أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خلف الناصر / خلف حمود ناصر - ((قضية للمناقشة)) ((بحثا عن مشتركات))















المزيد.....


((قضية للمناقشة)) ((بحثا عن مشتركات))


خلف الناصر / خلف حمود ناصر

الحوار المتمدن-العدد: 5277 - 2016 / 9 / 6 - 15:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تحت هذا العنوان وجهت الكاتبة الكبيرة والشخصية التقدمية المعروفة السيدة (فريدة النقاش) وعبر " الحوار المتمدن" بتاريخ 2016-8-25 دعوة للقاء القوى التقدمية والقومية والإسلامية للبحث عن مشتركات تجمعهم..وقد كان لهذه الدعوة وقع إيجابي لدى الكثيرين لأنها جاءت في وقتها تماما، وبعد ما خسرت أغلب القوى والتيارات السياسية والفكرية التي أشارت إليها السيدة النقاش، الكثير من رصيدها السياسي ونفوذها الاجتماعي وتأثيرها الفكري والمعنوي في الرأي العام.. حتى أن بعضها قد خسرت وجودها الفعلي على بعض الساحات العربية، وأخلتها لليمين الديني المتطرف وللفاشية السلفية الدموية التكفيرية، التي تحولت بمعظمها إلى أدوات للقتل والذبح والدمار (فقط!)
وقد لا تكون دعوة السيدة النقاش الأولى من نوعها في الوطن العربي، إنما سبقتها عشرات الدعوات المماثلة في الكثير من الأقطار العربية مجتمعة أو كل قطر عربي على حدة.. لكن ما امتازت به هذه الدعوة على ما سبقها، هو أنها جاءت بعد تجارب مريرة هددت وجود وبقاء ومصير جميع هذه القوى السياسية والفكرية، في عموم الساحات العربية..وقد مهدت تلك التجارب الأرض لدعوة السيدة النقاش، وجعلتها صالحة لبناء مشروع إنقاذ وطني يجمع شتات هذه القوى السياسية والفكرية في كل قطر عربي على حدة، ويمهد الطريق لمشروع مماثل على مستوى الوطن العربي بأجمعه .
***
ومن تلك التجارب الفاشلة أننا في العراق مثلاً: ومنذ الغزو الأمريكي لبلادنا، قد حاولت أغلب القوى الوطنية العراقية عشرات المحاولات لجمع شتاتها في إطار مشروع وطني يوحد جهدها وقوتها وخطابها السياسي، لمقارعة المحتلين من جهة والمساهمة في تحرير الوطن وإعادة بنائه من جهة أخرى..لكن المشكلة الرئيسية كانت تكمن دائماً في أن أغلب تلك التيارات السياسية والفكرية الكبيرة كانت تعيش في أوهام الماضي وأمجاده المزيفة، وأن كلٍ منها كان موزعاً إلى شلل صغيرة بعشرات المسميات التنظيمية العاجزة في حقيقتها، عن الفعل السياسي والفكري المؤثر الذي يمكنها من أداء دور قيادي أو تنويري داخل المجتمع.. لأنها من الناحية الموضوعية كانت فاقدة لكل مقومات التنظيم السياسي الفعلية، إلا من إدعاءات فارغة بتمثيلها (الشرعي) للتيار السياسي الذي تنتمي إليه.. مما أدى بالنتيجة إلى فشل جميع تلك المحاولات !ً
وقبل عشر سنوات تقريباً كانت هناك محاولة أقل طموحاً مما سبق، وبين عدد محدود وصغير نسبياً يمثل بعضاً من بعض، من تلك القوى السياسية والفكرية التي عنيتها السيدة النقاش في دعوتها الكريمة، وكان الغرض من هذه المحاولة الجديدة هو أيضا إيجاد (مشتركات تجمعنا) ولو على أهداف صغيرة تجنباً للفشل السابق..فاتفقنا على (هدف صغير لا يثير الخلافات) وقد اخترنا لهذا الغرض "موضوعة النهضة " كعنوان للقاءاتنا .
