أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سليم نصر الرقعي - هويتي بين المنتمي واللامنتمي !؟















المزيد.....

هويتي بين المنتمي واللامنتمي !؟


سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة

(Salim Ragi)


الحوار المتمدن-العدد: 5263 - 2016 / 8 / 23 - 01:19
المحور: سيرة ذاتية
    


كنت ولازلت اشعر بهذا التناقض الغريب في شخصيتي من حيث الانتماء ! ، بين المنتمي واللامنتمي ! ، فأنا اشعر بأن هذا الوطن (ليبيا كبلد عربي مسلم ومحوره عندي هو منطقتي برقة)(*) جزء لا يتجزأ من هويتي الشخصية وذاكرتي الفردية ومع ذلك لم اشعر في يوم من الأيام ، ولا اليوم ، أنني جزء منه !!! ، فهذا الوطن الذي اطلق عليه الايطاليون اسم ليبيا (*) وهؤلاء القوم الذين اطلق عليهم الايطاليون اسم (الليبيين) جزء لا يتجزأ مني احمله معي حيثما رحلت او حللت ولكنني لم اشعر يوما أنني جزء منه !! ، منذ يقظتي للحياة واطلاعي على الكتب وعالم الافكار وعالم الخيال الأدبي والأشعار في بدايات سن المراهقة بدأ يخالجني هذا الشعور بالاغتراب والغربة واللاانتماء !!! .

مدينة (بنغازي) ، عاصمة إقليم برقة في ليبيا (*) ، هي مسقط رأسي وأغلى ذكرياتي وهي مدينة والدتي واخوالي رحمهم الله جميعا ، بنغازي حاضرة الشرق الليبي مدينة جميلة أنيقة تمتزج فيها ثقافة الحضر بثقافة البدو وأهل الريف ، وهي عاصمة المثقفين ومعمل الثورات المحلية عبر التاريخ ، وفوق هذا هي عرين الأسد حيث كانت تحتضن وسطها ضريح شيخ الشهداء وأسد الصحراء (عمر المختار) ، السنوسي المذهب والمشرب والولاء ، قبل أن يقرر العقيد القذافي في ثمانينيات القرن الماضي أن يبقر بطنها ويستخرج جثمان الشهيد ليدفنه خارج بنغازي في محاولة لطمس تاريخ السنوسية في برقة من خلال نفي ضريح عمر المختار السنوسي الولاء خارج المدينة ! ، كم احببتك يا بنغازي منذ طفولتي فصرت ، انت ، جزءا مني دون ان اصبح ، أنا ، جزءا منك حالك حال اجدابيا !! ، فقد عشت منذ طفولتي انتقل مع اسرتي من مدينة الى أخرى بحكم وظيفة والدي كضابط امن دولة في العهد الملكي ثم حتى بعد أن استقر الحال بعائلتي في اجدابيا بعد وفاة ابي رحمه الله عام 1968 فما إن بلغت الثانية عشر حتى كنت أصر على عائلتي بقضاء عطلة الصيف في بنغازي إما عند عمي في حي (الفويهات الغربية) او عند اخي في حي (الصابري) او ابن عمي في حي (سيدي حسين) ، ظللت اقضي الصيف كله في بنغازي ، ابسط جناحي على شاطئ مصيف بحر (جليانة) كطائر النورس حتى الغروب أرقص على انغام امواج البحر حتى الثمالة ! ، أتنسم عبير الارض التي ولدت فيها وولدت امي فيها والارض التي هاجر ابي وعمي اليها في بداية الخمسينيات من القرن الماضي ليبدأ عمي (معتوق الرقعي) ، حفظه الله واطال عمره ، رحلة كفاحه وعمله في السلك الوظيفي الاداري وصولا الى منصب وزير السياحة فمنصب وزير الداخلية في العهد الملكي وكذلك الحال مع أبي (نصر الرقعي) ،رحمه الله ، الذي بدأ رحلة كفاحه في بنغازي أيضا وعمله في سلك الشرطة قبل ان ينتقل الى سلك امن الدولة بعد تخرجه من كلية الشرطة ، واما انا فعندما حصلت على الاعدادية عام 1979 في اجدابيا انتقلت الى معهد الكهرباء في حي (القوارشة) برغبة مني لتكون تلك الخطوة هي بداية استقراري في بنغازي ، وظللت بين بنغازي واجدابيا أتردد ذهابا وإيابا ، أفرد جناحي طائرا بينهما في رحلة الشتاء والصيف حتى استقر بي المقام في بنغازي هناك نهائيا ، هل كان نهائيا بالفعل !!؟؟ ، بعد ان قطعت علاقتي بالاتجاه الاسلامي المتشدد (التوقف والتبين) في اجدابيا عام 1990 ودخلت في فترة المراجعات الفكرية الذاتية ، ثم انتقلت والدتي ، أو بالاحرى عادت ، رحمها الله ، الى مدينتها بنغازي وموطن عائلتها (آل الكوافي) عام 1993 .
وهكذا فمدينة بنغازي كمدينة إجدابيا كالمرج والبيضاء ، هذه المدن في برقة بشرق ليبيا تشكل جميعها جزءا من هويتي الشخصية وذاكرتي الفردية والعائلية ولكنني مع ذلك لم اصبح جزءا من اي منها أبدا بشكل حقيقي عميق ووثيق ! ، فأنا من اجدابيا ولست من إجدابيا (!!) وأنا من بنغازي ولست من بنغازي(!!) ولكن بنغازي واجدابيا كانتا جزءا لا يتجزأ مني وستظلان ابدا هكذا جزءا مني الى يوم رحيلي الاخير !! ، لذا ظللت احمل حقيبتي فوق ظهري أتنقل مسافرا كالطائر المهاجر بين المدينتين (اجدابيا وبنغازي) حيث تقطن عائلتي (آل الرقعي) بعضها هنا وبعضها هناك حتى دارت الأيام وتكالبت على الهموم والألام فضقت ذرعا في اواخر عام 1995 بجماهيرية العقيد وضاقت ارضها على قلبي وعقلي بعد مروري بتجربة الخدمة العسكرية الاجبارية ولم تعد ليبيا في حسي سوى" معتقل سياسي كبير ومهين" خصوصا في ظل غياب حرية التعبير وأنا صاحب رأي وحامل قلم ولي موقف معارض للقذافي ونظامه وكتابه الاخضر لا من منطلق سياسي او حزبي او شخصي او قبلي او جهوي وانما من منطلق فكري بالدرجة الأولى يتعلق بمسألة الحرية وبالنظام السياسي والقانوني المناسب للبشر والمواطنين الاحرار والكرام ! ، وحينها ، حين ضقت ذرعا بجماهيرية العذاب والاغتراب والارهاب داخل الوطن ، فردت جناحي في صباح باكر يوم 10 ديسمبر 1995 وحلقت سريعا في عباب السماء متوكلا على الله منطلقا نحو المجهول دون ان أدري الى اين المستقر !!!؟ تحليقا وطيرانا نحو المجهول ربما اشبع في الوقت ذاته رغبتي الطفولية القديمة في خوض تجربة الرحيل نحو المجهول لاكتشاف العوالم الأخرى كما كنت اقرأ عنها في قصص السندباد !! ، فمن مصر الى السودان فالاردن فسوريا فمالطا فبريطانيا حيث شاءت لي الأقدار أن استقر ! ، ومن يدري !!؟؟ ربما لولا ارتباطي بزوجتي وطفلي الوحيد وواجبي الاخلاقي نحوهما لفردت وبسطت جناحي مرة اخرى وطرت في الآفاق بعد ان اصبحت منذ سنوات خلت أشعر وألمس بأن هذه الأرض وأهلها ايضا قد باتوا ، مع تكرار العمليات الارهابية في الغرب ، يضيقون ذرعا بأمثالي من العرب والمسلمين وكل من يحمل سمات عربية فهو يبقى عند الكثير منهم موضع شك وارتياب متهما بالارهاب حتى يثبت العكس (!!؟؟) ، فلولا أسرتي الصغيرة التي كونتها في المهجر وواجبي الاخلاقي نحوها ربما عاودني الحنين الى الرحيل نحو المجهول و لفردت جناحي وبسطتهما في الهواء مرة اخرى وحلقت نحو السماء ونحو بلدان جديدة أخرى في ارض الله الواسعة دون خوف وتردد ، فقد علمتني تجربتي في الحياة أن الذي رزقني في (السودان) حيث شاهدت بأم عيني مظاهر الفقر المدقع المؤلمة ومشاهد الفقر والجوع الرهيبة هو من يرزقني الآن هنا وهو من يرزقني في كل مكان الى أن يحين أجلي ويوم الرحيل الأخير نحو الديار ! .

