أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب مال الله ابراهيم - اتذكرهما















المزيد.....

اتذكرهما


حبيب مال الله ابراهيم
(Habeeb Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 5271 - 2016 / 8 / 31 - 05:05
المحور: الادب والفن
    


اتذكرهما
قصة قصيرة
د.حبيب مال الله ابراهيم

ما زالت سطوته ترتكن في داخلي، وصوته الغليظ حين يتحدث ترتجف لصداه قامتي المنكفئة على غلاظة كتفيّ الصغيرين، وعيونه التي تتسع لكل شيء حتى لصورتي القابعة في فيها حين يكون وجهه نحو، وكلمات تتناثر من بين شفتيه لا يستطيع سمعي إلتقاطها وجمعها إلا بشق الأنفس، هذا هو ( أبي ) بيده سلطة وهبها الله إليه باسم الإبوة، يقطن تحتها صبي في الرابعة عشرة هذا ( أنا ) ، وآخر في السابعة عشر إنه أخي( منير ) .
لم أعرف ان الأب يجب أن تكون سلطته مطلق وعقدت مقارنة بين الأم والأب لا يؤيدها سوى منطق صبي مثلي حتى بدأت أتفلسف قائلاً : لماذا فهمنا مغزى الأب على انه مشرع وحام لقانون الأسرة ، والأم هي المنفى الذي نلجأ إليه حين يزداد باس مشرع القانون ، ودعمت أمر فلسفتي البدائية هذه بما لدي من أفكار متناقضة في الأغلب عن قوانين الحياة وشريعتها ، واستطعت من وضع أجوبة لأسئلة مقنعة تدور في نفسي . 
طالما كان يعود إلى المنزل بعد منتصف الليل ، تفوح منه رائحة الخمر . وهو يتمايل يمنة ويسرة ويترنح تحت ضوء مصباح غرفته التي تقع مقابل غرفتنا أنا وأخي ، ثم نسمع صوت سعاله قبل أن يتفوه بكلمات سب وشتم يعقبها سكون كأنه خمود تزداد طمأنينتنا كأنها نزلت مع قطرات المطر في تلك الليلة الشتائية الباردة .
لا تلبث يده الغليظة أن توقظني حين يرفع الغطاء عن وجهينا ، فيتحول خوفي الى كبرياء يعقبه لا مبالاة ، لكنه يمسك بيد أخي ويسحبه بقوة قبل أن يسب والده ( نفسه ) وهو يقول له بصوت غليظ :- 
ـ إنهض يا ابن الكلب كي تلتحق بعملك
سرعان ما أسمع صوت أخي وهو يهم بتغيير ملبسه في خمول . ولا يترك لغرفة إلا ويطبع قبلة على وجهي ، ولا أحس بها لأن وجهي يكون آنذاك يسري فيه الخدر من البرد . يغلبني نوم عميق عقب خروج أخي فألف الغطاء على نفسي ، ولا أستيقظ إلا مع صياح ديك فقد مجموعته وبدأ يصيح كي يستدلوا عليه . وأحمل حقيبتي على كره ككي أذهب الى حيث يقولون تلق علمك فيه . 
ـ عبد العزيز لماذا لا تأتي لنهرب من أبي ؟ إنه قاس ولا نستطيع تحمل قسوته . 
ـ ماذا ؟ نهرب 
ـ أجل .. إلى بغداد 
هكذا كان يشوقني للهرب ويمهد تفكيري لرسم صورة جميلة عما أسماه بالحياة الجديدة ، صورة مليئة بما يشتهيها نفس صبي مثلي . أما هو فقد عقد العزم على الهرب وكان ينتظر أن أبوح له بأمر نفسي ؛ لأنه لا يستطيع التخلي عني كما قال ولا يستطيع البقاء في بيت يحكمه أب قاس . 
حين عدل عن إحتساء الخمر هذه الليلة بدا كأنه ثور عظيم ، اخترقت جلده شوكة صغيرة ، فلا يستطيع إخراجها و لا إخماد آلامها . لم يجد غير صبيين هما أنا وأخي كي يبطش بهما ويسيل الدم من وجهيهما ويركلهما ، بل ويبلل الغطاء الوحيد الذي كانا يتغطيان به ويفتح الشباك ذا الزجاج المكسور والمؤطر بالخشب مفتوحاً على مصراعيه كي يحيلنا البرد إلى شيء منه . . 
لذا قررنا أن تكون ليلتنا هذه الأخيرة ضمن ليالي إقامتنا في بيت والدينا . لم نعلم للنوم طعماً ليلتها حتى بعد أن خرجنا عند ساعة مبكرة من الفجر وزخات المطر تتناثر من السماء ، والطبيعة القروية من حولنا هادئة إلا لما نسمعه من نباح كلاب القرية وصرير الرياح التي تنذر بهطول أمطار غزيرة . 
