أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الناصر حنفي - تقرير فني حول عرض -قول يا مغنواتي-















المزيد.....



تقرير فني حول عرض -قول يا مغنواتي-


عبد الناصر حنفي

الحوار المتمدن-العدد: 5249 - 2016 / 8 / 9 - 15:18
المحور: الادب والفن
    


إهداء:
هذا التقرير ليس "مجرد" مقال أو دراسة نقدية تقتصر على تحقيق أهداف جمالية، أو تقصي بنية المعنى أو تأويله عبر عناصر العرض المختلفة، أو إخضاع مساراته لعملية فحص منهجي تحلل تكويناتها وعلاقات كل منها بالأخرى.. الخ، وما إلى ذلك من المداخل النقدية التي تتعاطى مع العرض المسرحي بوصفه عملا جماليا ناجزا يظهر مرة وإلى الأبد في ليلة عرض بعينها، وكلها مداخل تعاني من عملية تخارج واغتراب تجاه العرض المسرحي بوصفه عملية أو سيرورة تاريخية تتكون في ظرف معين، وطبقا لنظام إنتاجي يفرض عليه أعباء أو خيارات ذات مردود جمالي مؤثر وربما حاسم.
إذا فبرغم أن هذا التقرير قد استند إلى هذا الحد أو ذاك إلى التقاليد والمنجزات المنهجية لبعض هذه المداخل النقدية، فإن نقطة انطلاقه مختلفة في طبيعتها بعض الشيء، فهو يستند في تعاطيه المنهجي هنا إلى تراث وتقاليد شكلتها حركة نقاد مسرح الثقافة الجماهيرية على مدار أكثر من خمسة عقود، حيث قام هؤلاء النقاد عبر عملهم بنفي اغترابهم عن العرض وتكوين منحى من التعامل والتحليل والتفكير فيه، ومعه، بحيث يمتد جهدهم ليشمل فحص خياراته التكوينية طبقا للأسس المهنية المعتمدة وليس فقط طبقا لمفاهيم جمالية أو مذهبية فنية ما دون غيرها، مع الأخذ في الاعتبار الفحص المستمر، أو المراجعة المستمرة لنظام الإنتاج، أو آليات القرار الإنتاجي.
ولهؤلاء الرواد العظام الذين تتلمذت عليهم وعملت معهم أهدي هذه الدراسة.


1- تقديم:
بالرغم من أن هذا العرض سيبدو أحيانا وفي لحظات قليلة ومحدودة وكأنه يقدم جملا مسرحية قد تكون "جيدة" بذاتها إذا ما تم فصلها عما قبلها أو بعدها، إلا أن تحليل هذه الجمل سيضعنا أمام حالة ما يسمى بالأفكار المتكسرة أو غير المكتملة أو المنقلبة على نفسها، أي تلك الأفكار التي لا تنضم إلى رؤية جمالية عامة للعرض، بحيث أنه ما أن تظهر حتى يتم الاستغناء عنها أو نسيانها، أو هجرها إلى فكرة أخرى، أو يتم تشويهها لعدم القدرة على استكمالها أو حتى إنهائها بشكل صحيح فنيا يحافظ على أثرها الدرامي: مثل مشهد العم "شرقاوي" مع الباشا والمأمور، وهو أفضل مشاهد العرض على وجه الإطلاق من حيث تصميم لحظة بدايته الخاطفة، فما أن ينتهي المشهد الذي يسبقه بخروج ادهم وبدران إلى الكالوس الأيسر، حتى يضاء الجانب الأيمن للخشبة مع دخول الباشا والمأمور وهما يواصلان حوارا لم نسمع بدايته، وفي نفس الوقت يهبط إفيه موسيقى يهيمن عليه إيقاع متسارع شديد القلق، وهذه الجمل المتزامنة في لحظة واحدة والتي لن نجد لها مثيلا في العرض بأكمله، حيث يتم استخدام حركة الممثلين والاضاءة، والحوار، مع الموسيقى التي تهيئنا مسبقا لتوتر المشهد، كل هذا الثراء الحسي يخلق مجموعة من العلاقات الجمالية المتعارضة بين ضيق المكان واتساعه المفاجيء، وبين سكون العم وحركة المأمور والباشا، وبين صمته وصخب الموسيقى .. الخ، غير أن كل هذا لا يستمر لأكثر من عدة ثواني نعود بعدها للحالة الحوارية التقليدية أكثر مما ينبغي والميزانسين المسطح شبه الساكن الذي يبدو وكأنه يثقل على أجساد الممثلين بوطأته، زد على ذلك ان المشهد ينتهي بخروج الجميع من نفس الكالوس الايسر الذي خرج منه ممثلوا المشهد السابق والذي يفترض أن مكانه هو بيت العم، بحيث سيحتار المتلقي أين يقع مكان هذا المشهد الذي رآه، وهل جاء الباشا إلى شرقاوي، أم ذهب شرقاوي إلى الباشا؟ ولكن إذا كان العرض نفسه لا يعتني بالتوقف عند الأسئلة التي يثيرها والتي يتعين أن يفكر فيها مخرجه قبل الجميع، فلا ينبغي توقع ان يكافئه مشاهده بما هو اقل من عدم اهتمام مماثل!
وأحيانا ما تكون تكلفة بعض هذه الجمل المسرحية باهظة على العرض وكأنك تهدم جدران البيت لتصنع من أحجاره مصطبة للجلوس أمامه!! وهو ما يتبدى بوضوح في حالتين على الأقل متصلتين بعنصر الإضاءة: مثل تلك البقعة الحمراء التي تظل تعمل على تشويه شكل الممثلين وهم يمرون أسفلها إلى أن تأتي لحظتها الصحيحة لتضيء رأس القاضي الذي يحكم على أدهم ليبدو وكأن دماء انسكبت فوقه فجأة!!، ومثل التضحية ببعض مصادر الإضاءة الشحيحة أصلا -خاصة إذا ما لاحظنا أن العرض يقام في فناء مفتوح- بحيث تبدو خشبة المسرح في حالة شبه معتمة طوال الوقت مقابل إضاءتها بأكملها في مشهد لم يتعدى زمنه الدقيقة -مشهد أدهم مع ارواح وهما يتطلعان تجاه الصالة لمشاهدة حريق زرع الباشا- وهنا تبدو الإضاءة القوية المفاجئة وكأنها ناتجة عن هذا الحريق، وبغض النظر عن الدلالة الدرامية التي تضع الحريق بين مقاعد المشاهدين فلا يوجد أي تفسير من أي نوع يجعل هذا "الإفيه" مبررا لإعتام معظم مشاهد العرض. مما يهبط بهذه الجمل "الجيدة" من كونها تمثل اجتهادا إلى مجرد إلماحات ناتجة عن "نقل" خبرة أو فكرة دون الوعي بشروط تكوينها وحدود استخدامها، والمشاكل التي تسببها للعرض.
وإجمالا: يعاني هذا العرض حالة من افتقار الخبرة "الأساسية" لمفردات المهنة في التعامل مع العناصر المسرحية، وهو ما يعود بالدرجة الأولى إلى مخرج العرض، ثم بالدرجة الثانية إلى بعض العناصر الفنية التي تكون فريق العمل، ومنها عناصر تعاني الحالة ذاتها من الفقر المهني وإن بدرجة أقل (خاصة الديكور والاضاءة والملابس)، كما أن منها اسماء طرحت اجتهادها ورؤيتها (مثل الملحن والشاعر ومغني الربابة)، ولكن دون أن يصب ذلك في تيار موحد يعمل لصالح العرض (وهي مسئولية المخرج أيضا)، بالإضافة إلى وجود عناصر لم تستثمر بالشكل الأمثل (مثل الممثلين بصفة عامة) وعناصر أخرى تم إنهاكها واستنزافها أكثر من اللازم (مثل الراقصين) دون ضرورة فنية أو حتى عملية، بل غالبا ما جاء هذا خصما من الرصيد الفني للعمل، والنتيجة أننا أمام عرض أقصى طموحه أن يحقق مستوى فني متوسط، وبالرغم من أنه فشل في هذا إلى حد كبير، إلا أن مجرد توقف الطموح الفني للعرض عند هذا السقف المتدني هو أمر لا يليق بفرقة محترفة ذات تاريخ كبير مثل فرقة السامر التي تعد واحدة من أقدم و"أعرق" الفرق العاملة في مجال المسرح المصري فضلا عن كونها الرأس المتوج والنموذج والمثال المفترض لجميع فرق مسرح الثقافة الجماهيرية.
وفيما يلي تحليل تفصيلي قدر الإمكان لبعض من أهم المشكلات التي تعين على العرض مواجهتها وأخفق في معالجتها، وفي كل فقرة سنبدأ بطرح طبيعة المشكلة وأثرها الدرامي العام على العرض لبيان كيف تظهر المشكلة وكيف يتم التعاطي معها أو تجاهلها.

2- عن النص ومعالجة العرض لعلاقاته ومشاكله:
اعتمدت هنا على نسخة للنص مؤرخة بـ (6 / 2 / 2006) و بها بعض الاختلافات عن نص العرض، مثل حذف مشاهد أو إضافة أخرى، أو إعادة كتابة بعض المشاهد، أو اختصارها... الخ، فضلا عن إضافة شخصية العم "شرقاوي" والد ناعسة، وحذف بعض الشخصيات الهامشية (مثل رجل 1، ورجل 2)، وتحويل بعض الشخصيات الرجالية إلى شخصيات نسائية (مثل بمبة، وأيضا زعتر الذي تحول إلى "نوف"!!)، إلى جانب تغيير كامل في المشهد الختامي، والذي يتضمن في النص المكتوب محاولة المأمور إغتصاب أرواح أمام الجميع مما يفضي إلى حالة ثورة تستولي على سلاح المأمور ورجاله، ولكتها تنكسر أمام الباشا ورجاله الأكثر عدة وتسليحا، ليختتم النص بصيحة تستدعي أدهم/البطل الميت، أما نص العرض فيحذف حالتي الثورة والانكسار معا (!!!) مستبقيا بعض التفاصيل الباهتة من المشهد الأصلي والتي تفضي بدورها إلى صيحة استدعاء أدهم الذي يلبي النداء من عالم الموتى، ويخرج أمام الجمهور ليلقي عظة مطولة بعض الشيء حول الفرد والمجموع و"كلكم أدهم"، ثم يغادر الخشبة ليبدأ استعراض الفينال.
ولن أناقش هنا الاختلافات بين نص العرض والنص المكتوب الذي رجعت إليه، فلأن هذا النص على حد علمي لم ينشر حتى الآن، بينما تم تقديمه في أكثر من عرض، فربما يكون المؤلف قد أعاد كتابته خلال السنوات السبع التي أعقبت الانتهاء من النسخة المذكورة (موقع النص المسرحي العربي المعاصر يشير إلى أن هذا النص كتب في 2010!!)، وربما شارك المخرج في إعداد نسخة خاصة لمشروع العرض، وهي احتمالات تتساوى مع أن يكون المخرج هو نفسه الذي أجرى هذه التعديلات طبقا لرؤيته، ولكن في كل الأحوال فإن نسبة التشابه هنا بين النص المكتوب ونص العرض تكاد تتجاوز الـ "80%"، ولذلك سأقصر تحليلي في علاقة العرض بنصه على هذه المنطقة المتطابقة بينهما، مع التوقف عند بعض الاختلافات لأغراض المقارنة فحسب. ولن يعنينا هنا تحليل ارتباكات النص في ذاتها، بقدر ما سنحاول رصد معالجة العرض لها.
