أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تخلَّ عن الأمل: الفصل السادس















المزيد.....

تخلَّ عن الأمل: الفصل السادس


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5280 - 2016 / 9 / 9 - 01:00
المحور: الادب والفن
    


ليسَ في الوسع استعادة وقائع ذلك اليوم، الشاهد على اختتام العام بحفلٍ مزدوج، دونما إعانة من أرنبٍ خرافيّ، شبقٍ، يحفرُ عميقاً في تربة الذاكرة. الإستعصاءُ في الذاكرة، لكأنما ناجمٌ عن اصرار صاحبتها على طمر ذكرى غير طيّبة سبّبت أذىً لا يُرام لأقرب الناس لروحها. هوَ من كان سهلاً عليه نيل وطره من جسدها، لم يرغب قط سوى بمنحها حباً أقرب للحبّ الأبويّ. أمثال " المهدي "، من الممكن وجودهم في أماكن أخرى غير مراكش: مدينة، مُلطخة جدرانها بأحمر الشهوة؛ ثمة أين صلة الرحم تعني أن تشتبقَ الأنثى شيءَ الذكر، أو العكس.. مدينة، يختنقُ ساكنوها بالحرّ اللاهب، فلا يرون مندوحة من الاستلقاء شبه عراة في منازلهم العتمة والرطبة ـ كجحور الأرانب.
هكذا منازل، كانت " شيرين " تمرّ بأندادها بشكلٍ شبه يوميّ في طريقها ذهاباً وإياباً إلى الإقامة الفندقية. تجتازُ سيارتها الرانج روفر الجسرَ النحيل والهش، المار فوق وادي ايسيل. فتنبري إذاك الأعشاشُ الرثة في الظهور متناثرةً، محوّلةً الحومة المُستحدثة، المُسماة " آلطين "، إلى ما يشبه قرى الأطلس بمنازلها ومقاهيها المُترامية على ضفة الوادي. وأصلاً من تلك القرى، قدمَ الكثيرُ من شلوح* الحومة لكي يُضافروا في أعداد الطلّابة* والمتبطلين والمنحرفين.
هيَ ذي الرانج روفر، المتألقة كعروس بنصاعة حلّتها، تؤوب من الإقامة الفندقية مخترقةً أكثر مناطق مراكش هدوءاً ودِعَة. الأنوار البنفسجية لمباني الإقامة، كانت تسطعُ في الخلف وسط العتمة المُغلّسة عندَ اقتراب السيارة من أولى منازل الحومة، المبثوث فيها بصيصُ مصابيح الغاز، الذابلة: " المخزن*، لا يتهاون مع من ابتنوا منازلهم على أملاكه بدون رخصة، فقام بحرمان ساكنتها من خدمات الكهرباء والماء "، قال مُرافقها مُلاحظاً وهوَ يقلب شفتيه الغليظتين بحركة احتقار. ولعله لم ينتبه عندئذٍ إلى كون ملاحظته مكررة، طالما أنه لم يفق بعدُ من رعب ذلك المشهد الدراميّ، المنقضي تواً: متململاً، كان " سيمو " ينتظرُ في صالة الفيلا انتهاءَ مخدومته من القاء نظراتٍ أخيرة على زينتها في مرآة الكونسول، المذهّبة الإطار. خاطبته من موقفها، وهيَ تعرضُ قفطانها الرائع، السماويّ اللون: " كأني بمؤخرتي تعرُضُ يوماً بعد يوم؟ ". عند ذلك، لمَعَ في ذهنه شعورُ الغيرة، متماهٍ بالرغبة، وقد تخيّل هذه المؤخرة الفاتنة تحت ثقل رجلٍ آخر. من ناحيتها، كانت " شيرين " تعيد جملتها تلك في سرّها مشفوعةً بالتساؤل عن مغزاها: " أأراني أكررُ أقوالَ خدّوج، أم أنني صرتُ فعلاً صنوة لها في المسلك؟ ". وإذا بيد مرافقها تجذبها من خصرها، فتستقرّ بثقلها في حضنه. كانا في وضعية إنحناء على حافة الأريكة، غارقين في قبلة مطوّلة ومحمومة، حينَ تنحنحَ أحدهم على حين غرّة. " لا بأس، لا بأس*..! "، هكذا ردد المسيو بالدارجة المغربية فيما كان يُدير ظهره ليغادر الصالة مجدداً.

