أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نواف خلف السنجاري - قصة قصيرة - وراء الحياد ..بقليل-














المزيد.....

قصة قصيرة - وراء الحياد ..بقليل-


نواف خلف السنجاري

الحوار المتمدن-العدد: 1407 - 2005 / 12 / 22 - 07:22
المحور: الادب والفن
    


تحوّلت المقبرة التي دفنّاه فيها الى حقل أبيض، وكأن السماء تريد أن تنثر كل أزهارها فوق جثمان ذلك الرجل ، لكن الغريب أن يسقط الثلج بكل تلك الغزارة وفي هذا الوقت من السنة ،لقد تحالفت ألأرض مع السماء ولبست ثوبها الطاهر قبل أن تحتضن جسد هذا الأنسان الذي هو صديقي . نشأنا معا منذ طفولتنا ألأولى ،وعرفته كما أعرف نفسي ألآن ،بكل تفاصيل حياته ودقائق أموره، كان الأختيار هو أصعب ما يواجهه،فقد كان مستعدا لقبول أصعب المواقف شرط أن لايكون هو من يتخذ القرار.وكم من مرة قلت له :( أنك تختار الطريق السهلة ،عندما تتجنّب ألأختيار) فيضحك ويقول:أرجوك أختار أنت عني واتركني بسلام .لم يكن ملحدا ولا مؤمنا ،لاأشتراكيا ولارأس ماليا،بعيدا عن العلمانية بنفس المسافة التي يبعد بها عن التطرف والطائفية ،لم يحب السياسة يوما ..ولا يستطيع أحد أن يصفه بالبخل مع أنه لم يكن كريما أيضا،لم يظهر حزنه او فرحه ولا رغبته أو رفضه لأحد . مازلت أذكر مقدار تردّده حين يختار لون الملابس التي يشتريها ، فهو لايحب ألأسود القاتم ولا ألأبيض الفاقح ومعظم قمصانه كانت ألوانها تتراوح بين الرمادي والجوزي الباهت ..المدهش ان لون بشرته كان مزيجا بين الأسمر والأشقر ولون شعره مائلا للصفرة مثلما يميل للسواد .!
لم يتّخذ في حياته كلّها قرارا شخصيا حاسما ،وحتى قرار زواجه ، وأختيار أسماء اطفاله ألأربعة كان من نصيب والديه.لم يتحمّس يوما لأية قضية مهما كانت مصيرية، ولم يرفض واقعا مهما بلغت مأساويته فقد كان الفتور هو الميّزة الوحيدة التي يتفرّد بها عن غيره،ومع ذلك فقد كان أقرب الناس الى قلبي ،لايمّل من شكواي المستمرة ،وطموحاتي التي لاحدود لها..ومشاكلي التي لها أول وليس لها آخر ..وقلقي الدائم على مستقبل أطفالي ،وقراراتي التي أتخذها اليوم وألغيها في اليوم التالي !كم حسدته على سعة صدره ولا مبالاته وفتوره،لم أره عصبيا طيلة خمسين عاما..وعندما كنت أبين له خوفي من المستقبل كان يبتسم بهدوء ويقول:(لاتحزن يا عزيزي،المستقبل يأتي بسرعة كافية).لقد جاء اليوم الحاسم الذي وضعه على المحّك ..ليخرج لمرة واحدة من البرج العاجي الذي وضع نفسه فيه وليشعر ولو للحظة بأن المبادرة أغلى من الحياة نفسها.
أية صدفة عجيبة توّجت حياته بحلل البهاء ،واي قدر غريب عصر كل سنيّ عمره الباهتة وصبّها في قالب نقيّ كالماس..انها لحظة مكثّفة تحمل في عمقها كل دورات الزمن الفارغة ..لحظة مقدّسة أختارها لأول مرة لتفتح أمامه كل مساحات الكون ..وتختصر الخلود..لقد أختار أن يموت بدلا من ذلك الطفل الذي أراد ان يعبر الشارع..فأجتازه الموت على جسد رجل لم يعرفه أبدا..كيف تتحوّل ذرّات ألمنا الباهت الى درر تزّين كل تجاويف وأصداف أعمارنا الفارغة !وتجعلها تشّع بريقا أثمن من الشمس ..ليبارك الرب ذلك البركان الخامد الذي أنفجر فولّد حياة أبهى ..لم يبقى في المقبرة احدا سواي ،مسحت دموعي وعرفت بلحظة أعمق من الوعي بأن الفردوس يقبع هناك وراء الحياد ..بأصبع واحد !عندها عدت الى منزلي وأحسست بأني فارس مهزوم ترك وراءه ملك متّوج ومجد مملكة بيضاء .



#نواف_خلف_السنجاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصص قصيرة جدا /3 ً
- قصة قصيرة - مواسم -
- الى ولدي
- 2 / قصص قصيرة جداً
- قصص قصيرة جدا
- تقييم الحوار المتمدن
- قصة قصيرة العرّاف
- صدى وسكون
- قصاصات من دفتر قديم
- الرجل الغريب


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نواف خلف السنجاري - قصة قصيرة - وراء الحياد ..بقليل-