وقد قدمت أنا في حينها لاجتماعاتنا تلك موضوعاً تحت مسمى ((رأي .. في النهضة)) وكانت مقدمته عبارة عن (مقاربة جادة) للتقريب بين هذه القوى المجتمعة.. وقد رحب بهذه المقاربة وأثنى عليها أغلبية الحاضرين، واعتبرها بعضهم صالحة لأن تكون أرضية مشتركة تجتمع تحت مفهومها الواسع جميع هذه القوى، ليس في (موضوعة النهضة) وحدها إنما في الكثير من القضايا السياسية والفكرية......إلخ
وأنا في الحقيقة كنت ولا زلت مؤمناً إيماناً عميقاً بكل ما احتوته تلك (المقاربة) من أفكار بناءة، وأعتقد بأنها لا زلت صالحة إذا ما احتفظ بفكرتها الجوهرية، ووسع (مفهومها المختص بالنهضة) ليشمل مواضيع سياسية وفكرية أخرى . وأعتقد أيضاً أنها يمكن أن تساهم مع غيرها من المساهمات الأخرى التي ستطرح حتماً، في اغناء وإثراء قضيتنا (المطروحة للمناقشة) هذه.. وللفائدة أعيد هنا طرح نص تلك المقاربة للاستئناس بما ورد فيها من أفكار، علها تساعدنا في إيجاد ركائز لتلك [المشتركات التي تجمعنا] وكجزء من هذا النقاش الثري.. (نص المقاربة) :
((كانت قضية النهضة ولا زالت وستبقى إلى أمد غير معروف , هي القضية المركزية لكل أمة و شعب و مجتمع يريد أن يتقدم , وينفض عن نفسه غبار القرون ومتاهات التخلف , ويلحق بركب الشعوب المتقدمة والتي تزداد تقدما في كل لحظة من لحظات حياتها .
ولأن النهضة قضية أمة ومجتمع , فهي ليست مشروعا سياسيا ينتمي لأحد بعينه.. ولأنها هكذا , فأن أسئلتها تدور في أذهان الجميع , سواء كانوا وطنيين عراقيين أو قوميين وحدويين أو أمميين عالميين: إسلاميين كانوا أو شيوعيين.. وحتى إن كانوا ليبراليين قدامى أو جدد .
فكل من هئولاء قد فهم موضوع النهضة بطريقته الخاصة ، ووجد أن رفاه المجتمع وتقدمه وازدهار وسعادته ونهضته الشاملة ، لا يستطيع تحقيقها ألا التيار الفكري والسياسي الفلاني.. فاختاره بناءً على هذه القناعة!!
فكان أصل الاختيار السياسي والفكري لجميع هئولاء، هو تقدم ورفاه المجتمع ونهضة الأمة..ولأن الأصل هكذا , فإن لــ (جميع هئولاء هدف واحد مشترك ومتفق عليه) وهو نهضة وتقدم ورفاه الأمة والمجتمع..ولأن الهدف هو هذا ، فأن أسئلة النهضة تدور في أذهان وضمائر جميع هئولاء .
وأسئلة النهضة الخالدة تبقى هي هي..لماذا كنا متقدمين ثم تخلفنا ؟..ولماذا كانت أوربا متخلفة عنا ثم تقدمت علينا ؟..ولماذا أمم كثيرة تتقدم , وأمم أكثر منها تتخلف ؟.. وهل التقدم قدر اختصت به شعوب والتخلف قدر اختصت به شعوب أخرى ؟..وما هو السبيل الذي يفتح أفق المستقبل أمام شعبنا وأمتنا ويحقق نهضتهما ؟.. وأسئلة أخرى كثيرة على هذا المنوال تتوالد عن بعضها ومن بعضها .
