أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - الاشتراكية لا تبنى على الفقر 4 واخيرة















المزيد.....


الاشتراكية لا تبنى على الفقر 4 واخيرة


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 1406 - 2005 / 12 / 21 - 10:50
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


خرج الاتحاد السوفييتي بعد القضاء على الغزاة النازيين اقوى عسكريا وسياسيا مما كان عليه قبل الحرب. وأثبت في برامج اعادة بناء ما دمرته الحرب من مدن وقرى ومصانع ومزارع عظمة وقدرة النظام الاشتراكي التي لا يمكن ان تقارن بقدرات اية دولة راسمالية. كذلك ظهرت عظمة الاتحاد السوفييتي في قدرته على مساعدة الدول المتجهة نحو الاشتراكية في اوروبا على تحقيق استقلالها الاقتصادي وتطوير بلادها تطويرا سريعا وكذلك تأثيرها على العالم والثورات في البلدان شبه المستعمرة في اسيا كالصين والفيتنام والثورات التي لم يكتب لها النجاح في بورما واندونيسيا وغيرها. ولكن كل هذا لم يكن يعني ان الاتحاد السوفييتي لم يتأثر تأثرا سلبيا من جراء ضحاياه في الحرب ضد النازية. فقد فقد الاتحاد السوفييتي في هذه الحرب الملايين من خيرة ابنائه وفقد الحزب اغلبية اعضائه وفقدت الشبيبة الشيوعية اوعى عناصرها. كان لهذا تأثير هائل على المستوى الاجتماعي والثقافي الشيوعي في كامل المجتمع السوفييتي وفي صفوف الحزب الشيوعي والشبيبة الشيوعية على وجه الخصوص.
كانت معركة القضاء على الطبقات المستغلة، البرجوازية وبقايا الاقطاع، مهمة مباشرة صريحة جبهوية ان صح التعبير. ولكن كان ثمة عدو كبير لم يكن بمستطاع الاتحاد السوفييتي القضاء عليه جبهويا او قسريا عن طريق ممارسة الدكتاتورية. كان هذا العدو هو النفسيات البتي برجوازية السائدة في اوساط كبيرة من المجتمع. هذه النفسيات البرجوازية لا يمكن القضاء عليها الا بالتثقيف الطويل لانها قائمة في صفوف الجماهير الشعبية وليس في الطبقات المعادية. وقد كان تأثير ضحايا الحرب سلبيا في هذا الاتجاه نظرا الى ان الحرب قضت على اثقف عناصر المجتمع السوفييتي واكثرها انصهارا في بوتقة المجتمع الاشتراكي. وقد يكون هذا سببا في تطور النفسيات البتي برجوازية الى الاسوأ بعد الحرب والنفسيات البتي برجوازية تخلق البرجوازية.
لقد أثبت التاريخ استحالة القضاء على النظام الاشتراكي عن طريق المجابهة المباشرة، عن طريق الحرب او عن طريق الحصار الاقتصادي. ثبت ذلك في حرب التدخل مباشرة بعد انتصار ثورة اكتوبر وثبت ذلك اثناء الحصار الاقتصادي خلال فترة تطور المجتمع الاشتراكي وثبت ذلك في الغزو النازي خلال الحرب العالمية الثانية.
ان من يعرف شيئا عن المادية الديالكتيكية يعلم ان الاساس في اية حركة هو التناقض السائد في الحركة ذاتها وان التاثير الخارجي سلبا او يجابا لا يتم الا عن طريق تأثيره في احد النقيضين اللذين يشكلان تلك الحركة. نعرف ذلك واضحا حين ندرس العلوم الطبيعية كالفيزياء والطب وغيرها من العلوم ولكن هذا ليس واضحا كل الوضوح لدى المتحدثين باسم الماركسية والشيوعية. يعزو البعض انهيار الاشتراكية الى تأثير القوى الامبريالية ودعاياتها ومحاربتها الصريحة للنظام الاشتراكي. وليس هذا التاثير قليلا بل انه كان تاثيرا كبيرا على انهيار الاتحاد السوفييتي. ولكن هذا التاثير لم يكن يحصل الا عن طريق التأثير على التناقض السلبي في حركة الاتحاد السوفييتي. اي ان التأثير الامبريالي كان يتحقق عن طريق مساندة النقيض الذي يحارب الاشتراكية ضمن قياداتها.
