أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد محمد حسن - استعادة علي الوردي















المزيد.....

استعادة علي الوردي


سعد محمد حسن

الحوار المتمدن-العدد: 5275 - 2016 / 9 / 4 - 18:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لا شك من الدكتور الوردي سفر معرفي اجتماعي وتاريخي , يعد بحق أحد أبرز رواد الفكر التنويري المعاصر في العراق أمتد أثره سنوات منتصف القرن العشرين ومازال , شاغلا بذلك أوساطا ثقافية عدة ممن تثيرهم قضايا المجتمع و سبل تطوره وآفاقها و صعوباتها البنيوية من علماء اجتماع وباحثين ومثقفين تنويريين وسياسيين وقراء دفعهم شغف القراءة و حب التزود بالمعرفة . وصفه زميله ونظيره عالم الأنثروبولوجيا العراقي قيس النوري بأنه أعظم المروجين للفكر الاجتماعي الثقافي الموضوعي في المنطقة , ووصفه أستاذ التاريخ في جامعة بغداد مرتضى النقيب بأنه " عالم العراق السوسيولوجي " (1) .


شغلت آراءه وفرضياته منذ منجزه الإبداعي الأول الذي تناول فيه شخصية الفرد العراقي مطلع خمسينيات القرن الماضي وما تناوله تباعا في منجزاته الإبداعية الأخرى , موقعا متميزا على صعيد البحث السوسيولوجي وشاغلا في الشأن الثقافي العراقي ومبعثا لطرح العديد من الأسئلة الإشكالية التي تستلزم التوقف عند سياقاتها ومضامينها المعرفية .


بحث الوردي عن حياة الناس الاجتماعية عن قيمهم وعاداتهم و أنماط سلوكهم ومرجعياتها النفسية والاجتماعية وما تركته البيئة المحيطة و المصالح الاجتماعية والاقتصادية والسياسية من تأثير في تقرير ذلك , متصديا للظواهر الاجتماعية باحثا عن مسبباتها وماهية الحلول اللازمة لتجاوز أثارها السلبية, عمل بجد على كشف إشكال البداوة والعصبيات المختلفة وما تنطوي عليه من قيم عشائرية ونزعات طائفية وما تركته من تأثير على طبيعة المجتمع وشخصية الفرد العراقي , كاشفا بذلك عن مسعى منهجي حاول فيه تفكيك آليات الصراع الاجتماعي الذي لازم المجتمع العراقي في لمحاته التاريخية , و تأثير ذلك على طبيعة شخصية الفرد العراقي وركائزها النفسية والاجتماعية والمؤثرات التي تركت فعلها في ازدواجية معاييرها . مبلورا مسعاه في ثلاثة فرضيات رئيسية هي إشكالية البداوة والحضارة والتناشز الاجتماعي , وازدواجية الشخصية العراقية , بما تتميز بمنطقها المترابط ترابطا وثيقا , كما أن مديونيته لها قائمة في الكثير من الظواهر التي مر بها المجتمع العراقي ففي ماضيه وحاضره وما ستتركه من تأثير في تحديد مساراته المستقبلية .

أظهر الوردي مدى ما يتحلى من منهجية تمتاز بالمرونة وعدم التعصب عند طرحه لأفكاره وحدود قدرتها على التواصل والتجاوز المعرفيين مع من يختلف معه , لذلك نراه يقول " لا أحب التعصب في معتقداتي وأفكاري وهذا ما أشعر به في نفسي " (2) كما أنه لم يعد آراءه وفرضياته نهائية أو أنها تتمتع بالصحة المطلقة , لذلك أطلق عليها تسمية فرضيات وليست نظريات , وأنه قد أعترف بالمصادر التي استقى فرضياته وآراءه منها مؤكدا أنها قابلة للتغيير وأنها ما زالت تحتاج إلى أثبات أكثر (3) .
ورغم تأكيده على ذلك فأن الوردي لم ينجو من انتقادات حادة , الغريب أن وحدة الموضوع والقدرة على تقديم المصطلحات الفريدة والمتميزة و الأفكار المتماسكة ضمن مشروع علمي متكامل في محاولة منه لفهم وتحليل مشكلات المجتمع العراقي لم تقنع الكثيرين على ما يبدو من التورع في تقديم النقد غير البناء والجارح في بعض الأحيان . لقد خلق الوردي ما يشبه الهزة الأرضية الثقافية وكان جانبا من تأثير أفكاره هو أنها كشفت وعرت الكثيرين ممن سخروا علومهم لخدمة السلطان الجائر وتحجيم وعي الناس وتزييف الحقائق ولي أعناقها (4). لقد أحدثت آراءه وفرضياته صراعا فكريا حادا بين المحافظين التقليديين المعارضين والمحدثين ممن حفزتهم آراء الوردي وفرضياته ف دفع بعضهم إلى الدفاع عنه بإيجاد أدلة وبراهين لإثبات صحة تلك الآراء والفرضيات .

