أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد سوسه - الطبيعة الاجتماعية والسياسية للثقافة















المزيد.....


الطبيعة الاجتماعية والسياسية للثقافة


سعد سوسه

الحوار المتمدن-العدد: 5283 - 2016 / 9 / 12 - 09:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ان الثقافة في علاقة تفاعل وترابط مع المجتمع من خلال تلك البيئة الفكرية والايديولوجية التي تحددها ولما كانت الايديولوجية تعبير عن النظام الاجتماعي للمجتمع من خلال البنية الفكرية والايدولوجية التي تحددها . فالثقافة هنا تعكس طبيعة هذا النظام بمجمل تناقضاته الاجتماعية والسياسية في المجتمع وخاصة المجتمع العربي . لقد جمعت منابع البداوة والحضارة بشكل خاص وعلى نطاق واسع جدا" مما جعلها اكثر المجتمعات في العالم معيارا" بين البداوة والحضارة والتاثير بهما .(1)

لقد بدا التراث الثقافي يتكون منذ ان عرف الانسان صناعة ادواته التي توخذ مقياسا" لثقافة ما قبل التاريخ واخذ ينقلها الى ابنائه والتباطؤ خصوصية تـلك الدهور , حيث يقول (برستند) ان اختراع الكتابة واختراع نظام التسجيل على الورق كان له اكبر الاثر في رفع مستوى الجنس البشري اكثر من اي عمل عقلي في حياة الانسان . (2) الامر الذي يضفي علها طابعا" اجتماعيا" سياسيا" متناقضا" , وجعلها تستغرق في وحدات اجتماعية تعكس فهما" واسلوب معينا" لثقافة تعبر عن مصالح وطموحات هذه الوحدة الاجتماعية .
حيث تقدم الثقافة بمعناها الواسع امرا" جامعا" لاكثر سكان العالم العربي, حيث تعد اللغة العربية هي اللغة الاساس للتخاطب والتفاهم كما ينتمي نحو حوالي 80% من سكان الوطن العربي الى الاسلام . (1)
على هذا الاساس يكون الوضع الثقفافي في كل مجتمع غير متساوي فليس هنالك ثقافة متجانسة , هنالك ثقافتان ..... ثقافة التقدم والمستقبل الساعية الى التعبير والتطور المستمر , وثقافة التخلف والعداء نحو التغيير والساعية الى تكريس الواقع الاجتماعي .
والجماهير العربية جماهير مؤمنه , لذا وجب تاويل ايمانها الديني على نحو يبرر العمل من اجل اهداف وافاق العمل السياسي والاجتماعي , فما مطلوب هو ابراز وحدة عميقة بين تراثنا الثقافي التقدمي من جهة , ومكتسبات الانسانية الحديثة والمعاصرة الخاصة بالفكر النظري ( الاشتراكية العلمية) من جهة اخرى , فمن الاهمية بمكان ان تقول اننا نحن العرب في تراثنا قد اسهمنا بشكل فعال في التمهيد لصياغة اعمق فكر انساني ......اننا بالتالي مدعون من قبل غيرنا الى تعميق الفـكر في حياتنا الثقافية العامة . (2)
ان وجود هاتين الثقافتين سيخلق حالة من التناقض والتنافس ومن الواجب ان تكون تنافسيه وان وحدتها التركيبه تنطوي في كل حالة على التنافس . (3)
ويختلف موقف الاتجاهات الفكرية من التركيب الاجتماعي والسياسي للثقافة باختلاف معايير تقسيم المجتمع والصراع الاجتماعي .
فبالنسبة للماركسية التي تفهم المجتمع وتناقضاته على اساس طبقي سواء كان هذا الصراع في ميادين السياسة ام الاقتصاد ام الفلسفة , فهو تعبير عن الطبقات المالكة لوسائل الانتاج وغير المالكة له .
