|
كافكا .. وأشياء أخرى
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 5247 - 2016 / 8 / 7 - 17:55
المحور:
المجتمع المدني
المَرّة الأولى التي سافرتُ فيها بالقطار ، كانتْ في سنة 1962 ، وذلك من الموصل الى بغداد . كنتُ بمعِية المرحوم أخي ... كُل الذي أتذكرهُ من تلك الرحلة ، صوت صافرة القطار ، ذلك الصوت المدوي قبل الوصول الى المحطات .. كذلك كان طعم ونكهة قنينة ال " مشن " التي إشتراها لي أخي ، لا يُنسى ! . المرّة الثانية كانتْ سنة 1982 ، وأنا جُندي في حرب القادسية " الكَشرة " ، حيث ان القطار الصاعد من البصرة إلى بغداد ، ضّمني مع آلاف من الجنود المُجازين .. وكَم كانتْ فَرحتي حين نزل جُندي في محطة الناصرية ، فجلستُ في مكانهِ فَرحاً وغفوتُ سريعاً ، بعد الوقوف الطويل في القطار المُزدحِم ... غفوتُ حالماً ب ياس خضر مُوّدعاً حبيبته على " المْكَيَر " . طالما سمعتُ بالقطارات الحديثة ، التي تقطع المسافات ، بين الدول الأوروبية . ويا للعَجَب ، فلقد اُتيحتْ لي فُرصة ثالثة للسفر بالقطار .. وأين ؟ من برلين إلى براغ ! . نعم فلقد رَتَب لي مُضّيفي البرليني ، رحلةً إلى براغ بالقطار ، يوم الجمعة 22/7/2016 . في تجربتي الأولى ، كنتُ طفلاً .. وإنطبع في ذهني ، صوت الصافرة العجيب والمِشن اللذيذ . وفي المرّة الثانية ، كنتُ جُندياً مُنْهكا مضى عَلّيَ أكثر من ستين يوم بدون إجازة . أما هذهِ المّرة فالأمرُ مُختلف ، وهذهِ بعض الإنطباعات البسيطة : * في قطار الجنود قبل 34 عاماً ، كان " الفاركون " مُكتظاً بالجنود الجالسين والواقفين ، ورائحة العرق تفوح من الجميع . أما في قطار براغ ، فلقد كانتْ كابينتنا فيها ستة مقاعد ، ثلاثة في مواجهة ثلاثة . أنا ومُقابلي صديقي ، وأربعة فتيات جميلات ، ثلاثة ألمانيات وواحدة أمريكية . أؤكِد لكم ، بأن رحلة برلين براغ ، كانتْ أكثر راحةً من رِحلة بصرة بغداد . صّدقوني ! . على الرغم من ان صديقي كان يتبادل الحديث والنكات مع الفتيات ، بالألمانية ، وأنا جالسٌ " أطرِش بالزّفة " . * لأن الشمس لاتغربُ سريعاً ، في تلك الأنحاء ، فلقد إستمتعتُ بالمناظر الخَلابة طول الطريق ، ولا سيما في مُحيط " دريسدن " وكذلك داخل الأراضي التشيكية أيضاً . ....................... كنتُ أحلمُ بزيارة براغ منذ زَمَن ، من كُثرة ما سمعتُ عن جمالها ، وروعة ما كَتبهُ فيها الجواهري من أشعار . ولكن هنالك سببٌ آخر ، وهو رغبتي في رٌؤية النصب التذكاري ل " فرانتز كافكا " . كافكا الذي قرأتُ بعض رواياته قبل أربعين سنة .. حيث بَهرَتْني غرائبيته وإكتشفتُ أنهُ " مُختلِف " ، لكنني لم أفهمهُ . وبعد نضوجي العُمري والفكري ، أعدتُ قراءته ... وأعترف ، بأنني ما زلتُ أحسُ بِقِلة فهمي لهُ . رُبما ، غموض