ان تحطيم الاشتراكية اذن لم يكن ممكنا الا من الداخل، من داخل الحزب الشيوعي البلشفي، من داخل قيادة الحزب الشيوعي. هذا لا يعني التقليل من تأثير دور القوى الامبريالية في هذا التحطيم. ولكن تأثير هذه القوى الخارجية يجري وفقا للقوانين الديالكتيكية عن طريق تأثيرها على التناقضات الداخلية. فلولا وجود القوى المدمرة في داخل الحزب الشيوعي لما كان بالامكان تأثير القوى الخارجية الى درجة تحطيم النظام الاشتراكي. ان اهم عوامل انهيار الاتحاد السوفييتي هو وجود اعداء الاشتراكية داخل الحزب الشيوعي البلشفي وعملهم على تغيير سياسة الحزب من السياسة اللينينية الى السياسية الانتهازية التحريفية. وهنا يظهر تأثير القوى الامبريالية الخارجية بدفع وتشجيع هذه القوى المعادية داخل الحزب. ولكن هذه القوى لم تستطع رفع رأسها طالما كان ستالين والعناصر البلشفية على رأس الحزب. ولكنها كانت تتآمر سرا وتقوي تنظيماتها نظرا لضعف سيطرة دكتاتورية البروليتاريا على ما يبدو في الاونة الاخيرة. لقد ثبت الراي اللينيني القائل بان الصراع الطبقي يزداد حدة كلما ازداد المجتمع الاشتراكي تقدما.
قرأت في الحوار المتمدن مقالا مترجما عن غورباشوف واعترافه صراحة بان اهم هدف في حياته كان تحطيم الشيوعية وانه عمل لكي يصل الى قيادة الحزب لكي يحقق هدفه الاساسي. انه سكرتير عام الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي وهمه هو القضاء على الحزب الشيوعي. ليس هذا القول محصورا في غورباشوف وانما هو في الواقع حال جميع القادة السوفييتيين الذين تناوبوا الحكم منذ وفاة ستالين وحتى انهيار الاتحاد السوفييتي نهائيا. ارجو من المتحدثين باسم الشيوعية وباسم الماركسية ان يراجعوا ما كتبوه عن البيريسترويكا وان يتذكروا ما سمعوه او قرأوه من قادتهم عنها حين وصفوها بانها ثورة اكتوبر الثانية وحين وصفوا غورباشوف بانه لينين الثاني.
ليس الموضوع هنا بحث عوامل انهيار الاتحاد السوفييتي وانما بحثنا هو لماذا اعتبر الدكتور فالح عدم وجود الاشراكية في الاتحاد السوفييتي واعتبرت الدكتورة سعاد ان الاشتراكية تحققت بشكل اولي فقط.
يوم وفاة ستالين (او قتله) استولت زمرة تحريفية بقيادة خروشوف على قيادة الحزب والدولة السوفييتية. وكانت مهمة هذه الزمرة الاستراتيجية استعادة الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي. فكانت سياساتها كلها مبنية على أساس هذا الاستراتيجي. ولكن استعادة الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي الاشتراكي كانت مهمة صعبة. فلا يمكن للراسمالية ان تحكم وتتطور الا اذا وجدت في المجتمع طبقة لا تملك الا قوة عملها لبيعها للراسمالي. ولكن الطبقة العاملة والفلاحين في الاتحاد السوفييتي كانوا يملكون كل شيء. كانوا يملكون ادوات الانتاج والانتاج والارض وماعليها وما في باطنها. ولكي تتحقق عودة الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي كان من الضروري اولا اعادة الملكية الخاصة الى الطبقة الراسمالية الجديدة وحرمان الكادحين عمالا وفلاحين من كل ملكية لكي يصبحوا عمالا تستطيع الراسمالية استغلالهم. كانت هذه المهمة مختلفة عن نشوء الطبقات الراسمالية في ارجاء العالم. فقد نشأت البرجوازية على اساس المجتمع الاقطاعي الذي كان فيه الشعب الكادح رازحا تحت سيطرة الاقطاع. بينما نشأت الراسمالية في الاتحاد السوفييتي على اساس مجتمع اشتراكي سائر سيرا حثيثا في اتجاه المجتمع الشيوعي. لذلك لم يكن بمستطاع التحريفيين الخروشوفيين اعلان النظام الراسمالي صراحة منذ البداية بل كان عليهم ان يستلبوا ملكيات الطبقات الكادحة تدريجيا لتحويلهم الى بروليتاريا تحت شعارات ثورية وماركسية زائفة. وقد اتخذت هذه العملية عقودا وتعاقبت فيها حكومات متتالية كانت تعمل حثيثا لتحقيق الهدف الاستراتيجي، هدف اعادة الاتحاد السوفييتي الى دولة او دول راسمالية تقليدية كما نراه اليوم.
