلّ منزلة من منازل القمر ، نعلمها من خلال رؤيتنا لظهور القمر وقدومه إلينا ، في كلِّ ليلة ، فإنَّ الشهر كمدّة زمنيّة هو الزمن المقابل لانقضاء (( 29 أو 30 )) منزلة ، وبالتالي فالعبارة القرآنيّة (( أربعة أشهر )) تصوِّر زمناً مقابلاً لانقضاء أربعة أشهر قمريّة ، كلُّ واحد منها مدَّته تقابل انقضاء (( 29 أو 30 )) منزلة من منازل القمر .. وكلمة (( وعشراً )) المعطوفة على العبارة القرآنيّة (( أربعة أشهر )) ، تعني عشرة منازل من منازل القمر في الشهر الخامس ، تضاف إلى الأشهر الأربعة التامّة .. أي : (( أربعة أشهر )) = 4 × ( 29 أو 30 ) منزلة ، و (( وعشراً )) = ( 10 ) منازل .. لتكون العبارة القرآنيّة : (( أربعة أشهر وعشراً )) = 4 × ( 29 أو 30 ) منزلة + (10 ) منازل ..
.. وما نراه أَنَّ ورود الصيغة : (( وعشراً )) ، دون الصيغة : (( وَعَشْرَةً )) يؤكِّد ذلك .. فلو كان الأمر متعلِّقاً بالأيّام بعيداً عن منازل القمر ، على الأقلِّ - في هذه الحالة المُفترضة غير الصحيحة - لجاءت العبارة بالشكل : (( أربعة أشهرٍ وعشرة )) ، كون كلمة أيّام جمعاً لكلمة ( يوم ) المذكَّرة ، وهذا تناسبه الصيغة : (( عشرة أيّام )) ..
.. بينما .. كون كلمة ( منزلة ) مؤنَّثة ، وكون الكلمة السابقة لكلمة : (( وعشراً )) هي : (( أشهر )) ، كجمع لشهر ، والشهر مكونَّ من (( 29 أو 30 )) منزلة من منازل القمر ، فإنَّ كلمة (( وعشراً )) تعني عشر منازل ، من (( 29 أو 30 )) منزلة من منازل القمر في الشهر الخامس ، التالي للأشهر الأربعة ..
===========================
لنتابع الإبحار في أعماق كتاب الله تعالى ، من خلال نصٍّ جديد من النصوص التي توهَّم أعداء كتاب الله تعالى أنَّه مخالفٌ لقواعد اللغة .. وهذه الأمور اللغوية - لمن أراد الاستزادة - موجودة في بحث لي على موقعي ، بعنوان : [[ لمسات بيانية من كتاب الله تعالى ]] ، وموجودة أيضاً على موقعي بعنوان : [[ الردّ على شبهة وجود أخطاء لغويّة في القرآن الكريم ]] ..
.. اليوم سنقف عند قوله تعالى ..
(( قالوا إنْ هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى )) [ طه : 63 ]
.. هنا قال المشكِّكون بكتاب الله تعالى ، كان من المفترض أن ترد كلمة (( هذان )) بالصيغة : (( هذين )) ، معتبرين (( إنْ )) حرفاً مشبَّهاً بالفعل اسمه هو كلمة (( هذان )) .. ومن جهلهم هذا ، انطلقوا إلى اتِّهام كتاب الله تعالى بالخطأ اللغوي ..
.. معلومٌ أنَّ كلمة : (( إنْ )) هنا مخفَّفة من الثقيلة ، ومهملة إعرابيّاً ، وليست هي الحرف المشبَّه بالفعل ( إنَّ ) الذي اسمه منصوب وخبره مرفوع .. وكلمة : (( هذان )) اسم إشارة للمثنَّى ، يعود على موسى وهارون عليهما السلام ، وهي في محل رفع مبتدأ .. ونرى أنَّ كلمة : (( لساحران )) ، اللام المفتوحة فيها ، قيل هي فارقة للتفرقة بينها وبين ( إن ) النافية ، لكن ، الأهم أنَّها تفيد التأكيد ، وساحران خبر : (( هذان )) ..
.. أصل الجملة هو : هذان ساحران ، وهي مكوَّنة من مبتدأ وخبر .. وهذا يدلُّ على أنَّ ( موسى وهارون ) - حسب الافتراء عليهما - ساحران .. والعبارة القرآنيّة المفترضة : إنَّ هذين ساحران ، هي تأكيد لكون ( موسى وهارون ) ساحرين ، فالتأكيد هنا يشمل الجملة كاملة .. وهذا التأكيد - كما نرى - أثَّر على المبتدأ فحوَّله من الرفع ( هذان ) إلى النصب ( هذين ) .. والجملة الأُخرى المفترضة : إنَّ هذين لساحران ، تفيد تأكيداً أكبر عبر التصاق حرف اللام بالخبر ، حيث جانب التأكيد الأكبر يتعلَّق بالخبر ..
.. وهنا الجملة : (( إن هذان لساحران )) ، نراها دون أيِّ تأكيد يتعلَّق بالمبتدأ : (( هذان )) ، فبقيت على حالها مبتدأً مرفوعاً ، وفي الوقت ذاته نرى الخبر أكثر تأكيداً : (( لساحران )) .. وهذه الصياغة مطلقة ، كونها تصف قول سحرة فرعون قبل إيمانهم ، وما يهدفون إليه من قولهم هذا ، هو تقزيم قيمة موسى وهارون عليهما السلام ، حيث تشير إليهما كلمة (( هذان )) ، فبقيت خارج أيِّ تأكيد ، ويهدفون أيضاً إلى تأكيد أنّهما ساحران ، للإساءة لهما وتشويه دعوتهما ، فجاءت كلمة : (( لساحران )) مؤكَّدة باللام ، وموصوفة بجملة يريدان : (( يريدا أ يخرجاكم م أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى )) ..
.. فالصياغة القرآنيّة (( إنْ هذا لساحران )) ، هي وصفٌ مطلقٌ لحقيقة ما كان يدور في نفوسهم ، وما قاموا بافترائه على موسى وهارون عليهما السلام ..
=====================================================================================

. لنتابع الإبحار في أعماق كتاب الله تعالى ، من خلال نصٍّ جديد من النصوص التي توهَّم أعداء كتاب الله تعالى أنَّه مخالفٌ لقواعد اللغة .. وهذه الأمور اللغوية - لمن أراد الاستزادة - موجودة في بحث لي على موقعي بعنوان : [[ لمسات بيانية من كتاب الله تعالى ]] ، وموجودة أيضاً على موقعي بعنوان : [[ الردّ على شبهة وجود أخطاء لغويّة في القرآن الكريم ]] ..
.. اليوم سنقف عند قوله تعالى ..
(( يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يُرضوه إن كانوا مؤمنين )) [ التوبة : 62 ]
.. قالوا : العبارة القرآنيّة : (( والله ورسوله )) تحمل مثنَّى ، وبالتالي كان من المفروض أن تأتي كلمة : (( يُرضوه )) بصيغة المثنّى : ( يرضوهما ) ..
.. هذه الصيغة القرآنيّة تُبيِّن لنا أنَّ هدف العبادة ليست مرضاة محمَّد كنبي ، فمحمَّد نبيٌّ حامل لمنهج الله تعالى ، وهو ذاته مُطالب باتّباع منهج الله تعالى ، وأن يعمل على مرضاة الله تعالى ، وذكْره مع الله تعالى (( والله ورسوله )) نراه بصيغة الرسالة ، التي تعني المنهج ، ولا تعني أبداً الجانب الشخصي ، فمرضاة الله تعالى تكون من خلال سبيلين : إتّباع الفطرة النقيّة الطاهرة التي فطر الله تعالى الناس عليها ، واتِّباع المنهج الذي أنزله الله تعالى على رسوله ، وبالنتيجة فمنهج الله تعالى الذي أنزله على رسوله هو مراد الله تعالى ، واتّباعه يؤدّي إلى مرضاة الله تعالى .. إذاً .. دلالات العبارة القرآنيّة (( والله ورسوله )) بالنتيجة تعني سبيلاً واحداً يتعلَّق بمنهج الله تعالى الذي أراده للبشر ، وبالتالي فالمرضاة هي لله تعالى فقط ، من خلال إتّباع منهجه الذي أنزله على رسوله عبر محاكاة الفطرة النقيّة التي فطر الله تعالى الناس عليها ..
.. وفي تبياننا هذا ، لهذه النقطة ، ستكون مشكلتنا مع مثيري هذه الشبهة ، أقلَّ من مشكلتنا مع عابدي أصنام التاريخ ، الذين يجعلون روايات التاريخ (( مهما بلغت درجة مخالفتها لكتاب الله تعالى والعقل والمنطق )) نصّاً مقدَّساً يملك صلاحية نسخ أحكام كتاب الله تعالى .. فهذه الصيغة : (( والله ورسوله أحقّ أن يُرضوه )) ، حيث كلمة : (( يُرضوه )) تعود لله تعالى فقط ، تؤكِّد أنَّ السنّة محتواة في قلب النصِّ القرآني ، وأنَّها ليست نصوصاً خارج دفَّتيه ، كما يفترون على الله تعالى ..
.. وهذه المسألة شبيهة بالمسألة المحمولة بالنصِّ التالي ..
(( إنّا أرسلناك شاهداً ومبشِّراً ونذيراً (8) لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزّروه وتوقّروه وتسبِّحوه بكرة وأصيلاً )) [ الفتح : 8 - 9 ]
.. فالضمير في الكلمات [[ (( وتعزِّروه )) ، (( وتوقِّروه )) ، (( وتسبِّحوه )) ]] ، يعود إلى الله تعالى حصراً ، كون الرسول مجرَّد حاملٍ لمراد الله تعالى ومنهجه ، وهو مطالب - كغيره - بالانصياع لمنهج الرسالة التي يحملها من الله تعالى إلى البشر
===============================================

. لنتابع الإبحار في أعماق كتاب الله تعالى ، من خلال نصٍّ جديد من النصوص التي توهَّم أعداء كتاب الله تعالى أنَّه مخالفٌ لقواعد اللغة .. .. وهذه الأمور اللغوية - لمن أراد الاستزادة - موجودة في بحث لي على موقعي ، بعنوان : [[ لمسات بيانية من كتاب الله تعالى ]] ، وموجودة أيضاً على موقعي بعنوان : [[ الردّ على شبهة وجود أخطاء لغويّة في القرآن الكريم ]] ..
.. اليوم سنقف عند قوله تعالى ..

