أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد جعفر - حول معرفتنا بالتاريخ














المزيد.....

حول معرفتنا بالتاريخ


أحمد جعفر

الحوار المتمدن-العدد: 5284 - 2016 / 9 / 13 - 18:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


حول معرفتنا بالتاريخ . (المسألة أكبر من الصدق والكذب)

إن تبرير وتحقيق معرفتنا بالتاريخ اكبر بكثير من قضية الصدق والكذب أو قضية الثقة عموما.حتى عندما نعاير نقولات اصدقائنا حول ما دار في غيابنا وما لم نشهده ، تكون المسألة ليست في تحريهم الدقة والحقيقة وأن يصدقوا معنا في ما دار ! والشواهد في ذلك كثيرة جدا ، مثلا عندما نستمع لسرد اثنين من أصدقائنا حول سهرة سمر دارت بينهم في الماضي ، من الممكن أن نجد لدينا روايتين مختلفتين ، بل تكاد متضاربتين ! لماذا ؟

إن التاريخ الذي تكون مادته الاولية هي الرواية ،بطريقة السرد، تكون فيه العملية التفضيلية الذاتية طاغية ! لأن الذي يسرد ، يقوم بتفضيل مضاعف ! أولا في (ما يدركه بحواسه وادراكه) ، ومن (ثم في ما ينقله ويحيكه) ! مثلا عندما ينقل لي أصدقائي ما دار حول خلاف بين إثنين، ينقل كل واحد منهم ما فهمه وظنه قد حدث! مثلا ينقل أن أحد المتخاصمين قد غضب كثيرا من كلام محدد ، وأنه حاول أن يقطع النقاش وأنه كان يرمي لهدف محدد ! قد ينقل الآخر أن ذات الشخص في الحقيقة لم يغضب كثيرا ، وإنما كان يوهم الناس أنه غضب ، وأنه لم يكن يناقش بجدية ، بل كان ساخرا في الأساس لأنه كان مخمورا مثلا ! لقد شكل الإدراك نفسه (تفضيل أولي) في سرد الروايتين ، من ثم شكل اختيارهم لسرد حقائق محددة (تفضيل ثاني) !

حتى التاريخ الذي تكون مادته الاولية الوثائق المكتوبة، هو ليس تاريخا موضوعيا يماثل ما حدث حقيقة ! هو كذلك سرد تفضيلي اختياري كما السرد الشفاهي ! مثلا هناك قصة سياسة جوستاف ستريسمان ، وزير الخارجية الألماني في جمهورية فايمار (المانيا حديثا) الذي توفي عام 1929 والذي كتب تاريخه صديقه الوفي بيرنارد بعد أن ترك أكثر من 300 صندوق ملئ بالوثائق الرسمية وشبه الرسمية والخاصة لعمله طيلة الستة سنوات كوزير خارجية . عندما كتب بيرنارد كتابه حول سياسة ستريسمان ، كتب من خلال الوثائق نفسها، والتي أظهرت اهتمام كبير من ستريسمان بالسياسة الاوروبية والغربية عموما واهماله لسياسته مع الاتحاد السوفيتي ! عندما وقعت الوثائق في ايدي البريطانيين والامريكيين عام 1945 ،صار ما فعله برنارد ظاهرا للجميع !! لقد قام بيرنارد بعملية كتابة اختيارية ، ولكنها اختيارية لما يظنه برنارد مهما حول نجاحات ستريسمان كسياسي بارع في وقت كانت السياسة الغربية مهمة لاعتبارات مصالح أكثر من تلك مع الاتحاد السوفيتي! ولكن من بدأ هذه العملية الذاتية والاختيارية ؟ إنه ستريسمان نفسه ، لأنه هو من قام بعكس ما كان يظنه الواقع في وثائقه التي تركها ! ما قام به برنارد ومن قبله ستريسمان ليس كذبا او شيئا مستنكرا ! هو أمر طبيعي لخاصية التأريخ نفسها ! هي (العملية التفصيلية الاختيارية) !