لكن عند الإجابة على هذه الأسئلة تختلف الرؤى والآراء , من شخص لآخر ومن فريق لفريق آخر وبين تيار وتيار فكري أو سياسي آخر.. ومع الأسف ، كان هذا الاختلاف الموضوعي في جوهره ـ نقصد في العراق ـ عنيفا في أغلب الأحيان ودمويا في بعض الأحيان.. بين جميع هئولاء!!.
ولكن..ومهما كانت نتائج هذا الاختلاف في الرؤى والتصورات للموضوع ذاته , فأن طبيعة هذه الأسئلة , وحتى أجوبتها المتباينة تؤكد حقيقة مهمة جدا وخطيرة جداً..وهي :
إن [قضية النهضة] هي قضية الجميع , وإن اختلف الوعي بها وبأهميتها , وبطرق الإجابات المختلفة عليها.. كما تؤكد حقيقة أكثر أهمية وجوهرية وهي : أن صعود وهبوط التيارات السياسية والفكرية (كما أثبتت التجربة العربية على الأقل) مقترن بمدى وعيها بقضية النهضة وبمدى قربها أو بعدها عنها , وبمدى ما تحققه منها سلبا أو إيجابا.. وأن تيار المستقبل ــ مهما كان أسمه وأيديولوجيته ــ هو ذلك التيار الذي سينجح فعلا في تحقيق النهضة.. ويجعلها حقيقة معاشة في حياة الأمة والمجتمع)) (انتهى) .
إن طرحاً شفافاً وموضوعياً كالذي طرحته السيدة النقاش أو كهذا الطرح، واللذان يعترفان معاً بالآخرين ويتوحدا معهم (على أهداف مشتركة) يستطيعان أن يزرعا الثقة بينهم، ويخلقا (أرضية مشتركة) تمكن جميع القوى السياسية والفكرية الوطنية والقومية والتقدمية عموماً، من التحرك على أديمها بثقة عالية .
ومع هذا يبقى الطريق طويلاً، وليس معبداً ولا مفروشاً بالورود، وقد تواجهه عقبات غير محسوبة ربما تُغير مساراته باتجاهات لم تكن تخطر ببال أحد من المؤمنين به والعاملين لأجله، وكما واجهتنا نحن في العراق مثلاً*: ( أستطيع هنا أن أعدد أسماء كثيرة لامعة الآن..كانت تشاركنا العمل ثم ...) ولهذا يجب وضع ضوابط وآليات تضبط المسارات منذ البداية.. وهنا أود أن أنبه ـ اعتماداً على تجاربنا السابقة ـ إلى عدة حقائق وأمور لمسناها لدى معظم التيارات السياسية والفكرية بدرجات مختلفة، قد لا يعرف بوجودها البعض وقد لا يستشعرها البعض الآخر، لكنها على كل حال موجودة ـ بدرجات مختلفة ـ لدى الكثيرين وقد تفاجئ الجميع، وتربك العمل برمته..أشير هنا إلى بعض منها فقط:
أولاً: وكمبدأ عام، توجد في كل تيار من تياراتنا السياسية والفكرية ـ الحداثوية والتقليدية ودون استثناء ـ تلك العقلية الماضوية الثأرية الموروثة، والتي تنشغل بالماضي ومآسيه عن الحاضر، وبالثأر من الآخر المختلف بدلاً من الاتفاق معه على بناء المستقبل.. وكذلك توجد ضمن هذه التيارات ـ وبدرجات مختلفة ـ (نوع من السلفية) التي لا تعترف بالآخر وقد تنفي وجوده تماماً..وهي (سلفية!) تستخدم (التخوين الوطني بدلاً من التكفير الديني) .
