أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 40














المزيد.....

سيرَة أُخرى 40


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5278 - 2016 / 9 / 7 - 19:49
المحور: الادب والفن
    


1
بعضُ الباعة الجوالين، وبخاصّة الفتيان منهم، يتّسمون بالحمق والوقاحة وسلاطة اللسان. مسلكهم هذا، عائدٌ حتماً لوجودهم في الشوارع آناء النهار والليل قبل أن يعودوا إلى بيوتهم بغلّة زهيدة. ذات مساء، كنت متواجداً مع صديقين في الترّاس الأرضيّ لمطعم ماكدونالدز، المشرف على شارع محمد الخامس. بائع موالح، تقدّم من طاولتنا فوضع عليها خمس حبات بالعدد. ثم انتقل إلى غيرنا، ليكررَ نشامته. بعد دقيقة، عاد الأخ إلينا ليستفهم عن نوع وكمية الموالح المرغوبة. عندما أخبرناه بأننا لا نريد إلا سلامته، فإنه شزرنا بنظرة نارية وقال: " ولِمَ إذاً تذوقتم تلك الحبّات الخمس؟! ".
عصرُ يومٍ آخر، رأيتني هذه المرة وحيداً في الحديقة الساحرة، المستلقية على طرف الساحة الرئيسية في حي غيليز. كنتُ جالساً على مقعدٍ بإزاء بحرة كبيرة ذات نافورة، تغمرني ظلال الأشجار المثمرة كالزيتون والنخيل والليمون. إلى يسار مجلسي، كان ثمة بنت في سنّ المراهقة تتسلّى بمتابعة شاشة جهاز خليوي. وإذا ببائع متجوّل، في عُمرٍ غضّ أيضاً، يقتحم المكان متنكّباً بضاعته. مرّ من أمام الفتاة أكثر من مرة، وهوَ يقول لها بصوت منخفض: " قحبة..! ". دقيقة على الأثر، ثمّ حضر شابّ فارع الطول ومتين الجسم بيده حقيبة مدرسية، فانضمّ إلى مقعد الفتاة المسكينة. وفي الدقيقة التالية، كان البائع الأرعن يتلوّى بين يديّ صديق الفتاة. نهضتُ فوراً لتخليص ذلك الأرعن، وما لبثت أن قلت له: " أأنت تريد كسبَ الزبائن بشتمهم والعراك معهم؟! ".

2
الفتاة المراكشية، تشبه الأوربيات في سلوكها الإجتماعيّ، لا الشرقيات. فهيَ انسانة منفتحة وصريحة، لا تتصنّع ولا تدّعي العفة الكاذبة. فلو أنك بادرت إلى سؤال إحداهن في أمر ما، سواءً في الشارع أو أيّ مكان عام، فإنها تقف وتستمع وتجيب بما هوَ لازم. أي على عكس ما نعرفه عن المشرق، وخصوصاً في مصر؛ التي تفخر مسلسلاتها، وأفلامها، بتقديم صورة مرعبة عن بنات بلدهم لناحية قلة الذوق وإنعدام الإحترام وانتفاء الإنسانية.
عند ساعة الغروب، رأيتني أدخل مطعم الوجبات السريعة. خلفي في الطابور، كان ثمة بنتان في سنّ المراهقة، جميلتان ومتأنقتان. بعد قليل، لما دخلتُ إلى صالة الدور الثاني، رأيت مكاناً فارغاً بإزاء نفس البنتين: " بونسوار! ممكن الجلوس هنا؟ ". الشقراء، أشارت لي بيدها في حركة ترحيب. لقد ذكّرتني بإبنتي الحبيبة، والتي هيَ من جيلها أو أصغر منها نوعاً. على الأثر، لاحظتُ أنّ الأخرى، السمراء، تحاول عبثاً عصرَ ماسورة الكاتشاب الدقيقة الحجم. عند ذلك، مددت لها يدي بعدة مواسير بما أنّ وجبتي كانت أكسترا. بعد كلمات الشكر والمجاملة، تحدثنا قليلاً عن الجوّ الحار مثلما أعتاد المغاربة أن يفعلوا عند تقابلهم بمكان عام. فرغت الفتاتان من وجبتهما، فنهضتا وودعتاني بلطف. الطريف، أنني سألتقي بهما بعد عدة دقائق في غاليري EDEN، القريب من المطعم. ولأن تربيتي شرقية، ولم يُغيرها وجودي في أوروبا لأكثر من ربع قرن، فإنني أخفيتُ نفسي عن عيون البنتين خشيةَ أن تظنان بأنني ألاحقهما.