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئــــونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }المائدة 69
.. هنا قال المشكِّكون بكتاب الله تعالى ، كان من المفترض أن ترد كلمة الصابئون منصوبة كما في الأية 62 من سورة البقرة

إنّ الذينَ آمنـوا والذين هادوا والنصارى والصابئين منْ آمنَ بالله واليوم الآخر وعمل صالحـا فلهم أجرُهم عندَ ربهم ـ[ 62 : البقـرة ]

نبدأ اولا بقراءة السياق المحيط بالأية 62 من سورة البقرة
يقول الله تعالى :

وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59) وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61) )(((((((إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)))))))) (62) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) [ البقرة / 58 : 64 ٍ]]

.. في هذا النص نرى أن السياق المحيط به يتحدث عن أحداث حدثت مع بني إسرائيل ومماحكتهم لموسى عليه السلام ... فهي تصور الأعمال التي قاموا بها والمخالفة للأوامر والنواهي .. لذلك نرى أنَّ العبارة السابقة مباشرة للآية الكريمة التي نريد دراستها تصور لنا هذه الحقيقة

ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) [ البقرة / 61 : 62 ]

.. فالمسألة مسألُة عمل ومماحكة ، وفي مسألة العمل نرى أن الصابئين شأنهم شأن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى ، لذلك يدخلون في اسم (إنّ) ....((إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ))....فكما نعلم كون المسألة داخلة في اسم (إنّ) أقوى من كونها مبتدأ دون الدخول في اسم ((اإنّ )) وهذا معلوم كون ((اإنّ)) تفيد التأكيد , فالمبتدأ وخبره حينما تدخل عليها (ان)) تزداد الدلالات قوة وتأثيــرا.. .. والصابئون هنا من حيث العمل يقعون في إطارٍ واحد مع الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى, لذلك يجمعون في اسم ((إنّ)) وبالتالي نراها منصوبة
إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) [ البقرة / 61 : 62 ]

الان للنظر الى النص التالي في ســـورة المائدة

وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70) [ المائدة 65 / 70 ]

.. في هذا النص الكريم نرى أنَّ المسألة تتعلَّق بالعمل من زاوية الانتماء والتعلّق بالمنهج السماوي ، بمعنى العمل وفق مقتضيات المنهج السماوي ، والآية السابقة مباشرة للآية التي نحن بصدد دراستها تؤكِّد هذه الحقيقة ..

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69)
ولمّا كان تعلُّق الصابئين والنصارى بالأعمال الموجودة في المنهج السماوي أقل من ((الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا))) كون الصابئين والنصارى لا توجد عندهم الكثير من أحكام الشريعة السماوية كما هو حال (((الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا)) فان الصابئين والنصارى لم يردوا في هذا السياق القراني تحت اسم (((إنّ))) ...فكما قلنا ورود المسألة تحت اسم ((إنّ)) أقوى من ورودها مبتدأً دون اسم ((إنّ))) لذلك نرى أن العبارة القرأنية (وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى))) هي ابتداء جديد مستقل عن اسم (إنّ)
إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) المائدة
.. من هنا نرى الحكمة الإلهية العظيمة واعجازا في ورود كلمتي (((وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى))) مرفوعتين ، وليستا منصوبتين كما هو حال (( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا )) لأن العمل بالشريعة السماوية كأحكام مسطَّرة بين أيدي البشر هي أعلى عند (( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا ) ولذلك نصبت العبارتان (( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا )) كاسم لإنَّ ، بينما (((وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى))) نرى أنَّ تعلُّقَهم بالعمل الشرعي الموجود بين أيدي البشر أقلُّ من الذين آمنوا والذين هادوا ، لذلك رفعتا على الابتداء ، ولم تؤكَّدا بإن .. ويأتي خبر إنَّ للجميع ، ليتعلَّق بالذين آمنوا والذين هادوا كخبر لاسم إنَّ ، وبالصابئين والنصارى كخبر لمبتدأ ..