ان الصارعات الطبقية كانت تنتهي دائما اما بانقلاب ثوري يشمل المجتمع باسره واما بانهيار الطبقتين ,(1) حيث قسما العمل الى عمل ذهني وعمل يدوي , فهذا التقسيم اظهر الوعي وهو منحدر من الواقع ومرتبط بالاخلاق وبالدين والفلسفة , فان هذا التقسيم للعمل ستقوم على صراع طبقي بين جماعة تعمل واخرى تفكر , حيث يرى ماركس ( ان الانسان العامل لا يشعر نفسة فاعلا" بحرية الا في وظائفه الحيوانية , اي الاكل والشرب والانجاب .) (2)
ان مرحلة التعارض بين العمل الفكري والعمل اليدوي اختصت منه مجموعة من الناس تخطط اموره السياسية والاقتصادية والثقافية ومجموعة اختصت بالانتاج الفعلي المادي , على هذا الاساس فان انقسام المجتمع الى طبقات متمايزة ومتناقضة هو الاطار الاول الذي تولد وتبلورت فيه الثقافة . (3)
ولما كانت هذه الثقافة مرتبطة بنشوء المجتمع الطبقس وبتقسيم العمل الى يدوي وهني , فتصبح الثقافة الطبقة المسيطرة على القوى المادية ثقافة المجتمع , بالدرجة الاولى الساعية لايهام الاخرين بانها ثقافة الكل من خلال اكتسابها صفة الشمولية .
ولقد اشار لينين الى وجود ثقافتين متناقضتين في ظل الراسمالية, فالى جانب ثقافة الطبقة المسيطرة توجد عناصر , وان تبدو غير متطورة ومتكاملة , من الثقافة ديمقراطية واشتراكية , لانه يوجد في كل امه جمهور كادح مستثمر , تولد ظروفه الحياتية بالضرورة افكارا" ديمقراطية اشتراكية .. اما بالنسبة لشعار الثقافة القومية قيرى لينين انها خدعة برجوازية , والتاكيد عليه ما هو الا تعميق الهوة الطبقية في المجتمع لذلك طرح بالمقابل شعار الثقافة الاهمية معارضا" به مطالبة البرجوازية بثقافة قومية لا طبقية .(4)
ان هذا المفهوم الطبقي للثقافة القائم على انقسام العمل الى ذهنى واخر عضلي لدى الماركسية لا يمكن تعميمه على كل المجتمعات البشرية , كما وانه لا يمكن ان يكون مصدرا" لنشوء الثقافة الا بالنسبة للثقافة الطبقية وبصورة اصبح مصدرا" لا اخفاء الصفة الطبقية للثقافة , فاعتبار الثقافة تاريخا" معينا" مرتبطا" بنشوء الطبقات يعني ظاهرة غير خالدة . فاذا كان لها بداية فلابد ان يكون لها نهاية , ولكن من البديهي ان لانهاية للثقافة ما دامت ترتبط بامجتمع الانساني انها النهاية للثقافة الطبقية في مرحلة المجتمع اللاطبقي .
ففي المجتعمات المشاعية التي لم تعرف الطبقات بمفهوم المادية التاريخية , كانت النشاطات الذهنية , تعني لهم الخطابة وحسم النزاعات معايير يعتمد عليها في اختيار زعماء القبائل وشيوخها ,(1) الا انهم لم يمتلكوا ثقافة منفصله تميزهم عن بقية افراد التشكيلة الاجتماعية .
ان انتقال المجتمع الى مرحلة العبودية جسد هذ الانقسام بين جماعات متميزه بين من يملك واخر لا يملك , مما تولد عن ذلك , نشؤء ثقافة خاصة , واسلوب معين لفهم الحياة وممارستها بكل طبقة مع بقاء الاطار الثقافي لمجموع الشعب .
ويظهر لنا جليا" في المجتمعات الراسمالية المتطور حيث تتطلب العملية الانتاجية التكنولوجية المعقدة في امتلاك العمال والمستخدمين شتى انواع المعارف واعلوم بما يخدم ربحه الراسمالي واطبقات المستغلة فالتصنيع والانتاج الكبير دافع قوي لتعميم التعليم والثقافة للجميع بحيث يجعل التمييز بين من يفكر وبين من يعمل صعبا" مدام امر اداء ابسط عمل يدوي وانتاجي يتطلب التفكير واتقان المعرفة بخصوصه .