وقد صادفتنا في الماضي أحزاب وتنظيمات سياسية معروفة بعقليات متخلفة كهذه، تدعي إدعاءات أسطورية كذبتها الوقائع والأحداث على طول الخط.. بعضها ادعت بأنها هي وحدها التي ستبني الوطن والآخرون مجرد أصفار.. وغيرها ادعت بأنها وحدها التي ستحقق (الوحدة العربية) وتبني الأمة وتضعها تحت الشمس، والآخرون من خارجها خونة أو مدعوّن أو منشقون.. وثالثة ادعت بأنها وحدها (الممثلة للطبقة العاملة) ومن هم خارجها هم خونتها ومنشفيك مقنعون...............إلخ
ومعروف أن مثل هذه العقليات المتخلفة، هي التي كانت وبعضها لا زالت تقود الأحزاب المعروفة على الساحات العربية، وجميعها كانت ـ وبعضها لا زالت أيضاً ـ تؤمن (بنظرية الحزب الواحد أو الحزب القائد)..وأغلب من وصل منها إلى السلطة طبق هذه النظرية بإبداع يفوق التصور ـ العراق مثلاً ـ حتى أنه قد اجتث بواسطتها الحركة الوطنية في البلاد من جذورها.. ومع هذا، لم يحقق لشعبه أيٍ من إدعاءاته العريضة ومما وعده بها.. اللهم إلا الاستبداد والدكتاتورية المفرطة والسجون والإعدامات والمعتقلات والفساد الشامل، وخراب البلاد وسبي العباد وعودة احتلاله واستعماره من جديد!
فهذه العقلية هي (عقلية سلفية) يجب تُغادِر وتُغادَر، وهذه نظرية من الماضي الدكتاتوري الرهيب، يجب أن تحارب وتدفن في أعماق الأرض كالنفايات السامة أو الإشعاعات النووية الضارة..فهي التي أسقطت دولا عظمى ومعسكرات كبرى، وجعلت الإمبريالية الأمريكية تستفرد بالعالم وتتحكم بمصائر الشعوب ومقدرات الأمم!

ثانياً: نتيجة للفشل المركب الذي وصلت إليه الأنظمة والأحزاب والحركات والأفكار المدعوة بالتقدمية، ونتيجة لما وصلت أغلب شعوبنا اليوم إليه من دمار وكوارث متتالية..فقد حدثت عند البعض ـ أفراد وجماعات ـ (مراجعات نقدية) أشبه بالثورة الثقافية على كل المستويات، داخل تلك التيارات السياسية والفكرية وحتى خارجها.. وقد وصل بعضها إلى نتائج متقدمة ومهمة على مستويات النقد والتشخيص والتفسير والتجديد الفكري.. النظري والعملي!! .
لكن هذه النتائج المهمة حوربت بضراوة من جهتين:
الأولى: مما يسمى بــ (الحرس القديم) الذي تمثله القيادات التقليدية في تلك الحركات والتنظيمات السياسية، انسجاماً مع طبيعتها الفكرية المحافظة أو حفاظاً على منافعها الشخصية، المتمثلة باستمرارية وضعها القيادي في تنظيماتها السياسية!!
والثانية: أنها حوربت من جميع الجهات الرجعية سواءٌ كانت دينية أو اجتماعية أو سياسية أو فكرية.. لأن هذه الأفكار التجديدية إذا ما انتشرت وعممت وتجذرت داخل المجتمعات، فأنها ستقلب الطاولة وتسحب البساط من تحت أقدام جميع القوى الرجعية.. وستؤدي حتماً إلى تغير الأوضاع القائمة على المدى البعيد!!
والمقترح هنا هو: يجب أن يفسح المجال وبحرية تامة ودون قيود مدرسية وعلى أوسع نطاق ممكن، لهذه الأفكار الجديدة والتجديدية وللمجددين، على صفحات "الحوار المتمدن" وغيرها من الصفحات والمواقع المماثلة، لترى النور وتلامس حياة الناس اليومية لتُعرف وتُفهم وتنتشر بينهم .
وهذا سينعكس إيجابياً داخل تلك التيارات السياسية والفكرية نفسها، وسيؤدي حتماً بالنتيجة النهائية إلى حراك فكري إيجابي داخل المجتمع السياسي وبين عموم المواطنين!

