أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - فاطمة ناعوت - أنا أسخرُ …. إذن أنا موجود














المزيد.....

أنا أسخرُ …. إذن أنا موجود


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5259 - 2016 / 8 / 19 - 13:47
المحور: بوابة التمدن
    


“أنا أفكّر …. إذن أنا موجود.” قالها الفيلسوف الفرنسي ديكارت، ليربط بين التفكير، والوجود. التفكير كفعل إنساني يرتقي به عن كافة المخلوقات، والوجود كقيمة معنوية عليا، تعني الوجود العقلي والروحي والمعنوي والامتيازي، وليس الوجود الجسماني والفيزيقي الاعتيادي، كسائر الكائنات غير العاقلة. وحين كرّر الفليسوف ضمير "أنا" مرتين في تلك الجملة القصيرة، فإنما ليؤكد أن "التفكير" لابد أن يكون نابعًا من "ذات" الشخص، وليس نقلا ببغائيًّا عن آخرين. ذاك هو شرط الوجود. فليس موجودًا مَن يظل يردد: قال فلان، وأخبر علان، وأنا أتبع أفكار ترتان، العبرة هي: ماذا قلت أنت؟ وما وجهة نظرك أنت التي ستطرحها علينا؟ وما هو منهج تفكيرك أنت؟ أما أقوال زيد وأفكار عبيد فموجودة في الكتب بوسعنا أن نلجها متى شئنا، إنما وجودك "أنت" كإنسان، هو الذي يعنينا لنتأكد أنك موجود، وفاعل. عاقل لا ناقل. ذاك هو الفارق بين المنهج "العقلي" الذي نادى به ابن رشد حتى بُحَّ صوته، وتسبب في حرق كتبه ونفيه من الأندلس إلى مراكش، وبين المنهج "النقلي" الذي يُجبرنا عليه أربابُ الفتن حتى نلغي عقولنا ونحذو خطاهم الدموية حذو الحافر، دون سند إلهي يسوّغ لهم دمويتهم، حتى أورثونا كل تلك المحن والكوارث التي تملأ حياتنا.
لكنني سأخطو خطوة أبعد من ديكارت لأقول: “أنا أسخر إذن أنا موجود.” فأنا مؤمنة أن كل الكائنات الحية تفكر على نحو ما. ليس وحسب النحل المهندس في مملكاته المنظمة، ولا النمل الدؤوب في أسرابه النمطية المنمّقة، ولا الطيور في رحلات هجرانها من بلاد الصقيع إلى حيث الدفء والحياة في مواسم الشتاء، ، ولا الكلب في ذكائه ومقدرته على تتبع الصديق والعدو، ولا التشيمبانزي الذكي الذي يفعل كل ما يفعله الإنسان من توافق بصري حركي، بل وحتى الابتسامة بوسعه تأديتها حين يفرح، (ولي تجربة شخصية مع قردة أنقذتها من محنة؛ فضحكت لي وارتمت في حضني تقبّلني)، بل حتى الكائنات البدائية الأولية تفكّر على نحو ما، حتى وإن كان تفكيرها نمطيًّا لا إبداع فيه ولا مقدرة حقيقية على التحليل والاستنتاج، بل تعتمد تجاربها على الارتباط الشرطي بين الأشياء فتعرف أين مصدر الخير فتتبعه، وأين يكمن الخطر فتتجنبه. وإذن جميع الكائنات الحية تفكر، وتضحك، فلا يجوز لنا أن نقول: الإنسان حيوان مفكر، أو حيوان ضاحك. بل الأدق أن نقول إن الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على "السخرية".
السخرية فنٌّ بشري قديم استخدمه الإنسان لكي يتحرر من مشاكله وأزماته واستعباده على يد الجبابرة. يقول النكتة فتهون المحنة. يقلّد الآخرين فيضحك الرفاق وتيسر الصعاب. واستخدمه الأدباء لينتقدوا ملوكهم الطغاة دون مهابة الفتك بهم على يد جلاديهم. التورية، والاستعارات، والكناية والأضداد والرمز كلها ألوان من السخريات استخدمها الإنسانُ لقول الحقائق بطرق مواربة معكوسة ليأمن بطش الباطشين. وأثبتت دراسة جرت في جامعة كولومبيا أن السخرية تحفّز على التفكير الإبداعيّ لدى الساخر ولها تأثير أكبر من الكلام الاعتيادي عند المستمع كذلك.

