أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الطيب طهوري - رمالا تعوي ريح ُ عباد*















المزيد.....

رمالا تعوي ريح ُ عباد*


الطيب طهوري

الحوار المتمدن-العدد: 5246 - 2016 / 8 / 6 - 20:00
المحور: الادب والفن
    


الرمال أمامنا وخلفنا محيط من الضمإ لا نهاية له، أرجلنا وأرجل خيولنا وجمالنا تتحرك ببطء شديد ..والضمأ بنا يشتد أكثر أكثر ..
حين بدت لنا الواحة من بعيد كنا ضائعين تماما..فتحنا أعيننا جيدا..وعانقنا الفرح الذي كان قد غادرنا منذ زمن بعيد..
خطانا الثقيلة، سرَّعناها..استعدنا بعض قوتنا وسرعناها..
لم تكن الواحة إلا صمتا عميقا حاصرنا من كل الجهات ونحن نتغلغل في الداخل..
المنازل الطينية التي واجهتنا تآكلت حيطانها ..والأزقة الضيقة التي استقبلتنا كانت رمالا تذروها الرياح..
قلنا: ليس لنا بد من الاستراحة هنا..واسترحنا..رمينا بما كان على ظهورنا وظهور خيولنا وجمالنا على الرمل واستلقينا بجانب تلك الحيطان..
عيوننا المتعبة راحت تمسح جهات المكان ،وعادت إلينا خائبة حين لم تر شيئا..
بعد لحظات وقفنا مندهشين ونحن نراهم ، رجالا ونساء كانوا يمرون بالقرب منا صامتين ..لم يحدثونا أبدا..لم يسألونا حتى من نكون، وماذا نفعل هنا..
على رؤوسهم وظهورهم أكياس وقفف يتناثر الرمل منها.. يذهبون بها مليئة ويعودون وقد أفرغوها والعرق يتصبب من جباههم ..
قال واحد منا متعجبا: مؤلم حقا أن يعيش الناس هكذا..وكررنا معا قوله:مؤلم حقا، مؤلم حقا..وسكتنا حائرين ..
سارالمتعجب وسرنا خلفه ..
انتبهوا إلينا حين حييناهم ..تجمعوا حولنا والتعب باد على وجوههم..رحبوا بنا كثيرا وتأسفوا على عدم انتباههم لنا..
قال أحدهم مبتسما : لقد جئتم في الوقت المناسب يا إخواني ،هيا بنا ،مؤكد أنكم عطاش وجائعون.. أمسك بيد كبيرنا ومشى ومشينا خلفهما..

