أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالعزيز عبدالله القناعي - مكانة الدين في مجتمعاتنا العربية بعد تطبيق العلمانية















المزيد.....

مكانة الدين في مجتمعاتنا العربية بعد تطبيق العلمانية


عبدالعزيز عبدالله القناعي

الحوار المتمدن-العدد: 5248 - 2016 / 8 / 8 - 10:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مكانة الدين في المجتمعات العربية بعد العلمانية

الغالبية من الشعوب العربية قد سمعت او قرأت عن معنى العلمانية ودلالاتها الفكرية والمنهجية والتي ترتكز غالبا على فصل الدين عن السياسة في المفهوم الجزئي، وفصله عن الدولة والمجتمع في المفهوم الشامل، والغالبية ايضا من المثقفين والمفكرين بعد عصر النهضة العربية الأولى والي اليوم قد نادوا بهذه الفكرة والمبدأ لما تصنعه العلمانية من تقدم تاريخي وحضارة بشرية قوامها الانسان والعقل والعلم والحريات.
كما وأن الكثير من المفكرين والمثقفين، وخصوصا اصحاب التوجهات الاسلامية، من تناول علاقة الدين بالعلمانية، فمنهم من تناول ضرر العلمانية على الدين بكونها بوابة الي الالحاد والتحرر ومحاربة الأديان، وبعضهم من حاول دمج بعض التعاليم العلمانية بالدين او اعتبار الدين الاسلامي دين يتشابه مع العلمانية في مجالات متعددة.
لكن القليل من المفكرين والمثقفين، وخصوصا العرب والمسلمين، من تناول موقع الدين بعد العلمانية، وهو افتراض يقوم على فرضية وصولنا كشعوب ومجتمعات عربية الي تطبيق العلمانية والانتهاء من الديكتاتورية العربية والوصاية الدينية. بمعنى ما هو موقع الدين الرسمي والمؤسسة الدينية في مجتمعاتنا العربية بما تحمله من دعاة ووعاظ ومراكز دينية وكليات للشريعة والفقه وموظفي اللجان الخيرية والأحزاب الإسلامية؟...، وهي بلا شك كبيرة العدد والموظفين والتابعين وتستغل مباني ضخمة سواء خاصة او حكومية تمثل في النهاية مصدرا للرزق والمعيشة.
ما دفعني الي كتابة هذا المقال هو رسالة تلقيتها من سيدة فاضلة اشارت الي كوننا كعلمانيين بأننا نتكلم وندافع وندعو الي العلمانية في مجتمعاتنا ولكننا بالمقابل نغفل عن نقاط مهمة في تقديم الحلول لما بعد العلمانية. وقد اشارت كمثال اذكره كالتالي بتصرف: تقول السيدة انا صيدلانية وقد وضعت نفسي في مكانة رجل الدين او الفقيه او الواعظ، فعندما يأتي يوم ويقال لي ان الصيدلية كلها لا وجود لها وكل ما تعلمته خاطئ ولسنا بحاجة الي الطب والدواء، فما هو موقفي. تقول بالتأكيد سوف أدافع عن مصدر رزقي وأمنع أي تعدي على صلاحياتي ومكانتي في المجتمع. ثم تردف قائلة بأن رجل الدين سيكون موقفه هكذا أمام العلمانية التي تهدد مصدر رزقه ونفوذه ومكانته في المجتمع.
في الحقيقة لا يمكن أن أخالف السيدة في مخاوفها وتساؤلاتها عن موضوع لم يتم التطرق اليه في مجتمعاتنا بشكل كاف ومجدي. فعلينا اليوم كعلمانيين أن نركز بشكل أكبر على موقع الدين ومؤسساته بعد العلمانية بعد ان تشبعت مكتباتنا العربية بالكتب والدراسات والمقالات التي تتناول دور الدين وإعاقته للتقدم او أهمية العلمانية في تطوير مجتمعاتنا وفي تحرير العقل العربي من قيود الاستبداد ومكامن الجهل والتطرف والتعصب الديني.
لا يمكن ايضا ان نركز على العلمانية كمنظومة متكاملة نريد تطبيقها في مجتمعاتنا العربية دون ان نفهم أن العلمانية واقع حداثي، يتطور تدريجياً منذ عشرات السنين، في كل مناحي الحياة، وهو، بموازاة العلمانية السياسية، يضع المجتمعات على طريق التقدم والسلم الاجتماعي. فعلمنة الواقع الاجتماعي إذاً هي ما تفرض التغيرات الاجتماعية، بمعنى أن توجهات المجتمع العلمانية لا يمكن ان تصب في خانة توليد التوجهات الدينية في المدارس والجامعات، بل سوف يتقلص التوجه الي كليات الشريعة والفقه مقابل التوجه الي التخصصات العلمية والفلسفية والصناعية، ليبقي لدينا الجيش العرمرم من الدعاة والوعاظ والذين على الحكومات حصرهم في اماكن الدعوة والافتاء الرسمية وإيقاف توظيف المزيد منهم والاكتفاء بما لدينا مع مراقبتهم قانونيا وتشريعيا لمنع أي تعدي على الافراد. كما وأن علمنة المجتمع تستدعي إلغاء تدريس الدين بصورة اجبارية في مؤسسات التعليم ليكون فقط خيارا فرديا. فمجتمعاتنا ولأنها دينية التوجه فإنها بالتالي تصنع وتخلق الامتداد الديني في مؤسسات الدولة، فلا يمكن ان تنجب نساؤنا فولتير وجون لوك وسارتر وهيغل طالما ان ثقافتنا متشددة دينيا وتمنع الفلسفة والحريات. وطالما أن علاقات الانتاج الاقتصادية والفكرية مازالت علاقات ريعية استهلاكية فإنها بالتالي لن تنجب سوى نسخ الصحابة والتابعين والاموات في التاريخ الاسلامي.
