أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ B:















المزيد.....



الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ B:


بشاراه أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5240 - 2016 / 7 / 31 - 21:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الجزء الثاني:

نواصل في عملية مراجعة وتحليل وتفنيد إفتراءات وتخرصات - أكثر منها أخطاء مفاهيم - وإن كانت بالفعل تتضمن كثراً من هذه الأخطاء أو إن سَلِمَتْ فهي بكل تأكيد ستؤدي إلى سوء فهم للحقيقة وتشويه للواقع وقلب للموازين ومحاولة قلب الهرم وإيقافه على رأسه "وهماً" وإيهاماً وإضلالاً. وعلى الرغم من انها - في هذا المسار الشاذ المدمر - قد طالت وأطالت,,, ولكنها الآن قد آلت,,, وقد أينعت وحان قطافها والحق صاحبها.

كالعادة,, ظهر بعض المرجفين من الطابور الخامس, يعتبون علينا أن وضعنا الحقيقة الناصعة بجانب البهتان والمفاهيم الخاطئة جهلاً وجهالة وتجهلاً,, أو غياً وبهتاناً وتجبراً,, وذلك حتى تكتمل الدائرة مما يوفر للعقلاء والمعتدلين والباحثين عنها فرصة كافية لتفعيل عقولهم وعلم البيان الذي علمهم أياه ربهم – بعد أن تكتمل الصورة أمامهم محللة ومبرهنة وذات مرجعية موثوقة.

فتكون كل العناصر اللازمة لذلك متوفرة أمامهم ولكل منهم – عندئذ - أن يحكم بما يراه مناسباً لنفسه دون أي سلطان عليه أو تسلط أو خداع, ومن ثم يهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة. ولكن,, بالطبع لم,, بل ولن يروقهم أن يطل الخير والحقيقة, ويسطع نور والحق ليفضح ويهدم بنيانهم الذي بنوه ريبة في قلوبهم, فظنوا أو حاولوا أن يوهموا الناس بأننا نقصد سامي لبيب أو غيره في شخصه أو لنا حساب نصفيه معه بالطعن فيه أو بسبه,,, الخ وهذا نتاج طبيعي لما يعانونه من ملكات في ضيق الأفق, وسوء الظن وإشاعة الفتن.

نحن ليس لنا أجندة خاصة, ولا نعمل في الخفاء وخلف الكواليس وتحت الطاولة,,, بل نكملة الحوار مع كل مُدَّعٍ "علناً", وله كل الحق أن يرد على كل كلمة,,, بل على كل حرف نكتبه ونتحمل نتيجة ما نكتب كاملةً, فنرد بمعايير موضوعية على كل فهم خاطيء بتحليل كامل يظنه البعض مملاً ولكننا نراه موجزاً غير مخل ولا مسهباً بقدر ممل إن دعت الضرورة للإسهاب بصبر أيوب عليه السلام "تأسياً". أما التطاول والإستهذاء والسخرية بمقدساتنا أو محاولة تشويه الحقيقة, فهذا نصفه ونصف قائله بما يتناسب معه بمنتهى الحذر- مع الشنآن – ولكن بعيداً عن هوى النفس ووفق إلتزام العدل.

نواصل تحليلنا لإدعاءات سامي لبيب الذي كرث نفسه لملاحقة الإسلام والمسلمين "بصفة خاصة وحصرياً" ظلماً وعدواناً خاصة وأنه لا يملك لا دليل ولا برهان ولا حجة ولا منطق لما يقوله ويفعله ويفتريه, وقد تجرأ على ما لم يتجرأ عليه أحد غيره أو مثله,, ظناً منه أن لي اللسان وتقعيره يعتبر "علم" ومعرفة وفلسفة. ولكن تقييمنا لإفتراءاته لن نخرج عنها إلى غيرها أو نفتري شيء عليه, لأننا سنكتفي بتحليل كل كلمة وفكرة وبهتان إختطه بيده ونشره للناس, وأعده وعداً قاطعاً أنه لن يجد من بين ما قال وكتب حقيقة تشرفه أبداً ..... أكرر (أعده وعداً قاطعاً انه لن يجد من بين ما قال وكتب كقيقة تشرفه أبدا).