والنص بسبب قصره اللافت (حوالي 30 صفحة !!) لا يتطلب سوى قراءة سريعة للوقوف على مشاكله البنيوية والهيكلية، والتي تنبع من رهاناته الجمالية ومنطلقاته الدرامية، أي أنها ليست مجرد أعراض بسيطة يمكن حذفها دون أن يتأثر النص، وهو ما يعني أن المخرج الذي اختاره كموضوع لمشروعه المسرحي قد درس مشاكله ووقف على كيفية معالجتها على نحو بدا مقنعا للجهة التي أقرت له بجدارة تحويل هذا المشروع إلى عرض للفرقة المركزية (السامر)، غير أننا لن نجد في تعامل المخرج مع النص ما يؤكد مثل هذه الافتراضات البديهية.
فبداية من تعثر المخرج في معالجة بعض التطورات الدرامية (مثل المأمور الذي يبدأ مشهدا بالدفاع عن أرواح ضد العمدة ثم ينهي هذا المشهد وهو يصر على اغتصابها أمام الناس!! دون ان يستعمل المخرج أدواته في تفسير هذا التحول للمتلقي)، أو التعامل بحيادية مع مشهد مدمر لبنية العرض (مثل المشهد الذي يجسد حكاية بدران مع أدهم ولكن من وجهة نظر بدران المناقضة لوجهة النظر التي يتبناها العرض في مشاهده السابقة كلها بحيث مر هذا المشهد وكأنه مجرد امتداد طبيعي لحكاية العرض وليس لحظة تحول مختلفة)، أو فشله في تجسيد مكان الأحداث (المولد) مسرحيا، بحيث اكتفى بأن تتردد كلمة المولد في الجمل الحوارية ولم يعي –أو نسى- أن هذه الكلمة تفرض علاقات بعينها على شخصيات العرض على الأقل باعتبار أن أغلبهم يعملون بالمولد ولم يأتوا إليه لمجرد الدردشة، بل أن النسيان هنا وصل إلى حد سماحه بجلوس بعض الممثلين على المستوى العلوي للخشبة والذي بدا وكأنه رصيف أو مصطبة للجلوس!!، بالإضافة إلى أن المخرج لم يدرك أن النص لا يتضمن شخصيات مسرحية بالمعنى التقليدي بقدر ما يتضمن عناصر حكائية، وعدم إدراك هذه النقطة جعله لا يهتم بمساعدة ممثليه على تطوير طريقة أداء مناسبة، أو حتى مقبولة!!
كما أضاف المخرج استعراضا عن السجن دون أي ضرورة درامية، فالسجن لم يرد له ذكر لا في النص ولا في العرض، وهو نتوء زاد من مشاكل العرض وضاعف من أزمته في التواصل مع متلقيه.
أما أكثر النقاط إثارة للدهشة في معالجة المخرج للنص فهو مشهد النهاية، حيث جرى –كما أشرنا سابقا- طمس معالم المشهد المكتوب في النص، والذي ينطوي على حالة ثورة وانكسارها (وهو ما قد يراه البعض متلامسا بشدة مع اللحظة الاجتماعية والسياسية التي نمر بها) ليعيد صياغة المشهد بوصفه منولوج متبادل بين بطل وبطلة العرض بينما بقية الممثلين في حالة ثبات تام (فيكس كادر)، وهو ما جاء ضد المنطق الدرامي للنص والذي بشر بهذه الثورة أو التمرد المسلح في سطوره الأولى، بينما يحاول المشهد الختامي تحقيق هذا التنبؤ وتحفيز جموع الشعب والتأكيد على دورهم، أما ختام العرض فقد جمد من يمثلون هذه الجموع وترك الحديث للبطل الفرد!!، ولا يمكن تفسير تعديل الختام على هذا النحو من أي منظور درامي متوازن، ولكن –ربما- يمكن فهمه بوصفه انصياع للتقاليد المسرحية العتيقة التي كان يتمسك بها مسرح القطاع الخاص حيث يتعين أن يقول نجم العرض كلمته الأخيرة للجمهور، وربما واجهت المخرج مشكلة حيث أن العرض –من وجهة نظره على الأقل- يتضمن بطل وبطلة!! والبطل "أدهم" قد مات قبل مشهد النهاية، وترك المشهد بكامله للبطلة وحدها قد يثير مشاكل ما!! ولكن يبدو أنه قد استطاع التغلب على هذه الأزمة عبر بعث "أدهم" من الموت (عشان يقول منولوجه ويبقى البطل زي البطلة).
كل هذه المشاكل (بالإضافة إلى مشاكل أخرى قد تكون أكثر أهمية سنتعرض لها تفصيليا في الفقرات التالية) تشير بوضوح إلى إخفاق المخرج في معالجة النص.

3- الالتباس الصوتي والتشويش الدرامي:
أول مهام أي مخرج مسرحي هو أن يتأكد من سلامة التواصل الحسي مع مشاهده، وأن يتيح له أن يسمع ويرى بالوضوح المطلوب لمواصلة التفاعل مع العرض، وأن البنية الصوتية السليمة للكلمة تصل إلى سمع المتلقي دون أي انحراف أو تشتيت، بحيث يصبح المعنى البسيط المباشر للفظ بادي الوضوح دون أي التباس، وإلا سيبدأ المشاهد في مساءلة حواسه عما سمعه حقا، وسواء عثر على إجابة ترضيه وتدفعه إلى متابعة العرض، أو شطح في أي اتجاه آخر، فإنه في كل الأحوال سيفقد انتباهه الحسي، وسيحتاج إلى مزيد من الوقت والتركيز ليعود إلى حالة التلقي، وإن لم يفلح أو لم يجد ما يشجعه على ذلك فإن العرض سيتحول بالنسبة له إلى حالة من الهمهمة التي لا تطاق. وأداء المخرج لهذه المهمة في الحفاظ على الانتباه الحسي لمشاهده هو أمر مهني بحت وشديد الأولية ولا علاقة مباشرة له بمستوى إبداعه أو أساليبه الفنية.
ومن الطبيعي أن اهتمام المخرج بالتوصيل الجيد للكلمة الملفوظة سيتضاعف كثيرا عندما يصبح أي انحراف صوتي بها مؤثرا ليس فقط على صحة ما تنقله من معلومة أو ما تشير إليه حول حدث ما، ولكن أيضا على تفسيره لشخصياته وطبيعة العلاقات والصراع الدرامي، فعدم السيطرة هنا على الانحراف الصوتي سيعني مباشرة حالة من التشويش الدرامي التي تدمر العرض من داخله، ومهما كان المخرج متسامحا –أو حتى مهملا- تجاه أخطاء آلة النطق لدى ممثليه، أو الالتباسات الصوتية للألفاظ فإنه عادة ما يكون صارما تجاه تلك الالتباسات التي تسبب تشويشا دراميا. ولنقل أن وعي المخرج بمثل هذه المزالق هي الحدود الدنيا للمهارات أو الخبرات "المهنية" المفترض تمتعه بها.
وللأسف فإن العرض يقع في أكثر من حالة من حالات الالتباس الصوتي، وسنكتفي هنا بتحليل أهمها. وهي لفظة "عاشقها" التي جاءت على لسان "بمبة" تعليقا على المشهد الصراعي بين "أرواح" والمأمور، والمخرج لم ينتبه إلى أن هذه اللفظة حين تقال بالعامية "عاشئها" تصبح شديدة القرب في الأذن للفظة "عشيقها" أو عشيئها" ففتح العين (دون التأكيد على المد كما هو الحال في العامية) وكسر الشين في اللفظتين يجعلهما شديدي الاقتراب من الناحية الصوتية، أما دراميا فبينهما بون شاسع، فلفظة "عاشقها" قد تدل على رغبة من طرف واحد، أما "عشيقها" فتدل على علاقة مكتملة –وكاملة- بين طرفين ناهيك عن دلالتها الجنسية الفاضحة، إذا فهذا الاختلاف الصوتي البسيط قد يحول شخصية "أرواح" من مجرد غازية إلى عاهرة تهرب من ماضيها الذي لا يقول عنه العرض أي شيء، وما سيؤكد هذا الانحراف السمعي لدى المشاهد هو أنه يأتي في سياق جمل حوارية توحي بوجود أمر ما بين ارواح والمأمور "لا يمكن" نسيانه بالنسبة لشخصيات العرض الأخرى، حيث يدور الحوار كالتالي:
بمبة: عاشقها، والا أنت ناسى
زعتر(او نوف): أنسى إزاى ، هو ده يتنسى
أما في العرض فقد تم تنفيذ هذا المشهد كالتالي:
بمبة: تتحرك من اليمين الى اليسار لتلتف حول "نوف": يا بت عاشئها .. عاشئها (تلطم خديها) انتي ناسية ولا إيه؟
نوف: (تلوح بكفيها وتحرك شفتيها دلالة على شيء يبدو وكأنه مشين) وهي دي حاجة تتنسي.
وفي النص المكتوب تأتي هذه الإشارات لتهيئة المتلقي لمشهد تالي (أقدم زمنيا) يقوم فيه أدهم بإذلال المأمور حين حاول مغازلة أرواح، أما في هذا السياق فسيتأكد لدينا أن ما سمعناه هو لفظة عشيق بدلالتها النابية، وربما سينعكس هذا الانحراف ليس فقط على فهمنا لشخصية أرواح، ولكن أيضا على طبيعة شخصية أدهم، فهل هو غافل عما يبدو أن الكل يعلمه، أم أنه يتجاهل أو يغفر هذه العلاقة المحرمة ويعتبرها مجرد ماض لا يخصه؟ ولماذا لا يستغل بدران أو ناعسة (الحبيبة المهجورة من أدهم) هذا الأمر، بينما كلاهما يرفض وجود هذه الغازية في حياة أدهم، بل ولماذا لا يستغل أعداءه هذه المعلومة في الإساءة إليه، والنيل من سمعته، هل نحن أمام صراعات تلتزم بالأخلاق أكثر مما نعتقد، ...الخ، وهو ما سيسبب ارتباكات شديدة في فهم المتلقي للعديد من المشاهد التالية (هذا إن ظل راغبا أو قادرا على متابعتها بنفس الاهتمام) وهذا التشويش سيمتد إلى مشهد النهاية، حيث ذروة الحدث/الأزمة هو محاولة المأمور اغتصاب ارواح، وإذا لم يكن المشاهد متعاطفا فإن هذه النهاية ستبدو بالنسبة له اشد برودا مما يريد لها العرض أن تكون.
وإذا كانت هذه هي درجة اهتمام، أو بالأحرى عدم اهتمام، المخرج بلفظة على هذا المستوى من التأثير، فلنا أن نتخيل مدى اهتمامه بما هو أقل في التأثير!! وهو ما يشي بعدم تمكن المخرج من السيطرة على هذا المستوى البسيط للغاية من التواصل الحسي، مما يعني غياب مهارات أساسية تتعلق بأبجديات المهنة نتج عنها عدم القدرة على ملاحظة هذه المشكلة في عرض استمر أكثر من 25 ليلة، ناهيك عن أن حلولها –التي لم يفكر فيها أحد- هي أكثر بساطة وتداولا إلى حد البداهة التي لا تستدعي أن نعددها هنا.

4- بعض مشاكل تنفيذ جزء بسيط من مشهد بسيط:
لنقرأ معا هذه التفصيلة الجزئية في مشهد إذلال أدهم للمأمور عقابا له على مغازلة أرواح:
ص أدهم: بعيد عن شنبك المدلدل لسيادك يا عبد المأمور
( يدخل أدهم وبدران بسلاحيهما )
بدران إرمى سلاحك يا واد أنت وهو
(يلقى الجنديان أسلحتهما دون تردد ويرتجفان فى خوف)
وبالطبع هناك عدد لا نهائي من طرق تنفيذ هذه السطور على الخشبة، والدرجة صفر منها هو تنفيذ ما يقوله النص حرفيا!!، ولكن العرض اختار الطريقة التالية:
-يدخل أدهم وبدران من جهتين مختلفتين أثناء حوار المأمور مع أرواح، أدهم يسير حتى منتصف الخشبة تقريبا، أما بدران فيستقر في الخلف تجاه الجانب الأيمن، وكل منهما يمسك نبوته، أو عصاه.
