أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - فرانسوا باسيلي - الكاتب العربي بين السيف والكلمة















المزيد.....

الكاتب العربي بين السيف والكلمة


فرانسوا باسيلي

الحوار المتمدن-العدد: 1406 - 2005 / 12 / 21 - 05:33
المحور: الصحافة والاعلام
    


جبران تويني.. القلم الذي انكسر
• السيف

إن العذاب الأعلى للكاتب ينبع من إدراكه الفادح لحقيقة أنه لا يملك في العالم سوى الكلمة، بينما يملك غيره السيف.


والعذاب الأعلى للكلمة هو إدراكها الباهظ لحقيقة أنها تظل حبرا على ورق بينما يتغير الواقع حولها بفعل السيف وفعاليته

وبينما تتأجج الحياة بعنفوانها ووحشيتها، ويقف الموت بنهائيته وحسمه، فوق حد السيف، لا يتأرجح فوق حروف الكلمة سوى الحلم!

وبينما يسكب الكاتب عصارة فكره وجهد عمره داعيا لفكرة أو لرؤية لا يكاد يرى لها أثرا، يسقط السيف مرة واحدة، فتتدحرج الرؤوس وتشتعل الثورات وتتغير الموازين، فالسيف- بصوره المختلفة من حديد قاطع إلى مال أو نفوذ أو بطش أو سلطان – هو المهيمن الأعلى في كل مكان.. على الأرض والخبز والمادة والثروة، أي على الإنسان والمجتمع والتاريخ والمستقبل.


• الكلمة

وكاد أن يكون حكم السيف على تاريخ العالم، أن يكون طغيانه وسلطانه، قطعيته وحسمه وإرهابه، كاد أن يكون ذلك مطلقا وشاملا...

لولا أنه في مقابل السيف، في الطرف الآخر، على النقيض منه، في مواجهته، كانت هناك دائما، وفي البدء : الكلمة!

وقفت الكلمة، بكل هشاشتها وتجردها، بكل هلاميتها وأثيريتها، وقفت عبر التاريخ لتكون هي المقاوم والمناوئ الأول، والمحرض المؤلب المؤرق العنيد.. ضد السيف وفي مواجهته..

ولأن سر السيف يكمن في قدرته الحاسمة على فصل الرأس عن الجسد.. كان لابد لمن يقاومه أن يكون بلا جسد على الإطلاق. كان لابد أن يكون الخصم حلما، شعرا، فكرة، رؤية، شوقا، طموحا، تصوفا، جموحا وخروجا.. كل ما لا جسد له...كان لابد أن يكون كلمة.

وبينما يثير السيف في الإنسان أسوأ ما فيه : العدوان والعنف والقتل والإرهاب.. أو الجبن والذل والرعب والخضوع ، كانت وما تزال الكلمة تنتشل في الإنسان أجمل وأنبل ما فيه : أشواقه وأحلامه وعطشه للحب والسلام والعدالة والحق، أفراحه بالحياة وبالآخرين، ورفضه للظلم والألم والدمامة..

*المجابهة

وفي كل عصر لابد أن تقع المجابهة بين السيف والكلمة..

يرتفع السيف ويهوى، فتقدم رأس المعمدان على طبق، يلمع السيف في الشمس آمرا، فتحرق كتب ابن رشد، وينفي شوقي ويعتقل الجواهري ويطارد البياتي..

ويتململ السيف في جرابه قليلا فتفتح السجون أبوابها للشعراء والكتاب من اليمين واليسار، وتزين الصفحات بقصائد المديح والمبايعة وتغير الكلمات ألوانها وثيابها لتتلاءم وتتواءم مع السيف وأوامره..

لكن تظل هناك دائما كلمة ترفض أن تتغير أو تنحني أو تستحي أو تتهيب.. تظل هناك دائما كلمة ترفع رأسها أمام السيف بجرأة وتهور.. ينطق بها نبي أو شاعر أو كاتب أو فيلسوف أو صعلوك أو طفل..

تظل هناك دائما كلمة تؤرق السيف وتبارزه، تفقأ عين المهرجان الكاذب والموكب المزيف. تظل قادرة طائرة فوق الأسوار وخارج الأسلاك الشائكة وابعد من أنياب الكلاب البوليسية، تظل تتطاير كالسر من شاعر إلى شاعر.. تظل منفية ومصادرة، ممنوعة ومطلوبة ومحاصرة.. كالمرض وكالحشيش وكالجريمة.

تظل الكلمة هي الأمل الوحيد والحلم الجميل والخلاص المثير.

*الكاتب

الكاتب الأصيل هو بالضرورة إنسان وحيد في العالم.. وحيد بالعالم..إنسان بلا أحد. مقطوع من شجرة.. يفصله عن العالم والآخرين هوة من أحلامه وآلامه وآماله، و هوة من همومه الكونية الباهظة،

إنه وحيد لا ينتمي لأحد لأنه يصر على الانتماء للكل، يصر على احتضان الإنسانية جمعاء، وعلى حقه في احتمال آلامها كلها، يصر على مسؤوليته الأدبية عنها.

ينتمي الكاتب الأصيل للإنسانية لذا لا ينتمي لإنسان ، لا يستطيع هو إلا أن يعتدي على أحلام الآخرين وآلامهم ، مستوليا عليها لنفسه ، لتصبح هي ألمه الخاص وحلمه الشخصي. الكاتب الأصيل وحيد لأنه مريض بالطفولة ، يصر على أن يظل طفلا بريئا وعلى أن يظل يرى العالم طفلا، ويظل يطالب العالم بالطفولة وبالبراءة وبالصدق وبالدهشة لنفسه وللعالم ، ويظل يلاحق العالم بالأسئلة الأساسية الباهظة الصعبة، ويفتش بإصرار عن أحلامه وطيوره وأناشيده التي لم تولد بعد.