لذلك يمكن القول مما تقدم بان انقسام العمل الى عقلي وذهني لا يمكن اعتباره مصدرا" لنشوء الثقافة بل اضفى عليها صفة طبقية وهو لم يخلق الثقافة بمفهومها الواسع العام بل اضاف اليها تراكمات جديده وتجارب جديده مرتبطة بمرحلة تطور وسائل وقوى الانتاج المادية والروحية وفي البيان الشيوعي لـ(ماركس وانجلز) اكدوا على وجود وارتباط البرجوازية كطبقة بوسائل الانتاج , حيث اشار الى وجودها , اي البرجوازية كطبقة مرتبطة بالتغيرات الثورية المستمرة التي تدخلها على ادوات الانتاج , بما تتوافق مع طبيعة المجتمع البرجوازي .(1)
رغم كل ما تقدم فان هذا لا يمنحنا الحق باطلاق صفة الثقافة على العلماء , حيث لا يمكن لتقني المعلومات ان يكون مثقفا" ما لم يدرك التناقض القائم بين وسائله وغاياته . فصفة المثقف لا تطلق على علماء يعملون في حقل انشطار الذرة لتطوير اسلحة الحرب الذرية وتحسينها فهم علماء لا اكثر ولا اقل لكن اذا انتاب هؤلاء العلماء الشعور بالقلق لما تنطوي عليه الاسلحة التي تصنع بفعل جهودهم وابحاثهم من طاقة تدميرية , غدوا من فورهم مثقفين .(2)
اما بالنسبة للكتاب الغربيون , فان بعضهم كان يؤمن بانقسام الثقافة وتعددها وفقا" لاقسام المجتمع الى طبقات , الا ان مفهومهم عن الطبقة والثقافة يختلف عن المفهوم الماركسي ,فاذا كان الاخير يقر باثقافة الطبقات المسغلة هي ثقافة ثورية تقوم على عناصر ديمقراطية , اشتراكية , فان ثقافة الطبقة الدنيا بالنسبة للكتاب الغربيون هي ثقافة منحطة لا تـعير اهمية للقواعد ولقوانين السائدة في المجتمع , وهي ثقافة ذات فرص محدودة للتطور لم تكن غير قابلة على ذلك ويـعد الكاتب ( كرينيدج) ممثلا" لهذا الراي فهو يرى بان ثقافة الطبقة الدنيا, هي ثقافة عقيمة مصدرها طرقات الاحياء الحقيرة لهذا يسميها بثقافة الشارع وليس لهذه الثقافة اي مصلحة في المجتمع ولا في السياسة او في المستقبل , لكونها غير سياسية بالاساس وبدون اي تاثير على النشاطات السياسية . وحتى اذا كانت ثقافة الطبقة الدنيا متكاملة في تركيب ايديولوجي , سوف يكون من الصعب قبول المنطق الذي تعتمد عليه لتنفذ تماما الى عالم السياسة .
ان البنية التركيبية الفكرية التي تلف اراء هذا الكاتب لا تسمح بتجاوز واقع المجتمع الراسمالي والتعمق في ثقافته المهيمنة التي لا تمنح فرصة التزود بالمعرفة والعلم الا للاقلية الحاكمة , وان منحت هذه الفرص فانها تكون محدوده وتخدم الثقافة المهيمنة وانتاجها المادي . فثقافة الطبقات الدنيا لم تنشأ بتصميم وارادة ذاتية , بل هي نتاج الثقافة الاستغلالية والربحية التي تسود مقدمة المفاهيم الراسمالية , بحيث احتوت عناصر الديمقراطية والانسانية لثقافة الطبقات الدنيا وجعلها مجرده من اي فرص للتقدم والتطور . ومع هذا فثقافة هذه الطبقات تصر على البقاء والتشبث بالتقدم والتطور وفقا" للعلم والمعرفة التي فرضتها العملية الانتاجية التكنولوجية رغم ندرتها .