-أدهم يصيح: بعيد عن شنبك المدلدل يا كلب السراية المدلدلة (!!)، ثم يندفع الخفيران (أحدهما مسلح ببندقية) بطريقة أو بأخرى إلى بدران الذي ما أن يلمسهما بعصاه حتى يشل حركتهما (وتتغير هذه الطريقة بين ليلة عرض وأخرى لتفضي إلى نفس النتيجة، وهو ما يعني وجود مجرد سيناريو عام يتبعه الممثلين لتنفيذ المشهد، ولكن دون وجود خطة كريوجرافية دقيقة تم التدريب عليها)، ويستكمل بقية المشهد والخفيرين راكعين أمام بدران مستندين بظهورهم إلى ساقيه، وكأنهم أطفال يهجعون في حضن أمهم!! فيما يمدد بدران نبوته أمام أعلى صدورهم وهو منشغل بالحوار مع أدهم!!
وهنا نصبح أمام عدة أسئلة تفصيلية ليست أقل مللا مما طرحناه من قبل:
-لماذا جرد المخرج بدران وأدهم من تسليحهما المكتوب في النص، والذي يكفل لهما إمكانية تصويبه فور دخولهما وتهديد الخفر عن بعد واستبدله بعصي أو نبوت؟ وأيضا لماذا احتفظ لأحد الخفراء ببندقيته التي تجعل أدهم وبدران في موقف أضعف؟ لماذا لم ينزع سلاحهم جيمعا، أو يسلحهم جميعا؟ ولماذا ترك هذه البندقية الوحيدة مع أحد الخفراء ليسبب لنفسه مشاكل كبيرة في تنفيذ مشهد يبدو بسيطا للغاية في النص؟
والإجابة هنا فد تبدو واضحة حتى وإن كانت غير مقنعة على الإطلاق، ففي نهاية المشهد سيتفاخر بدران باستيلائه على أحد بنادق الداخلية، وهي جملة ساخنة، ربما لم يشأ المخرج أن يحذفها، فكان لزاما عليه تصنيع إكسسوار بندقية واحدة على الأقل ليحتفظ بجملته، أوربما لأن الحوار يشير أكثر من مرة إلى "بندقية الادهم"، وكذلك سلاح بدران في مشهده مع العمدة، وبالتالي رأى "المسئول" عن تصنيع الاكسسوارات ضرورة وجود بندقية واحدة على الأقل!!، حسنا، ولكن ما الذي منعه من تصنيع البنادق الأربع حسبما يقتضيه المشهد؟ يبدو أنه أمر يتعلق بالميزانية التي عانت من إسراف في ناحية وتقتير في نواحي أخرى، وربما كان هذا هو نفس السبب الذي أجبر المخرج على استبدال الجنديين (كما يقول النص) بخفيرين، فقد كانت هناك معاناة في توفير بزة عسكرية لائقة للمأمور (وهو ما سنتوقف أمامه عند تحليل عنصر الملابس) فما بالك بتوفير زي الجنديين الذي ينبغي أن يكون اقل بهاءا مما يرتديه قائدهما، ولم يهتم أحد هنا بمعلومة بسيطة تقول أن شيخ الخفر يرأس خفرا ويتحرك معهم، أما مأمور المركز فيرأس جنودا وضباطا. ولكن بغض النظر عن هذا كله، لماذا لم يحاول المخرج تصميم جمل كريوجرافية تجعل هذا المشهد مقبولا أو مستساغا، مثل أن يتسلل أدهم وبدران خفية خلف الخفيرين، ويتصارعان معهما إلى أن يشلا حركتهما ويقوما بتقييدهما ثم يتفرغا لتلاوة جمل الحوار؟ (وهذا ليس حلا إبداعيا يقتضي مخرجا متمرسا، بل هو تنفيذ مباشر من المستوى صفر) ربما لأن هذا كان سيحرم أدهم من جملته الحوارية ومن هجومه المباغت على مقدمة الخشبة ووقوفه بجوار ارواح ليحميها!!، حسنا يبقى سؤال أخير: لماذا لم يخرج المأمور مسدسه لمواجهة الموقف؟ هل لأن النص لم يلتفت لهذه النقطة إطلاقا، ولم يذكر شيئا عن تسليح المأمور؟ ولكن المأمور في العرض يرتدي على وسطه حزاما به جراب مسدس، ورد الفعل الطبيعي لأي إنسان يحمل سلاحا ويتعرض لتهديد هو أن يحاول استعماله، فما بالك برجل أمن يفترض أنه معتاد على استخدام السلاح؟ وإذا كان المأمور قد "نسي" وجود السلاح معه، فلماذا لم يطالبه "خفراءه" باستعماله لإنقاذهم قبل إنقاذ نفسه!!، والأكثر فداحة أن المخرج قد صمم حركة أدهم في هذا المشهد بحيث يسير فوق الخشبة يمينا ويسارا معطيا ظهره للمأمور أحيانا في اطمئنان كامل، بحيث سيبدو وكأن المخرج يترك متلقيه يشعر أنه وحده الذي يرى "مسدس المأمور" وأن بقية الشخصيات فوق الخشبة لا تراه على الإطلاق، مما يجعل هذا المتلقي يشعر بحالة اغتراب عن العرض!
وبوجه عام فإن رصد كل هذه المشاكل في جزء من مشهد مسرحي لا تتجاوز مدته نصف الدقيقة يشي بوضوح عن تدني درجة سيطرة المخرج على تفاصيل مشهده، وعدم قدرته على تحليلها واكتشاف مشاكل تنفيذها "البسيطة"، وكذلك عدم وعيه بما يضيفه أو يحذفه غياب أو حضور قطعة إكسسوار (مثل البندقية أو المسدس) إلى علاقات المشهد المسرحي. والنقطة الأخيرة شديدة الخطورة لأنها تعني أن هذا المخرج يرى المشهد الذي يصنعه بوعي أقل من وعي المتلقي العادي! ويبدو أن الحديث هنا لم يعد يقتصر على أبجديات المهنة المسرحية لدى المخرج بقدر ما يمس قدرته على التلقي المسرحي.

5- الوعي بتغير المنظور أو الصوت الدرامي:
ينطوي النص المكتوب على مجموعة كبيرة نسبيا من الشخصيات التي تقوم بمهمة الراوي أو المعلق، فلدينا قناوي، وأرواح، وبمبة، وزعتر (نوف)، والمهرج، وفيما بعد سينضم إليهم العمدة، أما في العرض فسيضاف إليهم مغني الربابة (وهو مجرد تقسيم لشخصية قناوي دون مبرر درامي واضح)، إذا فلدينا سبع شخصيات تقوم جميعها بنفس المهمة تقريبا، وهو التعليق على الحكاية الأساسية، واستعادتها، والتمهيد لمشاهدها التالية، و رغم اختلاف اتجاه التعليقات أحيانا إلا أنهم جميعا يتعاملون مع الحكاية نفسها، ومن المنظور نفسه، وكأنهم مجرد درجات مختلفة لصوت واحد، بما في ذلك العمدة الذي لا يختلف سوى في صرامة إدانته لادهم. ويبدو أن المؤلف قد شعر بالقلق من حالة أحادية الصوت المسيطرة على نصه، فقرر فجأة أن يقدم مشهدا من منظور بدران على نحو يجسد تعليقاته المتتالية التي ترفض اتهامه بخيانة أدهم، وربما شعر أن هذا سيمثل نتوءا حادا في النص فاختار أن يمهد لذلك بتعليق من قناوي
:"وأنت عملت أيه ، قول ، ما أهى الليلة مش ليلة المغنواتى، الليلة ليلة بدران".
وعبر هذه الجملة سيبدو المؤلف وكأنه يضع خطا ثقيلا تحت ما سيجسده بدران باعتباره خروجا عن صوت "المغنواتي" المهيمن على العرض، ولا أعتقد أن هذا كان حلا موفقا على وجه الاطلاق، ولكنه على الاقل يشير إلى درجة ما من الوعي بالمشكلة، وهو ما لن نجده في العرض نهائيا، فمشهد بدران يتم تقديمه دون أي تمهيد واضح للمتلقي بحيث يهيئه أنه سيرى هذه المرة، وهذه المرة فقط، رواية مختلفة تماما عن كل ما قدمه العرض حتى هذه اللحظة، بل وعن معرفته المسبقة بطبيعة شخصية بدران في الحكاية الأصلية لأدهم الشرقاوي.
عموما يتم تنفيذ هذا المشهد كالتالي:
عقب مشهد أدهم مع ارواح وهما يشهدان معا حرق ارض الباشا تظلم خشبة المسرح للحظات، ثم يضاء المستوى الاعلى من الخشبة ليبدأ مشهد بدران مع العمدة دون أي تمهيد!!
(في ليال عرض أخرى كان يتوسط المشهدين حوار لبدران يحاول فيه تبرئة نفسه من خيانة أدهم، ثم يعطيه قناوي تصريحا برواية حكايته على نحو مشابه لما ورد في النص المكتوب ولكنه أقل وضوحا بكثير من الجملة المكتوبة).
وربما كانت هناك قناعة ما لدى المخرج والمؤلف أن اختلاف اتجاه التعليق أو مضمونه يبرر بذاته اختلاف منظور الحكي، وهو أمر غير صحيح داخل البنية الدرامية نفسها، فتعليقات العمدة مختلفة، أما حكايته فمتطابقة، ناهيك عن أن التعليق هنا طول الوقت يلعب دور التكأة لاستعادة الحكاية، ولكنه لم يرتقي قط إلى محاولة تفسيرها، فهو دائما يقبع أسفل الحكاية أو حتى محايثا لها، ولم يستطع ولو للحظة أن يراها من خارجها، ولذلك لم يستطع النص ولا العرض استغلال التعارض بين حكاية بدران والمغنواتي في بلورة صراع درامي يحتفي بتعدد هذه الاصوات، بل اكتفيا بالمرور عبرها، ثم تجاهلها، فالمشاهد التالية لن تتأثر بخلخلة الحكاية الأصلية التي ستظل تمضي في مسارها السابق الأحادي الصوت.
ونتيجة لأن المخرج لم يعي مشكلة هذا المشهد، واكتفى بتنفيذه دون أن يلتفت إلى التمهيد الحذر والمتردد للمؤلف، فضلا عن عدم الوعي الواضح بالفارق الهائل في الأثر الحسي لدي المتلقي بين السماع أو الإخبار عن شيء أو التعليق عليه، وبين أن يراه مجسدا أمامه، لذلك كله أنتج هذا المشهد حالة تشويش هائلة لدى المتلقي، فقبل دقائق قليلة كان يرى بدران يقايض على تسليم أدهم للعمدة (فيما مغني الربابة يؤكد على جريمتهما البشعة ويقارنها بقتل "الحسين")، بينما الآن يقوم العمدة بتعذيب بدران لتسليمه أدهم، وبالتالي يحتار المتلقي بين مشهد يؤكده مسار العرض بأكمله والمعرفة المسبقة بدور بدران في الحكاية الأصلية، ومشهد آخر يقول شيئا مختلفا تماما، ولذلك فمن الطبيعي أن يشعر المتلقي بحيرة وارتباك واغتراب عما يراه على نحو يفقده التواصل وربما الاهتمام بما يقدم أمامه. ولم يكن العرض ليخسر كثيرا بحذف مشهد تجسيد حكاية بدران والاكتفاء بأن يقوم هو بروايتها على لسانه، بالعكس، كانت خسائره ستقل بعض الشيء، ولكن المخرج لم يختر هذا الحل البسيط، ولم يهتم بالبحث عن حلول أكثر إبداعية، والأرجح أنه لم يستشعر وجود مشكلة بالأساس!