كان العرس قائما..صراخ الأطفال يعلو الفضاء..وزغاريد النساء تعانق الآذان..بسرعة هيأوا مكانا لنا نحن الضيوف..مرحبا بضيوفنا ، مرحبا ، كرروها أكثر من مرة..
جاءونا بالماء أولا ، ثم كان الطعام..
الزغاريد التي توقفت لبعض الوقت عادت أجمل وأحلى من ذي قبل..الناي الذي كان غائبا حضر بحنينه والرقصات احتضنتنا من كل الجهات..نسي الجميع همومهم مع الرمال التي كانت تحاصر وجودهم، وغنوا ..
على إيقاع الناي رقصوا وذابوا في لحظات فرحهم القليلة تلك..وراحو جميعا ينتظرون ما سيسفر عنه امتحان العروس التي ستلاقي ممتحنها لأول مرة ..و..
فوجئنا بعجوز تلوح بالقميص، وتعرضه هنا وهناك..هذا قميص العروس ، قال كبيرهم لنا هامسا..
عادت الزغاريد بقوة..وخرج العريس متسللا خجلا..
انتهي العرس..انتهت لحظة الفرح المؤلمة..وكان الوقت ما بعد العشاء..عاد الناس جميعا إلى أعمالهم التي لا تنتهي..بدأ الرجال عمل الثرثرة ..وبدأت النساء عمل البيت..و..
من هذا الأعمى الذي يصيح متحديا ، آمرا ريح الأرض والسماء باقتلاع تلك الواحة؟
من هذا الذي ينادي: يا أولياء الشيطان ، إن أبواب الرحمة قد أقفلت ؟..
من يكون يا ترى؟.. تساءلنا في سرنا وعلانيتنا ..
وعرفنا السر حين بادرنا أحدهم: هذا عباد.. كلما سمع الآذان نزل إلى الواحة وصاح بما سمعتم وتسمعون..لا يتكلم حتى تنتهي الصلاة..وما إن تنتهي حتى يبادر إلى صياحه..
- أيها اللعين، تفوه عليك، لو كان الله يحبك ما جعلك أعمى..هكذا واجه أحدهم عبادا ، وكرر غيره نفس العبارة..
واصل الأحدهم ذاك: أنت السبب في كل ما جرى ويجري لواحتنا وأهلها أيها اللعين..
آخر رفع يده مهددا، وأعاد القريب منه اليد المرفوعة إليه: توقف عن تهديدك..يكفينا ما نحن فيه..
- إذا كان عباد هذا هو سبب ما يجري لكم ، فلم لا تبعدونه عنكم؟ تجرأ أحدنا طارحا سؤاله..
- لم لا تقتلونه؟ قال آخر ضاحكا..
أجاب واحد منهم: نخاف أن نبعده مرة أخرى.. صراحة، نخاف، أضاف مطأطئا رأسه متحسرا..
قال زميله: لقد أبعدناه، جعلناه أعمى..لكن الرمال غطت حقولنا بشكل لم نره طوال حياتنا..
صاح الجميع: لقد قتلناه حتى..لكنه لم يمت..منذ أن رأينا وجه الأرض هذه رأيناه هكذا..إنه جزء منا ، يعيش فينا..لكنه يحقد علينا..
قال ثالث، وكأنه يبرر لا معقولية ما يحدث لهم: كلنا نصلي ونقرأ القرآن، وننجب الكثير الكثير من الأولاد استجابة لأمر رسولنا الكريم (ص): تناكحوا تناسلوا تكثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة..جميعنا نصلي على النبي في غدونا ورواحنا ، ونستغفر الله في سرنا وعلانيتنا..كلنا نؤدي شعائر العبادة كما أمرنا ديننا، فلماذا يحدث لنا ما يحدث؟..طرح السؤال ونظر إلى السماء محركا رأسه يمينا وشمالا حائرا..
أضاف رابع :ولا نشتم عبادا هذا إلا حين يرمينا برمال ريحه العاتية هذه..
نظرنا إلى بعضنا متعجبين..هذه إرادة الله، علق أحدنا..
أكمل آخر: الصبر الصبر يا إخوتنا..استغفروا الله كثيرا وادعوه سيستجيب لكم وسيحميكم من ريح عباد هذا..و..
لم نر عبادا..ذرة رمل غابت في البعيد..سبحان الله، كيف اختفى وكان قبل قليل بيننا..كيف غادر المكان وعيوننا كلها كانت مسلطة عليه؟
- كيف اختفى عباد؟..كيف؟..تساءلنا حائرين ..وأين يقيم؟.. سأل بعضنا..
- أجابت إحدى العجائز باشمئزاز ظاهر: إنه يقيم باستمرار في مكان مرتفع خارج الواحة ليراها..ولكنه المسكين ( هكذا وصفته) أعمى..
- تساءلنا في السر: ترى، هل يقوم عباد بذلك الفعل ليشعرهم بوجوده؟..
- وأجبنا في السر أيضا: ربما..، ربما

بعد ريح صلاة الصبح اختفى عباد فجأة..تماما كما ظهر بيننا فجأة..
توجه أهل الواحة نساء ورجالا إلى حمل الرمال ورميها بإصرار أكثر أكثر..وكانوا غارقين في إصرارهم ذاك حين سمعوا صوت صبي يعلو مشيرا إلى أحدهم: زوجتك تلد يا سيدي..زوجتك تلد..
في اتجاه منزل الرجل سار الجميع وسرنا معهم..دخل النساء المنزل وبقينا نحن الرجال خارجه ..
- اسكتو..رجاء، اسكتوا..العراف بولعراس يتكلم..و..سكتنا جميعا..
- ستنجب هذه المرة ولدا..لكن..بشرط..
قالت العجوز: وما هو شرطك يا مولاي؟..
تأمل العراف وجهها مليا ..غاب في شطحاته قليلا، ثم: سموه المختار..
استبشرت العجوز فرحا عميقا..ابتسمت للعراف ..أعطته ثمن الكلام.. وعادت إلى الداخل..