اما بالنسبة للعالم الاجتماعي الالماني (كارل مانهايم).الذي كان له اثره الكبير في كثير من السوسيولوجين ولا سيما في حقل سوسيولوجية المعرفة والثقافة فهو يذهب الى اعتبار الفن والدين والفلسفة وغيرها من العلوم الاجتماعية علوما" ثقافية او ضمن حقل الثقافة فعندما يبحث في طبيعة الثقافة الاجتماعية السياسية فانه يتخذ من النظام السياسي والفئة القابضة على السلطة , ومن يمثلهم من النخب المختاره , معيارا" لتصنيف الثقافة اجتماعيا" وسياسيا" , فالديمقراطية بالنسبة له ليست قدرا" محتوما" في السياسة فقط بل في الحياة الثقافية والفكرية ايضا" , ومشكلة الديمقراطية تتجسد في الصراع الدائر بين الارستقراطين والديمقراطين مما ينعكس هذا الصراع على الثقافة وتصبح مشكلة الديمقراطية ظاهرة ثقافية عامة .
ولما كانت الاتجاهات والمناهج والنظريات التاريخية والسوسيولوجية , والتي هي من ضمن الثقافة تاتي دائما" الى الوجود وهي مرتبطة بصلة وثيقة بالمواقف الاجتماعية المحددة والمصالح الفكرية والثقافية للجماعة او الطبقة الاجتماعية ولما كانت اجراءات صنع القرار السياسي خاضعة بدرجة اقل او اكثر للنخبات الثقافية التي تعبر عن المصالح والجماعات والطبقات المختلفة لذلك تحاول هذه النخبات ابراز الصفات المميزة لثقافة كل طبقة او فئة اجتماعية او سياسية لتلك التي نعمل لصالحها , ضمن حقول الفن والفلسفة والدين . واذا كانت مشكلة الديمقراطية تتمثل في الصراع بين الارستقراطيين والديمقراطيين , فان هذا يتحتم اشتداء الصراع والتنافس بين الثقافة الديمقراطية والثقافة الارستقراطية فيحول دون ظهور ديمقراطية الثقافة بسبب هذا الصراع من جهة وبسبب كونه الثقافة سهلة المنال فقط للنخبات من جهة اخرى واستخدامها لاغراض غيرموضوعية تتنافى مع طبيعة العلم والثقافة القائمة على الموضوعية والحيادية , ولهذا فان ارتباط الثقافة بالسياسة والمصالح الطبقية يؤجدي الى انعكاس الازمات السياسية على الثقافة وبالتالي تكون ازاء ازمة ثقافية . ومما يتضح ايضا" رغم ان (مانهايم) يقر بالتناقض وعدم التجانس في ثقافة امة من الامم الا انه يرى في ذلك حالة غير ديمقراطية فهذه الاخيره لا تتحقق عنده الا عندما تعطى الثقافة للجميع دون اي تمييز او تورط في المصالح الطبقية والسياسية , خدمة للموضوعية العلمية الثقافية . الا ان هذه الدعوى لا تعدو ان تكون الا خدعة ليبرالية تحاول دمج القوى الاجتماعية والسياسية المتناقضة في لعبة اديمقراطية ولا تعدو ان تكون سوى دعوى للتعايش الطبقي ضمن ثقافة ديمقراطية في مجتمع راسمالي قائم اساسا" على تناقض طبقي حاد في حين ان المنطق لا يقبل بمثل هذه الدعوات لان الثقافة لا تتخذ اتجاها موضوعيا" الاعندما ترتبط بطبيعة المجتمع وتناقضاته وتعبر عنها .
اشرنا الى القول فيما سبق بان الثقافة ترتبط بطبيعة المجتمع وتناقضاته وتعبر عنهما , حيث ان اختلاف الواقع الاجتماعي والسياسي في بلدان العالم الثالث وتعدد تناقضاتها ينعكس بصورة مباشرة على الثقافة وتتخذ طابعا" متميزا" بخاصية هذا المجتمعات .