ومع ذلك فإن هذا التعارض بين (المنتمي) و (اللامنتمي) يظل يتنازعني بدون نهاية ! ، دون أن أعرف ما هي أسبابه !!؟ ، هل سببه عدم استقراري في مدينة واحدة وبيت واحد منذ طفولتي حتى كهولتي كما هو الوضع الطبيعي في الغالب المعتاد !!؟؟ أم أن السبب هو اطلاعي المبكر على الكتب الفلسفية والوجودية التي تتحدث عن غربة الانسان في هذا العالم الذي صنعه لنفسه وهذه النظم التي حبس نفسه فيها !!؟ ام أن السبب هو حالة التدين الروحي التي اعترتني في بدايات مراهقتي وحتى قبل ظهور ما يسمى بالصحوة الاسلامية وتأثري بكتب (مصطفى محمود) الدينية ذات الطابع الفلسفي والصوفي والوجودي !!؟؟ ، أم أن السبب هو غلبة الطابع (الفردي)(الليبرالي) في نفسي وعقلي على الطابع (الجماعي)(الاجتماعي) و(القومي) !!؟؟ ، أم هي الديكتاتورية ذات الطابع الشمولي التي تجعل المرء يشعر بالاغتراب والتهميش داخل الوطن كأنما الوطن ليس وطنه اذ انه ليس شريكا حقيقيا في هذا الوطن بل هو مجرد رقم وملف في سجلات الدولة !!؟؟؟ ، ربما كل هذه العوامل مجتمعة ساهمت في خلق هذه الحالة المتناقضة في نفسي بين المنتمي واللامنتمي حيث احمل وطني في اعماقي كجزء لا يتجزأ مني حيث رحلت وحللت ولكنني دون أن اشعر انني جزء منه !!! ، ولا انا ، بالطبع ، أحس بأنني جزء حقيقي من المجتمعات والبلدان والأوطان التي التحقت بها و تنقلت اليها واستقررت فيها !!!! ، غريبا كنت في وطني وغريبا صرت في بلاد الله الواسعة ! ، هي حالة غريبة من الغربة والاغتراب تقع ما بين حالتين ، حالة (المنتمي) الذي يرتبط بشكل دائم بوطنه وقومه حيثما رحل وأينما حل ولا يملك الانسلاخ عن هويته الوطنية والدينية والقومية ، وحالة (اللامنتني) الذي يشعر بالاغتراب داخل الوطن وخارج الوطن ولا يشعر بشكل فعلي ومعنوي ووجداني أنه جزء حقيقي من وطنه وقومه !! ، تناقض غريب وعجيب ولكنني ولاول مرة اصرح بهذا الشعور ، مع العلم ان هذا الشعور لم يتكون في غربتي خارج الوطن في المهجر بل نشأ وتطور داخل الوطن ومنذ باكورة انبعاث وعيي الشخصي بالحياة والوجود ومع نمو احساسي بالظلم العام وأن الامور في بلادي ليست على ما يرام !!! .
**********
سليم الرقعي
كاتب ليبي من "برقة" يقيم في بريطانيا
(*) كثير من العرب يجهلون حقيقة تاريخ تكوين دولة ليبيا ! ، فهم لا يعلمون أنه قبل قدوم الاحتلال الايطالي عام 1911 لم يكن ثمة قطر عربي واحد اسمه ليبيا عبر التاريخ بل كان هناك قطرين عربيين مستعربيين شقيقيين هما (برقة) و(طرابلس) ، القطر البرقاوي عاصمته بنغازي والقطر الطرابلسي عاصمته طرابلس المدينة تماما كما ان القطر التونسي عاصمته مدينة تونس ، ثم بعد الاحتلال الايطالي استحضر الايطاليون اسم ليبيا من كتب التاريخ اليوناني والروماني وهو اسم لشمال افريقيا قديما وأطلقوه على مستعمرتيهما في شمال افريقيا وكونوا منهما دولة واحدة اطلقوا عليها عام 1934 اسم دولة ليبيا الايطالية ، وهكذا تكونت ليبيا اسما وجسما كبلد مركب من قطرين متجاورين نتيجة وضع استعماري الا انه بعد تحرير برقة وطرابلس من الايطاليين بمساعدة الانجليز والحلفاء تكونت دولة برقة بزعامة الأمير إدريس السنوسي عام 1949 ثم بعد ذلك بعام قدم زعماء القطر الطرابلسي وقاموا بمبايعة أمير برقة ليكون ملكا للقطرين برقة وطرابلس تحت مسمى المملكة الليبية المتحدة ، وهكذا أقر زعماء طرابلس وبرقة باقامة دولة اتحادية واحدة فيدرالية تحت الامارة السنوسية ، وهكذا اصبحت ليبيا دولة عربية ، واما قبل قدوم الاستعمار الايطالي لم يكن ثمة قطر عربي واحد عبر التاريخ والجغرافيا اسمه ليبيا !! ، هذه حقيقة لا يجهلها الكثير من العرب وحسب بل ويجهلها ايضا الكثير من الليبيين اليوم !!.