(A): فلنبدأ تحليلنا لإدعاءات لبيب من هنا حيث إنتقل إلى سورة النساء متربصاً منقباً عن مثالب ومآخذ يقلل بها من شأن القرآن بغياً وعدواناً وشنآناً غريباً,, فماذا قال في ذلك؟؟؟

لقد قام بعرض لقوله تعالى في سورة النساء: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا 82). فأخفق تماماً في فهمها كعادته,, ثم علق عليها بما يلي:

1. قال: (... هذه الآية أرادت تصدير فكرة أن القرآن ليس فيه إختلافات كونه من عند الله بالرغم أن هناك الكثير من الإختلافات ...),

2. وقال: (... ولكن لنا أن نتوقف أمام كلمة "كثيرا" فهى تعنى إمكانية وجود إختلافات ولو قليلة أو متوسطة وبذا فهى تنال من الألوهية ...),

3. ثم قال: (... فألم يكن من الدقة القول وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ فلن يَجِدوا أى إختلافات!...).

نقول عنه في ذلك وبالله التوفيق:
لقد ورط نفسه بعنف هذه المرة أيضاً. فالملاحظ أن الخصلة التي عرف بها أعداء الحق والحقيقة يستوون كلهم فيها كأنهم متحالفون عليها ومتعاهدون, ولكنها هي السمة المميزة والسقطات الخلقية والتداعيات المنهجية التي يعتمدون عليها في تربصهم وخبثهم وبهتانهم. فهم عندما يعمدون للبهتان, يبهتون خلسة وسرعان ما يهربون كالحية التي تلذغ ثم تلوذ بالفرار بين الأعشاب والصخور. ولكن إن لم تكن هذه خلقهم لما سلكوا هذا المسلك وخنسوا فيه وهذل يحكي ويجسد ضيق الأفق وذهاب الخلق, نقول ذلك لأننا اعتدنا منهم الكتابة بأهوائهم ولا يهتمون بإيراد نموذج يظهر ويؤكد أو ينفي صدق إتهاماتهم إما تهاوناً أو في الغالب الأعم "قصداً", وذلك تعويماً للحقيقة وتمريراً لأجندتهم في جو خانق مصنوع يشبه السليم المعافى,, وذلك للآتي:

أولاً: قوله: (... هذه الآية أرادت تصدير فكرة أن القرآن ليس فيه إختلافات كونه من عند الله بالرغم أن هناك الكثير من الإختلافات ...). فهذا القول له شقان إثنان لا بد من إثباتهما وإقامة الأدلة عليهما إن كان يثق في صدق وموضوعية إدعائه وذلك لأنه:
1. قال: إن هذه الآية (... أرادت تصدير فكرة أن القرآن ليس فيه إختلافات ... الخ),,, فهذا إدعاء كاذب وتوصيف غير صحيح, وإنما الآية انما «« تجزم وتؤكد حقيقةً بأن القرآن الكريم ليس فيه أي إختلافات لا كثيرة ولا قليلة ولا محتملة,, لأنه من عند الله الذي أكد هذه الحقيقة »» وسنؤكد ذلك بالتفصيل,,, فأراد بهذا التزوير المكشوف أن يشوه هذه الحقيقة التي لن يستطيع أن ينفيها أو يماري فيها ((أقول وأؤكد وأتحدى أنه لن يستطيع)) كما لم يستطع من سبقه ولن يستطيع من سيأتي بعده.

2. ثم قال: (... بالرغم أن هناك الكثير من الإختلافات ...). نقول له: إذا كان واثقاً من نفسه ويحترمها حقيقة, وأنه باحث نزيه فليتقدم الآن (على أعين الناس) بشيء من هذه الإختلافات المزعومة إن كان من العاقلين, أنا الآن أقول لك إنك تكذب وتخدع الناس وتسحر عقولهم وسأثبت لهم ذلك, وأنت لا ولن ولم تملك ما تدافع به عن نفسك أمام هذا التحدي المفتوح ليس لك وحدك ولكن لكل من يقول بمثل هذا الإدعاء إن لم تقدموا براهينكم. وما أسهلها من مهمة عليكم, فقط أكتبوا لنا إسم السورة ورقم الآية وسوف نتولى عنكم الباقي, أما ما كتبتموه حتى الآن فهو كله ردٌّ, وسنأتي عليه بآيات الله البينات التي ستجعله كهشيماً تذروه الرياح أمام أعينكم فعليكم من الآن البحث عن غيرها إن استطعتم لذلك سبيلاً,, لأنكم كما ترون فإننا نفندها ونأتي عليها محقاً.