في فترة بناء الاشتراكية لم تكن ثمة اتصالات واسعة بين العراق والاتحاد السوفييتي. كان الاشخاص الذين سنحت لهم فرصة التعرف على الاتحاد السوفييتي الاشتراكي عن كثب يعدون على الاصابع. والمعروفين منهم ثلاثة هم عاصم فليح وشخص لا اتذكر اسمه وفهد. وراينا في كتاب سفر ومحطات ان الاخ شوكت خزندار (أبو جلال) نقل عن عاصم فليح انه لم يسافر قط الى الاتحاد السوفييتي ولو ان المعروف عموما انه ذهب الى الاتحاد السوفييتي ودرس في جامعة كادحي الشرق. ولا توجد لهذا اية اهمية اذ لا فرق بين ان يكون عاصم فليح درس في جامعة كادحي الشرق وراى خلال ذلك تطور الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي ام لا، لان تأثيره في ذلك توقف حين تخلى عن النشاط السياسي. اما الشخص الثاني فمعروف انه لجأ الى السفارة البريطانية في موسكو لكي يهرب من الاتحاد السوفييتي ولا اعرف شيئا عن مصيره بعد ذلك. ولذلك يبقى شخص واحد فقط، فهد، هو الذي عاش ورأى عن كثب بناء المجتمع الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي ووصفه لنا في كتاباته. ولم يكن في كتابات فهد ما يشير الى ان بناء المجتمع الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي كان ناقصا او اوليا او غير كامل. فكل كتابات فهد تشير الى وجود مجتمع اشتراكي متطور يسير نحو تحقيق المجتمع الشيوعي.
بدأت العلاقات الواسعة بين العراقيين والاتحاد السوفييتي بعد ثورة ۱٤ تموز ۱٩٥٨. وكان الوضع انذاك قد تغير في الاتحاد السوفييتي. فان ملكية وسائل الانتاج اصبحت في تلك الفترة عبارة عن راسمالية دولة اذ ان التحريفيين تصرفوا في ملكية الشعوب السوفييتية كأنها ملكيتهم. وكانت السلطات التحريفية تبذل قصارى جهدها على سلب مكتسبات الشعوب السوفييتية وافقارها لغرض جعلها طبقة لا تمتلك غير قوة عملها وهو الشرط الضروري للتحول الى الراسمالية الصريحة. وظهرت في تلك الفترة مظاهر المجتمع الراسمالي مثل البطالة والتضخم النقدي والسوق السوداء وتدهور قيمة العملة والدعارة وعلامات تشرد الاطفال وتدهور الخدمات الصحية والفساد والرشوة وغير ذلك من المظاهر الراسمالية المعروفة. ومع ذلك بقيت في تلك الفترة بعض بقايا الامتيازات التي حاز عليها الكادحون اثناء بناء المجتمع الاشتراكي مما لم تفلح الحكومات التحريفية بعد في استلابه.
في هذه الظروف فتحت ابواب الاتحاد السوفييتي امام الشيوعيين وغير الشيوعيين من العراقيين. وقد تفاقمت هذه المظاهر كلما تقدم التحريفيون في مساعي افقار الشعوب السوفييتية وفي هذه الظروف كان تأثير الراسمال الامبريالي واضحا على تطور الراسمالية في الاتحاد السوفييتي سواء عن طريق القروض الامبريالية او عن طريق المشاريع الامبريالية القائمة منذ البداية على اساس الاستغلال الراسمالي او عن طريق وسائل الاعلام المطبلة والمزمرة في مدح الاشتراكية والماركسية الخلاقة وقد لعبت الاحزاب الشيوعية العميلة ومنها الحزب الشيوعي التحريفي العراقي دورا بارزا في ذلك.