6- قراءة وبناء الشخصيات: حالة التمثيل.
النص المكتوب ليس به ما يمكن أن نطلق عليه شخصية مسرحية بالمعنى المألوف، فكل ما لدينا هو مجرد عناصر حكائية، وليس لأحدها تاريخ أو ماضي أو ذكرى خاصة به خارج الحكاية، ولن نلمح أحدهم يبدي رغبة أو موقف يميزه عن الآخرين، لا يوجد صراع أو هموم أو قلق أو حتى مشاعر أو تعليق أو استعادة أو استحضار لأي شيء خارج التطلب المباشر للحكاية وطبقا لمقتضياتها، ما لدينا هنا هو مجرد "أشخاص" دون وجود يخصهم، أشخاص مسطحون بشدة دون أدنى إشارة لعمق ما يمكن أن يكون قائما خلف حضورهم الظاهر، يدورون داخل فلك حكاية ضيقة –على نحو خانق- في مداها الزمني وتوزيعها المكاني، وربما لاحظ المؤلف ذلك فحاول أن يضفي بعض الاتساع على هذا العالم عبر مشهد يرويه بدران حول علاقته بأدهم أثناء فترة دراستهما، وسواء كان المخرج قد حذف هذا المشهد، أم أن المؤلف فعل ذلك وأقره المخرج، فإن كلا الاحتمالين يشير إلى حالة من الوعي بضيق العالم وانحصاره، ولكن يبدو أن هذا الوعي لم يمتد ليشمل التفكير في كيفية مواجهة إشكالية وضع هذه الشخصيات، أو العناصر الحكائية، المسطحة فوق خشبة المسرح، حيث افترض المخرج تمايزا غير موجود بينها أصلا، واكتفى بمجرد توزيع أطقم الملابس عليها على نحو غير متوازن، بينما كان شحيحا للغاية في استخدام الإكسسوارات المسرحية التي تلمح لطبيعة الشخصية!! (مقابل الانفاق على بعض القلادات الزخرفية وباروكة شعر برتقالية اللون!)، ولم يحاول خلق مجموعة إيماءات، أو حالات انفعالية خاصة، أو طبقة صوتية معينة تميز ممثلا عن الآخر بشكل واضح، ولم يلجأ أيضا لاستغلال حالة عدم التمايز تلك كمدخل لتدوير ممثليه عبر أكثر من شخصية في إطار التعامل مع العرض وكأنه لعبة مسرحية، أو أي إستراتيجية مسرحية أخرى قادرة على التعاطي مع مشكلة تسطح شخصيات العرض، والنتيجة أننا أصبحنا أمام مجموعة من الممثلين لا يحددهم سوى شكلهم البصري ثم ما يقولونه من جمل حوارية، وهذه الحالة سنجدها بأوضح صورها مع مجموعة السرد الأساسية، فباستثناء "ارواح" (وهي مركز الحكاية كلها والتي تدور حولها بقية العناصر) سنجد صعوبة شديدة في الإحساس بتمايز "بمبة" عن المهرج مثلا، ولن نعرف هل نحن أمام مهرج وبلياتشو سيرك يأتيان من مكان وزمان ما خارج إطار الحكاية؟ (وهو ما لن نجد له أي تأكيد درامي)، أم أننا أمام أشخاص ضلوا طريقهم على نحو ما حتى وقعوا أسرى هذه المنطقة الزمنية التي تشكل ساحة ما يقال لنا أنه "مولد". والأمر أكثر فداحة بالنسبة لشخصية "نوف" (زعتر)، والتي لن نعرف اسمها إلا من بانفلت العرض، فقد يوحي شكلها البصري أننا أمام غجرية، ولكننا لن نرى أبدا ما يؤكد هذا، وكذلك قناوي، الذي يرتدي ملابس تشير إلى أنه درويش ولكن ما يقوم به يظل محايدا تجاه هذا الإيحاء، وفي النص المكتوب "قناوي" هو المغنواتي الذي يقود الحكاية، أما في العرض فقد انقسم إلى الدرويش ومغني الربابة، مما جعل حضوره في العرض أكثر بهوتا مما هو عليه في النص.
وهكذا فقد فاقم المخرج من فداحة تسطح شخصيات النص عبر طريقة تعامله معها حيث وضع مقابل كل اسم جاء أمام جملة حوارية ممثلا محددا حتى وإن كان لن يظهر على الخشبة سوى للحظات محدودة، أو كان كل ما سيتلوه هو جمل قليلة، وهو ما يعني أن المخرج افترض أن هذه الشخصيات مميزة في النص بذاتها وليست مجرد عناصر حكائية تحتاج إلى منحى إخراجي مختلف تماما.
وما زاد من أزمة عنصر التمثيل في هذا العرض هو خطة الحركة البدائية والخشنة التي وضعها المخرج، حيث تقتصر الحركة في أغلبها على الممثل صاحب جملة الحوار ويتم نسيان باقي الممثلين على الخشبة، وكأن الأمر يكاد ينحصر في تسليم الكيوهات أو حتى رميها. وفيما فرض تقسيم الخشبة إلى مستويين تقليل مساحات التمثيل لكل مشهد بحيث بدا الميزانسين مسطحا وبلا عمق، فإن المشاهد التي تضمنت مواجهة شخصية لأخرى غلب عليها إلتفاف جسد ممثل حول جسد ممثل آخر، أو الاندفاع تجاهه، أو الوقوف أمامه في تحدي، وهكذا، فلن نجد غالبا في تصميم المشاهد سوى حركة بسيطة وتكرارية لا تهدف سوى لملء الفراغ، أو حركة تترجم النقطة الحدية في صراع الشخصيات بصورة أولية تنقصها الحساسية.
وبالتالي يمكننا القول أن عنصر التمثيل في هذا العرض لم يستثمر، ولم يجد الممثلون خيط أو طريق للدخول إلى أدوارهم على نحو يعطيهم الخيال الكافي للابداع، فظهر أغلبهم في أداء غير منتظم تكاد تقوده ميولهم الشخصية وحالتهم المزاجية، ففيما حاول بعضهم أن يجعل صوته قويا ومسموعا أكثر مما هو واضح، أو أن يلقى بجملته الحوارية وكأنه يتخلص منها، حاول آخرون تعبيد طريق بسيط في أداء الشخصية دون جهد كبير (مثل ممثل دور أدهم)، أو التقاط خيط انفعالي للشخصية وتثبيته (مثل ممثلة دور أرواح التي حاولت التأكيد على حس الفقد والتلهف في الشخصية)، وفيما لم يهتم أغلب الممثلين بحالة توزيع طاقة اجسادهم، فبدوا وكأنهم يقفون في تراخي منتظرين "الكيو" فإن بعضهم كان ينشغل احيانا بتعديل غطاء الرأس مثلا، أو يتهدل وجهه ... الخ. وكل هذا يدل على عدم بذل المخرج للجهد الكافي لقيادة ممثليه أكثر مما يشي بحقيقة مستوى هؤلاء الممثلين، فمثلا ممثل دور بدران الذي عانى عبر أغلب مشاهد العرض من ارتباك ما تجاه الشخصية التي يؤديها سنجد أنه قد عثر على نفسه فجأة في لحظة رقصته التي يؤديها فوق جثة أدهم، وبدا مسيطرا على جسده وهادئا بلا توتر بحيث أن تعبيرات وجهه البسيطة أصبحت فجأة واضحة للمتلقى!!

7- لغة النص:
اللغة المكتوب بها النص تكاد "تبدو" وسطا بين الشعر والنثر، وذلك ليس لغلبة الطابع الشعري وإنما لميلها إلى قلة التحديد، فأغلب الجمل الحوارية في مشاهد النص تنزع نحو وصف موقف الشخصية أو تأكيده عبر تشبيه تلو الآخر، وبالتالي فنحن لا نتقدم كثيرا مع تتالي الجمل نحو تصاعد الصراع أو معرفة المزيد عن طبيعة العلاقات بين شخصيات المشهد، وعلى سبيل المثال فلو أن مشهدا ما مكونا من صفحة أو أكثر، فقد لا نحتاج سوى لجمل قليلة يمكن عبرها قول كل ما ينبغي علينا معرفته لفهم ما يقدمه المشهد وعلاقته بما قبله وتأثيره فيما بعده، أما بقية السطور فسنجد أنها في أغلبها مجرد وصف للموقف "الرئيسي" للمشهد (دائما موقف واحد وليس أكثر) أو تأكيد وإصرار عليه، وهو ما يجعل اللغة بشكل عام أميل للطابع الغنائي، الذي يفترض أن يدفع المتلقي للتأمل في المعرفة القليلة التي تقدمها، ومثل هذه الحالة التي تسبغ شيئا من الجمود على الخشبة وتؤدي إلى بطء الإيقاع تعتبر مشكلة درامية كبيرة أمام أي مخرج، مثلما تعتبر أيضا فرصة في تكثيف استخدام أدواته المسرحية لخلق حالة جمالية خاصة، سواء عبر أسلبة الأداء اللغوي للممثلين، أو تطوير جمل مسرحية يستخدم فيها المخرج كافة العنصر المتاحة له بصورة متزامنة على نحو يكفل تحقيق فيض من التفسيرات الجمالية لمكونات المشهد .. الخ.
غير أن العرض قد أفلت هذه الفرص في معظم الحالات، بحيث جاء الأداء اللغوي في مجمله رتيبا، باستثناء بعض اجتهادات الممثلين في تلوين أصواتهم أو إطلاق انفعالاتهم حسبما يقتضيه الموقف، ونادرا ما سيشعر المتلقي أن ما يشاهده فوق الخشبة يضيف إليه جديدا لم تقله كلمات الحوار، أو يعطي لها أبعادا درامية أكثر عمقا وثراءا. وهنا ملمح آخر يشير إلى الفقر الحسي والفني للعرض الذي جاء على نحو لا يكفل المحافظة على انتباه المتلقي واهتمامه بالتواصل مع العرض من بدايته وحتى نهايته.
8- الديكور:
قرر مصمم الديكور أن يستولي على الفضاء البصري بأكمله، و أن يجمده دون أي تغيير تقريبا منذ اللحظة الأولى وحتى نهاية العرض، متبعا ما يمكن تسميته بطريقة الديكور الإطار أو البرواز الثابت، وهي طريقة تعاني من فقر جمالي ودرامي بطبيعتها، ومهما كان ابداع الافكار فيها فإنها تستهلك بصريا عند لحظة معينة من العرض، بحيث تتحول في المدة الباقية إلى مجرد ثرثرة من يقول ويكرر ما سبق أن قاله، ولا يمكن الحيلولة دون وقوع العرض في هذا الفخ الجمالي البغيض إلا عبر تفعيل خطة اضاءة قوية تبرز ملمحا جديدا في الديكور الثابت عبر تعاقب المشاهد، أو عبر تصور سينوغرافي مبدع لمخطط توزيع الممثلين فوق الخشبة مجدولا في إطار رؤية كوريوجرافية ثرية ومتنوعة (بحيث يمنح هذا التنوع اتساعا بصريا ودراميا لعنصر الديكور ويخفف من ثرثرته المزعجة)، أو الرهان على حالة تمثيلية قوية ومبدعة تجذب اهتمام المتلقي ... الخ. غير أن العرض لم يعثر على أيا من هذه الحلول.
