أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - لكنهم لم يعثروا عليها أبدا














المزيد.....

لكنهم لم يعثروا عليها أبدا


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 5271 - 2016 / 8 / 31 - 07:26
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    



أتمنى أن أموت واقفا مدافعا عن الحق وليس راقدا فى فراشى، كلمات أبيها انحفرت فى ذاكرتها، بدأت تتطلع فى الخامسة من عمرها لبطلات شجاعات يدافعن عن الحق حتى الموت.




جدتها الفلاحة ماتت واقفة، تتحدى العمدة والملك والإنجليز، وأمها ماتت وهى تدافع عن كرامتها ضد غدر الأهل وطعنات الوطن، تسبح فى البحر لا تهاب الجنية والغولة، الأطفال مثلها يسبحون قرب الشاطىء، تتركها أمها تقاوم الموج وتقول: لايتعلم السباحة من يخاف الغرق، لكن الشجاعة والإقدام على الموت فى سبيل القضايا الإنسانية لم تكن صفات الأنوثة ، ولم تعجبها صفات البنت المثالية: الضعف ، المراوغة والاستسلام للذل والهوان ، لم تتظاهر بالضعف لتكون مرغوبة، لم تعشق غسل الصحون ودعك المراحيض لتكون محبوبة، لم تكن كسيحة لتبقى بالبيت سجينة، كانت طفلة طبيعية تعشق الانطلاق فى المساحات المفتوحة وركوب الدراجات والطائرات والخروج فى المظاهرات، تنهمر دموعها من شدة الفرح وهى تهتف مع التلاميذ: يسقط الملك تسقط الحكومة يسقط الإنجليز، وتضيف من عندها: ويسقط جدى.

كان جدها متغطرسا، هربت أمها منه لبيت زوجها، لم تر زوجها إلا من وراء الشيش، خاطرت بحياتها وألقت بنفسها فى المجهول، كانت تقول «خاطرى لتكسبى»، لحسن حظها كان زوجها إنسانا وليس ذكرا، لأمها صورة قديمة تسبح معه فى البحر وتلعب الكرة على الشاطىء بالمايوه، لم يكن زوجها يفصل بين حرية الوطن وحرية المرأة، شهد أمه الفلاحة تخرج للعمل بالحقل فجر كل يوم،

تطعمه وإخوته من إنتاج أرضها ويديها، لم تكن تخاف الجن الأزرق، تقف بقامتها الفارعة أمام العمدة، تشوح فى وجهه بيدها المشققة المحروقة بالشمس وتقول «الأرض أرضنا والزرع زرعنا إحنا مش عبيد»، هذه المرأة أرضعت ابنها الكرامة والعدل والمساواة، تخبط على بطنها بكفها القوية وتقول: البطن اللى ولدتك زى البطن اللى ولدت ابن الملك، وأبوها كان يقول «البنت مساوية للولد» ويشجعها على السفر وحدها بالقطار والمشاركة فى الرحلات والمباريات الرياضية والمظاهرات الوطنية. فى الثالثة عشرة من عمرها تأهبت للموت بالرصاص وهى تهتف وسط الآلاف:

الاستقلال التام أو الموت الزؤام.