هذا هو الوضع الذي رأى فيه الدكتور فالح والدكتورة سعاد شعوب الاتحاد السوفييتي. وقد ظنوا استنادا الى الدعاية والتثقيف الذي نالوه من قيادة الحزب الشيوعي ومن قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي ان هذا الوضع الخليط من بقايا الاشتراكية واسوأ مظاهر الراسمالية هو ما حققته ثورة اكتوبر والنظام الاشتراكي. ومن الطبيعي ان ينعكس هذا الوضع على العراقيين الذين زاروا او عاشوا في الاتحاد السوفييتي في فترة ما بعد ثورة تموز الى يوم انهيار الاتحاد السوفييتي كليا سنة ۱٩٩۱. وقد انبهر الكثير ممن رأوا الاتحاد السوفييتي حتى من البقايا الضئيلة المتدهورة من الحقوق التي حازت عليها شعوب الاتحاد السوفييتي في فترة بناء الاشتراكية ولكن المظاهر الراسمالية التي كانوا يشاهدونها بام اعينهم كان لابد ان تؤدي الى انعكاسات سلبية في فهمهم للاشتراكية في الاتحاد السوفييتي.
انتقد احد المتحدثين باسم الماركسية من الذين طبلوا وزمروا لاشتراكية الاتحاد السوفييتي حتى يوم انهياره على ان الاتحاد السوفييتي لم يفلح حتى باستخدام ابسط انواع التكنولوجيا التي استخدمتها المجتمعات الراسمالية مثل ابر الزرق الوحيدة الاستعمال. وكان صادقا في انتقاده ولو ان انتقاده لم يكن كاملا.
ارجو في هذا الصدد ان يسمح لي القراء باقتباس القانون الاقتصادي الاساسي للاشتراكية كما وضعه ستالين سنة ۱٩٥۲ من ترجمتي لهذا الكراس المنشورة في موقعي في الحوار المتمدن: "ضمان التلبية القصوى للمتطلبات المادية والثقافية الدائمة التعاظم للمجتمع كله عن طريق التوسيع الدائم واستكمال الانتاج الاشتراكي على اساس اعلى التكنيك."
حين يتحدث ستالين عن قانون اساسي للاشتراكية لن يتحدث عن قانون من وضع الانسان او الدولة بل يتحدث عن قانون طبيعي يعمل بالاستقلال عن ارادة الانسان ينبغي تنفيذ مستلزماته من قبل قيادة المجتمع الاشتراكي. فالالتزام بهذا القانون يعني الاشتراكية وعدم الالتزام به يعني غير الاشتراكية. ويتطلب هذا القانون "استكمال الانتاج الاشتراكي على اساس اعلى التكنيك". الا ان الخروشوفيين خرقوا جميع قوانين الاشتراكية بدون استثناء ومنها القانون الاساسي وقانون التطور المتوازن للاقتصاد الوطني لان الالتزام بها كان يعني الاشتراكية وعدم الالتزام بها كان يؤدي الى ظهور القوانين الراسمالية مجددا وهو ما تحقق في فترة الحكم الخروشوفي مثل قانون فوضى الانتاج وقانون المنافسة.
هل كان الاتحاد السوفييتي متأخرا عن الدول الامبريالية من الناحية التكنولوجية؟ ان التاريخ اثبت عند اطلاق اول قمر اصطناعي "سبوتنيك، الى الفضاء الخارجي ان الاتحاد السوفييتي كان متقدما تقدما هائلا على اكبر الدول الامبريالية تقدما، الولايات المتحدة. فما السر في ان الاتحاد الصوفييتي كان متأخرا من الناحية التكنولوجية في تلبية حاجات المجتمع المادية والثقافية؟ السر هو ان تقدم التكنولوجيا في تلبية حاجات المجتمع المادية والثقافية كان يعني زيادة رفاه المجتمع ولكن مهمة الخروشوفيين كانت افقار المجتمع وتحويله الى طبقات لا تملك سوى قوة عملها كما يتطلبه المجتمع الراسمالي. هذا هو السر في التقدم الهائل للاتحاد السوفييتي في تكنيك صناعة الاسلحة وغزو الفضاء وتأخره الفظيع في مجال تلبية حاجات المجتمع.