ثانياً: واصل إفتراءه على هذه الآية الكريمة بما يلي:
1. قال: (... ولكن لنا أن نتوقف أمام كلمة "كثيرا" فهى تعنى إمكانية وجود إختلافات ولو قليلة أو متوسطة وبذا فهى تنال من الألوهية ...).
نقول له, كذبت يا سيد,, أنت مخطيء تماماً في فهمك لكلمة "كثيراً", وإن كان هذا ما ترجوه وتعمل كادحاً لتحقيقه.

فالقرآن الكريم هو الكتاب الوحيد في الكون كله الذي تضمن كل العلوم بأنواعها, ولم يترك وجه من أوجه الحياة إلَّا فصله تفصيلاً, ولم يترك معاملة بين الناس والطبيعة والأشياء والدواب إلَّا وتناولها وأدلى بدلوه الأساسي فيها, فمثلاً حين ناظر فرعون موسى وهارون في ربهما: (قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى 49), جاءه رد موسى مباشرة وسريعاً ومباشرةً: (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي « أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ » « ثُمَّ هَدَى » 50).

وبالتالي دعونا نتصور هذه الفرضية بذهن متفتح: (( لو إفترضنا "جدلاً" أن هذا القرآن "قام بكتابة بشر" متخصصون في محتوياته من علوم,, وقام كل فريق منهم بكتابة ما في تخصصه, فلا بد أن يتناول كل متخصص فيه ما يخصه فيصوغه بأسلوبه الخاص, قبل أن يضمنه الكتاب بعد ذلك. فكل صاحب تخصص لا بد من أن يشير بأي قدر إلى تخصص غيره بقدر مفهومه وعلمه وإستيعابه للتداخل والتكامل بين التخصصات وهذا أمر طبيعي.

فالمتخصص في الطب لا بد من أن يتعرض للزاعة والأطعمة, والمناخ, ومكونات الأرض,,, الخ وهكذا بالنسبة للتخصصات الأخرى, وعلى الرغم من الإلتزام الكامل لكل متخصص بتخصصه "وهذا مستحيل", فإن التناقض والإختلافات والمتناقضات سيكون بالمئات إن لم يكن بالآلاف.

والصورة النموذجية لهذه الماثلة أمام الجميع هي واقع: (الكتاب المقدس لدى أصحابه بعهدية), رغم أنه يتضمن حقائق إلَّا أنها مصاغة بمفاهيم مختلفة في كل من الصياغة والمضمون والفكرة), وهذا لسبب بسيط وهو أن الكتاب عبارة عن مجموعة كبيرة من روايات لكتَّابٍ إعترف أهل الكتاب بأنهم بالمئات, وقد إختارت الكنيسة منهم أربعة فقط "إختيار بشري بحت", وهو بالتالي ليس له قدسية أو عصمة وأنت إكتشفت بنفسك ما به فلن أذكره لك إلَّا عند الضرورة القصوى في الحالات التي تصورها بهواك وليس بالموقع.

ولكن كتاب الله تعالى القرآن الكريم لن يكون فيه أي إختلاف, وهذا ما سنؤكده هنا في هذه الدراسة التحليلية رغم أنف الذي قال بغير ذلك.
ولم يدَّعِ القرآن ذلك إدعاءاً بل تحدى فيه كل الجن والإنس تحدياً مفتوحاً حتى يؤكد عملياً إستحالة ورود إختلاف فيه أو خطأ.