***
في وقتٍ لاحق، قال لها " غوستاف " مُعلّقاً على ذات المشهد: " لحُسن الحظ، فأنا معفيّ من شعور الغيرة كوني مثلياً عريقاً. الغيرة، هيَ أيضاً أحد أوجه نزعة التملّك. إلا أنني، في هذه الحالة تحديداً، أتجاهل صفتي كملّاك لكي أحتفظ بإيماني بالحرية ". على أنّ صفته الأخرى، المُكتسَبة كمقيمٍ متحوّل إلى الإسلام، ربما هيَ من دفعته لأن يسأل بفضول مَن صارت قرينته: " أظنّ أنه سيمو، من ظفرَ بوردة عذريتك..؟ ". من مكانها المفضّل وراء طاولة حجرة المكتبة، الذي أضحى غيرَ رسميّ، رشقته " شيرين " بنظرة فاترة قبل أن تنبسَ جوابها: " لو أنك جادّ في غيرتك، من هذه الناحية على الأقل، لسرّني ذلك جداً ". رفعَ كتفيه، بتعبيره المألوف عن اللامبالاة، قائلاً بحيوية: " الأمرُ له علاقة بماهية الشخص، المتورّط. فإنّ سيمو هوَ نمط من الرجال، لا يجذبني بحال جنسياً. ليسَ بسبب ما يبديه أحياناً من جلافة وبدائية، وإنما لكونه من أولئك الرجال التقليديين غير المتقبلين فكرة الإباحة. ولا أعني المثلية، بطبيعة الحال "
" ربما تعني أنه ليسَ مثل ذلك الشاب، الذي عهدتَ إليه تعليمي التنضيد على جهاز الكومبيوتر في مبتدأ عملي عندك؟ "
" آه، نعم. لقد قادتني ملاحظتك هذه، الصائبة والذكية، إلى ما كنتُ أودّ التعبيرَ عنه "، أجابها فيما كان يهمي عليها بطوله الفارع كي يقتعد على طرف الطاولة. ثم تابع قوله بشيءٍ من الحرارة: " وسأردّ أولاً على تساؤلك، بخصوص ذلك الشاب. أجل، كانت مهمته هيَ إغواءك. وكان المفترض من ثم أن يركب جسدي، لكي أشمّ في عضوه رائحة فرجك. منذ أن بلغتُ سنّ الخمسين، أضحيتُ أقلّ أنانية في شؤون الجسد. أما الحبّ، فإنه كان مُنتفىً سلفاً من قاموس حياتي. إلا أننا لكلّ منا معشر البشر طريقته لإيجاد السعادة، أو لابتغاء اللذة والمتعة. فلو تركنا موضوع الحبّ جانباً، فيمكن القول بأنني لم أرتبط بعلاقة جادّة مع امرأة، هنا في هذا الشرق السحريّ، إلا بهدف تحريرها من ربقة العبودية. وأعتقدُ أنّ نبيكم كان له مسلكٌ شبيهٌ إلى هذا الحدّ أو ذاك في علاقته مع نسائه، لما كان مُتجاوزاً ذات السنّ. على أنني، بغض الطرف عن إسلامي، بقيتُ ابناً للبيئة الأوروبية بأفكارها الجديدة، المهيمنة على الثقافة والمجتمع مذ انتهاء الحرب العظمى ".