ثالثاً: إن (بحثنا عن مشتركات) يجب ألا يكون عملية وقتية عابرة فرضتها ظروف قاهرة، إنما يجب أن تعتبر إستراتيجية دائمة والنظر إليها بجدية تامة..لأنها الفرصة الأخيرة المتاحة لهذه القوى والتيارات السياسية والفكرية كــ (عملية إنقاذ) لنفسها، وعملية إنقاذ وطني وقومي وحتى إنساني.. ولهذا يجب أن يبذل كل جهد ممكن لإيجاد هذه (المشتركات الجامعة) فعلاً، وهي كثيرة جداً إذا ما نحيت الثانويات منها وقدمت الجوهريات على ما سواها، ومحاولة تحويلها إلى حالة وطنية وقومية معاشة وفاعلة على كل المستويات..وذلك من خلال عمل مؤسسي يجعل منها في النهاية (مؤسسة) قوية ثابتة الأركان و (مرجعية) متفق عليها لجميع القوى الوطنية والقومية والتقدمية .

رابعاً: إن هذه الدعوة التي أطلقتها القامة التقدمية العالية السيدة (فريدة النقاش) من على منبر "الحوار المتمدن" يجب أن يكون للاثنين ـ السيدة النقاش والحوار المتمدن ـ دوراً متميزاً فيها إذا ما نجحت فكرتها، وتحولت إلى كيان حي وحيوي فاعل في المجتمع .
فــ "الحوار المتمدن" يجب أن يكون هو الساحة التي تتبارى على مسرحها كل الأفكار وتتفتح داخلها كل الأزهار والأنوار والأفكار التجديدية..وعندها يمكن أن يتحول " الحوار المتمدن " إلى واحد من أهم مراكز الفكر التي ترمم الواقع وتبني المستقبل الوطني والقومي والإنساني في هذه المنطقة من العالم .
ومثل هذا الموقع الحيوي المهم، لا يمكن للحوار المتمدن أن يحتله، إلا إذا وقف بصورة حيادية وعلى مسافة واحدة ـ في هذه القضية تحديداً ـ من جميع الأفكار التي ستطرح على صفحاته، من مختلف القوى والشخصيات الوطنية والقومية والإسلامية، بحيث يكون فيها الحوار المتمدن ـ أكرر في هذه القضية بالذات ـ ممثلاً للجميع وليس لفصيل أو لتيار أو لجهة فكرية وسياسية بعينها.. حتى يتمكن من القيام بدوره التاريخي في هذه القضية المصيرية .
فالقضية المطروحة هنا، تتجاوز في أهميتها ومصيريتها جميع الفصائل والتيارات السياسية والمدارس الفكرية، لأنها أصبحت قضية أمة وشعب ومصير إنساني.. بعد أن تغول اليمين الديني والفاشية الدينية، وأصبحت تهدد مصير كل إنسان على هذه الأرض!!
***
بقي علي أن أقول بخصوص الفقرة (أولاً أعلاه) ولتدليل فقط، على وجود (سلفية متزمتة) ليس عند ذوي التوجهات الدينية وحدهم، إنما هناك (سلفية حداثوية) ـ إن صحت تسميتها هكذا ـ بين القوى السياسية والمدارس الفكرية المنتمية إلى العصر الحديث أيضاً وبدرجات مختلفة..وأذَكّر هنا كمثال فقط، بمقال للسيد (حسن خليل) أسماه ((أسطورة القومية العربية)) ونشر بتاريخ2016-8-4 على صفحات "الحوار المتمدن" نفسه.. وقد نفى فيه كاتبه وجود أمة عربية أو وجود أقطار عربية، وبالتالي لا وجود لـ (قومية عربية) إنما هي (أسطورة) خلقها الاستعمار!!
ففي السطر الأول من مقاله هذا يقول عن القومية العربية:
((لأسباب مختلفة تطورت هذه الأسطورة و كبرت بما في ذلك التدخل الاستعماري الذي أنشاء جامعة الدول العربية . فهل هذه الدول عربية حقا ؟ لنأخذهم دولة دولة)) ...