3
في حي غيليز، أعتدتُ على المرور مساءً بشارعٍ جانبيّ في طريقي إلى المقهى. هناك، تتراصف أيضاً عدة مقاهٍ وقد أحدقت بها العمارات العالية، وأغلبها فنادق عريقة. شلة أصدقاء متقاعدين، يجلسون يومياً في تراس أحد تلك المقاهي ويقضون الوقت بالحديث. أصبحت وجهاً مألوفاً لهم، فنبادر بعضنا البعض بالسلام. ذات مرة، دعوني إلى مجلسهم. عندما عرفوا أنني سوريّ، عبّروا عن ألمهم لما يحل ببلادنا من دمار على يد جزار العصر وحُماته. صبوا لي قدحاً من الشاي المنعنع، وفيما أنا أهمّ بشربه إذا بقريبي يتصل معي وهوَ على الدراجة النارية. قلت له أنني في مقهى قريب، فاختلط الأمر عليه وسبقني إلى مقهى الشيشة ( الأركيلة ).
لدى عودتي من المقهى ليلاً، كنت أمرّ دوماً بامرأة سورية شابة تبيع مناديل كلينكس على رصيف شارع محمد الخامس. كان برفقتها ابنة في حوالي الثالثة من عمرها، لم أرَ أبداً أبهى من صورتها وبراءتها. علمتُ ذات مرة من المرأة أنها حلبية، وأنها قدمت مع زوجها المريض عبرَ الجزائر. في عصر أحد الأيام، كنتُ أقف أمام الشارة الضوئية لإجتياز الشارع العام. وإذا بأحد الشبان، وكان أسمرَ مهزول الجسم، يخرج مع امرأة وطفلة من مسكبة أزهار مسوّرة بحاجز واطئ. المرأة، لم تكن سوى مواطنتنا السورية والتي عرفتني بطبيعة الحال. فلم يلبث رجلها أن نظر إليّ بامتنان، وحياني من بعيد. بدَوري، لوّحت لهم يدي محيياً فيما كنت اندفع لقطع الشارع. لقد كان واضحاً، أنّ الرجل أراد أن يتكلّم معي. وكما يحصل عادةً في هكذا مواقف، فإنني لم أنتبه للأمر إلا بعد فوات الأوان.





#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل الخامس من الرواية: 7
- الفصل الخامس من الرواية: 6
- الفصل الخامس من الرواية: 5
- الفصل الخامس من الرواية: 4
- الفصل الخامس من الرواية: 3
- الفصل الخامس من الرواية: 2
- تخلَّ عن الأمل: الفصل الخامس
- سيرَة أُخرى 39
- الفصل الرابع من الرواية: 7
- الفصل الرابع من الرواية: 6
- الفصل الرابع من الرواية: 5
- الفصل الرابع من الرواية: 4
- الفصل الرابع من الرواية: 3
- الفصل الرابع من الرواية: 2
- تخلَّ عن الأمل: الفصل الرابع
- سيرَة أُخرى 38
- الفصل الثالث من الرواية: 7
- الفصل الثالث من الرواية: 6
- الفصل الثالث من الرواية: 5
- الفصل الثالث من الرواية: 4


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 40