.. وهذه المسألة شبيهة بالمسألة المحمولة بقوله تعالى ..
وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله [ التوبة / 3 ]
.. فبالتأكيد براءة الله تعالى من المشركين هي براءة مطلقة ، وهي بالتأكيد أعلى من براءة رسوله من المشركين ، لذلك نرى أنَّ براءة الله تعالى - هنا - من المشركين جاءت مؤكدة ب (أن) (( أن الله بريء من المشركين))) بينما جاءت كلمة : ((ورسوله)) مبتدأً يقدر خبره ، بمعنى : ورسوُله بريءٌ من المشركين
==========
.. لنتابع الإبحار في أعماق كتاب الله تعالى ، من خلال نصٍّ جديد من النصوص التي توهَّم أعداء كتاب الله تعالى أنَّه مخالفٌ لقواعد اللغة .. وهذه الأمور اللغوية - لمن أراد الاستزادة - موجودة في بحث لي على موقعي ، بعنوان : [[ لمسات بيانية من كتاب الله تعالى ]] ، وموجودة أيضاً على موقعي بعنوان : [[ الردّ على شبهة وجود أخطاء لغويّة في القرآن الكريم ]] ..
.. اليوم سنقف عند قوله تعالى ..
(( لاهية قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلاَّ بشرٌ مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون )) [ الأنبياء : 3 ]
.. قالوا : كون الفاعل ظاهراً وهو كلمة (( الذين )) ، كان يجب حذف الفاعل من كلمة (( وأسروا )) ، لتصبح الجملة بالشكل : (( وأسرَّ النجوى الذين ظلموا )) ..
.. لو نظرنا في السياق السابق لهذه العبارة القرآنيّة (( وأسروا النجوى الذين ظلموا )) ، لرأيناه يُخاطب البشر كافّة : (( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون (1) ما يأتيهم من ذكر من ربّهم محدث إلاَّ استمعوه وهم يلعبون (2) لاهية قلوبهم )) [ الأنبياء : 1 - 3 ] ، واصفاً تعلَّقهم بالغفلة ، والإعراض ، واللعب : [[ (( في غفلة )) ،، (( معرضون )) ،، (( يلعبون )) ]] ، حال كونهم (( لاهية قلوبهم )) .. فإلى هنا اكتمل المعنى في تصوير حال الناس من غفلة وإعراض ولعب ، كونهم لاهيةً قلوبهم ، حيث كلمة (( لاهية )) : هي حال لكلِّ هذه الأمور ، وكلمة (( قلوبهم )) فاعل ..
.. الآن .. تأتي الجملة الجديدة : (( وأسروا النجوى الذين ظلموا )) ، حيث كلمة : (( وأسروا )) فعل وفاعل ، و (( النجوى )) مفعول به ..
.. بعد ذلك تأتي كلمة (( الذين )) ، وفق احتمالين :
1 - كلمة (( الذين )) خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هم ، وجملة (( ظلموا )) صلة لاسم الموصول ، وتقدير المعنى : وأسرّوا النجوى ، حال كونهم هم الذين ظلموا .. وهنا نرى ارتباطاً للمعنى بالجملة (( وأسروا النجوى )) ، وبالتالي بالعبارات السابقة أيضاً لهذه الجملة والتي حالها (( لاهية قلوبهم )) كما رأينا ..
2 - كلمة : (( الذين )) مبتدأ ، وجملة : (( ظلموا )) صلة لاسم الموصول ، والخبر : (( هل هذا إلاَّ بشرٌ مثلكم ...... )) .. وتقدير المعنى : الذين ظلموا يقولون هل هذا إلاَّ بشرٌ مثلكم ......... ، وكلمة ( يقولون ) التي قدّرناها تشير إليها العبارة : (( هل هذا إلاَّ بشرٌ مثلكم ...... )) .. ووفق هذا التقدير ، نرى انتقالاً لمعنى جديد يتعلَّق بالذين ظلموا وما يقولونه ..
.. في الحالتين .. كلمة : (( الذين )) ليست بدلاً للفاعل : [[ حرف الواو في ( وأسروا ) ]] .. وهذان الوجهان ليسا تعسّفاً وتنطّعاً .. أبداً .. أيُّ قارئ لكتاب الله تعالى بعمق ، يراهما بوضوح ..
==============
. لنتابع الوقوف عند بعض نصوص كتاب الله تعالى ، والتي تاه بعضهم في إدراكها ، عن سوء نية ، أو عن حسن نية ، وذهب بعضهم الآخر لاتِّهام كتاب الله تعالى بالركاكة اللغويّة .. سنقف اليوم عند قوله تعالى :
(( وسخَّر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إنَّ في ذلك لآيات لقوم يتفكَّرون )) [ الجاثية : 13 ]
قالوا : كلمة (( منه )) لا محل لها من الإعراب ، فلا داعي لذكرها ..
.. ما نراه أنَّ كلمة (( جميعاً )) هي حال من (( ما )) .. وكذلك كلمة (( منه )) هي حال من (( ما )) .. وكلُّ حالٍ من هذين الحالين ، يُعطي دلالة ضروريّة ..
.. كلمة (( جميعاً )) تفيد عدم استثناء أيٍّ ممَّا في السماوات وممَّا في الأرض ، من هذا التسخير .. وتفيد في الوقت ذاته أنَّ تسخير ما في السماوات وما في الأرض ، ليس مجرَّد تسخيرٍ لكلِّ عنصر بمعزل عن التكامل مع تسخير بقيّة العناصر ، فالتسخير للجميع متكامل في إطار هدف واحدٍ ، كون المُسخِّر هو الله تعالى ، والتسخير هو لخدمة الإنسان ... وهذا كلّه .. تضيفه دلالة الحال : (( جميعاً )) ..
.. لكن .. هذا التسخير .. من أين منبعه ؟ .. ولمن يعود الأمر فيه إيجاداً وتوجيهاً ؟ .. هل هو تسخير لعناصر خارجة عن إيجاد الله تعالى لها ، تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً ، والتسخير مجرَّد أوامر بالخدمة ، كتسخير بعضنا لبعض ؟ .. أم هو تسخيرٌ يعود إلى الله تعالى إيجاداً لهذه المسخّرات ، وإعطاءً لحيثيات وجودها لها في كلِّ لحظة ، وأمراً لها بالقيام بهذا التسخير ؟ .. وهنا تأتي كلم (( منه )) كحالٍ ثانية تبيّن لنا أنَّ هذا التسخير هو بكلِّ حيثيّاته من إيجاد المسخّرات إلى الأمر لها بالتسخير إلى إعطائها القدرة على القيام بذلك ، هو من عند الله تعالى ، ويعود إليه .. بمعنى : سخَّرها كائنةً منه جلَّ وعلا في كلِّ شيء ..
.. فكيف إذاً لا داعي لكلمة : (( منه )) في سياق هذه الآية الكريمة ؟!!!!!!! .. كيف ؟!!!!!!! .. المسألة بالنسبة لهؤلاء هي إلقاء بالكلام على عواهنه ، دون إدراكٍ حتى لما يخرج من أفواههم ..
===========
لنواصل الوقوف عند صياغة بعض النصوص القرآنيّة التي وقف عندها بعض الكافرين بكتاب الله تعالى ، على أنَّها أخطاء لغويّة ..
.. سنقف اليوم عند قوله تعالى التالي ..
(( إنَّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثمَّ قال له كن فيكون )) [ آل عمران : 59 ] ..
.. قالوا : كان يجب أن يعتبر المقام الذي يقتضي صيغة الماضي لا المضارع ، فيقول : قال له كن فكان .. فما يتخيّلونه أنَّ كلمة : (( فيكون )) ، كان من المفترض أن ترد بالصيغة : ( فكان ) ..
.. هنا يتجلّى جهل مثيري هذه الشبهة بإدراك دلالات كتاب الله تعالى ، فمثلاً قوله تعالى : (( إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون )) ، يصوِّر لنا قول الله تعالى للشيء الذي أراد وجوده ، قبل وجوده في العالم الذي يريد الله تعالى وجوده فيه .. فهذا الشيء المعنيُّ موجودٌ في علم الله تعالى ، ويخاطبه الله تعالى بقوله (( كن )) ، بمعنى : أُخرج - تجسيداً - إلى عالم الوجود الحسِّي في عالم المادّة والمكان والزمان .. وهنا حتّى هذا القول (( كن )) ، لم يكن هذا الشيء المعنيُّ كائناً في عالم وجوده الحسِّي ، فالسياق القرآني - كما نرى - حتّى كلمة : (( كن )) ، يُصوِّر مرحلة ما قبل وجود هذا الشيء في عالمه الحسِّي : (( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن )) .. الآن .. بعد صدور الأمر الإلهي لهذا الشيء عبر كلمة )) كن )) ، بعد ذلك ، وليس قبل ذلك ، سيكون هذا الشيء في عالم المادّة والحسّ الذي أراد الله تعالى له أن يكون فيه .. وهذا تناسبه صيغة المضارع وليس الماضي ، بمعنى : بعد صدور الأمر الإلهي : (( كن )) لهذا الشيء ، بعد ذلك يكون ..
.. فكيف إذاً يريدون ورود كلمة ( فكان ) بدلاً من كلمة : (( فيكون )) ؟!!!!!!! .. كيف ؟!!!!!!! .. هل هذا الشيء كان موجوداً في عالمه الحسِّي قبل صدور الأمر الإلهي : (( كن )) ، ليقولوا لنا : كان من المفروض أن ترد كلمة ( فكان ) ؟!!!!!!! .. من هنا نرى كيف أنَّ إلقاء الشبهات على كتاب الله تعالى لم يكن منطلقاً من أرضيّة معرفيّة سليمة ، وإنّما هو دون أيِّ منطق ..
==================
لنتابع الوقوف عند بعض نصوص كتاب الله تعالى ، التي وقف عندها بعض المشكِّكين على أنّها أخطاء لغويّة ، أو ركاكة لغويّة ، لنرى أنَّ سبب ما يذهبون إليه – إن أحسنا النيّة في قصدهم - هو جهلهم بصياغة نصوص كتاب الله تعالى ..
.. سنقف اليوم عند قوله تعالى ..
(( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن أمرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان ممّا ترك وإن كانوا إخوة رجالاً ونساء فللذكر مثل حظّ الأنثيين يبيّن الله لكم ان تظلّوا والله بكلِّ شيءٍ عليم )) [ النساء : 176 ]
.. قالوا : ما الحكمة من ورود الكلمتين : (( رجالاً ونساءً )) خلف الكلمة : (( إخوة )) ؟ .. أليست كلمة : (( إخوة )) تعني الذكور والإناث كونها تصف جنس الإخوة ، كما هو في قوله تعالى : (( إنّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم )) [ الحجرات : 10 ] ؟ .. وبالتالي – والقول لمثيري الشبهة - بناء على إعراب المعربين بأنَّ العبارة : (( رجالاً ونساءً )) بدل من كلمة : (( إخوة )) ، فإنّه لا داعي لورود العبارة : (( رجالاً ونساءً )) ، أو لا داعي لورود كلمة : (( إخوة )) ..
.. نقول : ما نراه في آية الكلالة الكليّة ، هو ذكر نسبة ميراث أخت من أخيها ، أو أُخت من أختها : (( إن أمرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك )) ، حيث كلمة : (( امرؤ )) تعني الذكر والأنثى .. وميراث أخ من أخته (( وهو يرثها إن لم يكن لها ولد )) .. وميراث أختين من أخيهما ، أو أختهما : (( فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان ممّا ترك )) .. وميراث إخوة ثلاثة فما فوق ، مكوّنين من ذكور وإناث : (( وإن كانوا إخوة رجالاً ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين )) .. وحالة وجود أخ ذكر فقط يرث من أخيه ، واضحة أنَّه يرثه ، فما دام يرث أخته فبالتأكيد يرث أخيه ..
.. لكن .. تبقى هناك حالات أُخرى تنقسم إلى :
1 - إخوة ذكور فقط ..
2 - إخوة إناث فقط ..
3 - إخوة من ذكور وإناث ..