#سليم_نصر_الرقعي (هاشتاغ)       Salim_Ragi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل النفط نقمة على العرب ولماذا !؟
- الدولة العلمانية والدولة الدينية والدولة المسلمة المدنية!؟
- هل القوميون العرب والإسلاميون صنيعة الغرب!؟
- ما جناه القوميون والاسلاميون على مجتمعاتنا !؟
- الدولة ! ، محاولة للفهم !؟
- داعش ليس نبتا ً شيطانيا ً بلا جذور!؟
- الإدارة والإرادة وفن الحياة !؟
- سلطان المال ومال السلطان!؟
- اصناف الديموقراطيات والديكتاتوريات في عصرنا!؟
- أسلمة الجيش كأساس لأسلمة الدولة !؟
- ثورة فكرية تلوح في الأفق !؟
- هل أصبح الانجليز شعوبيين شعبويين !؟
- لماذا صوت الاسكوتلنديون لصالح أوروبا!؟
- البريطانيون يهزمون عاصمتهم لندن!؟
- الاستفتاء البريطاني واسلوب التخويف!؟؟
- كولين ولسون وتحضير الأرواح !!؟
- الذكورة والأنوثة والجنس الثالث !؟
- اغتيال كوكس عمل ارهابي لصالح الاتحاد الأوروبي!؟
- الحرية بين مجتمعاتهم ومجتمعاتنا !؟
- برنامج الصدمة والشارع العربي !؟


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سليم نصر الرقعي - هويتي بين المنتمي واللامنتمي !؟