أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أوري أفنيري - عازف الناي من هملين















المزيد.....

عازف الناي من هملين


أوري أفنيري

الحوار المتمدن-العدد: 1408 - 2005 / 12 / 23 - 09:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قبل 721 سنة عانت مدينة هملين الألمانية من ضربة قاسية من الجرذان. أخذ مواطن يدعى بونطينغع على عاتقه مسؤولية إبادتها، مقابل أجر لائق. أخذ يعزف على الناي فخرجت الجرذان المسحورة من جحورها وتبعته إلى النهر، حيث غرقت كلها فيه. ولكن عندما عاد عازف الناي إلى زعماء المدينة لتلقي أجره، رفضوا ذلك بازدراء.

لقد كان انتقام عازف الناي شديدا. أخذ يعزف بنايه المسحور ثانية، وفي هذه المرة تبعه كل أولاد المدينة، وقادهم إلى الجبل. منذ ذلك الحين لم يظهر أحد منهم.



أريئيل شارون هو عازف ناي بملابس عصرية. بعد أن مُني زعماء الليكود بهزيمة نكراء في الانتخابات، ناشدوه وتوسلوا إليه لإنقاذهم. وبالفعل، عزف شارون على نايه، وانقاد الناخبون خلفه إلى الليكود. لقد زاد عدد مقاعد الحزب، في حملتين انتخابيتين، من 19 مقعدا إلى 38 مقعدا (حيث انضم إلى هذه المقاعد فورا المقاعد الثلاثة التي حاز عليها نتان شيرانسكي).

هل دفع له زعماء الليكود أجره؟ على العكس. لقد ضيّقوا عليه الخناق وقصروا كل خطوة كان يخطوها، وفي نهاية الأمر تمرّد معظم أعضاء كتلة الليكود على رئيس حكومتهم.

حل الآن يوم الانتقام والدفع. شارون يعزف على الناي المسحور، وناخبو الليكود ينجرّون من خلفه جميعهم، وعلى رأسهم بعض زعماء الحزب ذاتهم. بقايا اليكود ستغرق في النهر، ولن يأسف لذلك كثيرون.

غير أن ليس أولاد اليمين فقط هم الذين ينجرون وراء عازف الناي، بل كثيرون من أولاد اليسار أيضا. إنه يقودهم إلى الجبل، الذي يهدد بابتلاعهم كما ابتلع أولاد هملين المساكين.



حين مشيت بالأمس في الشارع، صرخ أحدهم باتجاهي: "إذن، متى ستنضم أنت أيضا لشارون؟"

"لماذا لي أن أفعل ذلك؟" سألته.

"لأنه يحقق خطتك!" أجاب والسرور يغمر وجهه.

يتفشى هذا الوهم أكثر فأكثر. يساريون عديدون، ممن قضوا سنواتهم الأخير في أحضان اليأس الدافئة والمريحة، حيث كانوا معفيين من الحاجة إلى الانتفاض والقتال، وجدوا الآن حلا أسهل بكثير. شارون، رجل اليمين، هو الذي سيحقق حلم اليسار. هناك حاجة للتصويت إلى جانب شارون فقط، وعندها سيحلّ السلام المنشود، دون حاجة إلى بذل الجهد، النضال، ودون تحريك ساكن.

نُشر في صحيفة "هآرتس"، هذا الأسبوع، مقال كتبه يساري، يشرح لماذا قرر أن يصوّت إلى جانب شارون. هذا ما جاء فيه: شارون يشبه دي-غول. دي-غول، خلافا لوعوده، أخرج فرنسا من الجزائر وصنع السلام مع المتمردين. لقد كذب وخدع من أجل هدف نبيل. شارون أيضا كاذب ومخادع. لذلك من المؤكد أنه سوف يخرج إسرائيل من الأراضي الفلسطينية وسيصنع السلام. أليس هذا منطقيا؟

من يبحث عن تعليلات داعمة لذلك، يمكنه أن يجدها هذا الأسبوع في أقوال شخص يدعى كلمان غيير، وهو أمريكي يسدي المشورة لشارون عند إجراء استطلاعات الرأي. لقد كشف النقاب، في أسبوعية أمريكية، عن برنامج شارون "الحقيقي": إعادة 90% من الضفة الغربية إلى الفلسطينيين وتقديم تنازلات في القدس.