ثم يعدد الأقطار العربية قطراً قطراً، نافياً عنها جميعاً عروبتها وانتمائها لأمة واحدة.. وهذا هو الذي نعنيه بوجود: (تفكير سلفي ينفي الآخر ولا يعترف بوجوده)!
.ويبدو السيد (حسن خليل) هنا متوافقاً تمام التوافق مع كل ما أنتجته اتفاقيات (سايكس/بيكو) الاستعمارية من نتائج على الجغرافيا والحياة العربية..فهو يدور داخل نفس الحدود التي رسمتها تلك الاتفاقيات المشؤمة، وينطلق من نفس ومنطلقاتها الاستعمارية .
وهذا تفكير مدرسي قديم في فهم كثير من قضايا الواقع، ويعود في جزءٍ منه إلى حقبة الخمسينات والستينات من القرن الماضي وصراعاتها الإيديولوجية..وذلك عندما انطلقت القومية العربية بكل عنفوان، وهددت المصالح الاستعمارية في المنطقة العربية، فَأُعلنت القوى الإمبريالية عليها حرباً شعواء شاملة، كان من ضمنها (نفي فكرة القومية العربية ونفي وجود أمة وقومية عربية) وهي نفس فكرة هذا المقال الجوهرية! (وسيكون لنا رداً علمياً موثقاً على مقال " أسطورة القومية العربية " إذا اتسع صدر "الحوار المتمدن" لمقالنا)
أما بخصوص الفقرة (ثانيا:) ولتدليل فقط أيضاً على وجود [فكر جديد متنور وموضوعي] معاكس لفكر السيد (حسن خليل) السلفي، ويبحث عن الحقائق والمشتركات التي تجمع ولا تفرق، بين جميع القوى والتيارات السياسية والفكرية الوطنية والقومية وحتى الإسلامية المتنورة ... وأُذَكِر هنا بمقال ودعوة السيدة (فريدة النقاش) هذه، والتي تدعو فيها إلى البحث عن مشتركات تجمع جميع هذا القوى، في إطار عملي وتحت خيمة واحدة!
فهي في فقرة تخص القومية العربية أيضاً والقوميين العرب من مقالها هذا، والذي لا تشم منه رائحة ولو خفيفة من روائح السيد حسن خليل السلفية.. تقول:
((دأب مفكرون قوميون اصلاء على تحرير الفكرة القومية من الالتباس بينها وبين الفاشية والعنصرية، إذ كان مستحيلا على القوميين العرب أن يتصدوا للصهيونية فكرا وممارسة وهم يتبنون منهجها العنصري، ويدرك مفكرون قوميون هذه الحقيقة عمليا بعد أن وجهت الموجة الامبريالية الجديدة نيرانها ضد مفهوم القومية، والقومية العربية بشكل خاص لأنها تتناقض مع مشروعها ما بعد الحداثي القائم على تفتيت البلدان))(أنتهى)
والسيدة النقاش هنا تصيب الهدف إصابة مباشرة ودقيقة بقولها هذا..فتصفية "الفكرة القومية" والقومية العربية بالذات هدف إمبريالي قديم وعليه شواهد كثيرة.. فزبيجينو بريجينسكي مثلاً: (مستشار كارتر للأمن لللأمن القومي في سبعينات القرن الماضي) يقول بالنص ما يُثبت استنتاج السيدة النقاش هذا بوضوح تام.. فهو يقول:
((فالشرق الأوسط مثلاً مكون من جماعات عرقية ودينية مختلفة يجمعها إطار إقليمي . فسكان مصر ومناطق شرق البحر المتوسط غير عرب أما داخل سورية فهم عرب وعلى ذلك فسوف يكون هناك " شرق أوسط " مكون من جماعات " عرقية " و " دينية " مختلفة على أساس مبدأ الدولة/ الأمة تتحول إلى " كانتونات " طائفية وعرقية يجمعها إطار إقليمي (كونفدرالي) . وهذا سيسمح للكانتون الإسرائيلي أن يعيش في المنطقة بعد أن تصفى فكرة " القومية " )) أمين هويدي: "ندوة القومية العربية والإسلام" : مجلة "المستقبل العربي" عدد24:..شباط / .1981
وهذا الذي نَظَر له (بريجينسكي) هو الذي يطبق الآن في منطقتنا تحت اسم ((مشروع الشرق الأوسط الجديد)) بحذافيره من تقسيم جغرافي وتفتيت اجتماعي واقتتال طائفي وإنشاء فعلي لكانتونات "عرقية" و "دينية" .. وهو عين ما أسمته السيدة النقاش بالمشروع الإمبريالي ((ما بعد الحداثي القائم على تفتيت البلدان)) (العربية بالذات) بواسطة الجماعات الإسلاموية السلفية على (المستوى الميداني).. ويحدث تقسيم وتفتيت مماثل على (المستوى الفكري) تقوم به جماعات متنوعة بعضها تقدمية مع الأسف، لكنها تحمل مواصفات الفكر السلفي الكاملة كمقال " أسطورة القومية العربية " مثلاً!
