أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفصل الثالث من الرواية: 7















المزيد.....

الفصل الثالث من الرواية: 7


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5245 - 2016 / 8 / 5 - 03:26
المحور: الادب والفن
    


الشرنقة، المطوقة كينونة البنت الفنانة مذ وقت إقامتها في المدينة الحمراء، هيَ ذي خيوطها تنحلّ رويداً. المدينة، سبقَ لها أن نصبت أكثر من فخ لفنانتنا الأجنبية، وذلك بوساطة رجالٍ رفيعي المقام يجيدون مهنة القوادة. إنها مهنة محترمة، يشهد عليها مشاهدُ شبه آدمية لشبان متشردين، أرهقهم التعهّر ليلاً، ممن يعثر المرءُ على بعضهم في أيّ مكان بمراكش وهم نائمون فجراً عند أبواب المحلات الحديثة، وظهراً داخل عربات اليد البدائية.. مشاهد أكثر امتهاناً للكرامة الانسانية، تشكلها غوانٍ يتسكّعن نهاراً على طول الشارع ذي الاسم الملكيّ وقد فاح منهن روائح عطور الرذيلة والفحش.. مشاهد لا يمكن تصوّرها في مكان آخر، لبنات قاصرات تقف إحداهن مع قريب، شقيقاً كان أو أباً، في انتظار عربة أجرة توصلها لنزل سياحيّ؛ أو بنت أخرى، بصحبة شقيقتها أو والدتها في هذا المقصف أو ذاك، يُزاوَدُ على سعر مفاتنها بحجّة رقصة شرقية بريئة وعلى مرأى من أعين نهمة لأعرابٍ خليجيين.
مهنة الفن، وخصوصاً الكتابة، لا يمكن إلا أن تثير السخرية في مدينةٍ يتعهّدُ شؤونها رجالٌ رفيعو المقام، يحتقرون أيّ شيء يُذكّر بالثقافة. فبلغ من كيدهم، بحَسَب الصحافة المحلية، أن يفكّروا بإزالة ساحة جامع الفنا بهدف تحويلها لكراج سيارات كبير. حجّة هؤلاء، ضد أهم مَعْلم ثقافيّ، كانت من التهافت أنّ الأهلين راحوا يتندرون بالقول: " الساحة، هيَ من ينشر الخلاعة والفجور وليسَ المقاصف والشقق المفروشة في حيّ غيليز! ". هذه الساحة، على المنقلب الآخر، جازَ لها أن تُبهرَ أدباء شهيرين، مثل " خوان غويتيسولو " و" بول بولز " و" إلياس كانيتي " *، كما ظهر ذلك في أعمالهم الإبداعية. كلّ منهم، برؤيته وأسلوبه، نظرَ إلى حلايقي الساحة كضَربٍ من تَقَمُّصٍ دائب لشخصية الشاعر الشفهي، أو الملحمي، المستمر منذ أيام الإغريقي شبه الأسطوري؛ " هوميروس ": بصرف النظر عن أيّ شطط في آراء أولئك الأدباء الغربيين، يبقى لدينا حقيقة واضحة؛ وهيَ أنّ صاحبُ الحلقة في ساحة جامع الفنا *، كان امتداداً أصيلاً لثقافة اسلامية صوفية، تمثلت في شاعرٍ جوّال كان يتنقل عبرَ العصور بين القصبات والقرى، مُتنكّباً ربابة يعزف عليها بين حينٍ وآخر.
إلا أنّ أولئك الرجال، الرفيعي المقام، يبدون دوماً على استعداد للتعرّف على كاتبة أجنبية؛ طبعاً إذا كانت صبيّة مليحة الملامح والقوام، لدرجة أن تنسيهم خصلةَ النفور من الثقافة. بل ومن الممكن لهم، وفق ذلك الشرط الأستاطيقي، أن يغفروا لها التعبير أدبياً بلغة منحطّة كاللغة العربية. هؤلاء الرجال، الذين يزينون مكاتبهم بنسَخ من لوحات أصلية لفنانين مغاربة معروفين، سيعربون عن فائق الدهشة ما لو علموا بأنّ أديبتنا الأجنبية لديها أيضاً موهبة بالرسم. عندئذٍ، سيغرقونها بكلمات الإطراء والمداهنة ( بما أنها أنثى تحبّ ذلك! )، قبل أن يبادروا إلى تعريفها برجال أعمال أوروبيين يقدّرون الفنّ بعلامة علاقاتهم الشخصية بكثير من رموزه في المغرب والخارج. نحن لا نتكلم عن قديسين، فيما لو أشرنا إلى أنّ أيّ عاهرة ينحني لها البوابون والوصفاء عند نزولها من سيارتها الفخمة، إنما هيَ صنيعة بشكل أو بآخر لأولئك الرجال الذواقين والمرهفين المشاعر: الخيانة الزوجية، المتبادلة بين أفراد هذه الفئة، كان يُنظر إليها كمنشّط للرغبة الجنسية أكثر من كونها خطيئة. فكلّ يؤدي فروضَ العبادة للغفور الرحيم، وكلّ يعود إلى بيته في آخر الليل لكي يلتصق بزوجة بدينة وردية البشرة ـ كإناء فخاريّ عملاق في إحدى الرسوم التقليدية، المحلية.