وعموما فقد اختار مصمم الديكور ان يبني تصوره انطلاقا من مفهوم شكلي مبتسر للمولد بوصفه (من وجهة نظره) المكان المركزي للحكاية، فملأ أعلى الصالة بحبال يتدلى منها الورق الملون، حتى يصل إلى خشبة المسرح التي سد جزء من أجنابها ببانوهات مرسوم عليها موتيفات بسيطة، فيما أغلق العمق ببانوهات أخرى مرسوم عليها بعض الاشكال الريفية المستمدة من النص (وكأنما يريد أن يقول في لقطة موحية ان حالة المولد تتلاشي عند العمق أو كلما اقتربنا من منطقة الحدث المسرحي، أو أن العمق الريفي هنا هو الأصل الذي يصدر عنه المولد!) ويتخلل ذلك مجموعة من المربعات البيضاء المحددة بأضلع سوداء، أو حمراء قاتمة، وبعضها يجيء بأضلع ناقصة، ولكنها في كل الأحوال أقل من أن توحي بالسجن كما يبدو أنه أريد لها أن تفعل.
وعلى الحواف الداخلية للخشبة سترى إلى اليمين شكل صغير لجدار يبدو أنه يشير لمسكن الباشا، وفي الوسط شكل باهت لشجرة وجبل (لم يحصلا قط على الإضاءة الكافية لمنحهما تميزا بصريا مؤثرا) يفترض أنهما يشيرا لمغارة أدهم، ثم إلى اليسار بانوه (باهت الشكل أيضا) مرسوم عليه ستائر، ويفترض أن هذه البقعة تخص منزل شرقاوي، ثم منزل العمدة (هذا البانوه هو القطعة الوحيدة التي ستتحرك لتخرج من الخشبة وتعود إليها، ولكن دون أن يشعر المتلقي بأي أهمية لهذا التغيير، هذا إن لاحظه أصلا).
و بينما إعتمد المصمم على نثر حالة "المولد" في الصالة وأطراف الخشبة الجانبية، فإنه ترك الخشبة نفسها عارية تماما، واكتفى فقط باقتطاع نصفها الخلفي لبناء مستوى مرتفع أكثر مما ينبغي (حوالي متر أو أكثر)، وهو ما أضفى على فراغ الخشبة حالة من السيمترية الحادة والساكنة بين أمام/خلف، أسفل/أعلى، وقد يبدو أن هذا القرار جاء لأهداف تتعلق بالدراما بحيث يتم تخصيص الجزء الأسفل للزمن الحالي، فيما يقتصر المستوى الأعلى على تقديم ما يتم استعادته من الحكاية، إلا أن هذا القرار لم يكن موفقا على الإطلاق، لا من الناحية الدرامية، ولا من الناحية العملية (وهو الأمر الأكثر خطورة هنا) وهو ما ينبغي أن نتناوله بتحليل تفصيلي.
من الناحية الدرامية يأتي قرار المصمم بتقسيم الخشبة وكأنه محاولة للحد من حالة السيولة المقلقة غير المنضبطة وغير التقليدية التي يتحرك عبرها النص بين مستويات زمنية ومكانية مختلفة للحكاية، بحيث يضفي بعض التحديد المريح بالنسبة للمتلقي عبر اتفاق ضمني ينشط في المجال البصري للعرض، بحيث أن التوزيع السينوغرافي لموقع المشاهد فوق الخشبة سيصبح عاملا مساعدا في التمييز بينها دراميا. وهذا القرار يفترض أن هناك درجة واحدة فقط لاستعادة الحكاية، وهو أمر غير صحيح، فعلى سبيل المثال سنجد أن مشهد مساومة بدران والعمدة على تسليم أدهم (وهو مشهد مستعاد) يتخلله استعادة أخرى (من الدرجة الثانية) لمشهد أدهم الذي يحاول إقناع ناعسة بالزواج من بدران!!، صحيح أن هذا المشهد هو حالة من حالات التواء النص وارتباكاته، ولكن المخرج احتفظ به، ولذلك كان ينبغي على المصمم أن يعي أن هذا المشهد يدمر معادلته البصرية وأن يسعى لحل هذه المشكلة، ولكنه لم يفعل، مما نتج عنه اضمحلال الأثر الدرامي لتصميمه. ناهيك عن أن تقسيم مساحات التمثيل على هذا النحو قد جعل كل منها شبه مسطحة ومفتقرة للعمق البصري، وهو ما أدى لسجن الممثلين وحركة التمثيل في مساحات خانقة كان يمكن لها أن تكون أكثر رحابة.
أما على المستوى العملي والاجرائي داخل العرض فقد كان لقرار تقسيم الخشبة آثارا أكثر فداحة، فبداية لم يلتزم المخرج برؤية مصممه السينوغرافية، فمشهد اللقاء الأول لارواح مع أدهم (وهو مشهد مستعاد) يبدأ بفقرة راقصة (حسب تعليمات النص المكتوب) ويبدو أن المخرج لم يستطع تنفيذ ذلك في المستوى الاعلي بسبب ضيق مساحته، فوضعه في المستوى الأسفل، وربما نتيجة لذلك وضع كل المشاهد الخاصة بأرواح في الحكاية المستعادة (وهي عديدة) في المستوى نفسه، ليدمر بذلك التوضيح الدرامي الذي حاول مصممه تقديمه.
عمليا أيضا، سنلاحظ أن قرار المصمم قد خلق بعض المشاكل الأخرى، فمع تقدم العرض يصبح التواصل بين الزمن الحالي للحكاية وزمنها المستعاد أكثر تواترا وسرعة، بحيث أن ممثلا بعينه سيكون في مشهد مستعاد، ويعقبه تواجده في المشهد التالي في الزمن الحالي، ناهيك عن أن المخرج قد نفذ بعض المشاهد بحيث ينزلق ممثلوها من المستوى الأعلى إلى الأسفل أو العكس، وهو ما جعل طريقة تنفيذ المستوى الأعلى بارتفاعه المبالغ فيه مشكلة كبيرة أمام العرض، وعائقا أمام حركة الممثلين. وفي اعتقادي أن مصمم الديكور والمخرج لم يدركا هذه المشكلة إلا بعد الشروع في تنفيذ التصميمات، وإلا لكان أمامهما حلول أخرى أكثر بساطة تحافظ على المعنى الدرامي للتصميم (!!) وتكفل في نفس الوقت سلاسة الحركة بين المستويات التي أقامها فوق الخشبة، وهذا إن صح يعني أن تنفيذ الديكور بدأ دون مراجعة علاقة تصميماته ببنية مشاهد العرض، أو أن هذه المراجعة كانت متعجلة وقاصرة عن إدراك مشاكل التصميم، وعموما فقد لجأ العرض إلى حل خشن لهذه المشكلة عبر اصطناع درجات ضيقة تتيح الصعود للمستوى الأعلى أو الهبوط منه ولكن في حركة متباطئة وحذرة، وهذه الدرجات السيئة التنفيذ قضت على آخر ما تبقى من جمال شكلي للتصميم!!، وجعلت التواصل بين عوالم الحكاية غير سلس ولا مريح عكس ما هو مراد في بنية النص وبنية العرض ذاته.
غير أن هذه لم تكن أهم المشاكل التي تسبب فيها تصميم الديكور، فبعدما قرر المخرج تقسيم شخصية قناوي إلى: قناوي/المغني/عازف الربابة، (وهو قرار نتجت عنه سلسلة من الكوارث سنتعرض لها في فقرة خاصة) تم إقامة برجين عاليين (قبيحي المنظر بصريا) في أقصى الجانب الأيمن أمام الخشبة ليجلس فوقهما المغنى والعازف!!، وربما أختار المصمم الجانب الأيمن لان هناك سطر في المشهد الأول بالنص المكتوب يقرر وقوف قناوي في هذا الجانب!!، ولكن أيا كان الدافع وراء هذا التصميم فقد عزل المغني عن الخشبة ومنحه موقعا متعاليا تجاه الحكاية على نحو غير مبرر دراميا، وبدلا من الحميمية المفترض أن تسود حضور المغني في العرض أصبح مجمدا ومعلقا في الفراغ على نحو استاتيكي ثابت.
9- الملابس: تقتير هنا، وإسراف هناك.
لأمر ما يصعب معرفة علاقته بدراما العرض قرر مصمم الملابس تكريس جهده وطاقته وميزانيته للعناصر النسائية سواء الممثلات أو الراقصات، وبرغم أن الحس الشكلاني، والميل إلى السيمترية سيظل حاضرا في تصميمات الملابس على نحو أو آخر، إلا أنه من الصعب فهم الخطة الدرامية أو حتى الغايات العملية التي نتجت عنها هذه التصميمات.
ولنبدأ بالراقصات الثلاثة في العرض واللاتي حظين بالعدد الأكبر من أطقم الملابس (خمسة أطقم) ثلاثة منها شديد الشبه بأزياء فرق الفنون الشعبية، والاثنين الباقيين أطقم رجالية ارتدتها الراقصات لسد النقص العددي في استعراضي السجن ومقتل أدهم!!، أما الراقصين (ثلاثة أيضا) فليس لديهم سوى الجلباب ذاته في أغلب الاستعراضات (بالإضافة إلى زي أقرب للنوبي!! ارتداه اثنين منهم في استعراض السجن)، ولا يوجد تفسير لهذا الثراء في ملابس الراقصات إلا إذا افترضنا أن مصمم الاستعراضات تواصل مع مصمم الملابس وفرض عليه رؤية للملابس تنبع من تقاليد فرق الفنون الشعبية التي عادة ما تهتم بأزياء الراقصات وتضع لها تصاميم مبهجة. والمثير للدهشة أن مصمم الملابس فيما يبدو قد اقتنع بهذه التقاليد فطبقها على ملابس بقية شخصيات العرض، فمنح الرجال زيا عاديا جاهزا مما هو متوافر بالأسواق، لا أثر فيه لأي جهد تصميمي، حيث تتراوح الأطقم بين جلبابا لمعظم الشخصيات، أو صديري للباشا، وعباءة للعمدة وبالطو للخفير، وسويتر (!!) بلون باهت للمهرج، وزيا ما يفترض أنه عسكري للمأمور. أما الشخصيات النسائية، فباستثناء "بمبة" (وهي بالمناسبة شخصية رجالية في النص المكتوب!) والتي ترتدي بيجاما مرقعا باهت اللون، فإن باقي ممثلات العرض سيحصلن على أزياء ذات ألوان قوية لامعة مع أغطية للراس، وقلادات على الصدر أحيانا أو نقوش ملفتة على الصدر – أيضا- أحيانا أخرى، فناعسة (التي لم تظهر سوى في ثلاث مشاهد قصيرة) ستحصل على ثلاثة أطقم، بينما أرواح لها طاقمين (طبقا لتعليمات النص)، فيما ستحصل "نوف" على طاقم واحد لافت للأبصار.
ولكي نتبين عدم وجود أي منطق درامي لتوزيع الملابس في العرض، يكفي أن نقارن بين أدهم الذي يظهر طوال العرض بجلباب واحد لا يتغير، حيا أو ميتا، عاشقا أو غاضبا .. الخ، فيما شخصية هامشية مثل ناعسة ترتدي طاقما جديدا مع كل مشهد تظهر فيه!.
وإذا كانت الملابس لم تضف إلى العرض كثيرا باستثناء بعض الثراء البصري (للملابس النسائية)، فقد سببت العديد من المشاكل بالنسبة للدراما وللمتلقي، ففي أغلب الحالات أخفقت الملابس في أداء وظيفتها الأولية والبسيطة بوصفها تعبيرا موضحا لطبيعة الشخصية التي ترتديها على نحو يجعلها مقنعة بصريا للمتلقي، وهو ما حدث بوضوح مع شخصية المأمور، الممثل الوحيد في العرض للسلطة المركزية، والذي يظهر بزي فقير أكثر مما يحتمل وكأنه كمساري بائس وليس الشخصية الأكثر نفوذا في الحكاية.
