أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات إسبر - قصائد تجرح العين















المزيد.....

قصائد تجرح العين


فرات إسبر

الحوار المتمدن-العدد: 5243 - 2016 / 8 / 3 - 10:55
المحور: الادب والفن
    


قصائد تجرح العين

محمد سعيد إسبر


بين بحرٍ يمتدُ غرباً وجبال ترتفع شرقاً اختارت قصابين مكانها ،وهنا ك على السفح الشمالي المتدرج كان البيت الذي ولدت فيه الشاعرة فرات إسبر بين أبوين جمعا ما قاله أبو تمام :
فقسا ليزدجرا ومن يك راحما فْليقسْ ُ أحيانا على من يرحم .
كانت فرات تحب الأزهار وتجمعها ، وتطعم العصافير بنثر الحبوب لها وتسكب الماء على شجيرات البيت وأذكرها تماما ًعندما جاءت إلي راكضة تصرخ :
أبي أبي شجرة الرمان قالت لي شكراً بعد أن سقيتها بالماء ، فأسألها هل سمعت صوتها ، فتجيب نعم نعم يا أبي .
ربما كانت هذه المشاعر ارهاصا بشاعرية صاحبها ،فكثير من الشعراء تكلموا عن طفولتهم بمثل هذا أو أكثر وتعدد ت عندهم الارهاصات الدالة على شاعريتهم أو شعريتهم ولقد برهنت فرات إسبر على أنها واحد من هؤلاء وهذا ليس مستغربا فهي حفيدة شاعر ، فلقد كان جدها شاعرا ، يعلم اللغة العربية لابناء جيله وله ديوان شعر في التصوف كما أنه نظم الشعر السياسي والاجتماعي وقد نشر شعره في مجلات كانت تصدر بالمهجر وأيضا في مجلة العرفان المشهورة في وقتها .

في مثل هذا المنُاخ نشأت فرات إسبر . درست الحقوق في جامعة دمشق وقبل أن تتخرج بعامٍ كان عليها لأسباب سياسية وعائلية أن تهاجر إلى نيوزلندة .

وجدت فرات في منفاها بان الشعر هو صديقها الوحيد ، لذلك بدأت تتأمل في ذاتها وفي العالم ليتحول هذا التأمل إلى قصائد تجرح العين وباكية .
قبل الدخول في عالم فرات إسبر الشعري ، لابد من الحديث قليلا عن الشعر لنر ى موقعها منه .
الشعرفن عظيم يشترك فيه جميع البشر ، حتى أنه يمكن القول أنه ما من مخيلة لأنسان في هذا العالم وإلا فيها حالة شعرية ما .
وكأن الشعر فطرة إنسانية أن عجزت اللغة عن أخراجها إلى الوجود فأن المشاعر تخرجها في اشكال مختلفة غير اللغة كالرسم والنحت والموسيقا وكل اشكال التعبير الفني .
فالشعر عمل الروح وإبداعها كما الطفل يتخيل قبل أن يتعقل والفنان عندما يغير ويبد ل في عمله الفني فأنما يغير ويبد ل بخياله لأن الخيال هو الأساس في العمل الفني .

وحتى يومنا هذا لا يزال بعض المذاهب والأديان مرتعا للخيال بل أحيانا للخرافة ، وبما أن العقل عاجز عن أختراق الغيب فقد افسح للخيال أن يقوم بهذا الدور وهنا في كل هذا لا يهمنا إلا علاقة الخيال بالشعر
أذا فما هو الشعر :
قالو ا : إن الشعر لا يكون شعرا ً ألا عندما تتحرر العبقرية البشرية وتنطلق على سجيتها وتتحلل من القيود والأصول وتخفف من أغلالها ويصبح الشعر حالة نفسية يصدر عن صاحبه كا يصدرُ تغريد الطائر عن الطائر وكا يصدر خرير الماء عن الماء وكما يقصف الرعد ويهب النسيم .
وهناك من قال أيضاً : أن الشعر فن موضوعي وغاية في ذاته همهُ نحت الجمال أو خلقه واستخراجه من مظاهر الجمال في الطبيعة أو خلقه على تلك المظاهر وأصحاب هذا الرأي يحدُّون من دور الخيال الذي يقول فيه" شيلنج " : هو الملكة التي تمكن الأنسان من الوصول إلى الحقيقة وهو القوة القادرة على التوفيق بين المتناقضات وعلى رؤية الوحدة التي تختفي وراء هذه المتناقضات .
ومهما قيل فإن ّ الشعر فن ُّ عظيم سابق على جميع الفنون وإن اختلاف أراء النقاد واضطرابها فيه دليل على هذه العظمة .