.. وهنا تأتي العبارة القرآنيّة : (( وإن كانوا إخوة )) ، حاملة لهذه الاحتمالات مجتمعةً ، وتأتي بعدها العبارة القرآنيّة : (( رجالاً ونساء )) ، لتخصّص حالاً من هذه الاحتمالات ، هو احتمال وجود الجنسين معاً ، ليكون التوزيع فيما بينهم : (( فللذكر مثل حظ النثيين )) .. ففي حال كون الورثة مكوَّنين من ذكور وإناث ، فالتوزيع بينهم هو للذكر مثل حظ الأنثيين .. وبالتالي فالاحتمالان الباقيان ( ذكور فقط ، إناث فقط ) يتمُّ فيهما تقاسم الميراث بالتساوي ..
.. فالعبارة : (( رجالاً ونساء )) ليست بدلاً كما ذهب موروثنا ، للأسف ، لأنَّ البدل محتوى في المبدل منه ، وكلمة (( إخوة )) تشمل (( رجالاً ونساء )) .. العبارة (( رجالاً ونساء )) هي حال مُخصِّصة لوجود الجنسين معاً ، من جملة الحالات غير المذكورة في هذه الآية الكريمة ، ليكون التوزيع فيما بينهم وفق الحكم : (( فللذكر مثل حظ الأنثيين )) .. وبالتالي فحالتا ذكور فقط ، أو إناث فقط ، يتمُّ فيهما تقاسم الميراث بالتساوي ..
.. من هنا نرى عظم الصياغة القرآنيّة بهذه الحيثيّة من الورود ، فالصيغة الوحيدة التي تُغطِّي الأحكام لكلَّ الاحتمالات ، هي فقط وفقط لا غير الصيغة الواردة في كتاب الله تعالى .. وتأتي العبارات التالية لهذه العبارة مباشرة ، لتؤكِّد ضرورة النظر في هذه الصياغة القرآنيّة لاستنباط الأحكام : (( وإن كانوا إخوة رجالاً ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبيّن الله لكم أن تضلّوا والله بكلّ شيء عليم )) ..
====================
. سنقف اليوم عند قوله تعالى :
(( فبظلمٍ من الذين هادوا حرَّمنا عليهم طيبات أُحلَّت لهم وبصدِّهم عن سبيل الله كثيراً (160) وأخذهم الربا وقد نُهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذاباً أليما (161) لكنِ الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أُنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجراً عظيماً )) [ النساء : 160 – 162 ]
.. هذا النصُّ الكريم يصوِّرُ مسائل تتعلَّق بالذين هادوا ، وبدايته : (( فبظلمٍ من الذين هادوا )) تؤكِّدُ ذلك ، ولا خلاف في ذلك .. ومطلع الآية ( 162 ) يصوِّر الراسخين في العلم منهم ، والمؤمنين : (( لكنِ الراسخون في العلم منهم والمؤمنون )) .. ولا شكَّ أنَّ كلمة (( منهم )) تعود إلى الذين هادوا خاصّة .. وهؤلاء ( والمؤمنون ) يتَّصفون بأنّهم (( يؤمنون )) بالأمور التالية :
1 – (( بما أُنزل إليك )) .. يعني : الراسخون في العلم من الذين هادوا ، والمؤمنون ، يؤمنون بما أُنزل في منهج الرسالة الخاتمة ..
2 – (( وما أُنزل من قبلك )) بمعنى : والراسخون في العلم من الذين هادوا ، والمؤمنون ، يؤمنون بما أُنزل من قَبْل الرسالة الخاتمة ..
3 – (( والمقيمين الصلاة )) بمعنى : والراسخون في العلم من الذين هادوا ، والمؤمنون ، يؤمنون بالمقيمين الصلاة .. بمعنى : ويطمئنون للمقيمين الصلاة ويثقون بهم ، ليس لشخصهم أو لأمرٍ دنيويٍّ ، وإنّما لكونهم يقيمون الصلات التي أنزلها الله تعالى ، والمشار إليها في العبارتين السابقتين (( يؤمنون بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك )) ، وذلك كعملٍ يُجسِّدُ أحكام ما أنزله الله تعالى (( بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك )) ، على أرض الواقع ..
.. إذاً .. هذه الصفات الثلاث : (( يؤمنون بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك والمقيمين الصلاة )) ، تتعلَّق بالعبارة : (( لكنِ الراسخون في العلم منهم والمؤمنون )) ، حيث الراسخون في العلم من الذين هادوا والمؤمنون ، يطمئنون بما أُنزل في الرسالة الخاتمة ، ويطمئنون بما أنزل من قَبْلها ، ويطمئنون بالمقيمين الصلاة ..
(( لكنِ الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أُنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة ))
.. وهكذا .. تكون العبارة (( يؤمنون بما أُنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة )) خبراً للعبارة (( الراسخون في العلم منهم والمؤمنون )) ..
.. وتكون العبارات القرآنيّة التالية (( والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر )) ، إمّا معطوفة على العبارة (( الراسخون في العلم منهم والمؤمنون )) ، وهذا ما أرجحه ، وإمّا ابتداء جديداً .. وتكون نهاية الآية الكريمة (( أولئك سنؤتيهم أجراً عظيماً )) خبراً لها ، في حال اعتبارها ابتداءً جديداً ، وخبراً لها ولكلِّ العبارات السابقة ، في حال اعتبارها معطوفة على العبارات السابقة ..
.. هنا ربّما يستغرب بعض الناس كيف يؤمن هؤلاء بالمقيمين الصلاة ... الإيمان بالمقيمين الصلاة هو الاطمئنان بهم ، ومدُّ جسور الثقة معهم ، كونهم يعملون بحيثيّات ما أنزله الله تعالى : (( بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك )) ، فتعلُّق الإيمان بهم لأنَّهم عاملون بالصلات التي أنزلها الله تعالى .. وقد ورد في كتاب الله تعالى الإيمان بمخلوق .. بمعنى الثقة به والاطمئنان إليه .. يقول تعالى واصفاً إيمانَ أهلِ الكتاب بعيسى عليه السلام في عودته في نهايةِ الزمان ..
(( وإن من أهل الكتاب إلاَّ ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً )) [ النساء : 159 ]
.. فالعبارة القرآنيّة (( ليؤمنن به )) تصوِّر لنا الإيمان بحقيقة مخلوق ، هو عيسى عليه السلام ، كونه عبداً لله تعالى ، حاملاً لرسالةٍ من الله تعالى إلى البشر .. بمعنى : يعرفون حقيقتَه ويطمئنون بها ، كرسولٍ حاملٍ لمنهج الله تعالى ، فينتهون عن قولهم ثالث ثلاثة ، وبأنَّه إله ، وبأنَّه ابنُ الله تعالى ، تعالى الله عن كلِّ ذلك علواً كبيراً ..
.. ويقول تعالى واصفاً إيمان سحرة فرعون بموسى عليه السلام ..
(( قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إنَّ هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون )) [ الأعراف : 123 ]
فالعبارة القرآنيّة (( آمنتم به )) تصوِّر لنا الإيمان بمخلوق ، هو موسى عليه السلام ، وذلك عبر الاطمئنان إليه ، والثقة به ، وتصديق عملِه ، وليس الإيمان به كشخصٍ مجرَّدٍ عمّا قام به من عمل .. فالاطمئنان والثقة والتصديق هو للعمل ( المعجزة ) الذي فتحه الله تعالى على يده ..
.. إذاً .. العبارة القرآنيّة (( يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة )) .. تعني يطمئنون بثلاثة أمور ، هي : بما أُنزل في منهج الرسالة الخاتمة ، وبما أُنزل من قَبْلها ، وبالمقيمين الصلاة .. يعني : ويطمئنون بالمقيمين الصلاة ويثقون بهم ويميلون إليهم تصديقاً وثقةً واطمئناناً ، لأنَّهم عاملون بحيثات الصلات التي أنزلها الله تعالى : ((بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك )) ..
.. وممَّا يؤكّد صحَّةَ ما نذهب إليه ، هو تكرار مسألة الإيمان في ذات الآية ، وفي ذات السياق : (( يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر )) ..... فالدلالة المعنيّة بالعبارة : (( والمؤمنون بالله واليوم الاخر )) ، لها حيثياتها المستقلّة تماماً عن الدلالة المحمولة بالعبارة : (( يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة )) ..
.. العبارة القرآنيّة (( يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة )) ، تتعلَّق بحالة فعليّة تصف فعل الراسخين في العلم من الذين هادوا والمؤمنين ، والفعل المضارع (( يؤمنون )) يبيّنُ ذلك .. وإيمانهم بهذه الأمور الثلاثة هو ضمن إطارٍ واحد ، يعني هو إيمان بما أنزله الله تعالى في الرسالة الخاتمة وما قَبْلها وبمقيمي الصلة مع الله تعالى ضمن إطار ما أنزله الله تعالى ، ولذلك نرى الأمور الثلاثة التي يؤمنون بها تتعلَّق بباء واحدة ، فالله تعالى لم يقل : (( يؤمنون بما أُنزل إليك وبما أُنزل من قبلِك وبالمقيمين الصلاة )) ، فلم يتكرَّر حرف الباء ما بين الأمور الثلاثة ، إنّما تأتي هذه الأمور الثلاثة ضمن إطار مسألة واحدة يؤمن بها الراسخون في العلم من الذين هادوا والمؤمنون ، كمسألة واحدة : (( يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة )) .... وهذا يؤكِّد ما بيَّناه ، أنَّ إيمانهم بالمقيمين الصلاة (( والمقيمين الصلاة )) هو لأنَّهم عاملون بالصلات التي بيَّنها الله تعالى إنزالاً من عنده ، والمحمولة بالعبارتين السابقتين : (( بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك )) .. فإيمانهم بالمقيمين الصلاة متعلُّقٌ بإيمانهم بما أنزله الله تعالى .. وهذا ما نراه بجر المسائل الثلاث : [[ (( بما أنزل إليك )) ،، (( وما أنزل من قبلك )) ،، (( والمقيمين الصلاة )) ]] بباءٍ واحدة ..
.. بينما العبارة القرآنيّة (( والمؤمنون بالله واليوم الآخر )) تصوِّرُ صفتَهم كحالة يتَّصفون بها ..... وهنا سواء كانت العبارات (( والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر )) ، ابتداءً ، أم عطفاً على العبارة (( الراسخون في العلم منهم والمؤمنون )) ، فكلُّ عبارات هذه الآية الكريمة ، لا يمكن فصلها عن الراسخين في العلم من الذين هادوا والمؤمنين ..
.. في الموروث قال بعضهم عن كلمة (( والمقيمين )) بأنّها منصوبة بكلمة أخصّ وأمدح ، ونرى أنَّه في الآية ( 177 ) في سورة البقرة ، جعلوا كلمة (( والصابرين )) هي المنصوبة على الاختصاص وليس إقامة الصلاة .. فالقضية ليست مبنية على قواعد ثابتة ، إنّما هي مسألة تخريج دون النظر في ماهيّة صياغة العبارات القرآنيّة ..
==========================
. سنقف اليوم عند قوله تعالى :
(( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كلٌّ من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً (78) ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولاً وكفى بالله شهيداً )) [ النساء : 78 - 79 ]