ولك أن تقبل هذا التحدي وتعمل به سواءاً أقبلته من جانب الإنس أم من جانب الجن. فالنتيجة واحدة لن تتغير. فلا داعي للتتماحك أو التخابث, فقط كن واضحاً هات ما عندك من إختلافات أو تناقضات (حقيقية صادقة) ولو واحد صادقة بمعايير لغة الضاد وفقه البيان وملكة التفكر والتدبر ثم التَّعَقُّل... (والمية تكدب الغطاص), أما التراهات التي أتيت بها في كتاباتك فلك أن تعتبرها "كلها" – سلفاً – أنها باتت هباءاً منثوراً, وسنثبت لك هذا عمليا والقسط بيننا.

2. أما قولك الغريب: (... فألم يكن من الدقة القول وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ فلن يَجِدوا أى إختلافات!...),, بالطبع هذا قول غير صحيح, بل ساذج,, ويدل حقيقةً على أنك تعاني من قصور في فهم لغة الضاد, وإستيعاب جوها وعبقها وتفردها, بل وبرهان على ضيق الأفق حقيقةً وذلك للآتي:

فقول الله تعالى: (... وَلَوْ كَانَ - «« مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ»» - لَوَجَدُوا فِيهِ ...), تشير إلى أن إحتمال الإختلاف وارد في كل ما هو «« مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ»» (وليس كما ظننت وتدعي) جهلاً وسفها, إذاً هذه الصيغة القرآنية قد أبعدت الإختلاف تماماً عن القرآن, أما مادونه فالإختلاف وارد, ولكنك أنت الذي لا تفهم ما تقرأ أو لعلك تفهم الأمور معكوسة وقد لاحظنا ذلك منك كثيراً.

الآن أنظر جيداً إلى عبارتك الساذجة التي تقترحها بديل للآية, بقولك: (... وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ فلن يَجِدوا أى إختلافات ...) - بغض النظر عن الصياغة اللغوية الركيكة التي صغتها بها وهي على أية حال ليست الوحيدة - فإنك بهذه الصيغة قد أكدت الإختلاف في القرآن ونفيته تماما عن غيره إن كان من غير الله. هل أدركت ألآن أنك تعاني من تهافت حاد؟؟؟ ..... إرجع إلى العبارتين وقارنهما جيداً لتعلم صدق قولنا.

يا عزيزي: أنت لم تلجأ إلى البحث في القرآن "خالياً",, بل جئته شاكاً مُشكِّكَاً متربصاً متعدياً "غازياً" – تبتغي الفتنة وإضلال الناس وخداعهم لغاية في نفسك مكشوفة مفضوحة, لذا جاءت موضوعاتك كلها – دون إستثناء - إنتقائياً منحازاً بسفور ضد الإسلام حتى لوكنت تتحدث عن موضوع بعيد كل البعد عنه,, والمتتبع لمواضيعك لن يبذلا مجهوداً حتى يصل إلى حقيقة الحقائق التي مفادها أنك تسعى جاهداً لإخراج الإسلام من مضمونه ومحتواه, بعد أن تخرجه من قدسيته وذلك تمهيداً لصرف الناس عن عبادة الله الخلاق العليم, لذا جاءت هذا الموضوع أيضا يفتقر إلى الحياد الذي يمكن أن يجعله متوازناً ومنطقياً ومقبولاً من كل الأطراف.

@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@

(B): ثم إنتقل لبيب إلى آية أخرى في سورة الفتح تقول: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا 27...),,, فحاول لبيب إخراجها من مضمونها ومحتواها وفق منهجيته الخفية المعلنة, فلم يجد من بين راوئعها سوى قوله تعالى (... إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ...), فسال لعابه غَزِرَاً هَدَرَاً, فضلَّ خطابه قولاً فطناً.

فالآية الكريمة المعجزة تقول ما يلي:
1. (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ), تأكيداً صارماً,,, فما ذاك؟؟؟.
2. قال: (... لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ...),
3. (... لَا تَخَافُونَ ...),
4. (... فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا ...),
5. (... فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا 27...).

