أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - ستار جبار سيبان - تظاهرات شارع الداخل














المزيد.....

تظاهرات شارع الداخل


ستار جبار سيبان

الحوار المتمدن-العدد: 5278 - 2016 / 9 / 7 - 10:57
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


لم نكن نعلم سبب هذا الرتل الطويل من السيارات الصغيرة والكبيرة
التي امتدت على طول الشارع الواصل بين سوق إعريبه في شارع الداخل ومستشفى الچوادر ، سيارات جي أل ، لانگروزر ، مارسيدس ، كل سيارة تقل نفرين من اصحاب الشوارب والبدلات السفاري ، كانت دارنا تقع على هذا الشارع ، وكنت اقف في بابها ، انهم ينظرون اليّ والى كل من يمر شزراً وشرراً ، تتناهى الى اسماعنا اصوات بعض العيارات النارية المتفرقة ، كان ذلك في مساء من بدايات صيف عام 1979 ، نظرات الخوف والرعب على وجوه رجال الأمن بدت واضحة حين بدأت تتعالى اصوات الرصاص ، وبدأوا يصرخون مرعوبين عليّ وعلى الواقفين قرب البيوت المجاورة ( طبوا جوه .. يلا ) ، وأشهروا مسدساتهم باتجاهنا ، واطلقوا رصاصهم فوق رؤوسنا وعلى واجهات البيوت المحاذية للشارع ، ازدادت اعداد المركبات بسيارات اخرى تختلف عن التي كانت متوقفة بالرتل الطويل ، كانت سيارات مكشوفة تحمل جنوداً بزي عسكري مرقط كتب على جوانبها بالخط الكوفي ( القوات الخاصة ) وبيريات ذات لون احمر داكن ، كان الكثير منهم من تقنع بقناع لايبرز منه الا عينيين بارزتين يملأها الحقد والتكبر ، دخلنا بيوتنا على مضض وكان في كل منا ثورة تفور في داخله ، وشعور بفرح خفي لنهاية حزب بغيض ، اصوات الرصاص لاتهدأ ، تمزق صمت المدينة الاجوف احياناً ، وخجولة بعيدة في احيان اخرى ، حتى خبت واختفت ، لم نسمع بعدها سوى بعض اللغط حيث بدأ الناس بالخروج من بيوتهم بعد ما اختفت سيارات الامن ومن يساندها من القوات الاخرى ، تبين فيما بعد بأن سبب تواجد هذه الحشود العسكرية ، هو خروج تظاهرات مناوئة للسلطة من جامع قطاع 49 بقيادة السيد قاسم المبرقع صاحب الجامع ، احتجاجاً على اعتقال السيد محمد باقر الصدر ، وحين بدأ المتظاهرين مسيرتهم من نهاية شارع الداخل متجهين الى حضن المدينة باتجاه سوق عريبه ، تصدى لهم بعض البعثيين المتواجدين هناك ، واطلاق العيارات النارية فوق رؤوسهم لبث الرعب وتفرقتهم ، وقامت إحدى النساء بالدوران بطريقة ذكية موجهة ضربة قاتلة من طبرها التي كانت تخفيه تحت عباءتها على رأس أحد البعثيين الذي فارق الحياة على اثرها ، ولم يخلده سوى مقهى لرگع الطاولي والدومنه قرب فلكة الطابوق يحمل أسمه ( مقهى الشهيد عبد الرحمن موسى عبيد ) ، وعلى اثر هذه الاحداث وبنفس الليلة بدأت حملة الاعتقالات الكبرى ، حيث اصبحت المدينة وليس لها الا المفاجآت باعتقال فلان وفلان وفلانه الذين غيبتهم السجون والمقابر .
