أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - وائل بنجدو - مُبادرات الحياة














المزيد.....

مُبادرات الحياة


وائل بنجدو

الحوار المتمدن-العدد: 5247 - 2016 / 8 / 7 - 17:55
المحور: كتابات ساخرة
    



في إحدى المَمْلكات الصَّغيرة و النَّائية، إنتظر وليُّ العهد بفارغ الصّبر وفاة والده ليرِث عنه المُلك. كان الأمل يحْذُوه، مع كلّ إنبلاجٍ لِفَجر يومٍ جديد، أَن يُفيق من نومه على بُشرى موت أبيه و إستلامه العرش. تَتالت السّنون سنةً تلو سنة و الرّجل يعيش على ذلك الأمل حتّى يئِس من نيل مُراده و الوصول لمُبتغاه بعد أن تجاوز عُمر والده المائة حَولًا. فأشار عليه مُستشاره، الذي يعتبره ذراعه الأيمن و المعروف بخبثه و دهائه الشّديدين، بأنّ الحلّ الوحيد أمامه هو قتل أبيه قبل أن يذهب عمره سدى و يضيع في الإنتظار. وافق وليّ العهد على إقتراح مستشاره و قتل أباه و إستقرَّت له أمور الحكم.
لكن المعضلة الكبرى التي واجهت الملك و مُستشَاره أنّ الحاكم الجديد قد أُصيب بمرض مُزمن و غريب بسبب تقدّمه في السّن، أجمع الأطبّاء أنّ لا شفاء منه، و هو "داء النَّوم". حيث كان الملك يُقضِّي أيّاما و ليالي و هو نائم حتّى تعتقد الرّعية أنّ ملكهم قد قضَى نحْبَهُ، فتعُمّ البلبلة أرجاء المملكة و تسُود الفوضى. لم يعجز المُستشار المُحنَّك عن إيجاد مخرج من هذه الورطة المُتواصلة: فكان، في كلّ مرّة يطول فيها نوم الملك، يُشِيعُ بين النّاس أنَّ مَلِيكَهم قد بَادَر بتغيير هذا الوزير أو ذاك، و أنّه بادر باتّخاذ قرار مَا في غاية الأهمية بهدف تحسين ظروف المعيشة في المملكة. كان المستشار يسمِّي هذه المُبادرات الملكيَّة: "مبادرات الحياة" لأنّها الوحيدة القادرة على إقناع النّاس أنّ الملك مايزال على قيد الحياة، و هي مُتنفّس المستشار و طوق نجاة الملك. و مع كلّ سبات جديد يدخل فيه الملك إلَّا و تطفو على السّطح مُبادرة جديدة من صُنع المستشار لتهدئة الأوضاع و إمتصاص حالة التّململ في صفوف الرّعيّة.
لكنّ صحّة الملك ساءت أكثر فأكثر مع مرور الزَّمن، و أصبحت فترات النوم التي تُلِمّ به متقاربة جدًّا، فوجد المستشار نفسه مُجبرًا على إجتراح مبادرات كثيرة في وقت وجيز ممَّا أرهق تفكيره و أَتلف أعصابه. فضَعُفت مبادراته و تقلّص تأثيرها في النّاس، و تسرّب خبر مرض الملك بداء النّوم فكثرت الإشاعات و ازدادت أوضاع المملكة سُوء.
و في إحدى المرّات دخل الملك الطَّاعن في السّن في سُباتٍ لم يسبق له مثيل، فسعى مُستشاره عبَثًا إيجاد مبادرة جديدة و متماسكة لاستعادة السّيطرة على الأوضاع التي لم يعد يحكمها أيّ منطق. و لم تَجُد قريحة المستشار المُنهك بأيّ مبادرة تُنقذه و تنقذ الملك الذي يغُطّ في نومه العميق غير واع بما آلت إليه الأوضاع من تأزّم. لقد إستنفذ المسكين كل أفكاره و مبادراته خلال فترات نوم الملك السّابقة.
طال إنتظار النّاس لمبادرة جديدة أو خبر يقين يأتي من القصر لكن دون فائدة، فإستبدّ الشّك و الغضب بهم. و تجمهر الرعية حول القصر و حاصروه و تعالت الأصوات دون إنتظام:
ــ أين الملك...؟
ــ لماذا لم يُقدّم الملك أيّ مبادرة منذ مدّة طويلة...؟
ــ ربّما مات الملك...
و بينما كانت الرّعية على تلك الحال من الفوضى و الإحتجاج حتى دفع أحدهم بوّابة القصر و هتف قائلا و هو يُشير بيده إلى داخل القصر: " الشّعب يريد إيقاظ الملك." فتبعه الناس إلى الداخل و هم يُردّدون وراءه " الشعب يريد إيقاظ الملك". إقتحم جمْعٌ غفيرٌ منهم غرفة نوم الملك فوجدوه مُمدّدا دونما حراك، فتوهَّمُوا خطأً أنّ الملك قد مات. حملوه على الأكتاف إلى أن وصلوا المقبرة و دفنوه. و بعد الإنتهاء من الجنازة و الدّفن بدأ بعضهم بالتّفكير و التّساؤل:" كيف سنعيش بدون مُبادَرات؟"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قَد يتساءل بعض القرّاء عن السّبب الذي يقف وراء توظيف أساليب الإيحاء و الرّموز و السخرية في هذه القصّة القصيرة . أجيبكم، أيّها القرّاء الأعزّاء، أنّنا نعيش في زمن "الإنتقال الدّيمقراطي" الذي يحقّ فيه للكاتب الحديث بصفة مباشرة لكن و لأنّ فترة الإنتقال قد طالت أكثر ممّا طال نوم الملك في القصّة أعلاه، فلقد خَيّرت أن أُبادِر بدوري باجْتِراح أسلوب جديد مثلما إجترح المستشار مبادراته.
أليس هذا زمن المبادرات الكثيرة في زمن الإنتقال الديمقراطي الطويل، فلماذا أحرم نفسي من حقّي في المُبادرة !؟



#وائل_بنجدو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنتفاضة الطّلابية 5 فيفري 1972 :الظّروف، الأسباب، النّتائج
- تونس : عن الصراع داخل الحزب الحاكم و تداعياته
- التّدخّل الرّوسي: جولة الضّرورة قبل تسوية الضّرورة
- تونس: المواجهة الكاذبة للإرهاب
- تونس في قبضة اليمين
- مات عبد الله بن عبد العزيز وبقي آل سعود
- القنيطرة: عَيْنٌ على سوريا وعلى فلسطين
- قراءة في نتائج الإنتخابات التشريعية و الرئاسية التونسية
- الانتخابات الرئاسية التونسية بعيون حركة «النهضة»
- حركة «النهضة» خطر في الحكم وفي المعارضة
- فوضى الإعلام التونسي
- تونس : الإنتخابات ليست حلاًّ
- عن مواجهة الإرهاب
- رؤوس أقلام
- لحظة الإنحياز
- حملة إنتخابية
- الإمبريالية و الإنتفاضات العربية
- الإسلاميون و تخريب الحركة الطلابية
- أهداف العدوان الإمبريالي ضد سوريا
- الوقوف أمام محكمة الشعب


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - وائل بنجدو - مُبادرات الحياة