***
كنتُ أفضّل، ولا غرو، أن يُنظر إليّ بصفة قارئة طالع لا منشّطة جنس. صفتي الأولى، لعلكم أدركتم باعثها؛ وأعني الإحالة إلى حادثة اكتشاف كنز الشيخ في ذلك الدوار. هذه الصفة، من ناحية أخرى، تضعني على نحو ما في مكاني الصحيح طالما أن القراءة هي نتاج الكتابة. والعكس، صحيح بطبيعة الحال. من ناحيتي، لم يكن لديّ أي دليل ضد الصهر الفرنسيّ لكي أشتبه بأنها ليست محض مصادفة، واقعةُ لقائي الأول مع " غوستاف "؛ ثمة، في رياض باب دُكالة. واقعة الكنز، كان قد مضى عليها حوالي عشرة أيام، لما رأيتني مجدداً في سيارة مستأجرة يقودها " إريك " في طريقنا هذه المرة إلى الرياض. ذلك جرى في جو دافئ، جدير بأمسية الإحتفال بتدشين النزل بعد حوالي شهر من بدء أعمال الترميم. قبلاً، كنتُ قد تعرفت على المكان عند مرافقتي ذات ظهيرة لكل من " للّا بديعة " وكنتها. إذاك، استقبلنا " غني " على عتبة بهو الرياض، العتم نوعاً. أشغال الجص، من تركيب ولصق، كانت تجري بهمّة من لَدُن عمال بإمرة الشاب الموهوب. في فناء النزل، ذي الردهة القائمة على الأعمدة والأقواس، ألقينا نظرة عامة على العمارة التقليدية ذات النمط المغربيّ الأندلسيّ. البناء المكون من ثلاثة أدوار وترّاس، كان شأن معظم المنازل التقليدية مربعَ الشكل، أبواب ونوافذ حجراته تنفتح إلى الداخل لمنع تسرب الحرارة صيفاً. وأذكر جلوسنا في التراس حول طاولة كبيرة، كان سطحها المكوّن من قطع موزاييك دقيقة يحتفي بعدّة الخمرة والمازة. " للّا بديعة "، حدجتْ صهرَها بنظرة مستاءة حين وضغَ أمامي كأساً من الويسكي، مُتسائلاً ما إذا كنتُ أرغب بإضافة ثلج. أما صهر المستقبل، " رفيق "، فإنه كالعادة تحصّنَ وراء أسوار تقيّته.
صفتي كعرّافة، أو قارئة طالع، ربما كانت قد سبقتني في الوصول إلى باب دُكالة في تلك الأمسية، المنذورة للاحتفال بتدشين الرياض. المحتفلون في التراس، وأغلبهم من المقيمين الفرنسيين، كانوا موزعين على مائدتين كبيرتين، ممتدتين في نسق عريض واحد، يشملهما فرش أبيض ناصع، وقد تراصفت عليه آنية الطعام والشراب يتخللها شمعدانات وزهريات. قالب كاتو من عدة طبقات، كان يتوسط طاولة مركونة إلى جانب، يُحدق به دلو فضيّ مزخرف احتضنَ زجاجة عملاقة من الشمبانيا. الأضواء الخافتة والملونة، أجبرتني على التحديق ملياً في وجوه النسوة الحاضرات لتمييز ملامحهن. على الأثر، صحّ لديّ أن ثلاثة على الأقل ممن كنت قد اشتبهت بكونهن فرنسيات، إنما هن