وهنا نرى بوضوح تام نتيجة منطقية لهذا النوع من التفكير السلفي وهو: التقاء الفكر السلفي بشقيه: الديني والمدني مع المشاريع الإمبريالية وأهدافها المتنوعة، والانخراط ـ بوعي أو بدون وعي ـ في تنفيذها أو التماهي معها على طول الخط.. ففي حين نرى هنا السيد (حسن خليل) في مقاله " أسطورة القومية العربية " يصطف في خندق الإمبريالية وكأنه الناطق الرسمي لمشروع (بريجينسكي) واتفاقيات سايكس/ بيكو.. نرى السيدة (فريدة النقاش) في الخندق المقابل، بفكرها التجديدي الجامع والمعادي للإمبريالية ومشاريعها التدميرية في منطقتنا العربية!!
وهذا هو الفرق بين [الفكر (السلفي والمدرسي] القديم لكل التيارات السياسية والفكرية (الحداثوية والدينية) ، وبين الفكر الجديد والتجديدي لنفس هذه التيارات السياسية والفكرية.. فالأولى قد تلتقي ـ دون علمها ـ مع الإمبريالية ومشاريعها في المنطقة.. بينما الثانية ـ أي التجديدية ـ تمتلك وعياً طبقياً وتاريخياً متراكماً، يمكنها من رؤية الزوايا المظلمة للمشاريع الإمبريالية ـ والتي لا ترى بالعيون (المدرسية) المجردة ـ وتجنبها الوقوع في حبائلها المموهة ودهاليزها المعتمة .



#خلف_الناصر_/_خلف_حمود_ناصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأسباب والشروط الموضوعية للثورات الشعبية


المزيد.....




- رئيس الوزراء الأسترالي يصف إيلون ماسك بـ -الملياردير المتغطر ...
- إسبانيا تستأنف التحقيق في التجسس على ساستها ببرنامج إسرائيلي ...
- مصر ترد على تقرير أمريكي عن مناقشتها مع إسرائيل خططا عن اجتي ...
- بعد 200 يوم من الحرب على غزة.. كيف كسرت حماس هيبة الجيش الإس ...
- مقتل 4 أشخاص في هجوم أوكراني على مقاطعة زابوروجيه الروسية
- السفارة الروسية لدى لندن: المساعدات العسكرية البريطانية الجد ...
- الرئيس التونسي يستضيف نظيره الجزائري ورئيس المجلس الرئاسي ال ...
- إطلاق صافرات الإنذار في 5 مقاطعات أوكرانية
- ليبرمان منتقدا المسؤولين الإسرائيليين: إنه ليس عيد الحرية إن ...
- أمير قطر يصل إلى نيبال


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خلف الناصر / خلف حمود ناصر - ((قضية للمناقشة)) ((بحثا عن مشتركات))