أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الحلم بمسرح مصرى عالمى















المزيد.....

الحلم بمسرح مصرى عالمى


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5249 - 2016 / 8 / 9 - 15:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



كان الراحل الجليل د. ثروت عكاشة يتمنى تهيئة المناخ الذى يـُـساعد على تحقيق نهضة مسرحية، بحيث تؤدى فى النهاية إلى أنْ يكون المسرح المصرى له قيمة أدبية على مستوى العالم المُــتحضر. وكان مدخله لذلك هو إعادة عرض أوبرا عايدة للموسيقار(فردى) بإخراج (مصرى) ويكون العرض على (مسرح خوفو) عند سفح أبى الهول. وكانت أمنيته تلك فى شهر برمهات/ مارس1967، ثم جاءتْ هزيمة يونيو الكارثية التى التى تسبب فيها عبد الناصر وجنرالاته، فتوقف كل شىء.
وكان عكاشة يرى أنّ الأدب المصرى القديم زاخر بكل عناصر الدراما المسرحية، وضرب عدة أمثلة على ذلك منها أسطورة (لعبة فتيات الرياح الأربع) وكان من رأيه أنّ تلك الأسطورة تصلح لعمل مسرحى أوبرالى/ غنائى وتدور حول العلاقة البديعة التى جمعتْ بين إيزيس (رمز وفاء الزوجة لزوجها) وأوزير (رمز الخير والعطاء) ومن تلك العلاقة يـُـولد الرمز الثالث (حور) أو حورس حسب النطق اليونانى، الذى يـُـجسّـد وفاء الابن لأبيه، لدرجة أنه بعد أنْ يسترد (توت) أو جحوتى عين (حور) التى سلبها رمز الشر (ست) فإنّ (حور) يهدى عينه لأبيه أوزير. وكان د. عكاشة يتمنى أنْ يتحقــّـق حلمه، ويكون هذا العرض مُـجسّـدًا على المسرح فى قالب عصرى أساسه ((حركة الكون))
لم يكتف د. عكاشة بالحلم وإنما اتصل بعالمة المصريات والآثار الفرنسية كريستان ديروش نوبلكور، وطلب منها كتابة المادة العلمية اللازمة لهذه المسرحية، مع التركيز على تجسيد رمز الرياح الأربع : ففتاة ريح الشمال ترمز إلى بحر إيجه حول اليونان، والفتاة الثانية ترمز لريح الشرق، وتليها الفتاة الثالثة لترمز إلى ريح الغرب ، وهى ريح الحياة المُـستكــّـنة فى باطن الواحد الأحد قبل أنْ يخلق الكون، والتى تهبها الإلهة حتحور بعد ذلك للكون كل يوم. وأخيرًا تأتى ريح الجنوب التى تهب ((زنجية من الجنوب)) حاملة معها الماء الذى يبعث على الحياة ويـُـنميها فيضان النيل. وهذه الشخصيات الأربع التى تــُـمثــّـل كل واحدة منها موضوعـًـا مختلفــًـا يساير كل منها الاتجاهات الأصلية الأربعة، ترمز فى الوقت نفسه إلى أجناس البشر الأوروبية والآسيوية والمصرية والزنجية. ومع ملاحظة أنّ الرياح الأربع هى القوى المُـتعارضة، كما أنها (فى نفس الوقت) هى العناصر اللازمة لتوازن العالم وحركته.
وهذا التصور الذى ورد فى الأسطورة المصرية، هو ما اعتمدتْ عليه العالمة نوبلكور وهى تكتب المادة العلمية للمسرحية. كما أنها رجعتْ إلى كل من العلماء (كورت زيته) و(تشرنى) و(باركر) وتنتهى المسرحية بمناورات شخصية خامسة تـُـحاول جذب الفتيات الأربع إلى السحر، وإلى حفل صاخب مرح، فى تأكيد لما كان يحدث فى مصر القديمة، حيث عرف المصريون الاحتفالات الصاخبة، وأدركوا فكرة الحياة بعد الموت وما يـُـصاحبها من حفلات يأكل القوم فيها ما لذّ وطاب ويشربون إلى أنْ تذهب الخمر بعقولهم، كما عبـّـرتْ نصوصهم الدينية عن هذا الخوف الأبدى الذى يـُـعانيه الإنسان فى مواجهة فكرة الموت.. والحياة بعد الموت.. كما أنّ أسطورة أوزير، وأسطورة (رع) كما ورد فى النصوص الأصلية، بهما الكثير من مشاهد الفرح والرقص والخمريات.