لذلك يظل الكاتب وحيدا في العالم ، لا يملك سوى كلمته، يترك الكاتب أباه وأمه ويلتصق بالكلمة ، ويكون الاثنان جسدا واحدا.

والكاتب الأصيل – في نفس الوقت – أكثر من شيء واحد، إنه دائما مجموعة متناقضات ومجموعة أزمنة وأمكنة ومجموعة شعوب، إنه تلخيص للتاريخ وللإنسانية وتجميع لهما.. تلخيص للمستقبل وعطش له.. فلا يستطيع إلا أن يضع عينا على الماضي وأخرى على المستقبل، فلا يستطيع سوى أن يكون هادما وخالقا في آن ، لذا يظهر له الأعداء من الماضي والحاضر معا، ولذا يكون المبدع الحقيقي صعبا وخطرا ومتناقضا ومعقدا.

إنه لا يستطيع ان يكون سهلا.. بسيطا.. أو واحدا،

إنه وحيد لكنه ليس واحدا.

• الكاتب العربي

يقيم الكاتب العربي الأصيل في أراض وأزمنة ومجتمعات معادية له،

فهو صوت غير مرغوب فيه، عملة غير مقبولة ولا موثوق بها ولا متداولة،

إن السيف العربي مسلط دائما يبرق أمام عيني المبدع العربي وفوق رقبته ،

وهو ليس سيف السلطة وحدها..إنما هو أيضا سيف القيود والأغلال المستقرة في ضمير مجتمع الكاتب المكبلة له تصورا وخيالا وإيقاعا وذوقا وفكرا ولغة ومنطقا ، وسيف هذه الترسبات الحضارية المعلق فوق رأس المبدع العربي يأخذ في عالمنا العربي أبعادا أوسع واكثر شيطانية من أمثال هذا السيف في المجتمعات الأخرى، ومأزق المبدع العربي هو أن وجوده ودوره الأساسي يكمن في عملية الهدم والبناء لخلق الجديد ودفع الحضارة، بينما كل ما حوله من فكر وقيم ومعطيات وتقاليد تعرض نفسها له في صورة محصنات ومحظورات ومسلمات لا يمكن الاقتراب منها أو لمسها، ولذلك لا يمكن للمبدع
العربي الأصيل إلا أن يكون من الخوارج، والا أن يكون من الجوارح والصقور، إلا أن يقف من شعبه موقف النذير والشعلة والريح، حارقا النباتات الميتة.. ومقوضا للأقبية العفنة، في نفس الوقت الذي يكون فيه نبعا وواحة ومرفأ لشعبه، يمنح من ذاته وعقله زادا وعبقرية، فيقود أمته نحو أزمنة جديدة باهرة.

إن المبدع الأصيل لا يملك إلا أن يقف من مجتمعه وشعبه موقف المعارض حضاريا، وليس فقط المعارض سياسيا أو ذوقيا أو منهجيا، لا يملك إلا أن يقف موقف المنتقد الغاضب حضاريا، المشترط المسائل الملاحق المهتم الحزين المحب المفترس حضاريا.

*المستقبل

منذ خروج المستعمر الأجنبي، منذ حوالي نصف قرن، والأمة العربية تمتلك الأساليب والثروات المادية والظروفية للتقدم الحضاري اللائق بها.. وما فعلته – وفعلناه- حتى الآن هو إهدار هذه النافذة الزمنية النادرة في تناحرات وعداوات قبلية ومسيرات سلفية .. سببها الجوهري هو أن الثروة المادية لا تصاحبها ثورة فكرية، بل بالعكس تواكبها ردة فكرية ، والمبدع العربي لا يملك الصمت أمام الضياع المأساوي لهذه اللحظة والشرفة التاريخية
الفريدة، واستمرارية هذا الضياع وتجدده اليومي.

استشهد جبران تويني في محراب الكلمة..

لأن في كل عصر لابد أن تقع المجابهة بين الكلمة والسيف.



#فرانسوا_باسيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصدمة والترويع المصرية
- ماذا نفعل بالاخوان المسملين ؟
- أربع سنوات على الحدث الزلزال: هل تعلّم أحد شيئاً من 11 سبتمب ...
- حوار الاديان ام حوار الطرشان
- هل الاسلام هو الحل ؟ -العلمانية العربية بين المقدّس والمسدس


المزيد.....




- بلينكن يزور السعودية ومصر.. وهذه بعض تفاصيل الصفقة التي سينا ...
- في جولة جديدة إلى الشرق الأوسط.. بلينكن يزور السعودية ومصر ل ...
- رغد صدام حسين تستذكر بلسان والدها جريمة -بوش الصغير- (فيديو) ...
- فرنسا وسر الطلقة الأولى ضد القذافي!
- السعودية.. حافلة تقل طالبات من جامعة أم القرى تتعرض لحادث مر ...
- -البديل من أجل ألمانيا- يطالب برلين بالاعتراف بإعادة انتخاب ...
- دولة عربية تتربع على عرش قائمة -الدول ذات التاريخ الأغنى-
- احتجاج -التظاهر بالموت- في إسبانيا تنديداً بوحشية الحرب على ...
- إنقاذ سلحفاة مائية ابتعدت عن البحر في السعودية (فيديو)
- القيادة الأمريكية الوسطى تعلن تدمير 7 صواريخ و3 طائرات مسيرة ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - فرانسوا باسيلي - الكاتب العربي بين السيف والكلمة