وعموما فثمة ملمح واحد نرى فيه حضور الفكر التشكيلي الأميل للسيميترية لدى "مصمم" الملابس، وهو أزياء من يمكن تسميتهم بمجموعة السرد الأساسية (أرواح ونوف وقناوي وبمبة، والمهرج)، فمن جهة سنجد أرواح ونوف ترتديان ملابس داكنة لونها قوي ولمعتها ملفتة للبصر، مقابل بمبة والمهرج وزيهما الذي تهيمن عليه درجات باهتة من اللون الأبيض، ويتوسط الجميع قناوي بلون أبيض واضح وقوي. وربما لو أن هناك درجة أعلى من التوافق بين المصمم والمخرج لشاهدنا محاولة لاستغلال هذه السلسلة اللونية التي تتدرج من الأسود اللامع القوي إلى الأبيض الباهت على نحو يحقق بعض الحيوية الحسية فوق الخشبة، ولكن للأسف فإن هذا لم يحدث إلا بطريقة عارضة نتيجة التزام العرض بتنحية قناوي تجاه الجانب الأيمن للخشبة، مع منح حرية حركة كبيرة لأرواح بمفردها. غير أن الأمر لم يقتصر هنا في جانبه السلبي على إهدار العرض لهذه الفرصة التشكيلية، فالتحديد البصري الملفت لشخصية نوف كان عاملا مشتتا لانتباه المتلقي، فهذه الشخصية من أقل "شخصيات" الحكاية تمايزا، ويكاد حضورها ينحصر في رمي الكيوهات (بالتعبير المسرحي)، وهكذا فالمبالغة في التأكيد البصري لشخصية لا تقدم أي عطاء درامي يجعل المتلقي وكأنه في حالة انتظار دائم لشيء لا يحدث.
وإذا كانت هناك لمحة درامية واحدة في تصميم ملابس العرض فلن نجدها إلا في زي أرواح الذي ترتديه في حكاياتها المستعادة. والنص المكتوب يحدد لأرواح زيين مختلفين (وهو اهتمام لم يمتد لأي شخصية أخرى) الاول زي أسود في بداية العرض، والثاني زي رقص فلاحي في مشهد لقاءها بأدهم لأول مرة، وقد التزم المصمم هنا بتعليمات النص، فصنع الزي الاول أسودا بلا أي نقوش، أما الزي الثاني فقد صنعه بواجهة فاتحة ذات لمعة خفيفة ولكن على خلفية داكنة، بحيث يمكن أن يشعر المتلقي من مجرد المقارنة بين الزيين بما طرأ على أرواح من تغير إقتلع شيئا ما من روحها وأخلف سوادا ثقيلا، ولكن حتى هذه اللمحة الإبداعية خلفت وراءها مشاكل عملية جمة، حيث اصبح لزاما على ممثلة دور ارواح أن تحصل على فواصل زمنية كافية تتيح لها تغيير ملابسها، والمشكلة أنها دائما ما تكون في المشهدين السابق والتالي لمشهد حكايتها المستعادة مع أدهم، مما أدى إلى أن يبطيء العرض إيقاعه مرغما ويكثر من الفواصل بحيث تشتت حكاية أرواح لدى المتلقى، ناهيك عن أن هذه الممثلة كانت أحيانا تجد نفسها مضطرة لدخول المشهد قبل أن تستكمل تعديل ملابسها فتقف على الخشبة وهي تحاول إصلاح غطاء رأسها أمام الجمهور!! وكل هذا ثمن باهظ للغاية للمحة إبداعية واحدة، وربما لو كان المصمم والمخرج قد درسا معا تتابع المشاهد لاكتفيا بإضافة أو حذف موتيفة أو قطعة اكسسوار ما في ملابس أرواح بحيث يتم إبراز نفس التلميح الدرامي المطلوب ولكن دون الحاجة إلى إهدار وقت كبير في تغيير ملابس الشخصية بالكامل.
ملحوظة: أعتقد أن هذا العرض من العروض النادرة خارج مسرح القطاع الخاص والتي تم فيها تصميم وتنفيذ ملابس للراقصات خاصة باستعراض الفينالة!!
10- الأغاني والأشعار: مجموعتي عمل يلغي كل منهما الآخر:
ربما يتضح من التحليلات السابقة أن التعاون لم يكن على الوجه الأمثل بين المخرج ومصمم الملابس والديكور، سواء عبر تطوير رؤيتهما معا، أو توحيد جهودهما لاكتشاف ومعالجة المشاكل السينوغرافية التي أثقلت كاهل العرض، وهو ما لا يمكننا قوله بنفس الدقة فيما يتعلق بعنصر الموسيقى والأشعار، فلسنا هنا أمام فريق عمل واحد بالمقام الأول، بل نحن أمام فريقين، حاول كل منهما أداء المهمة الموكلة إليه على نحو ما، والأزمة تكمن في أن عمل أحدهما كان يمحو ما يقدمه الآخر.
الفريق الأول يتكون من شاعر وملحن وموزع، قدما مجموعة من الأغاني التي صاحبتها الاستعراضات، ومثلما فعل مصمم الديكور في إتكائه على تيمة المولد، مضى الملحن ومعه موزعه في الطريق ذاته بحيث حاولت الموسيقى عبر مختلف المواقف الدرامية للأغاني أن تحافظ على تمثلها لروح المولد القوية والهادرة، والمندفعة دوما إلى الخارج دون قيود، وفي المقابل غابت الروح التأملية الهادئة لصالح موسيقى تزخر بأصوات الآلات المتنوعة ونبض الإيقاعات التي تقتحم الأذن، إنها موسيقى بلا حيرة ولا تبحث عن شيء، بل ترى ما أمامها بوضوح وتدعو إلى الاحتفاء به، وتحث وتحفز وتحرض على فعل يبدو ميسورا ومؤكدا بلا حيرة أو تيه، ورغم هذه الحالة التي قد تبدو مبهجة إلا أن العرض لا يسير في هذا الطريق على الإطلاق.
أما أشعار الأغاني فقد اختطت لنفسها مسارا مختلفا بعض الشيء، فحكايات ومواقف وعلاقات العرض لا تمثل لها سوى أحد نقاط تأملها العام، ولذلك فعلاقتها بالعرض ليست مباشرة ولا تنحصر في التعليق عليه، وحتى حين تكون الأغنية مرتبطة بحدث ما في العرض فإنها ستضعه في إطار أوسع وأشمل من وجهة نظرها، ونتيجة لنزوع الشاعر إلى التحرر من العالم الضيق والمغلق للحكاية فإنه أحيانا يحطم ما أراد النص المكتوب والعرض أن يبنياه، فمثلا يحرص العرض –لأمر ما لن نتعرض له هنا- على حذف كل ما يتعلق بالاستعمار ومقاومته في الحكاية الأصلية لأدهم الشرقاوي، فيما لا تجد الأغاني حرجا في ذكر "الانجليز" والاستعمار، مما ينعش ذاكرة المتلقي لاستعادة هذه العلاقات ويجعله مهيأ أن العرض سيخوض فيها، وهو ما لن يحدث أبدا، مما سيؤدي إلى إحباط توقعات المتلقي وبالتالي تشتيت انتباهه وتركيزه.
أيضا فيما يبني العرض عالمه الداخلي على فرضية عدم وجود آخر مفارق يمكن التضامن معه أو الاتحاد ضده، فجميع عناصر أو شخصيات الخير والشر، الظالم والمظلوم.. الخ، موجودة داخل عالم حكاية العرض، فإن كلمات الأغاني تحاول اختراق هذه القاعدة البنيوية وتستدعي الدعوات التقليدية للوحدة الوطنية، وهو ما يمثل نتوءا في العرض الذي يقوم على كتلة من العلاقات المحلية لا تعي مفهوم الوطن، ولا تتعرض له، ناهيك عن أن تصبح قضية الوحدة الوطنية أحد اهتماماتها.
وبالإضافة إلى أغنية السجن التي لا محل درامي لها في العرض، فإن عمل هذا الفريق إما أن يمضي بموازاة عالم العرض أحيانا، أو يتحرك ضده ويتحداه ويحرجه دراميا أحيانا أخرى.
أما الفريق الثاني فهو مكون من عازف ربابة، ومغني، بالإضافة إلى المؤلف نفسه الذي كتب المواويل والأشعار كجزء من النص، وهذا الفريق سيعمل بدوره على حواف مشاهد العرض، ودائما بالطريقة نفسها: تقاسيم ربابة بطيئة الإيقاع نسبيا على نحو يوحي بالتأمل أحيانا والوجعية أحيانا أخرى، وتستمر لمدد تتراوح بين نصف دقيقة إلى 40 ثانية، (وهي تتكرر في كل مرة بذات النغمات تقريبا إلى حد الإملال). ثم يغني "المطرب" مواله الذي دائما ما يقدم لمشهد أو يعلق عليه، ورغم أن هذا المطرب يمتلك صوتا مدربا، وطريقة غناء ليست هي تماما طريقة المغني الشعبي، إلا أنه حاول قدر الإمكان ملاصقة عالم الحكاية.
ونتيجة لازدواجية الفريقين، فقد اعترت العرض حزمة مشهدية غريبة، بدءا من الربابة ثم المغني، وكلاهما ذو زخم حسي منخفض ولكنه الأقرب إلى عالم الحكاية، ثم يليهما الهدير الطاغي للموسيقى المسجلة، والمصحوبة بالاستعراضات، ليصل الزخم الحسي إلى حده الأقصى، ولكن في الوقت نفسه تبعد الصلة مع الحكاية، وننسى تماما ما كان عازف ومغني الربابة يقولانه، ثم يعقب ذلك هبوط الزخم الحسي إلى حده الأكثر فقرا مع بداية المشهد التمثيلي الذي يعيدنا إلى الحكاية التي نسيناها وأصبحنا خارج عالمها.... أي متلقي هذا الذي يمكن أن يتحمل عملية الدخول والخروج ثم الدخول ثانية إلى عالم الحكاية على هذا النحو الذي يشتت الانتباه والتركيز.
11- الاستعراضات:
مصمم الاستعراضات في هذا العرض قد يكون هو العنصر الأقل خبرة (بعد المخرج) ولكنه الأكثر اجتهادا في إطار إمكانياته، فقد حاول أن يوجد لنفسه حلولا حسب أعداد الراقصين المتاحة له دون الاستعانة بطاقم الممثلين وكأنه يعمل في عزلة عنهم تماما، ولكن الاجتهاد شيء والتوفيق شيء آخر، وتصميم الاستعراضات شيء، وتصميمها داخل عمل درامي معين انطلاقا من علاقاته وبنيته وعالمه الخاص، هو شيء آخر تماما، فأغلب الاستعراضات في العرض كانت بدون ظلال درامية تقريبا، فهي إما أوفرتير أو فينالة، أو تمهيد يمكن حذفه للمشهد التالي انها مجرد احتفاءات تضفى بعض الثراء الحسي أو الحركي على الخشبة الساكنة (وهو ما يصدق بطبيعة الحال على أشعار وألحان الفريق الأول)، وذلك باستثناء استعراضين فقط:
أولهما رقصة بدران فوق جثة أدهم، وهي الوحيدة التي تضيف عمقا للعلاقة يتعدى ما يصرح به المشهد التمثيلي، فحين يطلب منه أدهم الرقص معه، يجيبه بدران بأنه (أي أدهم) لن يستطيع الرقص!، وبعدما يقتل يرقص –في المستوى الاعلى- فوق جثته في حزن وبطء يعبر عن تعقيد العلاقة بينهما، والتلميح الدرامي هنا واضح وقوي، وبغير حاجة إلى الشرح، فبعد تنبؤ –وتسبب- بدران بقتل أدهم، ثم اللعنة التي ألقاها أدهم على بدران وهو يلفظ أنفاسه أصبح بينهما رابطا لا ينفصم، رابط الدم واللعنة والذنب، ورقصة بدران البطيئة بعصاه المرفوعة وعبر التفافاتها حول جسده ستبدو وكأنها توقع على وثيقة هذه العلاقة الجديدة التي ستدوم، ولكن للأسف لم يرتق هذا التلميح ليكون تفسيرا دراميا حركيا، فمصمم الاستعراضات اختار أن تكون رقصة بدران بالكامل فوق جثة أدهم بحيث تكاد هذه الجثة تختفي تحت جسد بدران، وكأننا أمام علاقة إزاحة، أو وجود شخصية يبتلع وجود شخصية أخرى، وهو ما لا يتوافق مع منطق العرض، فبدران لا يزيح أدهم ليحل محله، بل على العكس، فذكرى أدهم، ومقتله، أو جثته (في هذا المشهد) ستصبح هي مركز حركة وحياة بدران فيما بعد، اقترابا وابتعادا، بحيث سيحاول الجميع دفعه بعيدا عن أدهم وسيرته، فيما سيسعى هو لمعاودة الالتصاق بها وتبرئة نفسه.