أخذ د. عكاشة المادة العلمية التى كتبتها نوبلكور، وعرضها على المخرج العالمى (زيفريللى) ليتولى إخراج هذه المسرحية بأسلوب (المسرح الشامل) بحيث تــُـقـدّم بشكل يجمع بين وسائل المسرح الفنية الكلاسيكية من إنشاد فردى وجماعى صامت ورقص إيمائى ورقص للباليه، وبين أحدث الوسائل الفنية المُـعاصرة من ديكور وإضاءة وعرض سينمائى ومصاحبة موسيقية وكورالية، حتى تخرج المسرحية (بجوها الغنائى الراقص) وتكون تحفة فنية رائدة تـُـحفــّـز الهمم لإخراج مسرحيات أخرى تستلهم الأحداث التاريخية المستقاة من نصوص المسرح المصرى القديم.
وهذا المشروع أثار اهتمام المخرج (زيفريللى) كما أيدته واحتضنته السيدة (روزمارى كانزلر) إحدى ثريات أوروبا، وهى السيدة التى دعاها د. عكاشة لزيارة مصر. وأبدتْ رغبتها فى تمويل مشروع عرض أوبرا عايدة بسفح الهرم، ووافقتْ على الفور وأبدتْ استعدادها لتمويل مشروع المسرحية المصرية، المأخوذة من الأدب المصرى القديم. وذكر(د. عكاشة) أنّ الاجتماع ضمّ د. جمال مختار، ود. مجدى وهبه، والتنقل بين المواقع الأثرية فى منطقة الأهرام لإختيار الموقع المُـناسب لإقامة المسرح عليه. وأضاف ((وكاد الحلم أنْ يـُـصبح حقيقة ونــُـوقــّـع عقد التنفيذ لولا نشوب حرب الخامس من يونيو)) فتوقف كل شىء.
تجدّد الأمل فى مايو1969عندما قابل د. عكاشة (بيير إيميه) الذى اختار المخرج الفرنسى اللامع (جان فيلار) الذى أرسى قواعد المسرح القومى الشعبى بفرنسا. وقد أدرك بحاسته الفنية أهمية المسرحية المصرية المعروضة عليه. وحضرتْ العالمة نوبلكور المناقشة وزوّدته بالمادة العلمية. وفى يوم6ديسمبر69 زار (جان فيلار) مصر ليختار الموقع المناسب لإقامة العرض المسرحى. فاقترح د. عكاشة عليه منطقة مجموعة هرم زوسر بسقارة لإحياء معالمها، ولكن (جان فيلار) لم يقتنع بهذا الموقع الذى (من وجهة نظره) لاتجتمع فيه العناصر المعمارية التى تتيح له تشكيل المناظر المختلفة. وبعد أنْ تجوّل مع د. جمال مختار (رئيس الهيئة العامة للآثار) اختار موقعـًـا غير مطروق بمعزل عن سائر الآثار يضم بعض أحجار تــُـعين على تحديد مساحة المسرح هو أطلال المعبد الجنائزى لهرم خفرع، حيث تــُـشكــّـل واجهة الهرم الثانى مثـلثــًـا تتجلى فيه روعة خطوطه على صفحة الأفق. وكان ثمة موقع آخر لفت انتباهه وكان له أثر سحرى فى نفسه، هو معبد الأقصر حيث صحن معبد أمينوفيس الثالث الذى يتميـّـز بإمكان استخدام بعض التشييدات البسيطة التى تـُـحقق للعرض النجاح، كما أنه يتسع لأكثر من ألف مشاهد، ويـُـعد أصلح المواقع لإحياء المسرح المصرى القديم، كما يـُـحقق للأقصر شهرة فى جميع المجالات الثقافية والسياحية، لا بآثارها فقط ، وإنما بعرض هذه المسرحية المصرية.
اقترح المخرج الفرنسى أنْ يـُـقام العرض المسرحى بالأقصر على مدى ثلاثة أسابيع، ثم ينتقل العرض إلى أطلال المعبد الجنائزى لهرم خفرع بالجيزة لتكون الفرصة أفسح لكثرة المشاهدين. وبعد أنْ كان ينوى اختيار ممثلين فرنسيين، تراجع عن رأيه واقتنع بضرورة اختيار ممثلين مصريين. وكان يرى أهمية تقديم المسرحية بمسيرة تحفها المهابة، واقترح تنظيم مركب الإله آمون لإحياء الأساطير المصرية القديمة، فى موكب تتخلــّـله الاستعراضات والرقصات، كما كان يحدث فى عيد أوبت (عيد