كافكا هو الذي يّشدني إليه ! . صديقي ومُضّيفي الطَيِب ، ذّكَرني ب " الفرضيات " أثناء الخدمة العسكرية . حيث جعلني أتمشى معهُ أكثر من عشرة كيلومترات ، وسط عشرات الآلاف من السياح من مُختلف الجنسيات ، وسط براغ .. وصولاً إلى الحَي اليهودي القديم ، القريب من النصب التذكاري ل " كافكا " . وبالمُناسبة ، فأن صديقي وحتى وهو في مدينته برلين ، كان يلبسُ بلوزةً مكتوبٌ عليها بالإنكليزية : كامب ديفيد ! . فكان طبيعياً أن يتسكع أمام المعبد اليهودي القديم في براغ برداءه الذي يستفزني ! . الفنان النحّات ( جاروسلاف رونا ) ، هو الذي أبدَعَ تمثال كافكا ، جالساً على نحتٍ لبدلةٍ فارغة لشخصٍ مقطوع الرأس واليدين ! . حتى نصبهُ التذكاري ، غريبٌ / رمزيٌ / غامِض . أرضيتُ بعض فضولي ... بإلتقاط صورة مع تمثال كافكا .. كافكا الذي ماتَ بالسل وهو في ريعان الشباب .. تُرى لو إمتدَ به العُمر ولم يمُتْ وهو في الواحدة والأربعين ، ماذا كان سيكسب الأدب العالمي من إبداعات فّذة ؟ ............ أخيراً ، هذا غيضٌ من فَيض أقوال كافكا : لا يزالٌ الليلُ ليلاً ، أكثر من اللازم إذا كان الكتاب الذي نقرؤه ، لايوقظنا بخبطةٍ على جمجمتنا ، فلماذا تقرؤه إذن ؟ الكتابةُ شكلٌ من أشكال الصلاة إبدأ بالصحيح وليسَ بالمقبول .
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غِطاء القِدْر
-
خُدَيدا
-
الوشائِج التي تجمعنا
-
مناخ أوروبا لا يُساعِدُ على الكِتابة
-
فُلان الفُلاني .. إنسانٌ طّيِب
-
على سبيل الإحتياط
-
التوقيت المناسِب
-
الضمير
-
بريطانيا تتحّرر من - الإستعمار - الأوروبي
-
كما هو ظاهِر .. كما هو حاصِل
-
بعض ملامِح الوضع في الأقليم
-
إتجاهات الرِياح
-
مُصارَعة إستعراضية
-
لن نغرَق
-
سوء فِهم
-
رواتب مُتأخِرة
-
لا تُعانِق الخَوَنة
-
ليسَ إلا
-
الشريعة .. وقَضم الأظافِر
-
مُلاحظات أولية حول إتفاقية كوران / الإتحاد
المزيد.....
-
مندوب الجامعة العربية بالأمم المتحدة: تضغط في كل الاتجاهات م
...
-
إنفوجراف | أحكام الإعدام في مصر خلال شهر فبراير لعام 2024
-
الصفدي: قبول فلسطين بعضوية كاملة في الأمم المتحدة انتصار للح
...
-
واشنطن: لن ندعم قبول عضوية فلسطين في الأمم المتحدة
-
روسيا تدعو مجلس الأمن لمنح فلسطين عضوية كاملة بالأمم المتحدة
...
-
نيبينزيا لمجلس الأمن: أقل ما يمكننا ويجب علينا القيام به هو
...
-
حملة مكافحة الفساد في الصين تطال النائب السابق لمحافظ البنك
...
-
رئيس نادي الأسير: الاحتلال يعاقب الأسرى الفلسطينيين بقانون -
...
-
الجزائر: حان الوقت لمنح فلسطين عضوية كاملة بالأمم المتحدة
-
أكسيونوف يؤكد اعتقال كافة المجموعات التخريبية التي تم كشفها
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|