وربما لو اكتفى المصمم برقصة بدران بمفرده مع الأغنية لصار الوضع أفضل، ولكنه اختار أن يدخل خمسة راقصين (ثلاثة رجال وفتاتين) ليقوموا بتأدية رقصة قوامها الرئيسي حركات التحطيب، مما أدى إلى التشويش على صورة بدران بالخلف (وهي الأكثر تعبيرية)، وزاد التشويش استعانة المصمم بفتاتين ألبسهما زي الرجال ووضعهما في أطراف الرقصة، فافسدا التصميم بحركتهما المغتربة والمرتبكة، والتي كانت تتضح في الجمل الحركية الأكثر سرعة وعنفا مقارنة بأداء الرجال.
أما رقصة السجن، وهي مجرد توضيح تعبيري زائد عن الحاجة كما ذكرنا سابقا، فتأتي عقب مشهد الحكم الذي يفترض أنه "ظالم" على أدهم لتصور الشكل التقليدي المكرر للمعاناة في السجون، ولكن طاقم الاستعراض المكون من ستة أفراد (3 بنات،3 رجال) انقسم إلى سجانين (رجلين) ومسجونين (رجل وثلاثة فتيات)، وقد ارتدى السجانان زيا نوبيا ممسكين بالكرابيج في إحالة ساذجة إلى "الهجانة" في فيلم الأرض، أما الفتيات فقد ارتدين زيا أزرق وغطاء لإخفاء شعورهن، فيما ظلت ملامحهن وحركتهن الناعمة واضحة للمتلقي مما يضعنا على أعتاب استعارة رديئة حول رجولة السجان وأنوثة السجين، وهو ما لا أظنه مقصودا، ولكن يبقى هذا الأمر بحاجة إلى مناقشة، فبغض النظر عن الضرورة الدرامية لهذا الاستعراض من عدمها، فالأقرب للدراما بل وللمنطق البسيط أن يضم المصمم بعض الممثلين إلى استعراضه، لا أن يستعين بفتيات بملابس الرجال، ولا يوجد تفسير لما فعله هذا المصمم أكثر من مرة إلا إذا افترضنا انه يرى أن تعاقده أو اتفاقه على استخدام ست راقصين يلزمه بوضعهم في كل الاستعراضات، وانه لا يملك خيار الاستعانة بممثلي العرض!!، وهو ما يتفق مع افتراضنا السابق حول أن هذا المصمم يمارس عمله وفقا لتقاليد استعراضات فرق الفنون الشعبية وبعيدا عن متطلبات الدراما المسرحية، وهو أمر إن صح تقع مسئوليته على المخرج الذي اختاره أولا، ثم لم يسانده في عمله، ولم يعي مشاكله ناهيك عن أن يبادر إلى حلها.
12- الإضاءة.. الانزلاق إلى الظلام!
من المعروف أن أكثر ما يثير قلق أو رعب أي مخرج مسرحي في العالم هو فترات الإظلام، حيث تنقطع أي صلة أو تواصل حسي بين العرض وجمهوره، وكلما كانت هذه الفترة أطول كانت استعادة العلاقة مع المتلقي أكثر صعوبة، وبعض هؤلاء المخرجين يجرون تدريبات شديدة القسوة والصرامة على تغيير قطع الديكور أو قد يبادرون إلى الاستغناء عن بعضها من أجل توفير ثواني معدودة (أو حتى كسور ثواني) من زمن الإظلام، وهم يعتمدون على أن نهاية فترة الإظلام ستفضي إلى مشهد بصري جديد يثير حواس المتلقي لاستيعاب تفاصيله بحيث يتم استعادة اهتمامه وانغماسه مرة أخرى في الأفق الدرامي للعرض
ولأمر ما فقد تخلص هذا العرض تمام من ذلك القلق المهني وتعامل بأريحية غير مسبوقة مع حالة إظلام الخشبة وكأنه لا يخشاها ولا يهتم بها على الإطلاق، بحيث ساد الظلام الخشبة في الفواصل بين المشاهد دون أي ضرورة (لا يوجد أي تغيير في الديكور طوال فترة العرض) وصحيح أن فترة الظلام هذه كانت في المتوسط تستمر من عشر ثواني إلى نصف دقيقة ولكن المتلقي كان يعود دائما إلى المنظر البصري ذاته الذي أصبح تكراريا ومملا مما يؤدي إلى انفصال المتلقي أكثر فأكثر عن العرض، ولا توجد هنا أي ضرورة درامية أو عملية لهذا الإظلام باستثناء أنه في بعض الفواصل يقوم بعض الممثلين بدخول الكواليس للصعود إلى المستوى الأعلى أو العكس، وهنا أثر سلبي آخر لعدم قيام المخرج بدراسة ما صممه مهندس الديكور من تقسيم للخشبة وتأثير هذا التصميم عمليا على العرض، وقد كلف هذا الخطأ المهني العرض ما يقرب من دقيقتين ونصف أو أكثر من الظلام، وهي فترة بمقاييس العروض العادية كبيرة جدا.
ولكن كان هناك ظلام أكثر، فكل فقرات الربابة ومغنيها كانت تشهد إظلاما تاما للخشبة مع إضاءة بسيطة غير كافية لوضوح الرؤية على عازف الربابة والمغني "الجالسين" فوق أبراجهما العاجية خارج الخشبة أصلا، وكأننا في هذه الفقرات نتحول من الوسيط المسرحي إلى الوسيط الإذاعي، ومدة الإظلام هنا لا تقل بحال من الأحوال عن عشر دقائق، وإذا أضفناها إلى المدة السابقة لأصبح لدينا حوالي 12 دقيقة من الظلام في عرض مدته لا تتجاوز 85 دقيقة، أي بنسبة تقترب من 15% من زمن العرض، وهو في ظني رقم قياسي عالمي جدير بأن يسجل باسم هذا العرض في موسوعة جينز، والكارثة أن كل هذا الظلام لا ضرورة له وكان يمكن تجنبه لو توافرت بعض أبجديات الخبرة المهنية.
في الفقرة الأولى من هذا التقرير تعرضنا لحالتين من سوء استخدام وسوء توزيع مصادر الإضاءة، وربما كان عدم تقدير مصمم الإضاءة ومخرج العرض لدرجة أو مستويات تشتت موارد الإضاءة عندما تستخدم في مكان مفتوح عاملا مهما في مشكلة إضاءة/إظلام هذا العرض، فعندما قرر المخرج عزل عازف الربابة ومغنيها خارج الخشبة وزرعهما فوق أبراج عالية قام مصمم الديكور ببناء هذين البرجين بأطوال مختلفة واحد وراء الآخر، بحيث يمكن "إضاءة" كل من العازف والمغني بمصدر إضاءة واحد وبرغم أن هذا الحل قد يبدو اجتهادا جيدا (إذا ما تجاهلنا المشكلة الأصلية التي سنتعرض لها بالتفصيل في الفقرة القادمة) إلا أن عدم احتساب أثر المكان المفتوح على كثافة الإضاءة، فضلا عن ضعف مصدر الإضاءة نفسه جعل فقرات الربابة شبه معتمة بصريا.
13- ملحوظة: حول موارد الإضاءة، ونقص الاهتمام.
طوال أيام العرض كانت توجد ماكينة زووم في منتصف فناء منف، موجهة للخشبة في وضع يمكنها من التعامل مع أي بقعة فيها إذا ما طلب مخرج العرض أو مصمم الإضاءة ذلك، وقد تساءلت ما إذا كانت الماكينة صالحة للاستخدام أم لا، وتلقيت الإجابة بأنها جاهزة للاستخدام في أي وقت، وهي إجابة منطقية، لأنه إذا كانت هذه الماكينة معطلة فما ضرورة نصبها في موضعها لشهر كامل؟ وعلى الأقل فقد كان يمكن لماكينة الزووم إذا ما استعملت أن تخفف من وطأة عتامة برجي الربابة!!
ويبدو أننا مع هذه الملاحظة لا نلمس مجرد نقص في الخبرة المهنية للمخرج ومصممه، بقدر ما نلمس حالة من عدم الاهتمام وصلت إلى العزوف عن استخدام مصدر إضاءة قوي وفعال دراميا في عرض يعاني من شح وتشتت موارد الإضاءة.
14- قرار واحد وسلسلة من الكوارث:
سنتعرض هنا لقرار واحد اتخذه المخرج، وأفضى إلى سلسلة من القرارات الخاطئة التي أودت بالعرض، وأهدرت بعض موارده الإنتاجية. وهذا القرار هو تقسيم شخصية "قناوي" في النص إلى ثلاثة (قناوي وعازف الربابة والمغني):
أولا: أدى هذا القرار إلى بهوت شخصية قناوي في العرض، والتقليل من حضوره الدرامي بحيث سيبدو وكأن المخرج قد وضعه في الجانب الأيمن من الخشبة حسب تعليمات النص ونسيه هناك، وهذا الشحوب الدرامي لقناوي أدي أيضا إلى شحوب أكثر لباقي المجموعة السردية (باستثناء أرواح).
ثانيا: لم يستطع المخرج، أو ربما لم يهتم، بالعثور على شاعر ربابة تقليدي يقوم بالعزف والغناء معا، فجاء بعازف متوسط المستوى، ومغني عادي، مما أدى إلى مضاعفة التكلفة الإنتاجية، سواء كأجور لهذين العنصرين، أو تكلفة بناء برج عالي لكل منهما. ناهيك عن أن مجرد وجودهما يعني مضاعفة تكلفة عنصر الغناء والألحان.
ثالثا: إذا كان المخرج مقتنعا بالأشعار التي وردت في النص، وبتنفيذها بآلة الربابة فقط، فلماذا طلب التعاقد مع شاعر وملحن، ولماذا انتظر حتى انتهيا من عملهما ثم أظهر قناعته ونفذها (مضاعفا التكلفة الإنتاجية على نحو يشي بالإهمال إزاء مسؤوليته عن العرض) ومن الذي وافق على هذا الإجراء أو حتى راجعه؟
رابعا: قرار المخرج بزرع عنصري الربابة فوق أبراج عالية خارج الخشبة، وليس جلوسهم في مقدمتها مثلا، أو تجولهم فيها ... الخ كما هو معهود، هو قرار فني بالضرورة، ولكنه أيضا قرار غير موفق على الإطلاق، وأثره الفني السلبي باهظ على العرض، فمن الذي ناقش المخرج في بناء هذه الأبراج وأقر له بالضرورة الفنية لذلك؟
خامسا: وضع هذه الأبراج خارج الخشبة، وعدم الاهتمام بإنارتها جيدا أدى إلى أن يحقق العرض رقما قياسيا في إظلام الخشبة، وحول جزء معتبر من زمن العرض إلى حالة تلقي إذاعي.