اما كيفية شكل المؤسسة الدينية في مجتمعاتنا العربية بعد تطبيق العلمانية وما هو دور ومكانة رجل الدين فيها؟..فهذا ليس من السهل الإجابة عليه، لغياب مراكز البحث العلمي المتخصصة ، ولأننا ومنذ قرون بعيدة مازلنا أسرى النمط الديني في السياسة والمجتمع وحتى الاقتصاد. فالمشوار أمامنا طويل لتمكين العلمانية في مختلف مجالات الحياة، وربما أكون متشائما بالقول بأننا نبتعد أكثر عن العلمانية ونقترب أكثر من نقطة الصدام الديني مع الحضارة البشرية. ولكن يمكننا دائما أن نزرع الأمل وأن نفكر جميعا بصوت عال ونحذر ونقدم الحلول فربما يأتي اليوم الذي تستوعب فيه الشعوب وتدرك أن خلاصها لن يكون بالدين وإنما بالإنسان والعلم والفلسفة والحريات.
فما هو دور الدين الحقيقي في مجتمعاتنا بعد العلمانية.. في الواقع لن يكون دورا معزولا عن الفضاء الاجتماعي كما يدعي كهنة الدين حين يحاربون العلمانية، نظرا لما يمثله الدين من حالة انسانية بشرية تجد في الدين ملاذا وخلاصا لآلام النفس والغيب والمجهول. ولكن طريقة التعاطي مع الدين هي الفيصل في تحديد دوره ومكانته. ففي الغرب لم يختفي الدين او الاديان المختلفة ولم يغب دور القساوسة والكنائس في الفضاء الاجتماعي، فهناك الجامعات المسيحية ذات التعليم اللاهوتي التي تخرج سنويا قسيسين ورهبان وغيرهم. ولكن ما حدث هو تقنين الدين في المجال الاجتماعي، بمعني اقتصاره على جهات معينة، غالبا ما تكون مؤسسات مسيحية خاصة وليست حكومية تقوم بالدور التبشيري ضمن قوانين الدولة وليس التعدي على علمانية الدولة. فعلى الصعيد الاجتماعي الثقافي، هناك دور مهم للجمعيات والمؤسسات الدينية، من تقديم إشباع للحاجات الروحية والنفسية للأفراد، وصياغة وتوجيه مطالب الجماعات الخاصة والأقليات، والحث على الوعي في القضايا الاجتماعية، إضافة إلى دورها في الحد من الجريمة والعنف بحكم موقف الدين من هذه الأمور. وهذه الأمور جميعها تحمل ميزانيات واقتصاديات لها مداخلها ومخارجها الخاضعة للرقابة الحكومية والشعبية ايضا.
لقد ولد دور الدين الجديد والمؤسسات الدينية في الغرب بعد صراع مرير مع رجال الكنيسة واندلاع ما سمي بالحروب الدينية والمحارق وانطلاق ثورة الإصلاح الديني والثورتين الإنجليزية والفرنسية، والقيام بمراجعات فكرية وفلسفية لدور الدين في الحياة العامة، وفي تدبير أمور المجتمع والسياسة. فتراجعت سلطة رجل الدين، لتفسح المجال نحو الموضوعية والعلم في ابتكار الحلول الناجعة في تدبير حاجيات الفرد داخل تنظيم محكم هو شكله وأساسه هو الدولة.
أما في مجتمعاتنا العربية، ونظرا كما أسلفت سابقا بهيمنة الدين على مفاصل الدول والمجتمعات، فما زلنا أسرى التناقضات والتأويلات والتفسيرات المختلفة، فلم نتوصل الي آلية تضع الدين في مكانه الصحيح، ولم نتقدم ايضا بوجود الدين كما نرغب حضاريا وعلميا. ان القطع مع الدين لا يعني بالضرورة عزله عن الفضاء الاجتماعي ولكن يعني بالتأكيد عزله عن المجال السياسي والقانوني والتشريع للمحافظة على مفاهيم ومبادئ الوطنية والمساواة والحريات. إن تزايد دور المؤسسات الدينية ومشايخ الدين ينبع من جهل المجتمع وتخلفه التاريخي ووقوفه في الماضي، وبالتالي تضخمت التجارة الدينية وصرفت الشعوب اموالا طائلة على الدجل الديني والغيبيات والمعجزات. فنمط الانتاج لدينا مقولب ومهنة رجل الدين من أغنى المهن ماديا واجتماعيا.
فمكانة الدين ومؤسساته ورجاله بعد العلمانية لن تكون مكانة مهيمنة بل مكانة روحية يحظى بها كل دين في كل مجتمع علماني، وبالمقابل سوف تختفي التجارة الدينية ومشايخ المعجزات، فالشعوب المتعلمة هي الشعوب التي تقضي بنفسها على الوهم والخرافة الدينية لتحافظ على دينها نقيا وخاليا من الموروثات البالية.
لذا فكل ما نحتاجه حتى تتقلص اعداد رجال الدين وكليات الشريعة والمراكز الدينية هو البدء بتوجيه الاجيال الجديدة نحو المفاهيم الحداثوية والقيام بتغييرات سياسية واجتماعية تطال التعليم ومؤسسات الحكم وتعزيز الديمقراطية ومبادئ حقوق الانسان، فهو الشرط الأساسي للقضاء على التطرف والتكفير والكراهية، والخطوة الأولى لبناء مجتمعات علمانية .. فالتغيير في جانب وإهمال جوانب أخرى هو كمن يحرث في الماء أو كمن يحارب طواحين الهواء.



