أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - 3 الإنسان الإيجابي














المزيد.....

3 الإنسان الإيجابي


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 5252 - 2016 / 8 / 12 - 17:37
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


" أقبل الآن لأخبرك، واسمع كلمتي وتقبلها. هناك طريقان لا غير للمعرفة يمكن التفكير فيهما، الأول أن الكينونة كائنة ولا يمكن أن تكون غير كائنة، وهذا هو طريق اليقين، لأنه يتبع الحق. والثاني أن الكينونة غير كائنة، ويجب ألا تكون كائنة، وهذا الطريق لا يستطيع أحد أن يبحثه، لأنك لا تستطيع معرفة اللاكينونة ولا أن تنطق بها، لأن الفكر والكينونة واحد ونفس الشيء " هذا مقطع من قصيدة بارمينيدس " في الطبيعة " وربما هو أول من فكر الكينونة وإعطاها الأولية على ما لا يكون وما هو غير كائن، وقسم المعرفة إلى قسمين متعارضين، الحقيقة المطلقة الإيجابية من ناحية والرأي الذي ينخره السلب واللاكينونة من ناحية أخرى (la vérité, (ἀλήθεια) et l opinion (δόξα). لقد كان ذلك في القرن الخامس قبل الميلاد، ويبدو أن الفكر الغربي والفكر عموما مايزال سجينا داخل هذه الفكرة الفولاذية السميكة. فرغم وجود طريقان للمعرفة، فإن بارمينيس ألغى أحد الطرق وأقفل بابه بالمفتاح ووضع عليه حراسا ولم يترك لنا سوى طريق واحد يستحق أن نأخذه للوصول إلى غايتنا وهو طريق الحق والحقيقة واليقين والكينونة. وهو ما يتفق عليه اليوم جميع حاملي الإيديولوجيات المختلفة يمينية كانت أم يسارية وإن كانت تبدو متناقضة ظاهريا. فالحق والحقيقة هي كلمات مرادفة لله والقرآن والدين عموما عند المسيحي العادي والمتطرف، عند اليهودي المعتدل والأرثودوكسي المتشدد، عند المسلم العادي والسلفي والجهادي والقاعدي والداعشي. وهي من ناحية أخرى كلمات مرادفة للحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان عند الرأسمالي الليبرالي والإشتراكي والفاشي.
وهكذا يبدو أن الفكر المهيمن في هذا العصر المنكوب على العالم شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، هو هذا الفكر الممتليء بذاته حتى الحافة، الفكر المكتمل والذي ليس له داخل ولا خارج، منغلق على نفسه في وحدة مطلقة مكتف بنفسه لا يتخلله فراغ أو نقص من أي نوع. وهو الفكر الغير قادر على تجاوزنفسه لأنه فكر غير واع بذاته ـ إنه الفكر في ذاته ـ إن صح مثل هذا التعبير مثل الحجر والشجرة والجبل أو المحيط أوما يسمى بالطبيعة عموما. فكر مجمد ومتحجر ويابس وساكن وصامد في وجه الزمن، نفس الفكر القديم الذي تفوح منه رائحة الرطوبة والتعفن رغم أنه فكر مصقول ومعقم. وهذا الفكر المسطح الذي يتجسد في الرأسمالية المعاصرة وفي الفكر الديني عموما، الإسلامي والمسيحي واليهودي، إنه ليس فقط فكرا مجردا يتواجد نظريا في الكتب والدراسات والأطروحات الجامعية ومراكز الدراسات والبحوث والمؤسسات الفكرية والعلمية المتعددة، ولكنه يتجسد في هذا الإنسان الإيجابي، السيد المواطن المحترم الذي يؤمن بدينه ووطنه وقوميته، يحب أسرته وأطفاله وعائلته، المخلص لعمله أو للمهمة التي توكل إليه، يقوم بواجباته في خدمة المجتمع والمؤسسات التي تكونه كنسخة للمواطن الإيجابي المتفق مع جميع بقية المواطنين، يدفع الضرائب ويدلي بصوته في صندوق الإنتخابات كلما يطلبون منه