سادسا: ازدواجية فريقي الموسيقى والغناء أدى إلى أن يلغي كل منهم عمل الآخر ويؤثر عليه بالسلب.
سابعا: طريقة المخرج في التعامل مع عنصر الغناء في العرض أدى إلى ظهور حزمة مشهدية تذهب بالمتلقي بعيدا عن أي اندماج أو انغماس فيما يحاول العرض تقديمه (ربابة بتقاسيم متكررة- غناء- أغنية مسجلة مع استعراض)، ويفترض بعد هذه الدورة التي يلغي بعضها بعضا أن يعود المتلقي لمتابعة خط سير الدراما من حيث توقفت أومن حيث قفزت.
15- توصيات ومقترحات إجرائية:
هذا العرض فشل في تحقيق التواصل الحسي اللازم مع متلقيه، والمحافظة على انتباهه وعدم تشتته، وليست المشكلة هنا في مستواه الفني، بل في درجة المهنية، واستيعاب أبجديات المهنة المسرحية لدى مخرجه، أما المشكلة الاعظم فهي تكمن في كيف مرت كل هذه الأخطاء دون أن يتصدى لها أحد أو يكبح جماحها وينظمها نظام الإنتاج؟
ولذلك تهدف هذه التوصيات بالمقام الأول إلى صياغة بعض الاقتراحات الموجزة بحيث تكفل بعض الضمانات لعدم تكرار مثل هذا العرض مستقبلا.
1- من الواضح أن هناك بعض القصور في طريقة اعتماد المكتب الفني لفرقة السامر للمشاريع التي يوصي بإنتاجها، وقد حاولت بحث الكيفية التي تم عبرها اعتماد مشروع: "قول يا مغنواتي"، فما الذي وجده أعضاء المكتب الفني في نص قصير ومرتبك ومخرج لا يتجاوز تاريخه المسرحي عرضين بفرق الأقاليم بحيث يوافقون على المشروع؟ وما الذي تم مناقشته بالضبط؟
ولذلك اقترح عزل المكتب الفني الذي وافق على هذا المشروع وأدرجه في خطة 2011-2012، وكذلك المكتب الفني الذي وافق على إنتاج المشروع فعليا بوصفه يخص خطة 2012-2013، وهذا الأمر الثابت من محاضر إجتماعات المكتب الفني ينطوي على خلل إداري واضح.
2- أن يتم تأسيس مكتب فني جديد على مبادئ وإجراءات جديدة، يتم بمقتضاها اعتماد المشاريع من خلال تقارير فنية يكتبها بعض أعضاء المكتب أو من يكلفونهم من المتخصصين، ويتم توزيعها قبل الاجتماع ومناقشتها تفصيليا قبل اتخاذ القرار، مع إمكانية مناقشة المخرج نفسه وفريقه الفني إذا رأوا ضرورة لذلك. على أن يتم وضع نص في لائحة هذا المكتب بحيث لا يتم اعتماد أي مشروع فني بصفة نهائية إذا لم تكن هناك نسبة معينة من الشخصيات المسرحية العامة حاضرة للاجتماع، فهذه الشخصيات تشكل قمة الخبرة الفنية في هذا المكتب وينبغي الاستفادة من عطائها في كل الأحوال لضمان حد أدنى على الأقل من المستوى الفني للمشاريع المقبولة.
3- على أعضاء المكتب الفني الامتناع عن المشاركة في أي عرض يقرونه بأي شكل يمكن أن يتقاضوا عليه أجرا أو مكافأة، وفي حالة رغبة أحدهم المشاركة في عرض لم يتم إقراره بعد (وهذا حقه الفني) فعليه التنحي عن مناقشته والامتناع عن التصويت على إقراره رفضا أو قبولا، ويسجل هذا بمحضر اجتماع المكتب الفني.
3- وفي كل الأحوال يجب أن يكون قرار المكتب الفني بقبول مشروع ما والتوصية بإدراجه في الخطة الإنتاجية للفرقة مشفوعا بمبررات فنية مدروسة.
4- لا يتصور في أي وعاء إنتاجي أن يقوم صاحب القرار الفني بالتوصية بإنتاج مشروع مسرحي دون أن تكون هناك جهة أخرى منوطة بمناقشة وإقرار الميزانية من زاوية التطلب الفني للعرض، وليس فقط من الناحية الإدارية والمالية، وأقترح أن يتم تعيين "منتج فني" (وليس مشرف فني) لكل عرض بحيث تكون مهمته التأكد من أن القرارات ذات التأثير على تكلفة الإنتاج وحسن توزيع الميزانية والتي يتخذها المخرج هي الاختيار الأمثل للعرض من الزاوية الفنية والإنتاجية معا، وأظن أن العرض الذي نناقشه هنا هو أوضح مثال لضرورة أخذ هذا الاقتراح بالحسبان، ويكون المخرج مع فريق عرضه مسئولا عن تقديم بدائل جمالية ذات تكلفة إنتاجية مختلفة، ويتم المفاضلة بينها بعد النقاش مع المنتج الفني، و في حالة الاختلاف يتم الاحتكام إلى أعضاء المكتب الفني أو للجنة من الخبراء يحددها المكتب الفني ويعتمد ما تصل إليه من قرارات أو توصيات من مدير الفرقة ومدير عام المسرح. بحيث يتم في النهاية ضمان حسن إنفاق الميزانية، وألا يحصل أي عرض على أكثر مما يحتاجه بالفعل للخروج بالصورة الفنية المطلوبة، والحد من ظاهرة أن يسعى المخرج للحصول على كل ما يمكن أن يحصل عليه حتى لو أدى هذا إلى التهام ميزانية موسم بأكمله في عرض واحد أو أكثر كما حدث أكثر من مرة في الأعوام السابقة.
5- إذا ما تعذر تنفيذ مقترح "المنتج الفني"، على النحو الوارد هنا يمكن بحث وضع مستويات لميزانيات عروض الفرقة، بحيث تبدأ من رقم لتصل إلى حده الأقصى، على أن يكون أعلى هذه المستويات مخصصا للمخرجين الرواد والمشاريع المسرحية الهامة، وأدناها يمكن تخصيصه لشباب المخرجين، وعلى هذا النحو يمكن في بداية الموسم تصميم خطة إنتاجية للفرقة تتضمن عدد من العروض في كل مستوى، على أن يقوم المكتب الفني عند إقرار المشروع بإدراجه في المستوى المالي الذي يراه مناسبا بغض النظر عما يكون المخرج قد طالب به.
6- لسنوات طويلة سابقة كان هناك عرف بالإدارة يقضى بالتسامح مع أعضاء الفرقة المتواجدين في الحصول على عقد واحد على الأقل سنويا بهدف تعويض فارق الحوافز بينهم وبين موظفي الإدارة، أما الآن فقد ضاق هذا الفارق حتى تلاشى تقريبا، ولذلك اقترح أن ينص كل مشروع يتم تقديمه للمكتب الفني على تصنيف شخصيات النص إلى رئيسية، ثانوية، وهامشية أو مجاميع، وممثل الفرقة الذي يتم اختياره لدور رئيسي هو فقط الذي يتقاضى عقده كاملا، أما من يتم اختياره لدور ثانوي فيتقاضى نسبة من عقده، ومن يعمل مع المجاميع يتقاضى مكافأة البروفات والعرض مثلهم.
وإذا ما تم تطبيق هذا الاقتراح فسيعيد روح الجدية والمنافسة الفنية بين ممثلي الفرقة، وهو الأمر المفتقد حاليا، فما دام يمكن لأحدهم أن يكتفي بتلاوة جملة في العرض، أو بمجرد المرور على الخشبة ثم يتقاضى عقده كاملا فما الذي يدفعه إلى بذل أي جهد يتجاوز ذلك.
7- توصية خاصة بمخرج العرض:
لو أن مخرج هذا العرض قدم عرضه هذا بنفس مستواه ومشاكله في إطار فرق البيوت أو القصور حيث الميزانية تتراوح بين 15% إلى 20% من ميزانية عرض "قول يا مغنواتي" والتي بلغت 133 ألف جنيه على الأقل، لتم وقف هذا المخرج عن العمل عامين على الأقل أو إلغاء اعتماده، أما إذا أهدر هذه الميزانية الضخمة من مخصصات الفرقة المركزية فلا يوجد أي عقوبة لائحية ضده، وهذا ظلم بين وتفرقة لا مبرر لها، واقترح أن يتم تعديل اللائحة الخاصة بعروض الفرقة المركزية بحيث يكون هناك عقاب ما لأي مخرج أهمل في عرضه، أو أهدر ميزانيته، أو قدم مستوى فني متدني، مع وضع كافة الضمانات من أجل أن يتم تقييم العرض على نحو موضوعي، مع إمكانية أن يتظلم المخرج أمام المكتب الفني.
---------------
تمت كتابة هذه الدراسة بناء على طلب من الإدارة العامة للمسرح، بالهيئة العامة لقصور الثقافة، وقد نشرت على ثلاثة اعداد في جريدة مسرحنا الأسبوعية في شهر ابريل 2013. ولكنه ينشر الكترونيا للمرة الأولى.
عرض "قول يا مغواتي" تأليف بكري عبد الحميد، وإحراج محمد صابر، وقدمته الفرقة المركزية "السامر" التابعة للإدارة العامة للمسرح في مارس 2013.
فريق العرض: أشرف طلبة، سمية الامام، محمد حجاج، أشرف شكري، طارق أنور، نجلاء عامر، خليل تمام، ماجدة شعبان، محمد الدسوقي، ثريا ربيع، محمد النبوي، مجدي عبد الحميد، ممدوح الميري، ابراهيم البيه، هاني محمود، المطرب أحمد سعد الدين، تصميم ديكور وملابس د. أحمد عبد العزيز، موسيقى وألحان أحمد خلف. أشعار محمد الشاعر.



#عبد_الناصر_حنفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الشوق الاجتماعي للمسرح .... ومخاطر خيانته!
- عن الأمل الهيجلي .. ورهاناته
- أغنية البجعة الليبرالية
- في إنسانية المسرح الجامعي
- من -ماكبث- إلى -بير السقايا- .... تأملات أولية في تحولات الد ...
- عن اليوم العالمي للمسرح ورسالته ... تأملات حول تقليد آن مراج ...
- المسرح المصري: ظاهرة تأبى أن تعي ذاتها (2-2) .... نمط الوعي ...
- المسرح المصري: ظاهرة تأبى أن تعي ذاتها!! (1-2) 1- -عن احصاءا ...
- عن الضغينة في مسرح الثقافة الجماهيرية
- نحو أعادة بناء حركة نوادي المسرح (5) الدعم اللوجستي
- الصعود بديلا عن الخلاص ....... عن اضطرابات مسرح ما بعد يناير ...
- ظاهرة المسرح: بين العطاء الجمالي، والعطاء الاجتماعي *
- نحو أعادة بناء حركة نوادي المسرح (4) خلق مساحات جديدة للعرض
- نحو إعادة بناء حركة نوادي المسرح (3) من العروض إلى الفرق
- نحو أعادة بناء حركة نوادي المسرح (4) من العروض إلى الفرق - خ ...
- نحو إعادة بناء حركة نوادي المسرح (1)
- نحو إعادة بناء نوادي المسرح (2) استعادة الأمل
- حالات مسرح ما بعد يناير: من الاندفاع إلى التبدد .. -فرضيات أ ...
- عن انهيار مسرح الثقافة الجماهيرية 1- نوادي المسرح
- ورقة قديمة حول إعادة بناء مسرح الثقافة الجماهيرية عبر مؤسسة ...


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الناصر حنفي - تقرير فني حول عرض -قول يا مغنواتي-