زواج الإله آمون بالأقصر) وكان يرى أنّ العرض يجب أنْ يكون تجسيدًا للفلسفة المصرية القديمة، بحيث يجمع العرض بين الفكر العميق والسخرية المأثورة عند المصريين. وكان من المُـقـدّر أنْ ينتهى من إعداد النص المسرحى وتدريب الممثلين (المصريين) إلخ.. وكان ثمة اتصال مع الحكومة الفرنسية التى وافقتْ على المُساهمة بنصف تكاليف المبلغ.. وفجأة يموت المخرج الفرنسى. وبعد سرد الكثير من التفاصيل عن محاولات أخرى مع مخرجين أوروبيين لإقامة العرض المسرحى فى مصر، ولكن لم يـُـكتب لأى محاولة التوفيق، واختتم (د. عكاشة) ذكرياته عن هذا (الفصل) المهم فى مسيرته الثقافية قائلا ((وهكذا قـُـضى على أمل لى فى أنْ أرى هذه المسرحيات تــُـعرض ، حيث كانت تــُـعرض من قبل فى المعابد المصرية ، لتبعث فيها الحياة ولتصل الحاضر بالماضى، فيكون تاريخ مصر صفحة مقروءة لا يغيب عنها من كلماتها شىء، ولعلّ يدًا يومـًـا تمتد إلى هذا المشروع فتبعثه من مرقده))
فهل تتحمّـس الحكومة المصرية لإحياء هذا المشروع؟ وهل يلتفت إليه وزير الثقافة حلمى النمنم؟ وهل يشد انتباه وزيرالسياحة؟ وهل يمكن أنْ يحدث تعاون مع هيئة الآثار لتشجيع السياحة؟ وإذا لم يتحرّك أى مسئول مصرى، فهل (الفقر الروحى والوجدانى) الذى تعيشه مصر (حاليـًـا ومنذ كارثة أبيب/ يوليو1952) انعكس على أصحاب المليارات؟ ولماذا لا يكون فى مصر ملياردير أو حتى مليونير واحد (واحد فقط) يعرف أهمية المسرح فى تشكيل الوجدان؟ أو أهمية الحضارة المصرية، أو- حتى- أهمية السياحة بهدف خروج الاقتصاد المصرى من غرفة الإنعاش إلى الحياة؟
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل عرفت الحضارة المصرية المسرح؟
- أبناء الجالية المصرية فى مصر
- العروبيون ومزاعمهم الباطلة
- رخصة فى القرآن يرفضها المسلمون
- ما الحكمة من تشويه النبى إبراهيم ؟
- لماذا يرفض العرب أنْ تحكمهم امرأة ؟
- ما سر الخلاف بين السنة والشيعة حول زواج المتعة؟
- ما سر تشابه الإسلاميين القدامى والمحدثين؟
- هل يمكن التوفيق بين المرجعية الدينية والواقع المتغير؟
- هل يمكن تطبيق الحدود الإسلامية فى العصر الديث ؟
- رد على السيد (تونسى من تامزغا)
- لماذا يقول متعلمونا (أندلس) ولا يقولون إسبانيا ؟
- وقائع ما حدث بين صديقى وصديقته : قصة قصيرة
- الدكتور محمد عنانى وترجماته
- مصطفى سويف : العلم بروح إنسانية
- عداء بنى إسرائيل لمصر
- ما مغزى بيع الامتحانات ؟
- النقد العلمى لتأليف التوراة
- هل عمل الخير يحتاج إلى تشجيع ؟
- رد على السيد الأمازيغى التونسى الملحد


المزيد.....




- صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان.. الاحتلال يعيق وصول المواط ...
- السعودية.. الأمن العام يوجه دعوة للمواطنين والمقيمين بشأن ال ...
- صلاة راهبة مسيحية في لبنان من أجل مقاتلي حزب الله تٌثير ضجة ...
- الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول فيديو إمام مسجد يتفحّص هاتفه ...
- كيف يؤثر التهديد الإرهابي المتزايد لتنظيم الدولة الإسلامية ع ...
- دولة إسلامية تفتتح مسجدا للمتحولين جنسيا
- فيديو البابا فرانسيس يغسل أقدام سيدات فقط ويكسر تقاليد طقوس ...
- السريان-الأرثوذكس ـ طائفة تتعبد بـ-لغة المسيح- في ألمانيا!
- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الحلم بمسرح مصرى عالمى