ان الاتحاد السوفييتي الذي اطلع عليه العراقيون في تلك الفترة لم يكن مجتمعا اشتراكيا بل كان مجتمعا راسماليا مقنعا بشعارات ثورية زائفة مع وجود بقايا من الحقوق التي كانت تتمتع بها الشعوب السوفييتية في عهد الاشتراكية. ففي المجتمع الاشتراكي تتطور حياة الشعوب كلما تطورت الاشتراكية في اتجاه تحقيق المجتمع الشيوعي، اما في المجتمع السوفييتي في العهد الخروشوفي فكانت اوضاع المجتمع تتدهور كلما تقدم النظام الخروشوفي في اتجاه العودة الى النظام الراسمالي الكامل. أتذكر حديثا جرى بيني وبين احد زوار الاتحاد السوفييتي من اعضاء الحزب الشيوعي المتواجدين في لندن في الثمانينات حين سألته كيف حولت النقود هناك؟ فأجاب هل يوجد مجنون يحول النقود بطريقة رسمية؟ فقد كان الدولار في السوق السوداء يحول الى اضعاف السعر الرسمي للتحويل مما جعل بامكان هؤلاء الزوار ان يشتروا بعد تحويلهم النقود في السوق السوداء سلعا بارخص الاثمان بسبب فرق التحويل.
فمن حق الدكتورة سعاد التي سكنت في الاتحاد السوفييتي في تلك الفترة من حياته ان تتوصل الى ان الاشتراكية تحققت في الاتحاد السوفييتي بشكل اولي فقط مع تمجيدها الرائع للانجازات الهائلة التي انجزتها شعوب الاتحاد السوفييتي تحت قيادة الحزب البلشفي بقيادة ستالين ولو بدون ذكر ستالين. ومن حق الدكتور فالح ان يتوصل الى ان الاتحاد السوفييتي لم يكن سوى دولة برجوازية حكومية ولم يكن في الاتحاد السوفييتي اثر للاشتراكية. لان الاتحاد السوفييتي الذي عاشوه لم يكن مجتمعا اشتراكيا بتاتا.
وليسمح لي قرائي الكرام ان اضيف ملاحظة موجزة حول الديمقراطية في الاتحاد السوفييتي. جاءت في مقال الدكتور فالح العبارة التالية:
"وان هذا النموذج سار في اتجاه التطور الذي تنبأ به بليجانوف وكاوتسكي وفيبر وحتى روزا لوكسمبورغ، أي قيام دولة بيروقراطية، مركزية، استبدادية، تفتقر الى أي معلم ديمقراطي (حتى للبلاشفة انفسهم ناهيك عن المجتمع)،"
تعتبر الماركسية كما هو معروف ان الدكتاتورية والديمقراطية وحدة نقيضين لا يوجد احدهما بدون الثاني. وان الدكتاتورية كانت دائما الصفة الاساسية للدولة اذ هي التي تجعل بامكان الطبقة الحاكمة ان تواصل استغلالها للطبقات المحكومة. وقد شعر ماركس وانجلز بان تسمية الدول الراسمالية بالديمقراطية هو خداع للطبقات المحكومة المستغلة. ولذلك حين تحدث ماركس وسائر الماركسيين عن دولة الطبقة العاملة اسموها باسمها الحقيقي "دكتاتورية الطبقة العاملة" بدون ان يقوموا كما فعل الراسماليون بخدع الشعوب بان دولتهم ديمقراطية. وطبيعي ان دكتاتورية البروليتاريا هي الاخرى وحدة نقيضين ولكنها اول دكتاتورية للطبقات الكادحة المستغلة السابقة ضد مستغليها من راسماليين واقطاعيين.
ولكن الدكتور فالح ينقل عن بليخانوف وكاوتسكي وفيبر وروزا لوكسمبرغ ان الدولة السوفييتية "تفتقر الى اي معلم ديمقراطي". ترى لماذا لم ير هؤلاء ومثلهم الدكتور فالح اي معلم للديمقراطية في الدولة الاشتراكية؟ هل يرجع ذلك الى التسمية اذ يسمي الراسماليون دولتهم ديمقراطية وتسمي البروليتاريا دولتها دكتاتورية؟ لا اعتقد ان هذا هو السبب الاساسي.
ان السبب الحقيقي هو كون دكتاتورية البروليتاريا تختلف جوهريا عن دكتاتورية الراسمالية ولان ديمقراطية دكتاتورية البروليتاريا تختلف جوهريا عن ديمقراطية الدولة الراسمالية. وان ماهو ديمقراطي في العرف الراسمالي ليس ديمقراطيا في العرف البروليتاري.
