أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تيماء حسن ديوب - قيثارة أوفنبورغ














المزيد.....

قيثارة أوفنبورغ


تيماء حسن ديوب

الحوار المتمدن-العدد: 5264 - 2016 / 8 / 24 - 14:54
المحور: الادب والفن
    


أن أقول أن العازفة الشقراء ممشوقة القوام، صاحبة العنق الطويل عندما تخجل يشرئب من جبينها العذب شريان صغير هو تفصيل غير مهم في حكايتي.

أن أقول أن حشرةً وقفت فوق المصباح الذي يقع تقريباً فوق رأسي، وقفت اللعينة دون حراك مدة الساعة الموسيقية تصغي كأفعى بأجراس هو أيضاً تفصيل قد يكون غير مهم.

أن تزكم أنوف الحاضرين القلائل في صالةٍ تمتلئ بحضورٍ أوروبي بهيّ السحنة وحضوري الشرقي اليتيم بكاملِ تواضعه، رائحةُ طعامٍ ينتظر اعلان العازفة نهاية موسيقاها لينقضوا على الصحون الملونة بكل ما أوتوا من عزيمة و ايمان هو حتماً تفصيلٌ هو الآخر ليس بذي أهمية.

أن اتطلع حولي فلا أرى إلا شبابيك الصالون الفارغ النظيفة تذكرني بشبابيك منزلي لتسرح أحصنة خيالاتي مع جملة الغزالي الشهيرة: "أعمال التنظيف تذهب العقل والدين." لقد قال الغزالي جملته في معرض حديثه عن ضرورة تحريم أعمال المنزل على الرجال فهي تذهب العقل والدين، من هنا اعتبر الأمام الغزالي أعمال المنزل علامةً مسجلةً حصراً للنساء! ابتسمت لتلك الذكرى الجميلة، لطالما عزفت على وتر آلات الأمام الغزالي حين أردت التملص من الواجبات المنزلية القليلة التي كانت والدتي تفرضها عليّ، لطالما رددت على مسمعها أنني لابد و أن احتفظ بكامل عقلي لأتابع دروسي بنجاحٍ، أمي التي طالما اهتمت بنجاحي في فهم نظرية الأواني المستطرقة أكثر من اهتمامها بنجاحي في تلميعها، كم كنت ساذجة حين ظننت أن حجتي قد اقنعتها فعلاً! أن اتحدث عن أمي والغزالي الآن هو تفصيل جديد من المؤكد أنه ليس بالمهم.

الفكرة الوحيدة التي استولت على عقلي فعلاً طيلة تلك الأمسية، أنه لو اتيح لي أن ألتقي بأحد الآلهة ذات مساء، وأن يحقق لي أمنية ولمرة واحدة فقط، أمنيتي ستكون أن يجيب على سؤالٍ طالما فتشت عن إجابة له دون جدوى: كيف تترجم شعوراً ينتابك عندما تستمع للموسيقا إلى كلمات، كيف تحس بها؟ من سألني هذا السؤال أول مرة طفلٌ في الخامسة من عمره! يومها قلت له: عندما أسمع موسيقا أشعر أن الآلهة تبتسم، يومها أردف بسؤالٍ آخر: وهل أسنان الآلهة تشبه أسناننا؟ أجبت بحسمٍ: طبعاً! كم كانت فرحتي كبيرة أن سبحة الأسئلة قد انقطعت، ليس هناك أصعب و لا أجمل من أسئلة الأطفال!

الآن أسأل نفسي، أنا من أرهقتني دائماً ذكورة وأنوثة المصطلحات! هل من العبث أن كلمة موسيقا مؤنثة!؟ لو قدر للموسيقا أن تتحول يوماً إلى امرأة ستكون بالتأكيد المرأة صاحبة الرحم الأخصب بين النساء! أداعب بطني الصغير و ألوم نفسي الأخرى على شرودها.

صمتٌ جميلٌ يكتسي مقاعد الصالون الصغير، تقدم العازفة اليافعة نفسها وببضع كلمات لمحة عن معزوفاتها، أكاد لا أفهم شيئاً من حديثها ماعدا أسماء المؤلفين الموسيقيين المشهورين وعناوين المقطوعات المكتوبة باللغة الفرنسية!
انقسمت الأمسية لمرحلتين: في الأولى مقطوعات موسيقية لمؤلفين : الأول فرنسي Jean-Philippe Rameau، الثاني ألماني Paul Hindemith ، الثالث فرنسي Marcel Tournier يبدو أنه زار الشرق بموسيقاه أو لعلها روحه فقط من زارته! في المرحلة الثانية قدمت العازفة هدية للحاضرين مقطوعة قصيرة لباخ بتوزيع الموسيقي Nino Rota الملحن الايطالي الذي قام بوضع موسيقا فيلم العراب الشهير.

نظرت من شباك الصالون النظيف وقمر حزيران بدرٌ بلون ليمون قريتنا، أدمع قلبي رغماً عنه! كان يتصل بي في كل مرةٍ يرى فيها القمر بدراً ليقول لي: يكفيني أننا نرى القمر نفسه هذا المساء، تضحك يدي لمداعبات مرافقي الوسيم فيمسح قلبي دمعته ويصغي.
بدأ العزفُ الجميل، لم تكن تلك المرة الأولى التي أرى فيها أصابعاً تمارس الحب مع قيثارة، داعبتها بأسلوب فرنسي مفرط في الرومانسية! ثم بحزم الألمان، بطئهم وثقتهم تدخلها، تسخن الأوتار، تتلوى من حمى اللذة، تشهق النشوة أخيراً نغماً شرقياً حزيناً، تبتسم عينا باخ في النهاية لتسترخي الأصابع والأوتار في سرير الحب.



#تيماء_حسن_ديوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكرى فاطمة المرنيسي
- على عتبة قطار آخن
- موت غير مفاجئ
- ربيع غد
- شبق
- خيانة
- تفجيرات على حدود الروح
- طنين ذكرى
- في ظلال النبي أبراهام
- ما أجمل أن تنقلب الأدوار!


المزيد.....




- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تيماء حسن ديوب - قيثارة أوفنبورغ