.. قالوا : التناقض ما بين هاتين الآيتين جاء متعاقباً ، إذ تقول الآية الأولى إن الخير والشر مصدرهما الله تعالى ، بينما تعلن الآية التالية لها أن الخير من الله تعالى والشر من الإنسان ..
.. نقول : كثيرون هم الذين يُفتنون بالأسباب ، ويحسبون أنفسهم أصيلين في هذا الكون ، وكأنّهم خالقون ومبدعون لهذه الأسباب .. ولو رجع هؤلاء إلى حقيقة الأمر لرأوا أنّهم عاجزون عن توجيه هذه الأسباب الماديّة ، باتّجاه صنعة تعمل بذاتها وتتوالد وتتكاثر ، كأن يوجِّهوا هذه الأسباب باتّجاه خلق ذبابة ..
.. ولو كان الوصول إلى الأشياء – في هذه الحياة الدنيا – بعيداً عن الأخذ بالأسباب ، لما كان هناك اختيار في المعصية والطاعة في ساحة المادّة والمكان والزمان ( ساحة امتحان الإنسان وهي ساحة الأمانة التي عُرضت على السماوات والأرض والجبال ) ، لأنَّ الإرادة – في هذه الحالة المفترضة – لن تصل إلى مشيئة .. لذلك يُعَدُّ العمل والجد والأخذ بالأسباب من أهم مقوّمات الخلافة التي عهدها الله تعالى للإنسان ، ومن الأوامر التي جاء بها المنهج الإلهي .. فأسباب الدنيا تعمل للجميع مؤمنين وكافرين ، وتستجيب أكثر لمن يتعامل معها بإتقان أكبر ..
ولكنَّ الفارق بين المؤمنين والكافرين ، أنَّ المؤمنين يأخذون بالأسباب ويعملون بها بما أمر الله تعالى به ، وهم يعلمون أنَّ مرجعها إلى الله تعالى ، وأنّها تعمل بقوّته وبمشيئته .. أمّا غير المؤمنين فيأخذون بالأسباب ويعملون بها ، معتقدين أنّها مستقلّة عن قوّة الله تعالى ومشيئته ..
(( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كلٌّ من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً )) [ النساء : 78 ]
.. إنَّ عدم إدراكهم لمسألة الأسباب وبأنّها جميعها تعمل بقوّة الله تعالى ومشيئته ، جعلهم يرجعون أسباب ما يصيبهم من سيئآت إلى غيرهم ، ولذلك (( وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك )) ، أي بسببك ، ونتيجة للأسباب التي جلبتها علينا ، ومردّ ذلك هو عدم إدراكهم أنَّ مرجعيّة الأسباب وماهيّتها هي لله تعالى ، ولذلك جاء الردّ الإلهي (( قل هو من عند الله )) .. فهذه الآية الكريمة تصوّر لنا مرجعيّة الأسباب ، وبأنّها في خلقها وإيجادها وتسخيرها ، تعود إلى الله تعالى ، وهذا عين ما تنطق به العبارة القرآنيّة (( قل هو من عند الله )) ..
وتأتي الآية التالية لها مباشرة لتصوّر لنا حقيقة ، هي أنَّ الحسنات والسيئات في تفاعلنا مع الأسباب ، لا تعود للأسباب ذاتها ، إنّما تعود لغاية البشر وإرادتهم في توجيه هذه الأسباب ، وإلى التفاعل معها وفق القصد الذي تريده النفس .. فالأسباب التي يستخدمها بعض البشر باتّجاه الخير ، هي ذاتها يستخدمها بعضهم الآخر باتّجاه الشر ، وما يحدّد ذلك هو غاية البشر في توجيه هذه الأسباب باتّجاه الخير ، أو الشر ، وبالتالي الحصول على الحسنات أو السيئآت ..
(( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولاً وكفى بالله شهيداً )) [ النساء : 79 ]
.. إنَّ إرادة اختيار الأخذ بالأسباب والتفاعل معها باتّجاه الخير والحسنات ، مردّه التزام الإرادة بمنهج الله تعالى الذي اختاره للبشر وأمرهم الالتزام به ، والهادف إلى الخير وكلّ ما يؤدّي إلى الحسنات .. فإرادة الخير المؤدّية للحسنات تنبع من الذات الملتزمة بتنفيذ منهج الله تعالى وحكمه ، وبالتالي فمردّ ذلك هو الله تعالى منزل هذا المنهج .. وهذا ما نقرؤه من العبارة (( ما أصابك من حسنة فمن الله )) ..
.. أمّا إرادة اختيار الأخذ بالأسباب والتفاعل معها باتّجاه الشرّ والسيئات ، فمردّه خضوع الإرادة لهوى النفس ، بعيداً عن منهج الله تعالى ، وبالتالي فمردّ اختيار هذه الذات هو نفس الإنسان ، وهذا ما نقرؤه من العبارة (( وما أصابك من سيئة فمن نفسك )) ..
وهكذا .. فالإرادة الإنسانيّة الشريرة تعود للنفس البشريّة ، وتناقض إرادة الله تعالى الشرعيّة .. فالله تعالى لا يريد للبشر إلاّ الخير ، ولا يريد لهم الشرّ أبداً ..
=====================