كان الصمت يخيم على المنزل ..الإشارات وحدها تتكلم..ولا يسمع صوتها إلا النساء..
لقد جاءها المخاض..تحملي أيتها المرأة التي لم تنجب في حياتها إلا البنات..واصلي عملك وتحملي..امتحانك اليوم أصعب من كل صعب، تحملي..
- سبع بنات؟ يا للكارثة..
تحملي أيتها المرأة..تحملي..هذا امتحانك الأصعب..لا مفر لك منه، تحملي..
كان الجميع في انتظار المختار الذي سيأتي ويعيد للعائلة شرفها.. نعم، سيأتي..والعراف لا يخطئ..أبدا لا يخطئ..
سقط الجنين على الأرض..تلقفته العجوز بسرعة..ثمانية؟..
تغير لونها ..نظرت إلى المرأة المسكينة وشظايا الغضب تتطاير من عينيها..
دخل الرجل وأخوه المنزل حين سمعا صراخ الجنين..استقبلتهما العجوز باشمئزاز لا حد له..فهما كل شيء..
نزل الرجل على امرأته ، وهي تتخبط في آلامها ، بالضرب..لم يكن يعرف أين يضع ضرباته الشديدة..كل الأماكن فيها صالحة للجنون..
حين تعب من عمله قال لها: طالق..أنت طالق..
نسوة الواحة اللواتي سمعنه قلن ببراءة تامة: مسكينة، ماذنبها؟ إن الله هو الذي يخلق عباده..
ازدادت مأساة الرجل..صار أشرس، أشرس من ذي قبل..كلما دخل البيت ورآهن رفع رأسه إلى السماء متذمرا: لماذا يارب؟..ماذا فعلت لك؟..
يا وجوه الشر أنتن، ماذا أفعل بكن؟..يقول ذلك وينزل عليهن بالضرب بكل ما يجده أمامه من أشياء..هكذا صار ينتقم لنفسه ،وقد حرم من الذكر، منهن..
يسير في الأزقة يسمع : ترى، كيف ستزوجهن..مبروكة عليك الخطوبة يا رجل..ستجعل بناتك الثمانية وجودك في كل الجهات.. يخرج من الواحة يسمع..وهو يحمل على رأسه الرمل يسمع..
لم يكن يتكلم ليرد..كان يسير ويترك أصداء الكلام خلفه فحيحا يتعقبه..
وكان يسير حين سمع من خلفه: زوجة أخيك أنجبت ولدا..سيتزوج واحدة من هنَّ..على أخرياتك انتظارها لتلد أولادا آخرين..
عاد إلى المنزل..رجل الطفل اليسرى أقصر من رجله اليمنى ، أخبرته القابلة..لم يتوجه إلى زوجة أخيه ليبارك لها..لم يقصد أخاه ليهنئه بمولوده الأول هذا..إلى غرفته توجه..كشر في وجوه بناته وهو يلتقيهن في طريقه..دخل الغرفة وراح الشهيق يحاصره..
*
صباحا حمل الناس قففهم وتوجهوا نحو حقول الرمال..
وكان الوقت ظهرا حين صاح عباد فيهم: يا أولياء الشيطان..
وما كادوا يردون االكلام على عباد حتى رأوه من بعيد يحمل أمتعته ويتحرك مبتعدا عن الواحة..
من يكون يا ترى ؟ تساءل البعض..وجاءتهم الإجابة: إنه خوان..و..
تحركوا جميعهم نحو خوان: ماذا تنوي أن تفعل أيها المجنون؟..
- كرهت هذه الحياة المؤلمة، حياة الجوع والعطش والتعب اللامجدي، رد خوان..سأرحل، أضاف..
- إلى أين؟ سألوه كلهم دفعة واحدة..
أرض الله واسعة،أجابهم..
كيف تتخلى عن واحتك يا خوان؟ كيف تتركها؟..إنها وطن آبائك وأجدادك،كيف تتخلى عنا وعنها..كيف؟..
كرروا: الواحة وطن أجدادك، فكيف تتخلى عنها يا خوان؟ كيف؟..
نظر إليهم خوان واحدا وحدا: لقد قلتموها بأفواهكم : هذا وطن آبائي وأجدادي ، لا وطني..
نظر إلى البعيد: وطني حيث أعيش..
تحرك مبتعدا وتحركوا..
واصل سيره..و..عادو..ضربوا أكفهم ببعضها متحسرين، وعادوا..
كان عويل الريح حينها قد اشتد أكثر أكثر..
وكنا نحن الزائرين قد تحركنا مودعين مبتعدين أيضا..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عن فيلم العصفة للأخضر حامينا




#الطيب_طهوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لنبني حدائق ثقافية لأطفالنا
- العرب المسلمون يعيشون مخياليا في الماضي
- بين تقدم الغرب وتخلفنا..الأسباب أساسا
- تأملات فيسبوكية
- لماذا نحن لا ننتحر..لماذا هم ينتحرون؟
- الأقوياء المتنفذون وحدهم من يخدمهم الدين في الواقع
- لا خروج لنا من تخلفنا إلا بانفتاحنا على الحياة وتفاعلنا مع ب ...
- من المستفيد من دروس التربية الإسلامية في مدارسنا؟
- لماذا لم يتحرر المسلمون من استبدادهم ؟
- عالمنا العربي يتردى أكثر..ماذا نحن فاعلون؟
- عطشي الأرض..وأمطار يديك النار
- شيء من العشب..أو ..من دمي
- واصل غناءك أيها الرمل..واصلي رقصك أيتها النار
- النهر يعشق أيضا
- أطلال أخرى..
- مر من جسدي
- تلك الرسائل ما أروعها
- الفتى..كل هذا الجسد
- مريم
- أبجدية لخماسيات جزائرية


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الطيب طهوري - رمالا تعوي ريح ُ عباد*