أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف الصفار - حينما تسقط الثقافة















المزيد.....

حينما تسقط الثقافة


يوسف الصفار

الحوار المتمدن-العدد: 5264 - 2016 / 8 / 24 - 14:05
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
حينما تسقط الثقافة
لا يعي كيف اقتادوه ..استسلم لهم ,ونزل درجات السلم مسرعاً يحاول اللحاق بالرجل الضخم ذو الشارب الكث المتدلية للاسفل باصرار وتعنت .. لم يقيدوه , او يكبلوا يديه ..لم يضربوه او يعتدوا عليه ..تاهت عنه تفاصيل الاشياء ..غابت عن الذاكرة .. ظل يبحث عنها او يستدرجها ..لم يجد شيئا ..لكن هناك اشياء كثيرة اخرى ..فرضت نفسها .. لم يتمكن من تفكيكها او تسطيرها او ربطها ببعض .. (لا تنهزم ) قالها الرجل الضخم , بينما ضحك الشابان اليافعان مزهوين ببدلاتهم الرصاصية الغامقة .. و بمزيد من الاضطراب يراجع نفسه ..دعوة ام تحقيق ..عندها واجهته بناية الفرقة الحزبية ..ادخلوه من خلال ممر طويل بدا له مرعباً .. في نهايته الطويلة غرفة صغيرة معزولة عن بقية اركان البناية او دواخلها ..خالية الاثاث الا من منضدة صغيرة وكرسيان .. دخل معه الشابان اليافعان بينما الرجل الضخم غاب عن المشهد .. الازمنة بدأت تتراجع ..عله يتذكر شيئاً .. لا شيء من هذا او ذاك .. اجلسوه على كرسي خشبيً عتيق . تفحص جسده ..برودة خفيفة تتغلل الى عظامه .. ومن خوفه سأل عن موقع التواليت .. اقتادوه اليها ووقفوا عند بابها الخشبي المتعفن بفعل الرطوبة ..قضى حاجته وتمهل قليلاً عند بابها ..بحث بعينيه عن مخرج آخر فلم يجده ..سحبوه خلال الدهليز الطويل المظلم الموصل الى الغرفة المعزولة ..وجدها هذه المرة ,موحشة ,قاتمة ,,انارتها خافته مليئة بخيوط عناكب غير مرئية ..جلس على الكرسي وغابت عن ذهنه الارائك الجلدية الفاخرة في مكتبه الذي غادره للتو .. حبيبته التي هجرته على حين غفلة وسببت له ازمة سياسية وعاطفية بنفس الوقت تزوجت رجل حزبي كان يلاحقها باستمرار رغم معرفته بعلاقتهما الممتدة سنين طويلة من سنين الطفولة والمراهقة .... ترسبت في ذهنه الافعال الغائبة .... استذكر مع نفسه الاحداث البعيدة و القريبة.. القبلات الهوليودية وملامسة ..( الكواعب الاتراب .. ) ياإلهي ماذا جرى لها ..هذه اليافعة الرقيقة السمراء المليحة.. لم يجد شيئا لا بل هناك جملة من الاشياء التي لا يمكن فرزها .. .ما هي المتغيرات او الافعال التي طرأت ؟ هل سيتركونه هنا طويلاً ؟ .. ما هذه المهمة المستحيلة الغير محسوبة والتي يبدوا انها غير محسومة ؟؟ ..اعاد التفكير .. ما اللغز من عملية الاذلال هذه .. ؟ دخل الرجل الضخم ذو الشارب الكث ..جلس خلف المنضدة .. تكلم معه برفاهية معهوده من ازلام السلطة ( امرك الى الله ) ..استجمع كل قواه الفكرية ..ليست هناك خيوط حقيقية كخيوط العنكبوت ..بعض الاحيان الحياة تتطلب النكتة وسط الضبابية التي تغلف احاسيسنا ومشاعرنا ..الرجل الضخم يعيد له ذاكرته بواقعية جادة .. قبل شهور ..قاربت نصف عام او اكثر ..اقتحم جلستهم رجل ..حينها لم يره او يتبين ملامحه .. اصدقائه سحبوه الى نكتة تبدوا الان سمجة مفتعلة ..في وقتها بدت حقيقية جديرة بالتفاخر .. قالها ( برناردشو) عن سقوط المرأة اذا اصبحت عاهرة والرجل اذا اصبح شرطياً.. تنفس ملء رأتيه هواءً عفناً ..كم صرفوا من اموال البترول حتى يثبتوا عليه هذه التهمة الفجة .. حدق في وجه محدثه الواثق من نفسه والذي ينم وجهه عن لذة ورغبة بتعذيب الغير.. تفرس في ملامحه المتضخمة ولسان حاله يقول اصبحت كمهرج في مأدبة اللئام اضاف محدثه ( انك تسيء للقوات المسلحة حين قلت اذا سقط الرجل اصبح شرطيا واذا سقطت المرأة اصبحت عاهره .. هكذا تصف هؤلاء الذين يدافعون عن شرفك في الاردن لتحرير فلسطين السليبة ) ... توسل اليه انه لم يقصد السخرية من القوات المسلحة..وان الرجل برناردشو كاتب انكليزي ساخر يلمح بنكتته الى شرطتهم .. الرجل الضخم ينظر اليه شزراً (ستبقى هنا الى حين المحاكمة ) ..ما الذي يفعله ؟ لم يبقى له غير الاستسلام .. التهمة قد تجره الى مهاوي كثيرة .مستقبله امسى غامضاً .. ولكسر طوق التعنت الذي يتميز به محدثه طلب منه اي كتاب للقراءة ما دامت فترة بقائه ستطول ..