سنقف اليوم عند قوله تعالى :
(( ليس البرَّ أن تولّوا وجوهكم قِبَل المشرق والمغرب ولكنَّ البرَّ من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون )) [ البقرة : 177 ]
.. لنقف عند الجملة الأولى في هذه الآية الكريمة وهي قوله تعالى : (( ليس البرَّ أن تولوا وجوهكم قِبل المشرق والمغرب )) .. في هذه الجملة ، ما نراه هو تقديم خبر ليس (( البرَّ )) على اسمها ..... اسم ليس هو التولية : (( أن تولوا وجوهكم قِبل المشرق والمغرب )) ، وخبرها هو كلمة : (( البرَّ )) .. والعادة أنَّ اسم ليس يسبق خبرَها ، بينما هنا نرى أنَّ خبر ليس يسبق اسمها : (( ليس البرَّ أن تولوا وجوهكم قِبل المشرق والمغرب )) ..
.. (( ليس )) تفيد نفي الحال ، وسلب المعنى ، و (( أن )) حرف مصدري ونصب ، و (( تولوا )) فعل مضارع منصوب بأن ، و (( وجوهكم )) مفعول به ، والضمير المتَّصل ( الكاف والميم ) مضاف إليه ، و (( قِبَل )) ظرف مكان متعلِّق بكلمة : (( تولوا )) ، و (( المشرق )) مضاف إليه ، و (( والمغرب )) عطف على المشرق ، والمصدر من أن وما يتبعها : (( أن تولوا وجوهكم قِبل المشرق والمغرب )) هو اسم ليس ، المؤخَّر ..
.. وورود كلمة (( البرَّ )) متقدِّمة على اسمها ومعرَّفة بأل التعريف ، له دلالته بكون التولية قِبل المشرق والمغرب ليست خارج البرِّ .. فالمعنى المحمول بهذه الصياغة هو سلب كون التولية عين البرِّ ، بمعنى سلب حصر البرِّ بالتولية قِبل المشرق والمغرب فقط .. كأن نقول : ليست الأرضَ دمشقُ ، فما يُسلب هو كون دمشق عين الأرض ، لكن دون أن ينفي ذلك كون دمشق من الأرض ..
.. والجملة المُفترضة التي يريدها من لم يستوعبوا هذه الصياغة القرآنيّة ، هي : ليست التولية ( قِبل المشرق والمغرب ) هي البرّ .. وفي هذه الجملة المفترضة ، ما يُراد إظهاره وإلقاء الضوء عليه هو التولية ، حيث ترد اسماً معرَّفاً بأل التعريف بشكلٍ صريحٍ غير مؤوَّل ، وما يراد سلبه منها ونفيه هو البرُّ ..
.. لكن .. ما يريد النصُّ إلقاء الضوء عليه ، هو البرُّ وليس التولية ، وما يُراد سلبه ونفيه هو كون التولية عين البرِّ ، وما يؤكِّد ذلك هو العبارة التالية مباشرة : (( ولكنَّ البرَّ )) ، فالسياق التالي يتعلَّق بالبرِّ .. وإلقاء الضوء على : (( البرَّ )) كونه هو المعني في سياق هذه الآية الكريمة ، وليس التولية ، يقتضي تقديمه على التولية ، ويقتضي وروده معرَّفاً بأل التعريف ، ليشمل التولية قِبَل المشرق والمغرب ، دون حصره بها ، وهذا عين ما يرد في هذه الآية الكريمة ..
.. الآن .. العبارة القرآنيّة التالية مباشرة : (( ولكنَّ البرَّ )) مكوّنة من حرف مشبّه بالفعل هو كلمة (( ولكنَّ )) ، ومن اسمه ( الأوَّل ) وهو كلمة (( البرَّ )) .. و (( مَنْ )) اسم موصول ، هو خبر لكنَّ ، وجملة (( آمن )) صلة الموصول ، و (( بالله )) جار ومجرور متعلِّقان بآمن ، وكذلك (( واليوم )) ، و (( الآخر )) صفة ، و (( والملائكة والكتاب والنبيين )) معطوفة على لفظ الجلالة ( الله ) تعالى ..
.. وهنا قال بعض الذين لم يستوعبوا عظمة هذه الصياغة اللغويّة : كان يجب أن يقول : « ولكن البر أن تؤمنوا بالله » لأن البر هو الإيمان لا المؤمن .. ونجيب هؤلاء فنقول : بعد أنَّ تمَّ سلب التولية قِبل المشرق والمغرب من كونها عين البرِّ ، من زاوية وصفه كقيمة إيمانيّة : (( ليس البرَّ أن تولوا وجوهكم قِبل المشرق والمغرب )) ، وبعد أن تعلَّق اسمُ ليس بالمصدر : (( أن تولوا وجوهكم قِبل المشرق والمغرب )) ، اكتمل ما يريده النصُّ - حتى هنا - من وصفٍ للبرِّ كقيمة إيمانيّة مجرَّدة عن تجسيدها من خلال البشر ، وذلك بسلب حالة كونه عين التولية قِبَل المشرق والمغرب ..
.. بعد العبارة الأولى في هذه الآية الكريمة ، عاد النصُّ للحديث عن البرِّ ، من خلال ما نراه بحواسِّنا من أعمال يقوم بها بعض البشر ، لدرجة أصبحوا يتَّصفون بها : (( ولكنَّ البرَّ من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا )) ، وبذلك يكون الأمر قد استوفى جانب القيمة المعنويّة من خلال السلب لكون مجرَّد التولية قبل المشرق والمغرب عين البرِّ ، في العبارة الأولى ، ومن خلال جانب القيمة الحسيّة بوصف أفعال يقوم بها بعض البشر ، تُجسِّد لنا حقيقة البرِّ : [[ (( من آمن )) ،، (( وآتى )) ،، ( وأقام )) ،، ( وآتى )) ،، (( وآتى )) ،، والموفون بعهدهم )) ]] .. وبهذا يكون النصُّ قد وصف حقيقة البرِّ بجانبيه المعنوي والحسِّي ..
.. ولنتابع الوقوف عند كلمات هذه الآية الكريمة ، كلمة كلمة .. كلمة : (( وآتى )) فعل ماض معطوف على آمن ، داخل إطار الصلة لاسم الموصول : (( مَن )) .. و (( المال )) مفعول به ، و (( ذوي )) مفعول به علامة نصبه الياء كونه جمعاً لكلمة : ذي ، وكلمة (( القربى )) مضاف إليه ، و (( اليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين )) معطوفة على ذوي ، والكلمتان (( وفي الرقاب )) جار ومجرور ، وهنا العطف ما زال مستمرَّاً ، إمّا بتقدير : وآتى المال في فكِّه للرقاب ، أو : بتقدير التعلّق بخبر ( كائنٌ ) لاسم لكنَّ ، بمعنى : لكنَّ البرَّ كائنٌّ في فكِّ الرقاب .. ويستمر العطف : (( وأقام الصلاة وآتى الزكاة )) .. و : (( والموفون )) عطف على من آمن ، أو خبر لمبتدأ محذوف بتقدير : هم الموفون ، و : (( بعهدهم )) جار ومجرور متعلِّقان ب : (( والموفون )) كونها جمعاً لاسم فاعل من أوفى .. و : (( إذا )) ظرف متعلِّق بكلمة (( والموفون )) ، و الجملة : (( عاهدوا )) من الفعل والفاعل في محل جر بالإضافة كونها بعد الظرف ..
.. حتَّى الآن .. نرى توافقاً مع ظاهر قواعد اللغة العربيّة ، فبين أيدينا مجموعة من العبارات المتتالية المعطوفة على بعضها كخبر لكلمة : (( ولكنَّ )) ، وكلّها مرفوعة كون خبرِ الحرف المشبّه بالفعل يأتي مرفوعاً .. فالعبارة القرآنيّة : (( من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين )) هي خبر لكلمة (( ولكنَّ )).. وأيضاً العبارة القرآنيّة التالية لها مباشرة : (( وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وفي الرقاب )) هي خبر لكلمة (( ولكنَّ )) .. وأيضاً العبارة القرآنيّة التالية لها مباشرة : (( وأقام الصلاة )) هي خبر لكلمة (( ولكنَّ )) .. بمعنى ومن أقام الصلاة .. والعبارة القرآنيّة التالية لها مباشرة : (( وآتى الزكاة )) هي خبر لكلمة (( ولكنَّ )) .. بمعنى ومن آتى الزكاة .. وأيضاً العبارة القرآنيّة التالية لها مباشرة (( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا )) هي خبر لكلمة (( ولكنَّ )) ..
.. الآن .. العبارة التالية مباشرة (( والصابرين في البأساء والضرّاء وحين البأس )) ، الكلمة الأولى في هذه العبارة هي كلمة (( والصابرين )) ، وما نراه أنَّها ليست مرفوعة كما هو حال العبارات السابقة لها التي رأيناها خبراً للحرف المشبه بالفعل (( ولكنَّ )) .. وهنا وقف الجاهلون بحقيقة صياغة هذه العبارات القرآنيّة ، فاتَّهموا كتاب الله تعالى بالخطأ اللغوي ، فما يتخيَّلونه هو لزوم ورودها بالصيغة ( والصابرون ) ..
.. ما نراه في سياق هذه العبارات القرآنيّة أنَّ كلمة : (( والصابرين )) معطوفة على اسم : (( ولكنَّ )) في العبارة : (( ولكنَّ البرَّ )) ، أي معطوفة على كلمة : (( البرَّ )) .. وبالتالي فكلمة : (( والصابرين )) منصوبة كونها اسماً لحرفٍ مشبّهٍ بالفعل .. بمعنى : ولكنَّ الصابرين في البأساءِ والضرّاءِ وحينَ البأس ..
.. يعني : الحرف المشبَّه للفعل : (( ولكنَّ )) له اسمان أحدهما معطوف على الآخر .. الاسم الأوَّل هو كلمة : (( البرَّ )) ، والاسم المعطوف على هذا الاسمِ الأوَّل هو كلمة : (( والصابرين )) .. لكنَّ الاسم الأوَّل : (( البرَّ )) استوفى خبره قبل ورود الاسم الثاني .. وبعد ذلك جاء الاسمُ الثاني : (( والصابرين )) ..
.. الآن .. الجملة (( أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتّقون )) هي خبر للاسم الثاني (( والصابرين )) .. وفي الوقت ذاته يتعلَّق بها كلّ ما تقدَّم .. وهنا تكمن عظمة الصياغة اللغويّة في هذه الآية الكريمة ..
.. هذا التأخير لاسم : (( ولكنَّ )) الثاني ، وهو كلمة : (( والصابرين )) ، هو لحكمة إلهيّة عظيمة ، فهنا بذكر الاسم الثاني لكلمة : (( ولكنَّ )) وهو كلمة : (( والصابرين )) ، انتقل السياق من مسألة البرِّ إلى مسألةٍ أُخرى هي : (( والصابرين )) .. فالله تعالى أراد تبيانَ تعلّقِ الصابرين بدلالات العبارة : (( أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتّقون )) تعلّقاً خاصّاً ، من خلال جعل هذه العبارة خبراً ملاصقاً لكلمة : (( والصابرين )) .. وفي الوقت ذاته ، أراد للعبارة القرآنيّة : (( أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتّقون )) أن يتعلَّق بها كلُّ من تمَّ ذكره في السياق السابق لها في هذه الآية الكريمة .. سواءٌ في مسألة البرِّ ، أم في مسألة الصابرين ..
.. ولو نظرنا بعمق في هذا النصِّ الكريم ، وإلى اسمي كلمة : (( ولكنَّ )) ، وهما كلمتا : [ (( البرَّ )) ،، (( والصابرين )) ] لرأينا أنَّ الاسم الأوَّل : (( البرَّ )) يصف تجسيداً لقيمٍ تصف صاحبها بالبرِّ ، في مسائل كلُّها تتعلَّق بالبرِّ ، ولا يصف أشخاصاً محدَّدين بعيداً عن مسألة البرِّ : (( من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ))..