الأطفال، البنات والأولاد، يولدون بشجاعة طبيعية وعقل خلاق، لكن بذرة الخوف تنغرس فى عقولهم بالتربية والتعليم، يملأ الأهل والمدرسون خيالهم بالأشباح، لكنها حظيت بتربية مختلفة، لم تكن تخاف الظلمة، لم تسمع عن العفاريت إلا من مدرس الدين، وأعلنت أمها «مافيش عفاريت»، فوقفت بالفصل وقالت «مافيش عفاريت» فإذا بالمدرس يضربها بالمسطرة على أصابعها حتى تورمت، مع ذلك لم يدخل كلامه عقلها، يتفوه بعبارات تحتقر البنات،فى يوم أعلن أن «البنت مساوية للولد» كلماتها الثلاثة زلزلت المدرس فصرخ «أسكتى يا كافرة ستحرقين فى النار» لكن الموت كان أهون عندها من السكوت، هكذا أصبحت تسمع كلمة «كافرة» و«الحرق فى النار» كل يوم بالمدرسة، لكن قلبها الطفولى لم يفقد شجاعته الأولى أو الثقة بنفسها، لم تكن تخاف العفاريت، تمشى وحدها بالليل،تحدق فى الأركان المظلمة، لم يظهر لها عفريت واحد، وقالت أمها اللى يخاف من العفريت يطلع له. لم تكن أمها بطلة مصارعة أو رفع الأثقال، كانت بطلة إنسانية، صريحة سافرة الوجه لاتعرف التحجب والتخفى ، تمردت على صفات الأم المثالية، لم تلبس الكفن الأسود تظاهرا بالعفة، لم تكن منخفضة الصوت منكسرة العين مثل الجوارى والعبيد،لم تتعثر فى مشيتها كالمربوطة القدمين فى الحذاء الحديد، قرأت عن بطلات وأبطال ماتوا دفاعا عن الحرية والعدالة فى بلدهم، أو فى أى مكان بالعالم، إرتفع عندهم الصدق والعدل والحرية والمساواة على القيم الدينية والأخلاقية الموروثة منذ آلاف السنين.

لكن التعليم يعجز عن غرس الشجاعة والإحساس بالمسئولية تجاه النفس والآخرين، كما أن الالتزام بالدستور والقانون العادل ليس جزءا من الالتزام الدينى والأخلاقى.

هكذا عاشت الطفلة مهددة بالموت حرقا، أصبح الموت شريك حياتها، كثيرون قتلوها دون أن يلمسها عزرائيل، أعلنوا موتها عدة مرات فى الإذاعات والفضائيات، ثم فتحوا المقابر يبحثون عنها، سرقوا الكفن والكبد والأعضاء البشرية، وجدوا جثثا كثيرة مقتولة فى الشباب والطفولة، لكنهم لم يعثروا عليها أبدا.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رقة الشاعرة وحاملة الأثقال
- نكهة الشاى الأخضر بالنعناع
- تجاربنا الشخصية جدا تغير العالم
- ولم تسقط طائرة لندن
- ذكريات عن تعدد الزوجات
- ذكريات مع توفيق الحكيم
- أتكون الطفلة ملحدة؟
- فاطمة الميرنيسى
- كتابك غير حياتى
- امرأة تكتب مصيرها بيدها
- وتظل النخبة المختارة تصفق
- لا يكفى أن تكون امرأة
- مشروع جديد لإصلاح الأخلاق
- حوار لا أنساه بين أمى وأبى
- المنسيون فى التاريخ الرسمى للثورات
- القلاع الأبوية. الرأسمالية تتهاوى
- أتكون هى أنبل النساء؟
- الجبلاوى ونجيب محفوظ والنساء
- حوار بعد منتصف الليل
- منذ بداية اللامساواة والخطيئة الأولى


المزيد.....




- محكمة أميركية تلغي حكما يدين -المنتج المتحرش- في قضايا اغتصا ...
- بي بي سي عربي تزور عائلة الطفلة السودانية التي اغتصبت في مصر ...
- هذه الدول العربية تتصدر نسبة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوي ...
- “لولو العيوطة” تردد قناة وناسة نايل سات الجديد 2024 للاستماع ...
- شرطة الكويت تضبط امرأة هندية بعد سنوات من التخفي
- “800 دينار جزائري فورية في محفظتك“ كيفية التسجيل في منحة الم ...
- البرلمان الأوروبي يتبنى أول قانون لمكافحة العنف ضد المرأة
- مصر: الإفراج عن 18 شخصا معظمهم من النساء بعد مشاركتهم بوقفة ...
- “سجلي بسرعة”.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت ف ...
- إيران - حظر دخول النساء الملاعب بعد احتضان مشجعة لحارس مرمى ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - لكنهم لم يعثروا عليها أبدا