الرجل الضخم عيونه تتسع ..يبتسم ..يكشر عن ضحكة باهته .. ( هل نأتيك بكتاب عشرة ايام هزت العالم ) ..فهم القصد والمقصود ..المخفي والمعلوم ..الرجل يلمح الى شيء ..فالكتاب معروف يتحدث عن الثورة البلشفية في روسيا .. لماذا لم يقل (القرآن ) او( الانسان ذلك المجهول ) او بعض من ادبيات سارتر او البير كاموا ؟؟..ولردع الصفاقة المغلفة باللطافة ..بين له انه يقصد الكتب العلمية بحكم مهنته الهندسية ..الرجل الضخم يعاود الابتسام بتكشيرة واضحة المعالم .. الرجل يبدوا ودوداً محباً .. لعله اساء الفهم ..لعن الله السياسة التي تفرق ولا تجمع .. جعلوه بلشفياً اذن ذلك الانسان الحالم المتردد الذي هجرته حبيبته وتزوجت في لحظة يأس .. اللامنتمي الوحيد الذي يعاني من متاهات المنتمين .. ابتسامة الرجل الضخم تتسع ..اتساعها اصبح مخيفاً ..هل هو يوم الكينونة .. هددوا بعض اصدقائه الحرق في الافران ان لم يتخلوا عن احزابهم الملحدة لكنه ليس حزبيا .. ما الذي يريدونه منه اذن ( سلاطة لسانه جرته الى هذه العاقبة والعاقبة على من ادعى ).. السحق او النفي من الحياة ..الرجل الضخم يتحرك من مكانه ويتكلم هذه المرة بثقة متعالية تصاحبها رغبة بالاتفاق (نقدر ان نسطر لك اعتراف ينقذك) ..بدى مشدوهاً ماذا يريد منه هذا الوجه الباهت الملامح ..الفم الضخم يتحرك ( القاضي يمكن ان يساعدك ..فقط كن واقعياً ومخلصاً للحزب والثورة ) .. فهم القصد والمقصود ..هناك طريق جديد ..وسلوك مغاير يتطلب ان تلبسه والا ستبقى مخمراً في هذه الغرفة النتنة ولأجل غير معلوم ..سنين عمره ستفلت منه .. طموحاته تموت ومستقبله في كفة ميزان مع شيءً من الغموض ..تململ على كرسيه العتيق ..وتخيل حشرات الارضة تنهش قوائمه وفي اي لحظة سيسقط على الارض الاسمنتية الرطبة .. وسط المحنة يتذكر (غاليلو) .. الارض تدور رغم محاكم التفتيش .. الوجه والجسد المليانان ينتفخان كالبالون .. برناردشو الذي وضعه في مأزق آخر الازمنة يلوح له بلحيته الكثة وصلعته البهية وهويسخر ً من مجتمعه الرأسمالي الشبيه برأسه ..غزارة انتاج , وسوء توزيع , ومع هذا لم يحاصروه في غرفة نتنة او يعتدواعليه اويسخروا منه ..برناردشو يهمس في اذنه محذراً من مهاوي السقوط.... يرد عليه.(. لكني لست بطلاً له مقومات الوجود والرغبة بالتغير ما انا سوى كافكا مصغر او سارتر مفلطح)..(.الا ترى اننا نعيش في متاهة اسمها الثقافة ).. .يجيبه برناردشو متألماً ..اذا سأغير مقولتي واقول .. اذا سقط الرجل اصبح عميلاً لسلطة جائرة .. تفحص وجه برناردشو الغائب في الشبكة العنكبوتية .. الرجل ذو الشارب الكث المتدلي الى الاسفل يتقلص امام عينيه .. يتكلم مرة اخرى بثقة متناهية بغية اقناعه لدخول حزب السلطة ( ها رفيقي ماذا قلت .. تخلى عن افكارك التي لا تطعمك خبزا ) ثم يعقبها بكلمات ودودة ( قل لي بربك من يكون ماركس ..عمك .. خالك ...ها ها ) يمسك ورقاً وقلماً ..يخاتله يطلب منه رداً فورياً .. ( ها ماذا قلت سأقرأ عليك صيغة البراءة .. نبدأها بامة عربية واحدة ذات رسالة خالدة .. ) تفحص الرجل جيدا ولسان حاله يقول .... اذا سقطت المرأة هجرت حبيبها وتزوجت احد ازلام السلطة الجائرة ..اما اذا سقط المثقف فسينتمي الى حزب نفذ ثم ناقش ..
انتهت
يوسف الصفار



#يوسف_الصفار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اخرج من اللعبة ياولدي22
- أخرج من اللعبة ياولدي1/2
- العقل الغيبي والعقل العلمي
- المحقق والدلال
- الثنائيات وازمة ضمير
- التاريخ والرؤية الاحادية
- نوستالوجيا المسلم وبداهة الغرب
- صباح تموزي
- 14 تموز والصناعات الثقيلة ..الاسكندرية نموذجا ً
- انفجار الكرادة والتحليلات المتضاربة
- الله في الميزان
- موروث شعبي , تعنت فقهي واضطراب سياسي
- اللامنتمي الثوري
- الاعلام والرؤية العوراء
- الدين والاخلاق
- داعش والكائن الخرافي
- الفلسفة والانسان 4/4
- الفلسفة والانسان 3/4
- الفلسفة والانسان 2/4
- الفلسفة والانسان 1/4


المزيد.....




- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف الصفار - حينما تسقط الثقافة