***
سيارة الرانج روفر، كانت في الأثناء تمخرُ بادية المدينة، المنقلبة إلى أمكنة سكنية بنفس السرعة والعزيمة، المتحوّله فيها بعض نسوتها إلى نزعة الحرية على طريقة " مسيو غوستاف ". هذا الأخير، وعلى الرغم من تشديده على " شيرين " الإلتزامَ بالعودة قبيل موعد الحفل، فإنه لم يشأ سؤالها عن وجهتها. لعله كان قد وضعها مُسبقاً تحت الرقابة، خصوصاً وأنها برفقة شخصٍ يثقُ بإخلاصه وتفانيه؛ شخص، كانت شفتاه الغليظتان رطبتين بعدُ من أثر القبلة الطويلة والملتهبة.
في المقابل، فإنّ " شيرين " شاءت أجتياز دروب المدينة القديمة بسيارتها إعتباراً من مدخل باب دُكالة. إذاك، عليها كان أن تستعيدَ المرتين السابقتين، اللتين تعيّن فيهما عليها السيرَ على قدميها إلى ذات الجهة المقصودة. السوق الشعبيّ، المُبتده مركبتها من ذلك المدخل وصولاً إلى دار الباشا، ما كان يوحي باهتمام الخلق بحفل رأس السنة. كان مألوفاً، زحامُ الخلق من متسوقين وجوالين وعابرين. ثمة، عند مفتتح الزقاق الضيّق، المؤدي إلى الرياض المُكنّى باسم ابن " سُمية "، كان على " شيرين " أن تتذكّر أمراً ذا بال؛ وهوَ أنّ الشراكة كانت قد فُضّت مذ بعض الوقت بين " رفيق " و" إريك " في غير صالح هذا الأخير.
فضلاً عن أضطرار " إريك " لدفع مبلغٍ أكبر من المستحق، عند رسوّ المزاد عليه في شراء حصة شريكه، فإنّ الزبائن سرعان من تناقصوا بصورة مفزعة وغير متوقعة. فمن جهة، كانت خشية السيّاح الغربيين من ردة فعل انتقامية على أثر بوادر عن نشوب حربٍ في الخليج لإجبار العراق على الانسحاب من الكويت. ومن جهة أخرى، ظهورُ عيبٍ خطير في ترميم الرياض نفسه. فإذا بالمالك يكتشفُ مَدهوشاً، أنّ مواسير المياه في باطن جدران بعض حجرات الرياض كانت مثقوبة. مما جعل الجدران ترشح بالرطوبة، حدّ أن يتشكّل عليها طبقة خضراء من العفن. ومثلما نمى لعلم " شيرين "، فإنّ حماة المالك الفرنسيّ كانت قد وبّخت ابنتها بقسوة قائلةً: " منذ البداية، أعلمتكم بعدم اطمئناني لعهدكم بترميم الرياض إلى ذلك الرجل الحقود؛ زوج الحيّة خولة! إلا أنكم لم تنصتوا إليّ، وطمعتم بالسعر المنخفض المعروض عليكم من لَدْنه ".
عندئذٍ فكّرت " سمية " على الأرجح بتدبيرٍ انتقاميّ، يكون بمثابة رد قويّ على حركة الغدر تلك. " غني "، كان آنذاك ما يفتأ مُتخفٍّ في فيلا الأسرة وقد بدأ يستعيدُ قواه بعد برء جرحه. وعلى الرغم من كونه غير معنيّ بترميم الرياض سوى من جانبه التزيينيّ المتمثّل بزخارف الحصّ، فإنّ خالته أتهمته بأنه كان يعلمُ بتدبير والده. وإذا بالخالة الصغرى، " خدّوج "، تخرج من حجرتها وعيناها الذاويتان تشتعلان ببقايا رماد الحمّى: " ما وجودك هنا، أيها العربيد المغرور، إلا من أجل التجسس على أهل الدار! "، خاطبت الفتى بكلماتٍ مرتعشة. هذا الأخير، المعروف باعتداده بنفسه، تناهض فوراً للدفاع عن كرامته. عند ذلك، ذكّر أقاربه الحاضرين بتجنّيهم على ضيفيهم، الشقيقين الدمشقيين، في موضوع انهيار مشروع زواج " خدّوج ". ثم أختتمَ كلامه بالتوجّه إلى خالته الكبيرة بالقول: " حتى دفاع فرهاد البطوليّ عن شقيقتك، أعتبرتِهِ أنتِ محاولة منه للحط من شخص خطيبها وإظهاره كجبان عاجز عن حمايتها "
" ولِمَ إذاً كنتَ تتبع صاحبك هذا خلال أسبوع، والخنجر بحزامك، ثم أعترفتُ له فيما بعد بأن نيّتك كانت قتله دفاعاً عن شرف خالتك؟ "، نبرت هيَ للرد بصوتها الشبيه بثغاء الماعز. وَجَمَ " غني "، وكان وجهه يُعبّر عن انفعالٍ مكظوم. لم تسنح له الضربةُ المباغتة التساؤلَ، عن مغزى زجّ اسم خالته " خدّوج " في ذلك الموضوع. وهيَ ذي الخالة نفسها، تحدجه بنظرة قاتمة، مُتمتمة بصوتٍ واضح: " إنني لا أعني شيئاً بالنسبة له، وهذا أمر معروف. فغيرة فيلسوفنا منذورة لإمرأة أخرى، يتعشقها هوَ ولا شك.. ". قطعَ الفتى كلامَ خالته، بأن أندفع مغادراً الصالة دونَ أن ينبس بنأمة. ساعة على الأثر، وكان قد غادر منزل جدّه في طريقه رأساً لمحطة الحافلات الكبيرة الخاصّة بمدينة ورزازات. في مساء اليوم التالي، كانت " للّا بديعة " مُستأنسةً بحضور الطبيب " عبد المؤمن "، المؤكّد لها أن ابنتها تتماثل سريعاً للشفاء. وإذا برنين جهاز الهاتف يصدر على غرّة. المتحدثة، لم تكن سوى والدة الفتى الفيلسوف: " غني أبني، قُبض عليه فورَ وصوله للبيت. ليكن فرْجي هذا، الذي أنجَبَهُ، مُباحاً لجميع الرجال إذا لم أجعل سمية تدفعُ الثمنَ غالياً! ".
..............................................................

* الشلوح، هم بربر الجنوب كما سبقَ واشرنا أكثر من مرة
* الطلّابة، هم المتسولون باللهجة المحلية
* المخزن، هو مصطلح مغربي بحت يرمز للسلطة
* هذا التعبير المغربي، يستخدم أيضاً كسؤال مجاملة عن الصحة والحال



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة أُخرى 40
- الفصل الخامس من الرواية: 7
- الفصل الخامس من الرواية: 6
- الفصل الخامس من الرواية: 5
- الفصل الخامس من الرواية: 4
- الفصل الخامس من الرواية: 3
- الفصل الخامس من الرواية: 2
- تخلَّ عن الأمل: الفصل الخامس
- سيرَة أُخرى 39
- الفصل الرابع من الرواية: 7
- الفصل الرابع من الرواية: 6
- الفصل الرابع من الرواية: 5
- الفصل الرابع من الرواية: 4
- الفصل الرابع من الرواية: 3
- الفصل الرابع من الرواية: 2
- تخلَّ عن الأمل: الفصل الرابع
- سيرَة أُخرى 38
- الفصل الثالث من الرواية: 7
- الفصل الثالث من الرواية: 6
- الفصل الثالث من الرواية: 5


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تخلَّ عن الأمل: الفصل السادس