تكلم الوردي بشكل واضح عن المنهج الذي يستخدمه في دراسته للمجتمع العراقي وهو أنه يستخدم المنهج العلمي الذي لا يكتفي بالقناعات الذهنية المنطقية المجردة , ويحاول أن يستمد الحقيقة من مصادرها (5) .

ولعل هذه الروحية المنفتحة للعلامة الراحل الوردي ومنهجيته العلمية كانت الحافز الحقيقي وراء المسعى لوضع آراءه وفرضياته في سياق معرفي أخر وقراءتها على نحو جديد تتيح توسيع أفاقها المعرفية لغرض تسليط الضوء على الإشكاليات والصعوبات الراهنة التي تواجه المجتمع العراقي في وقع انتقاله إلى الحداثة .

فمنذ أواخر القرن التاسع عشر مرورا لما بعد تأسيس دولته الوطنية و انهيارها و إعادة تأسيسها من جديد , يواجه المجتمع العراقي العديد من الصعوبات البنيوية التي تتعلق بعملية تحديث بنية الداخلية بكل مظاهرها المختلفة السياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية و يبدو أن أحد أسباب تلك الصعوبات في رأي العديد من علماء الاجتماع العراقيين تكمن في استمرار وجود نمط محدد من الثقافة والتفكير والسلوك الاجتماعيين الذي يرتكز على بنية اجتماعية وثقافية تقليدية فاعلة ومؤثرة تستمد سلطتها الواقعية والرمزية من وجود البنية الاجتماعية نفسها.

كما أن الحداثة نفسها كمشروع مجتمعي يستلزم عمليا اتخاذ حزمة من الإجراءات العملية التي تستند على آليات عمل في حقول السياسة والاقتصاد والثقافة الكفيلة بإنجاز مشروع الحداثة نفسه حيث تساهم تلك الإجراءات في تهيئة الظروف المناسبة لخلق قيم وأعراف جديدة تفرض نفسها على الأفراد والجماعات كسلوك وتفكير اجتماعيين حديثين وتدفع باتجاه تشكيل بنية اجتماعية جديدة تقف حائلا دون استمرار تأثير المجتمع التقليدي وأنماطه الثقافية والاجتماعية .
ولذلك فأن رؤية مسارات التحول بين بنيتين اجتماعيتين مختلفتين ومتعارضتين في معيارهما الثقافي والاجتماعي قد شكلت الأساس في فرضية الدكتور الوردي في التناشز الاجتماعي . كما أن صيرورة التحول نفسها تحيلنا لإعادة قراءة فرضيته في صراع البداوة والحضارة كمعيارية معرفية لمنظومتين اجتماعيتين مختلفتين ومتصارعتين في مجتمع واحد وفي نفس الوقت . كما أن هذه المعيارية في شرط صيرورة المجتمع العراقي والوقوف على تحولات بنيته تستلزم أعادة إنتاج تلك الفرضيات وتوسيع حدودها المعرفية .







( 1 ) مساهمة د . لاهاي عبد الحسين , المنشورة في كتاب علي الوردي . منظورات مختلفة . إصدار مشترك دار الرقيب بغداد , دار أوما بغداد / الناصرية . دارopus لندن . ص 25 .
(1 ) يقول الوردي بأن فرضياته ليست من بنات أفكاره بل أنها مقتبسة من علماء اجتماع آخرين وقد أجرى عليها التحوير والتغيير بما يجعلها ملائمة للمجتمع العراقي . د علي الوردي . اللمحات ج 6 ص 315 .
(2) علي الوردي . مصدر سابق . ج 6 .ص315..
(3) علي الوردي . دراسة في طبيعة المجتمع العراقي . ص 12 .
(4)د حسين سرمك حسين . سلام الشماع . علي الوردي و الازدواجية المسقطة . دار الينابيع . سوريا . ص 38 .
(5) علي الوردي . دراسة في طبيعة . ص 270 ـ 271 .



#سعد_محمد_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاولة طمس تراثنا .... ستبوء حتما بالفشل
- مهدي عامل ناقدا استشراق إدوارد سعيد
- الحراك الشعبي .. الواقع والأفاق ( ملاحظات أولية )
- عن الجمعة الخامسة 28 أب من الاحتجاجات الشعبية
- الماركسية والمسألة الدينية , تعقيب على ما نشره أتحاد الشيوعي ...
- المجتمع العراقي وثقافة الكراهية في سياق المعنى والدوافع الثق ...
- صراع الحداثة والتقليد مقاربة المجتمع البغدادي بمجتمع الآطراف ...
- الماركسية . أسئلة النقد ووجاهة المعرفة
- قراءة في قوانين الاحوال الشخصية في العراق
- سقوط أخر للقوى الطائفية
- في رثاء حالنا
- أوجه التناقض في التجربة البرلمانية في العراق الملكي
- مسائل ألايكولوجيا نحو مقاربة ماركسية
- ازمة الثقافة العراقية
- الاحتكارات النفطية في العراق قراءة في التاريخ والاستراتيجية


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد محمد حسن - استعادة علي الوردي