أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رابح لونيسي - -مثقفو وسياسويو- العصبيات















المزيد.....

-مثقفو وسياسويو- العصبيات


رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)


الحوار المتمدن-العدد: 5267 - 2016 / 8 / 27 - 20:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"مثقفو وسياسويو" العصبيات

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-
البريد الإلكتروني:[email protected]


تعددت التعاريف والتصنيفات للمثقف، فهناك من يصف كل مثقف يبرر ممارسات السلطة ويدافع عنها في كل الأحوال بأنه "مثقف السلطة"، ويصفه الكثير ب"الإنتهازي"، لأنه في الحقيقة يدافع عن مصالحه الخاصة، كما أستخدم الإيطالي أنطونيو غرامشي مصطلحا يتم تداوله بقوة وهو "المثقف العضوي"، ويقصد به المثقف المنخرط في الدفاع عن مصالح الطبقة الصاعدة، والتي تتمثل في الجماهير الشعبية الممثلة في البروليتاريا والفلاحين في بلده إيطاليا آنذاك، وهناك أيضا "المثقف التنويري" الذي ظهر في أوروبا في القرن18م، ولعب دورا رئيسيا في تقدمها وحركيتها التاريخية إلى الأمام وإحداث القطيعة مع مرحلة سابقة متخلفة، ونجد تصنيفات أخرى ك"المثقف التقليدي" "والمثقف النقدي" وغيرها، لكن السؤال المطروح لدينا هو كيف نصف ونصنف أغلب مثقفي منطقتنا، فبإستثناء معرفتنا ب"المثقف التقليدي" و"مثقف السلطة"، فهناك القليل جدا من مثقفي التنوير الذين عادة ما يتعرضون للتشويه من مثقفين آخرين يستخدمون ويستغلون الدين في ذلك، وقد أطلقت على هذا الصنف الأخير من المثقفين المنتشرين بقوة في مجتمعاتنا مصطلح "مثقفو العصبيات"، فما المقصود به؟.
لايمكن لنا فهم المقصود ب"مثقفي العصبيات" إلا بالعودة إلى بن خلدون الذي يستخدم مصطلح "العصبية" السائدة بقوة في عصره، ونعتقد أنه بسبب سيطرة ما نسميهم ب"مثقفي العصبيات" بقي الإنتاج الفكري لبن خلدون مجهولا لأكثر من7قرون، فلم يول مجتمعه أي أهمية للمقدمة، ولم يسمع بها أحد حتى أكتشفها المستشرق الفرنسي دوسلان في القرن19، فأنبهر بها أوروبيون، وقالوا عن بن خلدون بأنه قد سبق أوغست كونت الفرنسي الذي اعتبرته أوروبا آنذاك مؤسسا ل"علم الإجتماع"، لكن لم يسمع مسلمو قبل القرن19 بتنظيرات بن خلدون، ولم يسمعوا بتنبيهاته إلى بدايات إنحطاط الحضارة الإسلامية، لكن للأسف يتحدث مسلمونا اليوم عن تنبيهات شبنغلر حول إنهيار الحضارة الغربية، ويأملون في إنبعاث جديد لحضارتنا الإسلامية، لكنهم يجهلون أن هناك بوادر لإنتقال ثقل الحضارة إلى جنوب شرق آسيا، في الوقت الذي أصبح فيه حتى إسلامنا ذاته مهددا بفعل ممارسات وتشويهات الذين يوظفونه سياسويا، وغاب أيضا عنهم أن الغرب يسمع للتنبهيات الآتية من مفكريها على عكس مجتمعاتنا الغارقة في الخرافات والدروشة والعصبيات والإنحطاط منذ عهد بن خلدون إلى حد هذه الساعة، و لن تقوم لنا قائمة إلا بالقطيعة الجذرية مع ممارسات العصر الخلدوني.
لم يهتم المسلمون بإنتاج أبن خلدون لأنه خرج عن مألوف المجتمع الغارق في تخلفه وإنحطاطه آنذاك، والذي يسيطر عليه خطاب العصبيات وفكر ديني خرافي بعد دخول حضارتنا الإسلامية عصر الإنحطاط، فكان بن خلدون حالة شاذة بتفسيراته العلمية للظواهر الإجتماعية بدل التفسيرات الدينية والميتافيزيقية السائدة، ولم يكن يجتر الكتب الصفراء التي لازالت طاغية إلى حد الساعة على مجتمعاتنا.
ويجهل الكثير بأنه من المحتمل أن يكون التفسير الخلدوني لظاهرة نشأة الدولة وسقوطها في بلادنا المغاربية وراء نظرية "الدائرة المغلقة" التي وضعها أنجلس في1894 عند تفسيره لما أسماه "جمود المجتمعات المسلمة"، وقد تطرقنا إلى ذلك فغي مقالة سابقة بعنوان "هل أستعان أنجلس بمقدمة بن خلدون في تفسيره تخلف مجتمعاتنا؟ )الحوار المتمدن عدد5154 ليوم 06/05/2016 (.
لازالت مجتمعاتنا تعيش نفس الوضع إلى اليوم، وتكرر نفس ظاهرة العصبيات وإستغلال الدين في الصراعات السياسية، مما أدخلنا في اللاإستقرار المعرقل لتراكم البناء والتنمية، ونجد إستمرار نفس ظاهرة تجاهل مجتمعاتنا للأفكار البناءة والجادة، كما تجاهلت أفكار بن خلدون، ويسود مجتمعاتنا الخطاب المغلف بالخرافة والتأويل الإنحطاطي للدين، إضافة إلى الخطاب الداعي للعصبيات القبلية والطائفية ولمختلف الكراهيات، ومايؤسف له أنه خطاب مدعوم بوسائل إعلام تسعى لإرضاء مختلف العصبيات السائد بقوة في المجتمع مقابل مال محدود، وذلك كله على حساب دورها التنويري للمجتمع والحفاظ على تماسكه ووحدته.