فرات إسبر تسبح في عالم الشعر ، في مياهه ورياحه ، أشجاره وأزهاره وشموسه وأقماره في ناسه وهمومه وأحلامهم وأمنياتهم ، تسبح في خوفه وأمنه ، رضاه وغضبه وهي في سباحتها هذه تسبح معها الأشياء ، إنه عالم الشعر ، أمواجه الأحلام وسماؤه الخيال وزبده ، عواطف تتسع لتلف بعباءتها المرأ ة بمآسيها ، والزمن بكل وجوه العابس والضاحك منها ، الأبيض منها والأسود ، ثم بعد ذلك تنسج من خيوط هذا العالم ، نفسها وجسدها وأحلامها أقرأ دواوينها :
مثل الماء لا يمكن كسرها
خدعة الغامض
زهرة الجبال العارية
نزهة بين السماء والأرض
لتلقى شاعرة ً: من ملوحة الأيام جُبلت ، في رحيق الورد اختبأت ، وفي ساعة الفيض جاءت وفي خوف الزمن ولدت وعلى أبواب الانهار تو ضأت ، مغسولة من و الآثام إلا من أثم الحب . هكذا تتحدث عن نفسها في أحدى قصائدها .
وفي هذا الوله العارم تعلن طهارة حبها :
في قلبي تذوب العناصر وتتجّدد بحبي لك ِوأغزل لك من عباءة أوردتي خيوطا ً تصل إليكِ وتخفق باسمك وفي بحيرات العشق ساعة يخرج النبض متدفقا بدمه ، أغسلك من كل الادران والاوثان وغبار الزمن وأمد إليك قامة تصلك ولا تصلينها من الحنين والموت . *من ديوان مثل الماء لا يمكن كسرها ص29 .
يرى المـتأمل جيدا أن هذا الشعر ومثله ، غلبت عليه نزعة تصوفية من نوع آخر ، إن لم يكن تصوفا ً بالعمق ، فهو تصُّوف لغوي وفي هذه الحال ألا نستطيع أن نقول :
إذا تصوفت اللغة تصوّف معناها وإذا تصوف معناها كان صاحبها متصوفا ً ؟
لعل غربة الشاعرة منحتها هذه السّمة في شعرها كما منحتها هذا الطواف اللامحدود في عالمها الشعري الذي لم تجني منه غير الشكوى والكأبة اللذين هما عمُقّيا ً جوهر شعرها .
ومن قصيدة لها بعنوان تشكيل من ديوان مثل الماء لا يمكن كسرها صدر 2014
القلم الذي أمامي يمشي بقربي
يتمايل
يهمس في أذنيَّ: اقبضي علي ّ
عندي أجمل ُ الألوان
وممحاة تأتي إلي ّ تهمس في أذني
امسحي ذلك الذي أمامك
أنا أصنع لك البياض .
ماذا تريد الشاعرة غير تغيير هذا العالم ، أن يُمحىَ قديمه الأسود ويحل محله عالم أبيض جميل .
القلم يقول لها : عندي أجمل الألوان ، فهل هذا إلا رفض لألوان لم تعد صالحة ً إلا للرفض وما هو هذا البياض الذي ستصنعه الممحاة ؟ هل هو إلا البياض الذي تنشده الشاعرة فتغير ُ وجه عالمها الذي لم يعد مألوفا لديها إنه عالم ٌ يحتاج إلى بياض جديد يعطيه شكلا جديدا .
أمسكي أيتُّها الشاعرة بممحاتك وأمحي كل قبيح وأنتم أيُّها الشعراء اجعلو ا قصائدكم مماحي لسواد هذا العالم الذي يتعفن بقوة الطغاة وفساد المفسدين .
في ديوان الشاعرة نزهة بين السماء والأرض " صدر عن دار بدايات "
نعثر على الروح المعذبة :