المؤرخ عندما يسرد تاريخ وحقائق تاريخية ( historical facts ) ، فهو يعتبر أن هذه هي الحقائق المهمة وما دونها عوابر تاريخية ( historical farts ) لا أختار أن أحكيها لأنها غير مهمة لاعتبارات هي ذاتية في الحقيقة . ولذلك فالتاريخ هو ما يختار المؤرخ أن يسرده (وقبل ذلك ما يدركه) وهو ما يعتبره المؤرخ حقائق تاريخ تستحق أن تسجل، وفي ذات الوقت هو ما يختاره أن ﻻ يحكيه وﻻ يسرده وأن ﻻ يسجله بحكم أنها ﻻ تستحق التدوين فهي غير ذات شأو !

إذن عملية التاريخ هي عملية إختيارية تفضيلية ذاتية وليست موضوعية فالمؤرخ ينقل ويسجل ما يراه هو مفيداً ومهما وأساسيا، وليس بالضرورة أن يكون محقا فقد نختلف تماماً حول ما يستحق أن يسمى "حقائق تاريخية"، وحول ما يستحق أن يطوى في دفتر النسيان. كما يقول إدوارد كارر ، ما الذي يجعل معركة محددة مهمة ليكتب عنها المؤرخون هذا الكم الكبير من الروايات؟ إنه اعتبار المؤرخ الذاتي. ما يهمنا في التاريخ كما يقول كارر ليس أن معركة هاستينج كانت في 1066 مثلاً بدلاً من 1067 أو 1068، برغم أن الدقة مهمة، أو أنها كانت في هاستينج وليس إيستبيرج أو برايتون، وإنما أن تكون معركة هاستينج مهمة أساساً ليذكرها التاريخ. ! كما تقول المقولة أن "الحقيقة مثل وعاء أو أنبوب فارغ، ﻻ تأخذ شكلها إﻻ عندما ننفخ فيها" ! .

إن المعرفة بالتاريخ ليست معرفة عن الماضي، بل هي معرفة عن الحاضر الذي يتشكل في الرواية عن الماضي ! المؤرخ لا يمكنه أن يكون مرآة شفافة تنقل الماضي، لأنه يدرك ، وهذا هو المرشِّح filter الأول، من ثم يسرد، وذاك هو الثاني !



#أحمد_جعفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تركيا إلى أين ؟ سيناريوهات ما بعد الانتخابات
- البرزاني يوحد الكورد على تراب شنكال
- عن الفيدرالية
- سوريا وإمكانية تحقيق العدالة الانتقالية
- العنف والدولة المدنية
- القائمة المغلقة في العراق... من وراء ذالك ؟
- الفرد في تاريخنا
- مرتكزات التعددية والواقع العراقي
- من هنا سأبدأ
- الحكومات وأسس الظاهرة السياسية
- مسؤولية البناء وعمق المعالجة ..هل نملكها ؟؟
- الموروث... وأمي ... ودراجتي
- من ركب الحصان في الفلوجة.. عقولنا ام الملائكة ؟؟!!


المزيد.....




- الطلاب الأمريكيون.. مع فلسطين ضد إسرائيل
- لماذا اتشحت مدينة أثينا اليونانية باللون البرتقالي؟
- مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي ينتظر ال ...
- في أول ضربات من نوعها ضد القوات الروسية أوكرانيا تستخدم صوار ...
- الجامعة العربية تعقد اجتماعًا طارئًا بشأن غزة
- وفد من جامعة روسية يزور الجزائر لتعزيز التعاون بين الجامعات ...
- لحظة قنص ضابط إسرائيلي شمال غزة (فيديو)
- البيت الأبيض: نعول على أن تكفي الموارد المخصصة لمساعدة أوكرا ...
- المرصد الأورومتوسطي يطالب بتحرك دولي عاجل بعد كشفه تفاصيل -م ...
- تأكيد إدانة رئيس وزراء فرنسا الأسبق فرانسو فيون بقضية الوظائ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد جعفر - حول معرفتنا بالتاريخ