ولما كان التناقض بين الشعوب والشعوب المستعمرة هو اكبر تناقض تاريخي عرفته القرون الاخيرة , واكبر طغيان على الوجود الانساني , ولم يعد هناك تناقض اكبر واعمق بين العالم الثالث والامبريالية , لذلك فالثورة القومية ضد لاستعمار تصبح اذن هي الاساس لان استعمار هذه الشعوب هو التحدي الاساس , وهو الفعل الذي لا بد له من رد الفعل وكل ما يتبع ذلك من تحولات اقتصادية واجتماعية وما ينشا" عنهما من صراعات هو جزء من المعركة الاساسية . (1)
فالاستعمار عدوان قومي بالدرجة الاولى والتحدي له يتخذ في مختلف نواحي الحياة طابعا" قوميا" ثوريا" ذو مضمون اجتمعاعي مرتبط بطبيعة النضال ضد الاستعمار فيضفي على هذا الطابع القومي طابعا" طبقيا" لما افرزه الاستعمار من شرائح اجتماعية طفيلية على المجتمع ونتيجة للتراكمات البدائية والقيودج الاستغلالية المتمثلة بالاقطاع والبرجوازية والشرائح الاستغلالية المركبة الاخرى . لذلك فالتناقض الخارجي مع الاستعمار وملازمته للتناقض اداخلي مع الاقطاع والبرجوازية بترك اثره البارز على طبيعة ثقافة هذه الشعوب التي تشكل اغلبيتها طبقات مسحوقة مما يدفعنا للتعامل مع شعوب مستغله واخرى مستغلة .
ولما كان الاستعمار احتلال ثقافي تقطع فيه صلات الشعب المستعمر بثقافة وحضارته وتراثه , يخلع من جذوره , ثم لا يصل الى هذا الشعب من الثقافة الغربية الا ما يصل الى النخبة التي لا يحتاج الى جهدها الاستعمار لخدمة مشوبه بكثير من التبشير الديني والتبشير للقيمة التي يقوم عليها الاستعمار .(1) فان هذا يترك اثره المباشر ايضا" على ثقافة لشعوب ليعطيها مضمونا نضاليا" وتقدميا" ذات دلالات اجتماعية معينة مرتبطة بطـبيعة كل قطر وبمسار تطور ثورته القومية .
فالثقافة التي يجب ان تفهم هنا هي انواع النضال في شتى جوانب الحياة وهي ثقافة نضالية من اجل تغيير الواقع نحو الافضل , فبهذا المعنى تصبح الثقافة اكثر الادوات السياسية فاعلية وقدرة على التاثير والتغيير في المجتمع وبنفس المعنى تتخذ الثقافة طابعا" نضاليا" قوميا" عند (فرانتز فانون ) منطلقا" من كون السيطرة الاستعمارية سيطرة شاملة وكلية ولا تكتفي بان تلغي ثقافة الشعوب المستعمرة من الوجود بل تحمل المستعمر على الاعتراف بتخلف هويته وتبني تلك الثقافة التي تخدم اهداف الهيمنه . ففي ظل تلك الهيمنة لا يمكن تصور حياة ثقافة قومية او ابتكارات وتبدلات قومية , كما وان الكفاح في سبيل الثقافة انما هو كفاح في سبيل الحرية القومية وان احتقار الشعب واضطهاد الامة شي واحد لذلك فان الثقافة القومية تولد من خضم النضال القومي في المعارك والسجون وامام المقصلة في المراكز العسكرية . (1)
ويرى (فانون ) ان الكفاح المنظم الواعي الذي يخوضه شعب من الشعوب لاسترد سيادة الامة هو اكمل مظهر ثقافي ممكن , وليس نجاح الكفاح وحده الذي يهب للثقافة قيمة وصدقا" وقوة , بل ان معارك الكفاح نفسها تنمي في اثناء انطلاقها مختلف الاتجاهات الثقافية وتخلف اتجاهات ثقافية جديدة .
فالكفاح لا ينم عن الثقافة اثناء اندفاعه , وكفاح التحرير لا يرد الى الثقافو الوطنية قيمتها القديمة واطرها القديمة ولا يمكن ما دام يهدف الى اعادة تنظيم العلاقات بين البشر الا انه ببدل الاشكال والمضامين الثقافية للشعب . ويضيف فانون بقوله ( ان مستقبل الثقافة وغنى الثقافة القومية متوقفان ايضا" على القيم التي لازمت معركة التحرير . لذلك فالثقافة تجعل من الوعي القومي ارقى شكل من شكال الثقافة وتصبح تعبيرا" صادقا" عن ضمير الامة وعن حركتها ووعيها لطبيعة المجتمع ومسار تطوره واداه من اكثر الادوات خطورة في عملية النضال القومي وهذا من اسمى اهداف النضال . (2)
هذا المضمون القومي التحرري للثقافة كان اثره الكبير ايضا" على العديد من الاتجاهات الماركسية – اللينينية . فبالنسبة لماوتسي تونغ , كانت الظروف التاريخية للنضال الصيني ضد الامبريالية وضد الطبقات المستغلة قد املت على ثقافته الماركسية ان تتخذ طابعا" قوميا" . فهو يقول ( ان من الحقائق العامة ان الماركسية لن تكون نافعة الا اذا امتزجت بخصائص الامة وارتدت شكلا وطنيا محددا" .
والثقافة عنده اتخذت طابعا" قوميا" وفقا" لهذا المبدا , فهو يرى بانها نعكاس ايديولوجي لسياسة مجتمع معين واقتصاده , لما كانت الصين مرت بمراحل نضالية مختلفة فان الثقافة تواكب هذا النضال وتعـكس طبيعته الايدولوجية , والنضال في الصين كان بالدرجة الاولى نضالا" ضد الامبريالية واعوانها في الداخل فالثقافة الجديدة التي تولدت في خضم هذا النضال هي الثقافة الديمقراطية الجديدة , ثقافة المناهضة للامبريالية الاقطاعية .
ان هذه الثقافة هي ثقافة وطنية تعارض الاضطهاد الامبريالي وتنادي بالمحافظة على كرامة الامة الصينية واستقلالها , هذه الثقافة تخص الامة الصينية وتحمل حضارتها الوطنية , غير انها ليست عنصرية منعزلة بل مرتبطة بالثقافتن الامم الاخرى تؤثر فيها وتتاثر بها , لذلك فهو رغم ماركسيتة يدعو الى ان تكون للثقافة الصينية شكلها الخاص , شكلها الوطني الخاص وان تكون ذات مضمون ديمقراطي يخدم الجماهير الكادحة الذين يشكلون 90% من سكان البلاد وان بعودة تدريجية ثقافتهم الخاصة . وعندما تصبح هذه الثقافة , ثقافة الجماهير الكادحة وتعتنقها فانها تصبح سلاحا" ثوريا" جبارا" , فهي تهي المقدمة الاولية والايديولوجية قبل الثورة وتصبح اثناء الثورة اداة النضال في مقاومة الاستعمار وبناء الوطن بناءا" قوميا" وديمقراطيا" . (1)
ومن خلال ما تقدم يتضح ان الثقافة ليست ذات طبيعة متجانسة ومتساوية نتيجة للارتباط بتصور المجتمع البشري وتنافضاته . فالثقافة بهذه الطبيعة غير متجانسة يمكن تصنيفها وفقا" للاطر الفكرية الرئيسة والثانوية التي تحتويها لتعطيها مضمونا" اجتماعيا" وسياسيا" معينا" , لذلك يمكن فهم الثقافة وبالصور الرئيسة التالية .
1- الثقافة القومية : وهي ثقافة خاصة بكل امة والتي تميزها عن غيرها من الامم وتعد تعبيرا" عن اسلوب حياتها ومراحل تطورها في مختلف مجالات الحياة وعلى الرغم من وجود تناقضات وتنوع المصالح داخل الامة الواحدة الا انها تبدوا ثانوية بالنسبة الى هذه الثقافة في مراحلة سيادتها وارتباطها بالجماهير لتغدوا ثقافاتها وثقافة الامة كلها . ففي صلب الوعي القومي انما ينهض الوعي العالمي ويحيا وليس هذا البزوغ المزدوج في اخر الامر الا بؤرة كل ثقافة .(2)
2- الثقافة الطبقية : وهي ثقافة تولد في قلب الثقافة القومية المكتملة الجوانب وتعبر عن مجمل مصالح الطبقة المعينة فثقافة الطبقة المهيمنة على زمام الامور هي الثقافة السائدة .