هُبي ّ يا رياح
ضيقة سمائي
من يوسّعُ الأبواب .
وفي مقطع آخر :
روحي حديقة
يزورها الموتى
ويقطفون أزهارها
وأيضا تقول :
كيف أروُّض أقدامي على النزهة الأخيرة في حديقة الحياة
كل ُّ الطرق تؤدي إلى فوضى الروح .
بهذه الصور السوداوية لهذا العالم الذي تحسه الشاعرة تطلع علينا فتدفعنا تلقائيا لأن نكون معها في صف واحد ساعين جادين لتغيير هذا العالم ومن غير الشعراء يقدر على كشف قبح هذا العالم وتآكله؟
في قصيدتها " وحشة الملح "نرى الشاعرة في عالمها ، عالم التماسيح ، سماؤه بلا أبوب ولم تعد النجوم تنجب ، كأن مذبحة وجودية قضت على كل أمل
طواحين الرأس تدور
استطعم الأيام ملحاً
في الفراغ أقدامي تدور
السماء لم تعد تنجب النجوم .
فهل ترى الشاعرة أن هذا العالم فقد نوره وأن السماء أصبحت عاقرا ً لا تلد ُ إلا الكوارث والويلات أم أن ما تقوله هو إرهاص بما حدث لموطنها سورية ، علما أن هذه القصيدة من ديوان طبع في 2011 وهو العام الذي بدأت فيه عواصف الويلات والكوارث تهب على أرض سورية فاجتاحت كل شئ وما تزال حتى لحظة كتابة هذا الكلام وقد صدقت الشاعرة فإن تماسيح العالم كله فتحت أفواهها لتبتلع وطن الشاعرة الأمر الذي يبرر أحساسها المتفجر في هذه القصيدة معلنة ً أنها تركت أزهارها وتركت أوراقها وأنها تبكي كالماء .
تقول في قصيدة أخرى لتؤكد ما سبق :
احرقي أحلامي أيتها الشمس
فأنا غابة ٌ مفتوحة على الهاوية
وتتابع :
العمى يمر على البلاد
يزور الدروب
ولا يري
ولا يرى ...
من ديوان نزهة بين السماء والأرض ص 36
دار بدايات .
وبأنين خفيّ تطلق زفرة عميقة
الصحراء تفتح فمها
كيف نروي هذا العطش
آه يا قلبي العطشان .
قلب بتحول إلى صحراء ، ذلك قلب الشاعرة فمن أين لها الارتواء في عالم كلما شربنا من مائه ازددنا ظمأ .
وتتحدث الشاعرة عن الحب بروح اليأس نفسها :
نصعد إلى الحب
يهبط إلينا بسيقان من الوهم .
لا شيء ُيقبضُ عليه ، لا شئ يجلب سعادة الأنسان ، ربما كان لمنفاها ذلك التأثير الشديد في مشاعرها ، فالذي يجبر على ترك وطنه ويفرض عليه أن يحيا في وطن ٍ غريب عنه ، قد يمتلك من الأحاسيس غريبها وعجيبها .
تقول الشاعرة :
رأيت العمى يمشي
ورأيت البصر قاعدا
أيها العمى
كن رفيقا بالبصر .

نعم ما أحوج َ عالمنا الأعمى إلى بصير يرفق به . لكن أين هذا البصر وأين صاحبه ، وهل بقي من ُيبصر بعد أن أعدمت كتب الحكمة كلها وأصبحت رمادا تزروه الرياح ؟
السماء لم تعد تلتفت إلى الأرض فقد سئمتها وربما أرادت التخلي عنها لتبقى مرتاحة مطمئنة ، تاركة ً لطغاة الأرض حريتهم في تحقيق ما يصبون إليه،
وأن كان ثمن ذلك تعاسة البشر وشقائهم .
أن الشاعرة بعد أن فقدت فردوسها الأول وطنها ، استبدلته بفردوس آخر هو شعرها ، فالقصيدة ترتديها الشاعرة كأنها عباءة تلبسها ، فتتبدل ألوان العباءة بحسب تبدُّل الأعماق ، فهي حينا ً بيضاء وهي حينا ً سوداء .
في معنى عنوان ديوانها " زهرة الجبال العارية " إشارة لنا وكأن الشاعرة تسمّي نفسها ، في المكان الذي يحتضنها والزمان الذي يدور بها وكأنها تقول لنا :
أنا تلك الزهرة .
تقول الشاعرة :
أطلقت سراح الجبال
والزهرة في أقصى الشرود
ما أجمل هذا الشرود أو التشرد إذا كانت نهايته زهرة عارية تحررت من تراكم التطفل ، وعبث المضايقات ، لتصبح ُحرة ً في براري الشعر ، ولكن الشاعرة لا تلبث إلا قليلا حتى ترتدي الحنين كثوب ممزق ، يدعوها للرجوع إلى البيت ، الوطن ، ليكون هذا الوطن بديلاً عن وطن غريب عنها .
تقول :
توقف إيها الزمن
ولنرجع إلى البيت ياحنيني
الشاعرة هي وشعرها وتشردها ، ثلاثة ، لا يترك أحدهما ألاخر وكأنها تذكرنا بالثالوث الذي يتحقق كماله في الواحد .




#فرات_إسبر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعر صعود إلى السماء
- قديسة ٌ لا يوجد مثلها على الأرض
- نار ٌ وكتاب
- مجلة ذوات
- الطريق إلى أرض الله
- مطرٌ على جيكور
- في بهاء المدن
- ربيع الموت
- نشيدٌ الصَّباح
- لترمي كل ٌّ واحدةٍ منكن بحجر ٍعلى داعش
- كوباني ليست عين العرب
- الجّحيمُ يهبط ُ من الأَعلى
- الشعر يفتح الأبواب المغلقة
- لا طريق سوى الظلًّام
- هل يغّير الشعر العالم ؟
- لأنها الحربٌ
- الموسيقا ليست عمياء
- لا بلاد لي
- مثل شجرة
- يا أيها الناس


المزيد.....




- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات إسبر - قصائد تجرح العين