فالنبي الكريم كان قد أراه الله رؤيا في منامه مفادها أنه سيذهب وأصحابه إلى البيت الحرام لأداء عمرة, فقص النبي الكريم رؤياه على أصحابه فقال لهم: (إنِّيْ قَدْ رَأيْتُ أنَّكُمْ سَتَدْخُلُوْنَ المَسْجِدَ الحَرَامَ مُحَلِّقِيْنَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِيْنَ), ثم طلب منهم أن يجهزوا أنفسهم لزيارة البيت الحرام, علماً بأن علاقته مع أهل مكة لم تكن على ما يرام بل هناك عداوات بينهم, فلما بلغ - ومن معه - منطقة الحديبية - في ألفٍ وأربع مائة من أصحابه, في ملابس الإحرام.

خرج إليه أهل مكة ومنعوه من دخولها في ذلك العام وعُرضت عليه إتفاقية صلح تقضي – في أحد بنودها – ألَّا يدخل النبي والذين معه هذا العام على أن يدخلوها العام القادم فكان صلح الحديبية الذي وفر للمسلمين هدنة لمدة عشر سنوات كانوا في أمس الحاجة إليها, خاصة وأن يهود خيبر يشكلون شوكة في خاصرتهم, ولم تنقطع مكائدهم ومؤامراتهم التي قد بلغت حد التخطيط لتصفية الرسول نفسه لأنه لم يبق في طريقهم من أنبياء الله ورسله أحد غيره, ففريقاً كذبوا وفريقاً قتلوا.

قَبِلَ النبي شروط الصلح وإن كانت بنودها – في نظر الصحابة – مجحفة في بعض بنودها, منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه, ولم يُفوِّتِ المنافقون الفرصة للطعن في ذلك فقالوا "آين رؤياه؟) فكان الموقف لا بد من وصفه "عبر الوحي" لتوضيع أمور وملابسات في علم الله لا يعلمها الناس فأنزل سبحانه وتعالى هذه الآية المحكمة البالغة في البيان والإبيان والتي تحمل البشرى بأكثر من تصورات وتطلعات وآمال المسلمين ونبيهم الخاتم, وقد بيَّن لهم أن عودتهم دون أداء العمرة كانت ضرورة لأن هناك في إنتظارهم مفاجأة سارة ومحورية وإستراتيجية ستغير الموازين لصالحهم,, ليس ذلك فحسب, بل والعمرة هي قائمة لا ريب فيها لأن الله تعالى "قد صدق رسوله الرؤيا بالحق.

فبين لهم ذلك في سورة الفتح هذه ما يلي:
أولاً: بين للمؤمنين والمنافقين أن العمرة قائمة والرؤيا حق لا ريب, قال: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ...), لم تكن الرؤيا التي أراها الله لرسوله أضغاث أحلام, أو هي رؤيا لن يحققها الله تعالى كما يأفك ويطعن المنافقون والذين في قلوبهم مرض, وإنما صَدَقَهُ الله تلك الرؤيا التي أراه إياها حقاً وحقيقةً ولكنه أخفى عنه مقاصدها التي أظهرت الأحداث أنها كانت عمقاً إستراتيجياً وتخطيطاً تكتيكياً وآلية تنفيذ منضمبة لأعقد مهمة وأحرج مرحلة يقبل عليها النبي والذين آمنوا معه وليست مجرد زيارة للبيت الحرام للنسك,, بل وأن هناك اموراً كثيرة هامة ومصيرية ومحورية بالغة الخطورة والتعقيد لا تعرفونها تقتضي ترتيب أولويات فوق قدراتهم البشرية تعتبر أهم من الدخول للعمرة التي أكد الله إنها قائم فقد شاء الله ذلك, وما شاء فعل.

فالله تعالى عندما أراه هذه الرؤيا لم يحدد له متى سيكون دخولهم مكة, ولم يقل له الآن فوراً أو في هذا العام بالذات, ولعل الله قد قصد هذا الإبهام لشيء يريده يقتضي إخفاء غايته منه في ذلك الحين. فهل كان في علم النبي محمد أو في تصوره أن يكون تحركه للعمرة "بتدبير الله" كان من أجل عقد إتفاقية صلح إستراتيجية لم يكن يحلم بها هو وأصحابه وأنها ستحل لهم كل مشاكلهم والأزمات التي أدخلهم فيها عدوان قريش من جهة وعدوان يهود خيبر من جهة أخرى, وأن هناك فتح قريب في إنتظارهم تلعب هذه الإتفاقية دوراً أساسياً ومحورياً فيها؟؟؟