في الحقيقة غير ذلك. إحداهن، لدهشتي، لم تكن سوى مواطنتنا السورية " سوسن خانم ". كانت جالسة برفقة زوجة " سيمو "، التي سبقَ وانقطعت عن زيارة الفيلا لسببٍ ما. هذا الأخير، كان هوَ من استقبلني على مدخل التراس فقبّل يدي على الطريقة الأوروبية، ثم قادني بطف ورهافة إلى المائدة. يتعيّن القول، أنّ مواطنتي الثرية، شاءت أن تكون الليلة بأبهى حللها وزينتها وكما لو أنها تبغي التربّع على عرشٍ للجمال. كانت تتألق بقفطان مغربيّ أخضر فاتح، كلون عينيها الرائعتين، مضفية الإبهار عليه بلمساتٍ من التطريز الذهبيّ علاوة على المسامات الماسية. لا الجنتلمان " سيمو "، ولا زوجته الماكرة، وجدا لديهما الجرأة لتقديمي إلى المرأة الثرية. من فعل ذلك، كان " إريك " وببساطة خلقه المنتمي لشواطئ البحر المتوسط. قبل ذلك، كان شريكه العراقيّ قد استقبلني على عتبة الباب الرئيس للرياض، مُعتذراً عن مصافحتي لأن كفيه ملوثتان بآثار المطبخ.
" أعتقدُ أننا التقينا، قبلاً؟ "، تساءلت مواطنتنا برقة مُتكلفة وقد فاحَ من ثناياها عبقُ عطرٍ راقٍ. ثم عادت للقول فوراً: " آه، نعم! لقد رأيتكِ في رواق الفنون، في أمسية شعرية. أليسَ كذلك، حقاً؟ ". نبرتها، كانت تنتمي للساحل السوري، إنما للمدينة وليسَ الريف. غيرَ أنني لم أرتح لطريقة " الخانم " في الكلام، المفصحة عن ثقة كبيرة بالنفس، وربما التعالي أيضاً. كما أنه لمَ يخفَ عليّ، تجاهلها للقاءنا العابر على مقربة من الفيلا مؤخراً. لعلها لاحظت تحفظي، والمُعبَّر عنه بإيماءة من رأسي تؤمّن على قولها. إلا أنني ما عتمتُ أن فاجأتها، عندما أجبتُ مُبتسمة: " ولكنني أعرفكِ، حقاً، وذلك بفضل صديقة لكلينا، مشتركة! "، قلتها مومئة برأسي نحوَ المرافقة هذه المرة. عندئذٍ، تغلغلت في عينيّ نظرةُ " الشريفة "، الشبيهة بنظرة الحيّة السامة. هذه، انبرت متناهضة بثقل مؤخرتها، لكي تدعوني في شيء من الإرتباك إلى الجلوس بمكانها. " إريك " بدَوره، بادر إلى تحريك الكرسي إلى الخلف مُتيحاً لي الجلوس. وما لبث أن تركنا حالاً، ما أن ظهرت على المدخل ضيفة جديدة. صيحات ترحيب واستحسان بالفرنسية، رافقت هذه الضيفة النحاسية السحنة، المُبالغة بالأناقة والزينة. ملامحها وحركاتها، كان من الممكن أن تُعزى للغرور والتكبّر طالما أن الحاضرين خاطبوها بصفة " البرنسيسة * ". هذه الصفة، المُرَددة بمزيدٍ من الإجلال والتملق في آن، رجّحت لديّ أن الأمرَ يخصّ فعلاً أميرة حقيقية.