تقوم ديمقراطية الراسمالية على اساس قدسية الملكية الخاصة. ففي المجتمع الراسمالي يحق للشخص ان تكون له ملكية خاصة والدولة تصون هذه الديمراطية بدكتاتوريتها اي قوانينها وشرطتها ومحاكمها وحتى جيشها متى اقتضى الامر. واساس الملكية الخاصة هو ملكية ادوات الانتاج التي تمتلكها الطبقة الراسمالية ولا تمتلكها الطبقة العاملة وهو الاساس الذي يقوم عليه النظام الراسمالي. ولكن هذا النوع من الملكية لا يدخل في تعريف الديمقرامية الاشتراكية. فملكية ادوات الانتاج بما فيها الارض في الدولة الاشتراكية ملكية عامة، ملكية الشعب الكادح، ودكتاتورية البروليتاريا تصون هذه الملكية الاجتماعية بدكتاتوريتها. لذا فان من يرى حق الملكية الخاصة لوسائل الانتاج والارض حقا ديمقراطيا لا يجد الديمقراطية في دكتاتورية البروليتاريا.
ان من مظاهر الديمقراطية في النظام الراسمالي حق كل جماعة من البشر تكوين حزبها السياسي الذي يمثل مصالحها، ولو ان اكثر الدول الراسمالية والاقطاعية تحرم ذلك عمليا على الطبقات الكادحة. ولكن لنقل ان حق تأليف الاحزاب هو حق ديمقراطي معمول به باكمل وجه في الدول الراسمالية الكبرى على الاقل، المسماة الدول الديمقراطية. ولكن تاليف احزاب لكل فئة اجتماعية، لكل طبقة او مرتبة، يتطلب اولا وجود هذه الطبقة او المرتبة. والمجتمع الراسمالي مجتمع طبقي توجد فيه هذه الطبقات والمراتب الاجتماعية.
ولكن تأليف الاحزاب لا يدخل ضمن الديمقراطية في الدولة الاشتراكية. فاساس المجتمع الاشتراكي هو كونه مجتمع لا طبقي لا يسمح فيه بوجود اية بقايا من الطبقات المستغلة المطاح بها. فالدولة الاشتراكية تقوم على اساس القضاء على كافة الطبقات المستغلة السابقة ولا تسمح بوجودها نهائيا وتستعمل دكتاتوريتها لتحقيق القضاء على هذه الطبقات. واذا كان وجود الطبقات غير متاح في المجتمع فمن الطبيعي ان لا توجد احزاب تمثل هذه الطبقات غير المسموح بوجودها. لذا فان مفهوم التعددية الحزبية غير مقبول بتاتا في الدولة الاشتراكية. ومن يعتبر التعددية الحزبية وحرية تأليف الاحزاب من معالم الديمقراطية فانه لا يجد هذا المعلم في الدولة الاشتراكية. فالديمقراطية في العرف الاشتراكي تعني عدم وجود للتعددية الحزبية نظرا لعدم وجود الطبقات او المراتب التي تحتاج الى احزاب تمثلها.
لا اريد الاطالة في ايراد الامثلة التي تدل على ان ما هو ديمقراطي في عرف المجتمعات الطبقية ليس ديمقراطيا في عرف المجتمع الاشتراكي. وان من يبحث عن الديمقراطية كما نفهمها في مجتمعاتنا الطبقية لن يجد اي معلم ديمقراطي في المجتمع الاشتراكي.