من جهة أخرى (لمزيد من التوضيح للفكرة) نقول,,, هل كانت هناك سوابق ونماذج لمثل هذا التدبير الذي يُحَرَّك الله فيه النبي والذين آمنوا معه في وجهة أو عمل ما – يكون في تصورهم أمراً معيناً – ولكن الله يريد من ذلك أمراً آخر لم يوحي لرسوله الكريم بتفاصيله, ليقضي أمراً كان مفعولاً, ولعلمه بأنه لو أعلمهم به سلفاً لما تحقق الهدف بالصورة التي سيتحقق بها بهذا التدبير الإلاهي المحكم؟؟؟

الجواب,, نعم!!! هناك أكثر من سابقة توضح هذا التدبير الإلاهي,, نذكر منها بعضها على سبيل المثال لا الحصر ... فأنظر ماذا قال الله في سورة الأنفال مثلاً:
1. قال لرسوله الخاتم واصفا ومذكرا بواقعة حدث لهم: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ 5), فلم تخرج أنت من تلقاء نفسك وإنما أخرجك ربك من بيتك بالحق, وقد خرجت رغم أن فريقاً من المؤمنين كانوا كارهين, فكان مراد الله وتدبيره فوق مرادكم وظنكم, وقد كان.

2. وقوله تعالى للمؤمنين: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ ...), هذا من جانبه هو سبحانه,,, (... وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ...), وهذا من جانبكم ومرادكم. .... فما الذي سيتحقق ويتم؟؟؟ .....

قال: (... وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ 7), وهذا هو الهدف الإستراتيجي من إخراجكم, والذي لم يكن يعلمه النبي ولا الذين آمنوا معه ولم يقصدوه إبتداءاً ولكن الله حركهم لمراده وتدبيره دون علم منهم ولا تخطيط ولا حتى فكرة سابقة. فالله تعالى أراد لهم ووعدهم إحدى الطائفتين,, على الرغم من أنهم يودون أن غير ذات الشوكة تكون لهم, فكان ما أراده الله ووعدهم به وليس ما ودوه هم لأنفسهم. فالله يحرك الأمور وفق مراده وتدبيره بعلمكم أو غيباً عنكم, ولا يكون إلَّا ما أراد.

3. وقال لهم تعالى: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ 11). فرغم أن الوضع الذي كنتم فيه - بعد حرب قاسية ونتائج لم تكن متوقعة - يستحيل يبلغ معه النعاس والنوم جفونكم من الغم والجراح المثقلة والشهداء ونتيجة اللقاء ..., ولكن الله تعالى "غشَّاكم النعاس أمنة منه", ليس ذلك فحسب, بل و "أنزل عليكم من السماء ماءاً ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان", بل "وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام" حتى لا تنغرس في الرمال فيتضاعف جهدكم في المشي والحركة, فكل هذا لم يكن في تصوركم ولا حسبانكم وليس فيه شيء من تدبيركم, ولكن هذا ما شاء الله,, وإنْ شاءَ فَعَلْ.

4. ثم قال تعالى للمؤمنين: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 17). فأنتم تقصدون شيئاً وتظنون أنه تم بفعلكم, ولكن الله يفعل ما يريد دون علم مسبق لأحد منكم. فأنت تريد, وانا أريد, والله يفعل ما يريد ويختار.

5. ثم أنظر إلى هذا التدبير الذي حرك الله تعالى به الأمور وأدار تلكم المعركة بتدبيره الخالص, وحتى النبي لم يكن له علم بحقيقة ذلك التدبير ولا بمقاصده العليا وغاياته, لأنه إن عَلِمَ الحقيقة لكانت النتيجة وبال عليهم جميعاً, فلعل تدبير الله تعالى إخفاءها عنهم حتى يتم مراده ومقاصده, فالله تعال,, واصفاً هذا التدبير العجيب, بقوله للمؤمنين: (إِذْ أَنتُم « بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا » وَهُم « بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى » « وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ » ...), لم يكن ذلك صدفة كما قد يخطر ببالكم,, وإنما بتدبير الله تعالى فحرك كل الأطراف بمراده ومشيئته, فحدث ما لم يكن ليحدث بهذه الدقة حتى لو كان وفقاً لتواعد بين الطرفين إذ أنَّ التخالف في الوعد أكيد لأنه ليس بين أفراد وإنما بين جيوش متقاتلة, لذا قال لهم: (... وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ...).