.. بينما الاسم الثاني وهو كلمة : (( والصابرين )) نراه بداية لمسألة أُخرى غير مسألة البرِّ .. وبالتالي .. خبر كلمة : (( والصابرين )) ، الذي - كما نرى - يبتدأ بكلمة : (( أولئك )) : (( أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون )) ، نرى فيه كلمة (( أولئك )) ، يتعلَّق بها كلُّ من ورد ذكرهم في السياق السابق ، سواء اسم (( ولكنَّ )) : (( والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس )) أم خبر : (( البرَّ )) : (( من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا )) ..
.. من هنا نرى عظمة الصياغة القرآنيّة بتأخير كلمة : (( والصابرين )) ، الاسم الثاني لكلمة : (( ولكنَّ )) ، إلى ما بعد اكتمال خبر اسمها الأوَّل (( البرَّ )) ، ليتم البدء بأمرٍ جديد هو : (( والصابرين )) ، ليكون خبره يتعلَّق به في الوقت ذاته كلُّ المذكورين في خبر الاسم الأوَّل ، كما رأينا .. وهذه الدلالات لا يمكن أن تصل إلينا إلاَّ من خلال هذه الصياغة المُعجزة ..
.. أما إعراب كلمة : (( والصابرين )) على أنَّها منصوبة بكلمة مفترضة هي أمدح وأخص ، هذه تخريجة غير مقنعة ، فما نراه أنَّ المدحَ المفترض حسب تخريجهم تعلَّق في هذه الآية الكريمة بالصابرين ، دون التعلّق بمن أقام الصلاة .. بينما .. في الآية ( 162 ) في سورة النساء ، كما رأينا في المنشور السابق ، تعلَّق المدح والاختصاص ( حسب تخريجهم ) بالمقيمين الصلاة .. فالمسألة إذاً بالنسبة لتخريج الاختصاص والمدح ، ليست مبنية على أسس بلاغية متعلّقة بحقيقة الدلالات المحمولة في النصِّ القرآني ..
وهنا أقول لمن يحاولون الإساءة لكتاب الله تعالى ، أنتم ركضتم خلف أهوائكم غيرِ النبيلة ، ولو أنَّكم كنتم من الباحثين عن الحقيقة لوصلتم إليها ، ولأدركتم أنَّ ما تحسبونه نقصاً في صياغةِ كتاب الله تعالى ، هو بلاغةٌ عظيمة نابعة من عظمة صياغة عبارات كتاب الله تعالى ..
===============
.. سنقف اليوم عند قوله تعالى :
(( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم )) [ النحل : 106 ]
.. قالوا : كان من المفترض أن تأتي كلمة (( فعليه )) بدلاً من كلمة (( فعليهم )) .. وكلمة (( وله )) بدلاً من كلمة (( ولهم )) .. وكان من المفترض إكمال الجملة الأولى بأن يُخبرنا النصُّ بما سيحدث لمن يكفر بالله من بعد إيمانه ..
.. اقتطاع هذه الآية الكريمة من سياقها القرآني ، مع الجهل بثوابت اللغة ، مع عدم امتلاك الإرادة الصادقة في معرفة الحقِّ .. كلُّ ذلك أدَّى بهم إلى تبنّي هذه الشبهة ... لننظر في السياق السابق لهذه الآية الكريمة ..
(( إنّما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون (105) من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم )) [ النحل : 105 - 106 ]
.. ما نراه في هذا النصِّ الكريم .. أنَّ : (( إنما )) كافّة ومكفوفة ، و : (( يفتري )) فعل مضارع ، و : (( الكذب )) مفعول به مُقدَّم ، و : (( الذين )) فاعل مؤخَّر ، و : (( لا )) نافية ، و : (( يؤمنون )) فعل مضارع ، و : (( بآيات )) جار ومجرور ، و كلمة لفظ الجلالة : (( مضاف إليه )) مضاف إليه ، والجملة : (( لا يؤمنون بآيات الله )) صلة .. ونرى أنَّ : (( وأولئك )) الواو اعتراضيّة ، وكلمة أولئك مبتدأ ، و : (( هم )) ضمير فصل ، وممكن إعرابها على أنَّها مبتدأ ثاني ، و : (( الكاذبون )) خبر أولئك ، أو هم .. والجملة : (( وأولئك هم الكاذبون )) جملة اعتراضيّة ، بين البدل ، والمبدل منه في الآية الكريمة اللاحقة ..
.. الآن .. كلمة : (( مَن ) في بداية الآية الثانية ، هي بدل من كلمة : (( الذين )) ، بمعنى : إنّما يفتري الكذب مَن كفر بالله من بعد إيمانه إلاَّ من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان .. وهنا .. نرى ورود الجملة الاعتراضيّة : (( وأولئك هم الكاذبون )) ، بين المُبدل : (( الذين )) والمبدل منه : (( مَن ) ، تحمل دلالة يتعلَّق بها السياق السابق واللاحق في الوقت ذاته .. فسواءٌ : (( الذين لا يؤمنون بآيات الله )) ، أم : (( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان )) ،كلاهما يتَّصفون بما تحمله الجملة الاعتراضيّة بينهما (( وأولئك هم الكاذبون )) ..
.. إذاً عندنا حتّى الآن صنفان يفتريان الكذب ، الصنف الأوَّل هو : (( الذين لا يؤمنون بآيات الله )) ، والصنف الثاني هو : (( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان )) ، وكلاهما يصفه الله تعالى بدلالات الجملة الاعتراضيّة بينهما : (( وأولئك هم الكاذبون )) ..
.. الآن .. كلمة (( ولكن )) ، تفتتح لنا صنفاً ثالثاً هو (( من شرح بالكفر صدراً )) ، حيث كلمة (( مَن )) مبتدأ ، و (( شرح )) فعل الشرط ، و (( بالكفر )) جار ومجرور متعلِّقان بشرح ، و (( صدراً )) مفعول به ..
وبالتالي فنحن أمام ثلاثة أصناف :
1 - (( الذين لا يؤمنون بآيات الله ))
2 - (( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان ))
3 - (( من شرح بالكفر صدراً ))
.. وتأتي بعد ذلك الفاء الرابطة في كلمة : (( فعليهم )) ، لتربط جملة جواب الشرط : (( فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم )) بجملة فعل الشرط : (( من شرح بالكفر صدراً )) .. وفي الوقت ذاته ، لتصف الأصناف السابقة جميعها ، حيث كلمة : (( فعليهم )) وكلمة (( ولهم )) ، هما بصيغة الجمع لتشملا الأصناف الثلاثة ..
.. لا يمكن لأيِّ صيغة أُخرى - مهما كانت - أن تُعطي هذا المعنى العميق .. فربط الصنف الثالث (( من شرح بالكفر صدراً )) مباشرة بجملة جواب الشرط (( فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم )) .. وتعلّق الصنفين الثاني والثالث بالحملة الاعتراضيّة بينهما (( الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون (105) من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان )) .. واستحقاق الأصناف الثلاثة لما تحمله العبارة القرآنيّة (( فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم )) ، كون كلمتي [[ (( فعليهم )) ،، (( ولهم )) ]] بصيغة الجمع كما نرى .. كلُّ ذلك صياغة مطلقة ، تتعلَّق بكون نصوص كتاب الله تعالى قولَ الله تعالى ..
======================
سنقف اليوم عند قوله تعالى ..
(( هو الذي يسيِّركم في البرِّ والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريحٍ طيّبة وفرحوا بها جاءتها ريحٌ عاصفٌ وجاءهم الموج من كلِّ مكان وظنّوا أنَّهم أُحيط بهم دعَوا لله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين ( 22) فلمَّا أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق ....... )) [ يونس : 22 - 23 ]
.. قالوا : يوجد اختلال صارخ في استعمال الضمائر ، ومراوحة في استعمال ضميري المخاطب والغائب في غير محلها ، فكان من المفروض أن يقول: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِكمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وفرِحتم بِهَا ..
وفالوا أيضاً : العبارة القرآنيّة (( جاءتها ريحٌ عاصفٌ )) ، كان من المفترض أن تأتي بالشكل : (( جاءتها ريحٌ عاصفةٌ )) ، مثل الصيغة في قوله تعالى : (( ولسليمان الريخ عاصفة تجري بأمره )) [ الأنبياء : 81 ] ..
.. نقول : هذا الانتقال ما بين صيغتي المخاطب والغائب ، وأحياناً بين صيغتي المفرد والجمع ، هو صياغة مطلقة تصف وصفاً مطلقاً حقيقة ما يصفه النصُّ ، وقد بيّنت في أبحاثي الكثير من هذه اللفتات اللغويّة ..
.. في سورة الفاتحة مثلاً ، والتي يحفظها المسلمون عن ظهر قلب ، نرى أنَّه بعد إثبات الحمد لله تعالى ، كإله ، وكربِّ ، وكرحمن ، وكرحيم ، وكمالك ليوم الدين ، حيث صيغة الغائب : (( الحمد لله ربِّ العالمين (2) الرحمن الرحيم ( 3 ) مالك يوم الدين )) ، بعد هذا الإثبات ، وهذا الاعتقاد ، يتمُّ الانتقال إلى صيغة المخاطب ، حيث الحضور والقرب : (( إياك نعبد وإياك نستعين (5) اهدنا الصراط المستقيم )).. فالانتقال ما بين هاتين الصيغتين ، هو من مقتضيات الصياغة المطلقة التي يحملها النصُّ القرآني .. وكما قلت .. وقفت في أبحاثي على عدّة مسائل يتمُّ فيها الانتقال ما بين صيغتي الغائب والمخاطب ، مثل قوله تعالى : (( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبيُّ ان يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين )) [ الأحزاب : 50 ] .. ومثل قوله تعالى : (( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتّبع الرسول ممّن ينقلب على عقبيه )) [ البقرة : 143 ] .. ولا مجال لشرح ذلك في هذا السياق ، فمن يودُّ الاطلاع على ذلك ، فأبحاثي كلُّها منشورة على موقعي ..
.. في النصِّ الكريم الذي بين أيدينا قيد الدراسة ، نرى أنَّ قوله تعالى : (( هو الذي يسيِّركم في البرِّ والبحر حتّى إذا كنتم في الفلك )) ، يُصوِّر لنا سنّة كونيّة هي تسيير الله تعالى لنا في البرِّ والبحر ، وأنَّ أيَّاً منّا يستفيد من هذه السنّة ، وهذا أمرٌ يشمل جميع البشر دون استثناء ، مؤمنين كانوا أم كافرين ، طائعين كانوا أم عاصين .. ولذلك نرى صيغة المخاطب ، كونه لا يُوجد من البشر من هو خارج هذه السنّة والاستفادة منها ..