فلا زلنا مجتمعات متخلفة تعيش نفس العصر الخلدوني، فالناشر للخرافات والعصبيات والكراهيات الدينية والقبلية والعرقية هو المسموع، لأنه مجرد صورة معبرة عن مجتمع غارق في تخلفه وإنحطاطه وعصبياته وكراهياته وعنصرياته.
تحدث مالك بن نبي بأسف كبير عن هذه الظاهرة، وشبه نفسه ببن خلدون مع التلميح إلى المفكرين الأوروبيين، الذين وجدوا بيئة مستعدة لسماع أفكارهم على عكس مجتمعاتنا الغارقة في خطاب العصبيات والتخلف والدروشة وترديد ماسماها بن نبي ب"الأفكار المميتة".
وما يؤسف له أن هؤلاء المثقفين ومعهم سياسيين يمكن وصفهم أيضا ب"سياسيي العصبيات" لايمتلكون حلولا لمشاكل مجتمعاتهم، وتدور أغلب كتاباتهم حول هذه العصبيات، فلنتصور مثلا في الجزائر في الوقت الذي نجد فيه رغبة في إصلاح جذري للمدرسة وإيجاد نقاش بناء حولها، لكن هذا الصنف من المثقفين والسياسويين المدعومين بالكثير من الإعلام الذين يسيطرون عليه حصروا كل النقاش في مسألة الدفاع عن اللغة العربية والتربية الإسلامية وإتهام وزيرة التربية وترويج الأكاذيب والإشاعات حولها بأساليبهم الاأخلاقية المعروفة وترويج إشاعة أنها تستهدف القضاء على العربية والإسلام لإثارة البعض ضدها، فهم يرون أي محاولة لإصلاح المدرسة والتعليم مساسا بموقع إنتاج مناضليهم منذ أن استولوا على المدرسة منذ أكثر من خمس عقود، وحولوها إلى وكر لنشر أيديولوجيتهم المتخلفة المكرسة للتخلف والمنتجة للإرهاب، لكن لم يطرح هؤلاء إطلاقا القضايا العميقة التي تعاني منها المدرسة في الجزائر التي تحتاج فعلا إلى إصلاح جذري بهدف تكوين مواطن يحترم مبدأ المواطنة، ويمتلك روحا نقدية، ويتحكم في التكنولوجيا ومتفتح على العالم وكل لغاته، وعلى رأسها الأنجليزية طبعا التي هي اللغة الأولى عالميا في إنتاج المعارف والعلوم والتكنولوجيا.
إن مثقفي وسياسيي العصبيات لايمتلكون حلولا عملية للمشاكل الإقتصادية والإجتماعية وغيرها التي تعاني منها مجتمعاتنا، ويعود ذلك إلى ضعفهم الفكري الكبير جدا، فيلجأون إلى خطاب العصبيات ودغدغة العواطف لإكتساب الأنصار، والمتمثلة في العصبيات اللسانية والقبلية والجهوية والطائفية والدينية التي بقيت سائدة عندنا منذ العصر الخلدوني إلى اليوم، فهؤلاء بخطابهم وممارساتهم لاينقلونا إلى عالم جديد متقدم، بل سيكرسون أكثر إستمرارية هذا العصر الخلدوني الذي سماه بن نبي ب"عصر ما بعد الموحدين"، أي بدايات إنحطاط حضارتنا الإسلامية ب"أفكاره المميتة"- حسب بن نبي-، والتي لازالت مستمرة إلى حد اليوم رغم كل المحاولات التي تقوم بها أقلية من المثقفين والسياسيين للخروج منها، لكنهم للأسف محاصرين من "مثقفي وسياسويي العصبيات" الذين يحرضون ضدهم بتشويههم بأساليب لاأخلاقية والكذب عنهم ونعتهم بنعوت شتى والتلاعب بالعواطف وإستغلال الدين والعصبيات الموجودة بقوة في مجتمعاتنا المتخلفة للأسف الشديد.
أبرزت لنا الأحداث الأخيرة في منطقتنا أن كل تغيير أو إسقاط للأنظمة القائمة لا يكون إلا تمهيد طريق لمثقفي وسياسيي العصبيات بتنظيماتهم، فيزرعون الفوضى بعصبياتهم الطائفية والدينية واللسانية، وإن أخذو السلطة، كرسوا الإستبداد بشكل أنكى لأنه مغلف بالدين والتعصب للطائفة أو اللسان أو "وهم عرقي"، كما سيكرسون أكثر التخلف، لأنهم إستمرارية لعصر الإنحطاط وعصبياته وأفكاره المتخلفة، ولا يمكن لنا التقدم إلا بالقطيعة التامة مع هذا الإنحطاط الذي بدأت ملامحه الأولى في عصر بن خلدون.
يطرح علينا هذا الوضع سؤالا جوهريا يحتاج إلى نقاش عميق بين القوى الحية في المنطقة، وهو مالعمل أمام هذه الحالة؟، خاصة أن عناصر من الأنظمة تدعم هذا الصنف من مثقفي وسياسيي العصبيات كي تشوه بهم مثقفي التنوير والقوى الوطنية الديمقراطية التي تعتبر هي قوى التقدم والتغيير الحقيقية، لكنها ضعيفة أمام مجتمع يسوده خطاب العصبيات، ولازال لم يخرج بعد من العصر الخلدونين والتي تعد القطيعة معه شرط ضروري لأي تغيير إيجابي بدل الدوران في حلقة مغلقة والإنتقال من السيء إلى الأسوء.