ذلك ويشارك برأيه في المواضيع العامة المطروحة للنقاش السياسية منها والإجتماعية. إنه باختصار هذا الإنسان المتوسط والمعتدل الذي يحترم محيطه ومجتمعه وبيئته .. إنه الإنسان الذي يقبل كل الأوامر التي تأتيه من سلطة أعلى من سلطته. غير أنه لا يجب الإعتقاد أن هذا الإنسان الفاتر والباهت يخلومن العدوانية أو تنقصه الإرادة للتسلط، بالعكس من ذلك إن قلبه ممتليء بالكراهية والعنف والحسد ورغبة الإنتقام من كل من يقف في طريقه كعبقة لصعوده في سلم الرتب والمال والجاه. إنه هذا المواطن البسيط الذي ينفذ أوامر رؤسائه ويقود القطار الممتليء بالمواطنين اليهود إلى المحرقة، إنه نفس المواطن الذي يقود طائرة الجيش الأمريكي أو الفرنسي أو الإسرائيلي ويفرغ شحنتها المكونة من أطنان القنابل المدمرة على بيوت المواطنين العزل، ويعود في المساء ليتفرج على مباراة البيسبول أو كرة القدم مع زوجته وأطفاله على ركبتيه. وهو نفسه هذا المواطن الداعشي الذي يبعث بفرقة من الشباب في مقتبل العمر ليفجروا أنفسهم في وسط الأسواق العامة ويعود بعد صلاة العشاء ليمارس الجنس في الظلام مع زوجته أو زوجاته مسبحا مبسملا ومحوقلا.
هذا الإنسان بطبيعة الحال لا علاقة له بالعدم ولا بالعدمية لأنه كما سبق القول يستند إلى فكر إيجابي كينوني ممتليء بذاته. فكر يتقبل ولا يرفض، فكر ينفذ ولا يناقش، فكر متيقن ولا يتسائل، فكر ثابت متين كالفولاذ، لا يأتيه الشك من بين يديه ولا من خلفه. إته الفكر العالمي المسطح والمسيطر على كل العقول، تردده وسائل الإعلام والجرائد والمجلات الشعبية كما المجلات والدوريات الأكاديمية والجامعية. هذا الفكر هو فكر ما هو كائن وهو الفكر المنطبق مع ذاته، فهو في ذاته محاصر بذاته ولا يمكنه الإفلات من هذه الكينونة المكثفة، ولا يمكنه الخروج من هذه الإيجابية التي الفائضة تلتهم كينونته. والإنسان المنصهر في هذا الفكر لا يمكنه أن يقوم إلا بما هو واجب عليه القيام به، بما هو مخطط ومبرمج و" طبيعي "، لأنه إنسان طبيعي يطيع رغباته الأولية إلى حد معقول ولا يجازف أن يكون متطرفا في أي جانب من جوانب الحياة، فالحكمة الأولى هي الإعتدال. في منتصف القرن الماضي أطلق هربرت ماكيوز إسم " الإنسان ذو البعد الواحد " على هذا النوع من البشر، غير أنه بعد نصف قرن فقد حتى هذا البعد الوحيد وأصبح إنسانا بدون أبعاد، مجرد نقطة سوداء تهيم في الفراغ، كتلة من الكينونة العمياء، كائنة مثل حجر ينقصها الزمن والوجود.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 2 بين العدالة والحرية
- من أجل تحرير العدمية
- طفل خيّوس
- مذبحة خيّوس
- 5 - رحلة الست ساعات إلى خيّوس
- 4 - دموع التماسيح
- 3 - المركب السكران
- 2 - الرحلة الزرقاء
- 1 - صورة الطفل الغريق
- أسس قلعة بني داعش 5 - خريطة المستقبل
- أسس قلعة بني داعش 4 - محمد وحديثه
- عن أسس قلعة بني داعش 3 - الله وقرآنه
- عن أسس قلعة بني داعش 2 - الغزو والغنائم
- أسس قلعة بني داعش 1 - الله ومحمد والقرآن والسنة
- الكلمات التي تقتل
- عن الذباب والذئاب والندم
- رسالة إلى من يهمه الأمر .. خذوا آلهتكم ومدرعاتكم وغادروا
- حدود العقل .. 13 - الموت
- حدود العقل .. 12 - الفن
- حدود العقل .. 11 - العقل المنفصم


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - 3 الإنسان الإيجابي