ويذكر لنا المأرخون أن أول رواية ساخرة في التاريخ هي "الحمار الذهبي" التي كتبها الكاتب الأمازيغي الساخر لوكيوس أبوليوس في القرن الأول الميلادي، حين دهن جسده بدهان ليجعله طائرًا محلّقًا، فإذا به يتحول إلى حمار، ثم تكتمل الرواية بمغامرات الحمار ومعاناته مع بني الإنسان. لكنني أظن أن أول ساخرة في التاريخ كانت الملكة حتشبسوت، حين كانت تقود جيوشها العسكرية وهي تضع على ذقنها لحية اصطناعية، كأنما تسخر من عالم الرجال الذي احتكر الفروسية وفنون القتال، وكأنما تقول: أنا امرأة أقود جيوش بلادي وأنتصر، وهذه اللحية التي تُرهبكم على وجهي "فالصو" وهمية، لا وجود لها.
الأدب الساخر من أصعب ألوان الكتابة الإبداعية. لأنك تقول في كلمة صغيرة باسمة ما لم تستطع قوله في محلمات مطولة جادة. ولإيماني بأن قطرة الماء تفتت الصخرة الصلدة، بأكثر مما تفعل المعاول والمطارق، أؤمن أن موقع "الساخر" http://www.elsakher.com ، الذي دشّنه الكاتب والرسام المصري الساخر فيليب فكري، سوف يكون له أثرٌ طيب في النهوض بالفكر السياسي والمجتمعي بمصر في مقبل الأيام. فتحيةً له وللقائمين على هذا الموقع الجميل.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- |حروب عادية | اللص الذي سرق الله| أشرف ضمر
- أخي المسلم السويّ هذا المقال ليس لك
- لماذا كانوا وسيمين؟ لماذا كنّ جميلات؟
- احنا عايشين في نار يا ريّس
- طفولةٌ أم جنون أم كفر؟
- على شط القناة: الصمتُ في حرم العمل... عملٌ
- زورق
- على شط القناة: الصمتُ في حرم العمل... عمل
- خنجر في ظهر مصر
- ماذا لو ظهر ابن رشد اليوم؟
- الشيخ كريمة وخفّة ظِل المصريين
- جميلةٌ من صبايا مصر
- ماذا تفعل لو كنت البابا؟
- فاتحةُ القرآن، والصلاةُ الربانية
- كل سنة وأنت طيب يا أبا زيد
- جيشُ مصرَ شعبُ مصرَ
- البجعة
- قلادتك
- الماكينة بتطلع قماش!
- وكرُ الأشرار


المزيد.....




- رئيسة جامعة كولومبيا توجه -رسالة- إلى الطلاب المعتصمين
- أردوغان يشعل جدلا بتدوينة عن بغداد وما وصفها به خلال زيارته ...
- البرازيل تعلن مقتل أو فقدان 4 من مواطنيها المرتزقة في أوكران ...
- مباشر: 200 يوم على حرب بلا هوادة بين إسرائيل وحماس في غزة
- مجلس الشيوخ الأمريكي يقر بأغلبية ساحقة مشروع قانون مساعدات ل ...
- محكمة بريطانية تنظر في طعن يتعلق بتصدير الأسلحة لإسرائيل
- بعد 200 يوم.. تساؤلات حول قدرة إسرائيل على إخراج حماس من غزة ...
- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب


المزيد.....

- حَمّاد فوّاز الشّعراني / حَمّاد فوّاز الشّعراني
- خط زوال / رمضان بوشارب
- عينُ الاختلاف - نصوص شعرية / محمد الهلالي
- مذكرات فاروق الشرع - الرواية المفقودة / فاروق الشرع
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 9 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة ,, العدد 8 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 7 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة الالكترونية , العدد 6 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 5 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 4 / ريبر هبون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - فاطمة ناعوت - أنا أسخرُ …. إذن أنا موجود