لأن الغاية من ذلك هو تمام مراد الله تعالى, قال: (... وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ...). وهذا الأمر غايته هي أن يعرف كل مشارك في هذا اللقاء البينة من أمره, قال: (... لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ 42). واضح هنا أن الله بذاته قد وضع إستراتيجية المعركة بجانبيها ووضع الآلية لتنفيذها, دون أن يعلم الرسول بهذا التدبير المحكم ..... فكيف كان ذلك؟؟؟

أنظر جيداً: ... فالله تعالى فصَّلَ ذلك لرسوله الكريم لاحقاً بعد أن قضي الأمر, فقال له: (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ « فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا » « وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ » - وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ 48). إذاً تولى الله تهيئة المؤمنين "نفسياً" وتعبوياً, بدءاً من الرسول نفسه الذي أخفى عنه الحقيقة في الرؤيا التي أراه إياها, وهون له الأمور فيها ليُقْبِلَ على لقاء عدوهم رغم عدم التكافؤ بين الجيشين, فلو عرف الحقيقة لتردد ولتردد المسلمون, ولكن الله تعالى (حرضهم على اللقاء) لأمر يريده لعله للتشريع في آداب وأخلاقيات ومبادي القتال "قسطاً".

ثم أدار المعركة بذاته, فقال في ذلك: (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ - « فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا » « وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ » - ...), ولكن,, لماذا هذه الإستراتيجية وهذا التكتيك الغريب الذي لا يمكن أن يخطر في بال بشر؟؟؟ ..... قال معللاً: (... لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ 49).

فالمعركة كلها إذاً بتدبير من الله تعالى, فَهَوَّن الله وقلل كل طرف في أعين الطرف الآخر وهون لهم أمر المعركة التي لم تكن كذلك في حقيقة أمرها, لإختلال موازين القوى لصالح الأعداء. ولكن الله أراد أن يضع فقه اللقاء ويشرع له عملياً (بأقل القليل من الخسائر بين الطرفين), على أن يتم ذلك في الميدان ومن خلال لقاء حقيقي فيه بأس وشوكة وشهداء.

إذاً,, من الجولة الصغيرة التي عرضنا خلالها بعضاً من حقائق وتفرد القرآن الكريم في إدارة ووصف وتخطيط الأحداث,,, وتولي الله الأمور بذاته ليُشرّع للناس دينهم الخاتم الذي لن يقبل من أحدهم بعده غيره,, وقد رأينا فيما سبق كيف أن الله يحرك الأمور بعلم النبي المسبق كلياً أو جزئياً أو حتى بتأخير علمه إلى وقت معلوم فيطلعه على تفاصيله بعد تمامه. يتضع لنا أن الله تعالى أراد خروج الرسول والذين آمنوا معه لمهمة إستراتيجية سرية غاية في الأهمية والحرج, وهي "تحديداً" إتفاقية الصلح مع قريش أولاً ليأمَنَ المؤمنين جانبهم فترة كافية, ثم لها ما بعدها.

إذ أن هذه الإستراتيجية تتضمن فتحاً قريباً لهم لا يدرون عنه شيئاً وليس هو ضمن برنامجهم الذي خرجوا من أجله,,, فأرى الله نبيه رؤيا دخول البيت الحرام للعمرة, ليس وهماً ولكنها دون الغاية الأساسية لإخراجهم بتدابيره سبحانه التي وجههم لإنجازها. لذا قال لهم رداً على طعن المنافقين: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ...), ولكن لن يكون هذا الدخول للبيت الحرام في هذه المرة بالذات, لأن دخولهم حينها سيكون غير آمن, وفي نفس الوقت هناك مهمة عاجلة في إنتظارهم. فالدخول قائم ولكن سيتم لاحقاً وهو رهن بمشيئة الله تعالى الذي إن شاء فعل.