ان النخب السياسة الحاكمة بامكانها تغيير الانتماء الاجتماعي للفرد داخل المجتمع لذلك نجد انتمائات الافراد ازدواجية ثلاثية هي انتماء عام للعقيدة والحضارة , وانتماء مجتمعي متحدد للقبيلة او الطائفة او المحلة . وانتماء بحكم واقع الحال للكيانات السياسية القائمة . (1)
ان اختلاف اتجاهات وغايات الثقافات الطبقية لا يعني انفصال بعضها عن بعضها الاخر بل تجمعها خلفية قومية مشتركة تكمن في تلك العناصر الثقافية القومية والتي تعبر عن حال كل طبقة وفق اسلوبها وفهمها الخاص .
بالاضافة الى هذين الشكلين الرئيسين للثقافة هنالك صور اخرى ثانوية للثقافة الا ان تاثيرهما في الحياة العلمية في العصر الراهن لم يعد له قوة تذكر الا اذا ارتبط بالثقافة القومية او الثقافة الطبقية واصبح من مصادرها الاساسية ومن هذه الثقافات الثقافة الدينية .
ان وضع الثقافة ضمن هذه الاطر ليس المقصود من عزلها عن بعضها . وان كان لكل منها خصوصيتها المغلقة الضيقة بل الغرض من ذلك هو تحديد الرئيس والثانوي العام والخاص وبيان تاثير كل منهما والتفاعل والترابط الجدلي الذي يفعل فعله في كل ثقافة عبر التطور التاريخي للمجتمع , فقد يبدو ان الرئيسي في مرحلة معينة ثانوي والثانوي في مرحلة اخرى رئيسي وفقا" لظروف ومراحل تطور المجتمع .
ان التغييرات التي طرات على الانظمة السياسية العربية الراهنة شملت تحولات اجتماعية جمة منذ اكتسشاف النفط في الوطن العربي حيث شهدت تلك الدول نموا" مطردا" في الضاهرة الحضرية بكل اسس العلاقات الاجتماعية, ارتخاء الروابط القبلية والعشائرية , وفي نوعية النشاط الاقتصادي , الاهتمام بالتصنيع على حساب حرفتي الرعي والصيد ، ومن تراتبية القيم السياسية ،والاخذ بـبعض اشكاله السياسية ، مثل هذا الوضع يمثل مخاض طويل من القبيلة الى الدولة .(1)



#سعد_سوسه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أصبحت في الخمسين . نص قصير
- العاهرة . قصة قصيرة .
- دعاء لسيف .
- طبيب نفسي .
- ذاكرة ملعونه ..
- الزانية .
- رسائل اعتذار الى امرأة ....
- جسدي . ق . ق .
- ساعة حياة .. ق . ق . ج .
- أغتصاب
- ملل قصص قصيرة جدا
- أحبك . ق . ق . ج .
- مجموعة 3 ق . ق . ج .
- قالت بلقيس . ق . ق .
- بلقيس رسالة قلق ؟
- يومي المؤلم موعة قصص قصيرة جدا .
- يومي الاجمل مجموعة قصص قصيرة جدا .
- نهار العمر . ق . ق .
- مجموعة 2
- مشاعر زوج ق . ق .


المزيد.....




- علماء يستخدمون الذكاء الاصطناعي لحل مشكلة اختفاء -غابات بحري ...
- خبيرة توضح لـCNN إن كانت إسرائيل قادرة على دخول حرب واسعة ال ...
- فيضانات دبي الجمعة.. كيف يبدو الأمر بعد 3 أيام على الأمطار ا ...
- السعودية ومصر والأردن تعلق على فشل مجلس الأمن و-الفيتو- الأم ...
- قبل بدء موسم الحج.. تحذير للمصريين المتجهين إلى السعودية
- قائد الجيش الإيراني: الكيان الصهيوني اختبر سابقا ردة فعلنا ع ...
- الولايات المتحدة لا تزال غير مقتنعة بالخطط الإسرائيلية بشأن ...
- مسؤول أوروبي: الاتحاد الأوروبي يحضر الحزمة الرابعة عشرة من ا ...
- إصابة 3 أشخاص في هجوم انتحاري استهدف حافلة تقل عمالًا ياباني ...
- إعلام ونشطاء: هجوم صاروخي إسرائيلي جنوبي سوريا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد سوسه - الطبيعة الاجتماعية والسياسية للثقافة