.. لكن .. العبارات التالية لها : (( وجرين بهم بريحٍ طيّبة وفرحوا بها جاءتها ريحٌ عاصفٌ وجاءهم الموج من كلِّ مكان وظنّوا أنَّهم أُحيط بهم دعَوا لله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين ( 22) فلمَّا أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق ....... )) ، تنقلنا - كما نرى - إلى حالةٍ أُخرى ، لا تصفُ سنَّةً كونيّةً من سنن الله تعالى ، وإنّما تصف حال الجاحدين بعطاء الله تعالى لهم .. فهؤلاء .. حصلت معهم عدّة أمور متتالية تؤكِّد جحودهم وبغيهم في الأرض ، وهذا ليس سنّةً كونيّةً تشمل جميع البشر ، وإنّما الجاحد الباغي منهم فقط .. ولذلك نرى عظمة الصياغة القرآنيّة بالانتقال إلى صيغة الغائب ..
.. ولو فرضنا جدلاً أنَّها استمرَّت بصيغة المخاطب ، كما يتوَّهم مثيرو هذه الشبهة ، لأصبح هناك خلل ، كونه في هذه الحالة المفترضة يكون جميع البشر جاحدين باغين .. فهل كلُّ البشر عندما يظنّون أنَّهم أُحيط بهم ويدعون الله تعالى مخلصين له الدين ويستجيب لهم فينجيهم ، هل كلُّهم يبغون في الأرض بغير الحقِّ ؟!!! .. أم أنَّ قسماً منهم فقط هو من يفعل ذلك ؟ .. من يتذوَّق روح صياغة النصِّ القرآني بفطرة نقيّة ، وبإدرك لقواعد اللغة ، يُدرك أنَّ هذا الانتقال من صيغة المخاطب إلى صيغة الغائب ، ضرورة لا بدَّ منها لتصوير الدلالات المحمولة بهذا النصِّ ..
.. أمَّا يالنسبة لقولهم : صياغة العبارة القرآنيّة (( جاءتها ريحٌ عاصفٌ )) ، كان من المفترض أن ترد بالصيغة : (( جاءتها ريحٌ عاصفةٌ )) .. نقول : كلمة (( ريح )) مؤنَّثة في جميع مرّات ورودها في كتاب الله تعالى .. وبإمكان القارئ أن يتحقَّق أن ذلك ..
.. وفي قوله تعالى :
(( ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفراً لظلّوا من بعده يكفرون )) [ الروم : 51 ] ، فإنَّ الضمير المذكَّر في كلمة (( فرأوه )) ، يعود إلى المحمول بالريح ، وليس إلى الريح دون المحمول بها ، فالريح دون المحمول بها لا تُرى أصلاً ..
.. وفي قوله تعالى :
(( وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم (41) ما تذر من شيء أتت عليه إلاَّ جعلته كالرميم )) [ الذاريات : 41 - 42 ]
.. فإنَّ وصْف الريح ب (( العقيم )) لا يعني أنَّها مذكَّر ، أبداً ، فالآية التالية مباشرة (( ما تذر من شيء أتت عليه إلاَّ جعلته كالرميم )) لهذا الوصف تؤكِّد ذلك .. ومن المعلوم أنَّ صغية ( فعيل ) يتساوى فيها المذكَّر والمؤنَّث ..
.. إذاً .. الريح في جميع مرّات ورودها في كتاب الله تعالى مؤنَّثة ، وفي ذات الآية الكريمة التي أثاروا بها هذه الشبهة ، نرى ورود الريح بصيغة المؤنَّث (( وجرين بهم بريحٍ طيّبة وفرحوا بها جاءتها ريحٌ عاصفٌ )) ..... وفي ذات العبارة التي أثاروا فيها الشبهة : (( جاءتها ريحٌ عاصفٌ )) ، نرى أنَّ الريح مؤنّثة ، فالضمير المتَّصل في كلمة (( جاءتها )) واضح وبيِّن ..
.. من هنا نرى أنَّ صيغة التذكير في كلمة (( عاصف )) في قوله تعالى (( جاءتها ريحٌ عاصفٌ )) ، لا تتعلَّق بالريح ، وإنّما بإعصار تحمله الريح ، بتقدير : جاءتها ريحٌ فيها إعصارٌ عاصف .. ولولا صيغة التذكير هذه ، ما كنَّا لنصل إلى هذه الدلالة ..
==========
.. سنقف اليوم عند قوله تعالى :
(( وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلمات فأتمَّهنَّ قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريَّتي قال لا ينال عهدي الظالمين )) [ البقرة : 124 ]
.. قالوا : كان من المفترض أن ترد كلمة : (( الظالمين )) مرفوعة ، وذلك كونهم يتخيّلونها فاعلاً ، ويتخيَّلون كلمة (( عهدي )) مفعولاً به ..
.. وهذه الشبهة ناتجة - كغيرها من الشبه - عن جهلهم بدلالات الكلمات القرآنيّة .. فكلمة (( ينال )) ، تعني : يدرك ..
(( لن تنالوا البرَّ حتى تنفقوا ممَّا تحبّون )) [ آل عمران : 92 ]
(( وردَّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً )) [ الأحزاب : 25 ]
.. وكلمة (( ينال )) ، تعني : يصيب ..
(( ليبلونَّكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم )) [المائدة: 94 ]
(( إنَّ الذين اتَّخذوا العجل سينالهم غضبٌ من ربِّهم وذلّة )) [ الأعراف : 152 ]
وكلمة (( ينال )) تعني : يصل إلى :
(( لن ينال اللهَ لحومُها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم )) [ الحج : 37 ]
.. وما نراه أنَّ العبارة القرآنيّة (( فال لا ينال عهدي الظالمين )) ، تأتي ردَّاً على طلب إبراهيم عليه السلام بجعل الإمامة التي خصَّه الله تعالى بها : (( قال إني جاعلك للناس إماماً )) ، تدرك وتصيب وتصل إلى بعض ذريّته : (( قال ومن ذريَّتي )) ، فجاء الردُّ على طلب إبراهيم عليه السلام : (( قال لا ينال عهدي الظالمين )) ، بأنَّ هذه الإمامة للناس ، والتي تتعلَّق بعهد الله تعالى ، لا تصيب الظالمين ولا تصل إليهم .. وبالتالي .. فكلمة : (( عهدي )) فاعل ، وكلمة (( الظالمين )) مفعول به ..
========
سنقف اليوم عند قوله تعالى ..
(( والتين والزيتون (1) وطور سينين )) [ التين : 1 - 4 ]
قالوا : فلماذا قال : (( سينين )) بالجمع عن (( سيناء )) ؟ ، فمن الخطأ لغويّاً تغيير اسم العلم حبّاً في السجع المتكلّف ..
.. ما نراه أنَّ كلمتي [[ (( سيناء )) ،، (( سينين )) ]] تردان كمضاف إليه لكلمة : (( طور )) ..
(( وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين )) [ المؤمنون : 20 ]
(( والتين والزيتون (1) وطور سينين (2) وهذا البلد الأمين (3) لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم )) [ التين : 1 - 4 ]
.. وكلمة (( طور ))لم تأت في كتاب الله تعالى نكرة ، إنَّما جاءت في هذين الموضعين معرَّفة تعريف إضافة : [[ (( طور سيناء )) ،، (( وطور سينين )) ]] ، وجاءت في باقي مرّات ورودها معرّفةً بأل التعريف ..
.. تعريف (( الطور )) بأل التعريف ، وكمكان يُوجد فيه الطور ، ناتجٌ عن إضافته لكلمة : (( سينين )) ، فالله تعالى يُقسم بالمكان الخاص الذي يوجد فيه الطور : (( وطور سينين )) .. فكلمة (( سينين )) تصف المكان الخاص الذي فيه الطور ..
.. بينما العبارة القرآنيّة : (( طور سيناء )) ، تصف المنطقة الأوسع التي فيها المكان : ( طور سينين ) ، وهي المنطقة التي تخرج منها الشجرة المعنيّة بقوله تعالى : (( وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين )) .. فالمكان الموصوف بالعبارة (( وطور سينين )) ، محتوى في المنطقة الموصوفة بالعبارة : (( طور سيناء )) ..
.. وهذا يماثل الكلمتين : [[ (( مكة )) ،، (( بكة )) ]] ، حيث (( بكة )) هي المكان الذي فيه المسجد الحرام ، و (( مكة )) هي المساحة الأوسع المحيطة ب (( بكة )) ..
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96) ال عمران
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ۚ-------- وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24) الفتح
===============================================================
سؤال من أخ كريم
أستاذنا... ألتفاتات رائعة كالعادة ....ولكن لو سمحت ماهو دليلك على أن طور سينين جزء من منطقة طور سيناء .....وكذلك ماهو الدليل على أن بكة جزء من مكة .....تحياتي وأحترامي
الرد
قوله تعالى : (( إنَّ أول بيت وُضع للناس للذي ببكة مباركاً )) واضح أنَّ الحديث عن البيت حصراً ، وتمَّ ربطه ببكّة .. أمّا بالنسبة ل ( سينين )) ففيها تمَّ القسم : (( والتين والزيتون (1) وطور سينين )) ، بينما سيناء ذكرت كمنطقة تنبت فيها الشجرة المعنيّة .. هذا هو الأمر بمنهى البساطة .. وأي دليلٍ قرآني على أيِّ مذهب آخر في هذا الأمر ، سنلتزم به ، إن شاء الله تعالى .. جزاكم الله تعالى كل خير .. ولكم جزيل الشكر ..



#عدنان_غازي_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد ص لم يتزوج عائشة وهي طفلة ...واليكم الدليل القاطع!
- جريمة الزواج من الطفلة في الاسلام.
- هل الشرُّ في الوجود يعود الى الله عز وجل ؟؟
- الترتيب المطلق لحروف القرآن الكريم وكلماته (1)
- مهزلة أحكام العبيد وملك اليمين
- مفهوم كلمة (النهر ) في القرآن الكريم .
- القرآن العزيز وتهافت شبهة وجود أخطاء بلاغية ونحوية.
- الرد على المشككين بشهر رمضان المبارك عبر محاولات ربطه بالسنة ...
- الأعجاز البلاغي : مفهوم الأخ في القرآن الكريم
- النفس والجسد
- هل يصح أن نقول أن الله تبارك وتعالى شيء ؟
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن ( 16)
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن ( 14)
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن ( 15)
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن (13)
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن (12)
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن (10)
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن (11)
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن (9)
- الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرأن (8)


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عدنان غازي الرفاعي - عدنان الرفاعي يخترق حصون أعداء الأسلام ويضرب بقوة في أروع ما تقرأه حول شبهة وجود أخطاء نحوية في القرآن !