#عبدالعزيز_عبدالله_القناعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا يحن العرب الي صدام حسين اليوم؟!!
- لماذا تتجه المجتمعات الخليجية نحو التطرف الإسلامي؟
- العقل العربي وحصار الدين والحاكم العربي
- الأخ رشيد وإخفاق الإسلام والمسلمين
- دونالد ترامب والكراهية الإسلامية
- احداث باريس وشهية المسلمين
- العلمانية مصدر الحياة
- الخوف من نقد المقدسات الدينية
- المواطن الكويتي والإرهاب الإسلامي
- أزمة لا يمثلون الإسلام بالعقل العربي
- دعوة الي التنوير
- بناء الإنسان العربي الحر
- العلمانية .. دليل الثورات العربية التي لم تكتمل
- معلمة كافرة وسيد يغتصب الأطفال
- التعليم المختطف من الدين والقبلية
- الإسلام لن يكون الحل أبدا
- اسلام البحيري والأزهر وأكذوبة الإصلاح الديني
- العلمانية والدين الاسلامي
- اليمن ومأزق التاريخ والدين
- ربع الشريعة وأصدقاء إعدام المسيىء للرموز الدينية


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالعزيز عبدالله القناعي - مكانة الدين في مجتمعاتنا العربية بعد تطبيق العلمانية