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-



#رابح_لونيسي (هاشتاغ)       Rabah_Lounici#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا رحب الإسلاميون بنظرية -صدام الحضارات- لهنتغتون؟
- التنظيمات الإخوانية في خدمة أجندات دولية وأقليمية في منطقتنا
- محاولات لإختطاف مالك بن نبي وتوظيفه
- إعدام الأردوغانية للإسلام السياسي في تركيا
- هل لأردوغان وحزبه علاقة بالإسلاميين؟
- إستشهاد محمد بوضياف في1992-إجهاض لإحياء مشروع الثورة الجزائر ...
- مالك بن نبي والثورة الجزائرية - تهميش وتوظيف -
- معطوب لوناس-ناظم حكمت الأمة الجزائرية-
- جذور إختطاف أمريكي للإسلام-إنتصار سيد قطب على مالك بن نبي-
- أيديولوجيو الإنحطاط وحركة التاريخ
- معركة مصيرية في المدرسة بين التقدم وإبقاء الإنحطاط
- من سينتصر في الصراع حول خلافة الرئيس بوتفليقة؟
- من أجل دبلوماسية لتجريم الإستعمار دوليا
- هل أستعان أنجلس بمقدمة بن خلدون في تفسير تخلف مجتمعاتنا؟
- الجزائر رهينة لصراع أمريكي-فرنسي حول خلافة الرئيس بوتفليقة
- الرهانات الكبرى لقضية إدماج الأساتذة المتعاقدين في الجزائر
- مشايخ الكولون الجدد في الجزائر
- ظاهرة التثاقف وتركيبية الثقافة المغاربية
- رهانات تبرئة وزير سابق في الجزائر-إبر لتخدير شعب-
- صرخة في وجه البترودولار وكل الطائفيين- لاتنزعوا منا حق الدفا ...


المزيد.....




- هل تتعاطي هي أيضا؟ زاخاروفا تسخر من -زهوة- نائبة رئيس الوزرا ...
- مصريان يخدعان المواطنين ببيعهم لحوم الخيل
- رئيس مجلس الشورى الإيراني يستقبل هنية في طهران (صور)
- الحكومة الفرنسية تقاضي تلميذة بسبب الحجاب
- -على إسرائيل أن تنصاع لأمريكا.. الآن- - صحيفة هآرتس
- شاهد: تحت وقع الصدمة.. شهادات فرق طبية دولية زارت مستشفى شهد ...
- ساكنو مبنى دمرته غارة روسية في أوديسا يجتمعون لتأبين الضحايا ...
- مصر تجدد تحذيرها لإسرائيل
- مقتل 30 شخصا بقصف إسرائيلي لشرق غزة
- تمهيدا للانتخابات الرئاسية الأمريكية...بايدن في حفل تبرع وتر ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رابح لونيسي - -مثقفو وسياسويو- العصبيات