لم أكن أعلم ان البداية لها طعم العلقم ، بداية إنسان بداية نبي بداية رسالة ، وبدايات أخرى ، لذلك حين وصلنا بغداد كانت البداية ،وكانت من علقم . 
نمنا ليلتنا الأولى على رصيف شارع ( الرشيد ) ، كان كل واحد منا يدنو ليلاصق أخاه ليتدفأ . بيد إنني متيقن من شيئين أولهما : إن عينيّ لم تتذوقا طعم النوم ، والثاني إنني أعدت ذكرياتي في بيت أبي منذ أول ذكرى ظلت تلابيبها متعلقة في ذاكرتي وحتى ليلة تركنا القرية ، فلم أحزن عليها قط ، بيد إن دموعي بدأت تجري في بطء شديد على خديّ وعلمت آنذاك إن الإبوة والإمومة تاجان لا يحس بهما إلا صبي محروم ، أو طفل تغتصبه أيادٍ قوية حين ما يزال يلتقم ثدي الأم . 
عند صباح اليوم التالي تملكني شعور شديد بالبرد أعقبته رجفة سرت في جسمي وكان أن بكيت بحرقة ، بينما رفع أخي يديه داعياً بعد سماعنا صوت المؤذن وهو يكبر اسم الله في أحد المساجد القريبة أن يأتي بالعواقب سليمة ، ولا أعرف ما عراني بعد ذلك ، وضعت رأسي على كتفه وإنقطعت كل علاقة لي بالوعي .
كنت في حلم جميل ، أتنقل كطائر صغير بين امي وابي ، يلبس كل واحد منهما ثوبا ناصع البياض كأنهما ملكان ، ثم نظرت إلى أبي متعجباً لأنه كان يبتسم بوجهي وأنا أسأله : - 
ـ أبي إنك لم تبتسم بوجهي منذ ماتت أمي .
حين فتحت عينيّ أحسست إنني في مكان قريب من المكان الذي بتنا فيه ليلة أمس لأني سمعت صوت المؤذن من جديد وحين وقع نظري على أخي بكيت بحرقة فاحتضنته وأنا أقول : -
ـ أرجوك يا أخي لا تدعهم يعيدونني الى أبي . 
فابتسم العجوز الذي كان واقفاً عند رأسي : - 
ـ ستكونان بخير معي . 
كان ( العم خليل ) نقطة ضوء في عتمة ليالينا ، إنسان رضي أن ينقذ صبيين حتى يقويا على الإمساك بحبل الحياة . بدأ أخي يعمل لديه ، وأصبحنا ننام في مكان هيأه لنا في محله ، بدأنا نعيش لأن الله أمر أن نعيش وأن يكون المنقذ عم خليل ، وكنا في أحيان كثيرة نود أن نقول له ( أبي ) لكننا خشينا أن يفسده ذلك كما أفسد والدنا الذي خلفناه في القرية . 
توطد مصيرنا به وخلع الإعجاب من نفوسنا . حين أصبحنا على سعة بعد سنوات سكنا في شقة تطل على الرصيف الذي نمنا عليه ليلتنا ، بيد انه ودعنا .. وداع لا يحيد . لم يكن متزوجاً لذا ترك لنا ما كان يملكه ، أشياء رخيصة لو نظرنا إليها بعيون ملؤها التزهد مقابل إحساس كبير بالعطف ظل حتى هذا اليوم يخالطنا تجاهه كلما تذكراه . 
كان نظري شاردا وملقيا ببصري من نافذة غرفتي على المحل الذي توارثه أخي ، أرى شبحه يتنقل بين أرجائه بعد مرور سبعة عشر عاما من إقامتنا في مدينة اللقب ( بغداد ) . توقف صبيان أمام المحل وجلسا على الرصيف ، فقررت بعد تفكير أ ن أساعدهما . أردت أن أكون ( عم خليل ) زماني . نزلت من الشقة وعبرت الطريق العام بسرعة لكني لم أظفر برؤيتهما فلم أجد لهما أثراً . بقيت شارداً أسأل المارة عنهما دون جدوى حتى خرج أخي وهو يسألني :- 
ـ عن ماذا تبحث يا عبد العزيز؟ 
نظرت إليه في الحال وأنا أجيبه :
ـ صبيين كانا جالسين هنا . ألم ترهما ؟ 
فابتسم وهو يتقدم مني، ثم احتضنني وهو يقول :
ـ أ مازلت تتذكرهما ؟ انهما أنا وأنت.



#حبيب_مال_الله_ابراهيم (هاشتاغ)       Habeeb_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اهتزازات خيال
- الصورة الصحفية
- عولمة الاعلام ... مفهومها وطبيعتها
- محاربة الفكر الارهابي
- المقابلات الإذاعية والتلفزيونية
- الأخبار الاذاعية والتلفزيونية
- غرفة الأخبار
- فلسفة الاتصال الجماهيري
- الوضع الأمني في كركوك
- المواطن الصحفي
- الارهاب الى اين؟
- لنحارب الارهاب


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب مال الله ابراهيم - اتذكرهما