ان مفهوم الديمقراطية في المجتمع الاشتراكي يعني ملكية وسائل الانتاج والانتاج والارض وجميع الثروات الطبيعية ملكية جماعية، يعني حق العمل لكل انسان قادر على العمل وضمان حياة كريمة لكل انسان عاجز عن العمل لاي سبب كان وضمان مستوى معيشة للمتقاعدين لا يقل عن مستوى معيشة العاملين. يعني مساواة المرأة التامة بالرجل في العمل والثقافة والسياسة وجميع النشاطات الاجتماعية. يعني زوال الزواج التجاري المصلحي بكل اشكاله الشرعية وغير الشرعية وتكوين العائلة على اساس الحب والتفاهم والانسجام الفكري والثقافي والسياسي. يعني زوال الدعارة بمنح العاهرات فرصة الحياة الاجتماعية السليمة وتكوين حياتهن الاجتماعية على اساس العمل الشريف في المجتمع الاشتراكي. يعني ضمان تربية الاطفال على اعلى مستوى من الثقافة واللهو وضمان حضانة الاطفال في محل العمل اثناء العمل وفي المحلات السكنية في اوقات الفراغ لتمكين العائلة من استثمار اوقات فراغها في رفع مستواها الثقافي والتمتع بملذات الحياة. يعني تحرير العائلة من عمل المطبخ بتوفير المطاعم الشعبية في كل مكان وجعل المطبخ ثانويا لا يستغرق الجزء الاكبر من حياة العائلة وخصوصا المراة. يعني مساواة جميع قوميات المجتمع الاشتراكي صغيرها وكبيرها دونما تمييز ودونما تسلط احداها على الاخرى وانهاء كل نوع من التمييز العنصري والطائفي والديني واللوني. يعني حق الثقافة لكل انسان ليس بمحو الامية فقط بل ببلوغ ما بلغه المجتمع السوفييتي من جعل الدراسة الثانوية الزامية. يعني حق المعالجة الطبية المجانية لكل افراد الشعب الاشتراكي بدون تمييز. يعني حق كل عائلة بقضاء عطلتها السنوية في احسن المصائف والمنتجعات مجانا. يعني الغاء التبادل السلعي فيما عدا جزء ضئيل من تبادل المواد الاستهلاكية في المدينة والريف والتبادل بين المدينة والريف لان الغاء هذا الجزء الضئيل من التبادل السلعي المتبقي هو من مهام المجتمع الشيوعي وليس من مهام المجتمع الاشتراكي. يعني غير ذلك الكثير مما لا يستطيع الكادح في المجتمعات الطبقية ان يحلم به ولا يستطيع حتى اصحاب المليارات تحقيقه لعوائلهم ولاطفالهم.
فكما ان من يفهم الديمقراطية بعقلية راسمالية لن يجد اي معلم ديمقراطي في المجتمع الاشتراكي، كذلك ان من يفهم الديمقراطية بعقلية اشتراكية لن يجد اي معلم ديمقراطي في المجتمع الطبقي.
يختلف الناس في دراساتهم للاحداث التاريخية وفي استخلاص العبر منها وفقا لكيانهم الفكري. وعلى سبيل المثال درس الدكتور فالح ظاهرة تاريخية، ثورة اكتوبر ودكتاتورية البروليتاريا والتجربة الاشتراكية وفقا لكيانه الفكري، واستخلص منها العظة التي وعظ بها البشرية كلها "تقول لنا الثورة الروسية ما لا ينبغي عمله، وما لا ينبغي السير عليه."
ودرست انا ايضا نفس الظاهرة التاريخية، ثورة اكتوبر ودكتاتورية البروليتاريا والتجربة الاشتراكية، واستخلصت العبرة منها وفقا لكياني الفكري، فتوصلت الى نتيجة معاكسة تماما لما توصل اليه الدكتور فالح. توصلت الى ان البشرية كلها وجميع شعوب العالم بدون استثناء بحاجة ماسة الان الى القيام بثورات شبيهة بثورة اكتوبر بالاستفادة من اسلوب لينين مهندس وصانع ثورة اكتوبر وبناء مجتمعات اشتراكية شبيهة بالمجتمع الاشتراكي السوفييتي بالاستفادة من اسلوب ستالين مهندس الاشتراكية.



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صدفة جميلة
- الاشتراكية لا تبنى على الفقر 3
- الاشتراكية لا تبنى على الفقر 2
- الاشتراكية لا تبنى على الفقر 1
- من وحي كتاب سفر ومحطات - البعية للسوفييت ودور اليهود 2
- ماركسية ام ماركسية لينينية؟
- دور اليهود العراقيين في الحركات السياسية السرية
- من وحي كتاب سفر ومحطات - التبعية للسوفييت ودور اليهود 1
- التحول من مرحلة الثورة البرجوازية الى مرحلة الثورة الاشتراكي ...
- من وحي كتاب سفر ومحطات - الطريق اللاراسمالي
- لا ديمقراطية بدون دكتاتورية
- من وحي كتاب سفر ومحطات - العمل الحاسم
- الثورة البرجوازية وضرورتها
- نظام الاجور في الدولة الاشتراكية
- باسل ديوب-كلمة شكر
- من وحي كتاب سفر ومحطات. عبادة الحزب
- جعفر ابو العيس
- خواطر يهودي عراقي سابق
- من مرحلة اعداد مسودة الدستور الى مرحلة الاستفتاء عليها
- مفهوم الربح في الراسمالية وفي الاشتراكية


المزيد.....




- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - الاشتراكية لا تبنى على الفقر 4 واخيرة