***
ثمة أريكة مشغولة بالقصب، مُظهَّرة بقماش الشاموا، كانت مسنودة على درابزين التراس المُشرف على صحن الدار. وقد دُعيت الضيفة الرفيعة المقام للحلول هناك، يُحيطها حاشية من ذوات البشرة القاتمة، اللواتي بَدَوْنَ كسليلات جنس عبيد. غير أنّ " الأميرة " هبّت على الأثر من مجلسها، لتلقي نظرة إلى صحن الدار: " كان عليكم الإحتفال حول المسبح، فالطقسُ مناسبٌ لذلك "، خاطبت المضيفَ الفرنسيّ بنبرة آمرة مُتماهية بالمرح. ثم أردفت تقول بخفة: " ولكنكم، معشرُ الفرنسيين، أكثر رومانسية من الأمريكان! ". أثارت جملتها الأخيرة، مثلما هو متوقّع، عاصفة من الردود الضاحكة. " إريك "، بدا وكأنه يتنفس الصعداء من خلال قهقهته المجلجلة. وإذا بمواطنتي الثرية، تخاطبني بصوتٍ منخفض: " إنها تُسرّ كثيراً بالمداهنة، كأيّ امرأة صاحبة نزوات ". ثم عادت لتقذفَ لذعة أخرى في أذني: " ولكن، بشرط أن يكون أولئك المراؤون من الكَاوري*. أما مواطنوها، فما عليهم سوى طأطأة الرأس والخضوع للعصا! ". قبل وهلةٍ، كنتُ قد استغربت من موقف " الخانم "، عندما امتنعتْ عن التوجّه إلى حضرة صاحبة السمو للترحيب بها. إلا أنني آثرتُ تجاهلَ ملاحظاتها الفائتة، مكتفيةً برسم بسمة مبهمة على فمي. في حضرة هذه المرأة المتسلطة، ذات الملامح الغامضة والدهاء الواضح، فإنّ أفضلَ شيءٍ يفعله المرءُ هوَ الإصغاء لا الثرثرة.
مضى هزيعٌ آخر من الأمسية، في جوّ أليف من المجاملات والطُرَف. في الأثناء، ثقلت رؤوس البعض بسبب الإفراط في شرب الكحول. من ناحيتي، لم أتناول سوى كأسَ شمبانيا واحداً قبل العشاء. معدتي، المنتمية لمناخٍ مغلق، كان من الممكن أن تتمثّلَ أقداحَ أخرى من النبيذ لو أنّ الشهية ساعدتها. فأطباق الطعام، كان جلّها من ثمار البحر المحيط؛ أسماك متنوعة، قريدس رويال، كالامار فضي، محار أسود، كافيار وردي الخ. في وقتٍ تال، عندما بدأتُ أغرفُ الترفَ بملعقة ذهبية، أضحتْ تلك الأطباق من وجباتي الأثيرة. شخصٌ آخر، بدا عن بُعد وكأنما الشرابُ قد أثّر عليه بشدّة: " غني "؛ الذي جازَ له مقارعة الخمرة على الرغم من أنه دَيّنٌ وحريصٌ على أداء طقوس العبادة. بيْدَ أنني أستدركتُ حالاً، مُحيلةً الأمرَ إلى خُلُق المجتمع المغربيّ، الشبيه بزربيةٍ أصلية قادرة على امتصاص أيّ سائل، مهما يكن غريباً، طالما أنّ الشمسَ كفيلة بتجفيفه.
كنتُ عائدة من حمّام التراس، حينَ عمدَ أحدهم إلى توقيفي ليخاطبني بصوتٍ جهير وفرنسية جميلة: " لستُ قارئاً للطالع، ولكنني أراهنُ أن فتنتكِ النادرة تنتمي إلى بلادٍ ملتصقة بقارتنا الأوروبية ". إذاك، قدّمني " سيمو " للرجل الجريء وهوَ يقول ضاحكاً: " ولكنّ المغرب يلتصقُ أيضاً بأوروبا، يا مسيو غوستاف؟ ". تريّث الآخر بالجواب، ريثما يقبّل يدي بشفتيه الرطبتين: " آه، نعم. لقد نسيتُ أنّ الأندلس ستعود إلى حضن المغرب الإسلامي عاجلاً أو آجلاً! "، قالها بنبرة جاهدَ ألا تكون ساخرة. فإنّ " غوستاف " هذا، كما سأعلمُ لاحقاً، كان قد أشهرَ إسلامه مذ عقدْ قرانه على أولى طليقاته المغربيات، الثلاث. عند ذلك، تقدّم " إريك " ليهمسَ في سمع ضيفه بضع كلمات. على الأثر، رفع " غوستاف " رأسه نحوي ليعاود مخاطبتي: " يا له من اتفاق؛ فإنني تحدثتُ عن قراءة الطالع، دونما معرفة أنني في حضرة عرّافة! ". فما أن سمعَ بعضُ الحاضرين كلامه، إلا وضربوا حولي نطاقاً من الفضول حدّ اللجاجة. غير أن " غوستاف "، وقد بدا لا يقل عنهم اهتماماً، استطاع تشتيت هؤلاء الفضوليين بدالّة وجاهته. دعاني بلطف إلى الجلوس، وما عتمَ أن طلبَ مني قراءة طالعه. كان سهلاً عليّ أن أنهضَ للعودة إلى مكاني، تاركةً هذا الغندورَ المُتصابي بصحبة خلانه. ولكنّ احساساً مبهماً، حسياً أكثر منه روحياً، استيقظ على غرّة في داخلي. عندئذٍ، تفكّرتُ برهةً وقد عنَّ لي قبول التحدّي.
" لستُ بالخبيرة جيداً بهذا الضرب من العلم "، قلتُ أخيراً للغندور بشيءٍ من البطء. تشديدي على مفردة " العلم "، كوني أتكلّم مع رجلٍ أوروبيّ. ثم أضفتُ للفور: " على أنني لا أمانع من تلبية طلبك ". حينما ذكرتُ له أنه من برج الجدي، كوصيفه المغربيّ " سي محمد " سواءً بسواء، فإنّ حجر الدهشة أطارَ صوابه: " لقد عرفتِ أيضاً اسمَ خادمي؛ مع أنها المرة الأولى، التي يرافقني فيها إلى سهرة خارج المنزل! ". ثم أردفَ قائلاً بنبرة رجاء: " أما كشف طالعي، فأتمنى أن يتمّ في خلوة.. أعني، في مناسبة أخرى ". الوصيف الأسمر، المسنّ نوعاً، ما لبثَ أن عرضَ بيدٍ مرتعشة بطاقته الشخصية. فسرتْ حينئذٍ همهمة بين الحضور القريبين، معبّرة عن الإعجاب والإستغراب معاً. من مكانها، في صدر المائدة، رشقتني " الأميرة " بنظرة ملية فيها ما فيها من مغامض. كذلك فعلت مواطنتي الثرية، والتي هزت لي رأسها كنوعٍ من التشجيع ربما. هذا الجوّ المنسجم، الحماسيّ، شاءَ " غني " أن يبدده باندفاعه إلى القهقهة في وقاحة: " قارئة طالع؟ مرحى، مرحى! "، رددها ساخراً بفرنسية حاذقة قبل أن يتابع بنبرة عدوانية: " ألا فاعلموا، يا أصحابَ الشأن العالي، أنّ ما جرى أمامكم لا يعدو عن كونه ضرباً من ألعاب الخفّة؛ ولكن الفكرية لا اليدوية. فأغلب مواطنينا، المسنين، يحمل كل منهم اسم سي محمد. مثلما أن جميعهم تقريباً مجهولو تاريخ الولادة، مما استدعى تسجيلهم في خانة اليوم الأول من السنة! ". خيّمَ الوجومُ على الجميع، قبل أن يتحرك " سيمو " لسحب ابن شقيقته عنوةً من المكان. هنا، قال " غوستاف " بصوت عالٍ كي يسمعه الكل: " دَعونا من كلام ذاك الولد السكران، الأحمق. فأنا، كما تعلمون، لا يمكن أن أكون مجهولَ تاريخ الميلاد ". ثم أعقبَ قائلاً بنبرة دعابة: " خصوصاً، وأنكم احتفلتم معي قبل بضعة أشهر بعيد ميلادي التاسع والثلاثين! ".
............................................

* كتّاب غربيون، عاشوا في المغرب
* أي الحلايقي ( الحكواتي )
* وردت أساساً مكتوبة بالفرنسية
* أي الأوروبي النصراني



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل الثالث من الرواية: 6
- الفصل الثالث من الرواية: 5
- الفصل الثالث من الرواية: 4
- الفصل الثالث من الرواية: 3
- الفصل الثالث من الرواية: 2
- تخلَّ عن الأمل: الفصل الثالث
- سيرَة أُخرى 37
- الفصل الثاني من الرواية: 7
- الفصل الثاني من الرواية: 6
- الفصل الثاني من الرواية: 5
- الفصل الثاني من الرواية: 4
- الفصل الثاني: 3
- الفصل الثاني: 2
- الرواية: الفصل الثاني
- سيرَة أُخرى 36
- الفصل الأول: 7
- الفصل الأول: 6
- الفصل الأول: 5
- الفصل الأول: 4
- الفصل الأول: 3


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفصل الثالث من الرواية: 7