صدرت عن الليكود صرخة مدوية، وكان اليسار محرجا. ماذا؟ حقا؟ شارون مستعد أن يعيد أكثر من إيهود براك؟ ولكن من يلمّ بلغة شارون الخاصة كان بإمكانه أن يكتشف الشيفرا: حسب أقوال غيير ذاته، لا يؤمن شارون بأنه من الممكن تنفيذ ذلك وهو على قيد الحياة، لأنه لا يوجد شريك فلسطيني للسلام. لذلك فهو مستعد في الوقت الحالي لإعادة 50% فقط من الضفة الغربية.

هكذا، وبطريقة مسحورة، ها نحن نعود إلى برنامج شارون الأصلي: ضم 58% من الضفة الغربية بشكل أحادي الجانب، عدم إدارة أي محادثات سلمية مع الفلسطينيين، والحفاظ، بطبيعة الحال، على وحدة القدس.

في الوقت الحالي يوزع شارون (بواسطة وزير الحربية الذي تبعه) مئات، وربما آلاف، تراخيص البناء الجديدة في المستوطنات، يواصل إقامة الجدار، يهدم بيوت الفلسطينيين في القدس ويستمر في فرض الطوق على قطاع غزة. ولكن ما أهمية ذلك في وقت تشوّش فيه ألحان الناي الساحرة المُسكرة حواس ودماغ العديد من اليساريين من محبي شارون.



إذا فاز شارون في الانتخابات بعد 101 يوما وأصبح رئيسا للحكومة، فماذا سيفعل؟

الحقيقة البسيطة هي أنه لا أحد يعلم. كذلك كل "المقربين" على أنواعهم، الخبراء الاستراتيجيين، المستشارين والآخرين. شارون وحده هو الذي يعلم، ولربما لا.

من الممكن أن تمارس عليه ضغوط كبيرة، لن يتمكن من الصمود أمامها. ويمكن أن يحدث العكس، وأن يصد الضغوط بسهولة. من الممكن أن يسيطر على الليكود المهزوم. من الممكن أن يقيم ائتلافا مع حزب العمل. الإمكانيات تكاد تكون لا محدودة.

الخطر الحقيقي يكمن في جوهر حزب شارون. ليس هناك أيديولوجية، فيما عدا شارون. ليس له برنامج حزبي، فيما عدا شارون. ليس له خطة، فيما عدا شارون.

هذا حزب الزعيم الواحد، غير المتعلق بأي شيء. هو الآمر الناهي. هو وحده الذي سيؤلف قائمة المرشحين. هو وحده الذي سيحدد البرنامج الحزبي، الذي سيكون بحد ذاته فارغا من القيمة، لأن شارون سيقرر لوحده في كل وقت من الأوقات.

لم يكن شارون ديمقراطيا كبيرا ذات مرة. كان دائما يحتقر الأحزاب والسياسيين. لقد كان في الكنيست، وما زال، وكأنه عشب ضارّ. منذ صغره كان على قناعة تامة أنه سيكون زعيم الشعب والدولة، لأنه، هو لوحده، قادر على إنقاذنا من الضياع. لم ير في نفسه زعيما مقيّدا بكل ترهات الديمقراطية، مثل جليفر المقيّد في بلاد الأقزام، بل كزعيم حرّ تماما، متحرر من كافة الكوابح، قادر على القيام برسالته التاريخية: تحديد حدود الدولة اليهودية في أكبر مساحة ممكنة.