في اليوم التالي لحملة الاعتقالات الكبرى التي شنتها قوات الأمن في ساعة متأخرة من ليلة أمس ، كنا نراقب بحذر من وراء النوافذ المظلمة ، حركة رجال بملابس عسكرية ومدنية ، يحملون بنادق ومسدسات ، ويتوسط بين رجلين ، رجل يرتدي دشداشة بلون غامق ، متنقباً كوفية يلف بها وجهه الذي اختفى بين كوفيته وظلام الدربونة ، مشيراً بيمينه الى بيت جارنا ( علي ) ، وهو يهمس للرجلين الذين يتوسطهم ، فما كان من احدهم ان يلتفت خلفه ويشير لأحدهم الذي بادر راكضاً وهو يحمل على كتفه سلما حديدياً واتكأه على جدار البيت المجاور لبيت ( علي ) ، وتسلقه بسرعة محترف ، وتبعه بارتقاءه رجلين اخرين ، هذا مارواه احد معارفي الذين يسكنون الزقاق الذي يلي دارنا المطلة على شارع 60 ، حين التقيت به في صباح اليوم التالي لليلة الاعتقالات ، كان الصباح كئيباً اسود في وجوه المارة ، العيون يملأها الحزن والهم ، ام علي دشر لازمت دارها ولم تخرج منها ولم تفتح دكانها في قطاع 43 كعادتها كل صباح ، بعد ان داهمت بيتها قوات الامن الليلة الماضية بدلالة صاحب الكوفية .
خالد شقيق جواد كاظم لعيبي رأيته هائماً شارد العينين والبال وهو يحدثني عن ليلة اعتقال اخيه جواد الطالب في الصف الرابع في اعدادية الثورة ، وكيف تمكنوا من اعتقاله هو ومجموعة من ابناء وبنات قطاع 44 ، وكان لصاحب الكوفية الملثم دوراً كبيراً يفوق الاجهزة الامنية مجتمعة باعتقال كل مشبوه بالتآمر على الحزب والثورة في جميع قطاعات المدينة .
بعد اكثر من سنة وبعد ان ملّ اهالي المعتقلين البحث عن ابنائهم وطرق ابواب دوائر الامن والفرق الحزبية وابواب المسؤولين والقوادين والعاهرات ، ومقابلات الحجي الذي قال لهم من اخبر عنهم يعرف مكانهم نحن لانعرف مكانهم .
توالت توابيت المعدومين تصل الى دوائر الأمن وبدورها تستدعي احد ذوي المعدوم باستلام التابوت الذي كتب عليه بخط عريض ( خائن ) ، مهددين ومتوعدين إياه بعدم نصب مجلس عزاء او الصراخ والبكاء بصوت عال ، ودفع مبلغ الرصاصات التي اطلقت على ولدهم لقطع سني حياته التي كتبها الله له .
الكثير من اهالي المعتقلين ، لم يفقدوا الأمل ببقاء ابنائهم احياء في زنزانات السلطة ، وسيطلق سراحهم الحاكم في نزوة من نزواته ، او حين يدحرجه القدر من عرشه ويهوي به الى مزابل النسيان .
بعد سقوط الصنم عام 2003 شاهدت احدهم يحمل كيساً على صدره يحتضنه بكلتا يديه ، بعد ان نزل من سيارة الاجرة الصغيرة ، وهو يتمتم بكلمات تشبه الى حد ما ترتيل ايات من قرآن او غناء بطور سيد محمد ، ولايمكنه مسح دموع سالت على لحيته البيضاء .



#ستار_جبار_سيبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ستار جبار ونيسّه وقداحة الرونسون
- من سيربح الملايين في المسامح كريم
- موكفايه
- ميركل تهشم زجاجة المارد
- بين أزمير وياس خضر
- إنما نقاتلهم لوجه الله
- هسه يجي بابا البطل
- اكتب بأسم ربك
- في طريقي اليك ..
- كولا مقدسه
- بدريه
- البوابه
- حبة الحظ .


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - ستار جبار سيبان - تظاهرات شارع الداخل