إنه لا يخفي نيته في تغيير ترتيبات النظام في إسرائيل وإقامة نظام رئاسي. معنى هذا النظام في إسرائيل، وهي دولة ليس لها دستور ولا برلمان قوي مثل مؤسستي الكونغرس الأمريكي، سلطة الرجل الواحد. إذا نجح شارون في إدخال كتلة كبيرة إلى الكنيست، فهذا يمكن أن يمنحه، من خلال إغراء بعض النواب الآخرين، إمكانية تغيير قوانين الدولة وتحويل نفسه إلى رئيس قادر على كل شيء - لأربع سنوات، لسبع سنوات، طيلة الحياة.

لم يكن لهذا الخطر أن يكون محسوسا، لولا فقدان الديمقراطية الإسرائيلية لقوتها الداخلية. لقد أكره السياسيون الشعب فيهم، والأحزاب الكبيرة تثير المقت، الفساد السياسي تحوّل إلى قيمة سامية. في مثل هذه الأزمة يتوق الجمهور إلى "رجل قوي". ذلك الرجل من مزرعة "هشكميم" سيسر لتلبية الدعوة.



شارون لا يشبه الطغاة الأوروبيين الكبار الذين حكموا في الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين. وكما ذكر هذا الأسبوع (من قبل محلل يميني بالذات) فهو أكثر ما يشبه خوان فرون، الطاغية الأرجنتيني في الأربعينيات والخمسينيات - جنرال يميني بملابس تنكرية يسارية، حاكم مستبد دونما عائق، قضى على كل أثر للديمقراطية.

هناك أمر واحد مؤكد تماما، من وجهة نظر كل من يعرف ذلك الرجل: إنه لن يتخلى عن خطه الموجّه أبدا، وهو: ضم أكبر قدر ممكن من المناطق، مع أقل عدد ممكن من العرب. لقد أنجز عملية الانفصال بإصرار ليس بهدف تقريب السلام، بل بهدف تحقيق هذا المبدأ. كل ما تبقى هو "براغماتي"، ولا يجدر بنا أن ننسى معنى هذا المصطلح وأصله من الكلمة اليونانية "براغما"، ومعناها "عمل".



ليس الأقوال هي المهمة بل الأعمال. لا يجدر الاستماع إلى كلمات شارون، بل يجب النظر دائما إلى اليدين. وما تقترفه يداه من شأنه أن يكون مختلفا تماما عما يبدو لليساريين السذج، المنقادين الآن وراء عازف الناي المسحور بثقة عمياء.



#أوري_أفنيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابنة المارد
- لعنة الآلهة
- بيرتس ليس بيرس
- أبو مازن والبط الأعرج
- إلى أين عادت سميرة؟
- سلام بدل سلامي
- المنازلون
- إجماع جديد
- مسمار جحا
- من قتل عرفات؟
- بضربة قاضية أم بنحيب
- المستوطنون الغاليون
- هذا هو اليوم
- مسيرة القمصان البرتقالية
- ثلاثة في سرير واحد
- نهاية عهد بوغي
- طريق مرصوفة بالنوايا السيئة
- ماذا نتذكّر؟ كيف نتذكّر؟
- الحملات الصليبية الجديدة
- احذروا الكلب فهو ينهش!


المزيد.....




- وحدة أوكرانية تستخدم المسيرات بدلا من الأسلحة الثقيلة
- القضاء البريطاني يدين مغربيا قتل بريطانيا بزعم -الثأر- لأطفا ...
- وزير إسرائيلي يصف مقترحا مصريا بأنه استسلام كامل من جانب إسر ...
- -نيويورك تايمز-: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخ ...
- السعودية.. سقوط فتيات مشاركات في سباق الهجن بالعلا عن الجمال ...
- ستولتنبرغ يدعو إلى الاعتراف بأن دول -الناتو- لم تقدم المساعد ...
- مسؤول أمريكي: واشنطن لا تتوقع هجوما أوكرانيا واسعا
- الكويت..قرار بحبس الإعلامية الشهيرة حليمة بولند سنتين وغرامة ...
- واشنطن: المساعدات العسكرية ستصل أوكرانيا خلال أيام
- مليون متابع -يُدخلون تيك توكر- عربياً إلى السجن (فيديو)


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أوري أفنيري - عازف الناي من هملين