ثانيا: قال تعالى لهم مؤكداً, جازماً: (... «« لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ »» إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ...). فكأنما قال لهم "دخولكم المسجد الحرام مؤكد ومحسوم أمره" ما دام أن الله تعالى قد شاء لكم ذلك بل وأراه لنبيكم في منامه, (قدَّر الله,, وما شاء فعل), وحيث أن ذلك هو مشيئة الله وأكده, فهو قائم لا ولن يغيره شيء أبداً, ليس ذلك فحسب, بل ضمن لكم أنكم (... لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ «« آمِنِينَ »» ...), دخولاً لا يعتريه خوف أو قلق أو خطر عليكم, ودليل ذلك الأمن أنكم ستكملون مناسككم بأمان تام حتى التحلل منها بالحلق والتقصير لا يقلقكم خوف ولا توجس (... مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ...).

ثالثاً: هناك أمور أخرى أنتم لا تعلمون عنها شيئاً هي التي وراء عدم دخولكم البيت الحرام آنذاك حيث كانت ذات أولوية قصوى ستكون مفاجأة لكم, قال: (... فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ...).

ترى لو دخل النبي والذين معه مكة معتمرين "عزل" وتمكن منهم أعداؤهم الذي يسعون في طلبهم فكيف سيكون حالهم في عمرتهم هذه والعدو متربص بهم وفي داره وبكامل رجاله وعتاده؟؟؟ ..... فهل يضمنون لأنفسهم "أمناً" يكفي لإتمام مناسكهم بسهولة ويسر حتى يتحللوا من منسكهم بالحلق والتقصير؟؟؟

فإن حصل تحرش وصدام وقتال لسبب أو لآخر,, بينهم وبين عدوهم المتربص بهم كلياً كان أم جزئياً,,, ما الضمان في أنهم سيتمكنون من إتمام منسكهم, وكم عدد الضحايا ومقدار الخسائر في الأرواح ولعل الإبادة ستكون جماعية من أناس لا يكنون للمسلمين وداً ولا يرقبون فيهم إلَّاً ولا ذمة؟؟؟ فهل سيتحقق لهم قدر من "الأمن" الذي يريده الله لهم؟؟؟

ولو سلما جدلاً بأن قريش قبلت بهذه العمرة وتفهمتها وسمحت بها وتمت بالفعل على ما يرام دون خوف من صدام أو مضايقات. فهل هذا فقط سيحقق للمسلمين "الأمن"؟ وهم قد تركوا المدينة وقد خرج من الصحابة ألف وأربعمائة معتمر مع النبي القائد,,, فهل ستفوت يهود خيبر وأنصارهم هذه الفرصة ولا ينقضوا على المدينة فينفذوا فيها ما يخططون له ويمكرون, ثم يلحقون بالمعتمرين في طريق عودتهم للقضاء عليهم وعلى رسولهم؟؟؟ ..... وهل هذا الإحتمال الوارد والخوف من الغدر غائبا عن ذهن وفكر النبي والذين معه؟؟؟

إذاً كيف ستتم هذه العمرة بالكيفية التي أراها الله لنبيه الكريم بقوله لهم: (... آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ...), وكيف لا يخافون وذهابهم للعمرة سيكشف ظهرهم للعدو اللدود المتربص الذي يحسب عليهم أنفاسهم لينقض ويقضي عليهم؟؟؟ ..... أليس الواجب أولاً تأمين ظهرهم قبل الذهاب إلى العمرة؟؟؟ ..... ولكن أليس هذا التأمين معناه كسر شوكة العدو وحسم أمره مع شراسته وتحصنه في ثمانية حصول حصينة؟؟؟ ..... أليس هذا الحسم لا ولن يتم سوى عبر فتح هذه الحصون وإزالة الخطر المحدق بالمسلمين الجاثم على صدورهم؟؟؟

ولكن,,, أليس يهود خيبر متحزبون مع قريش وعدد من القبائل ضد الإسلام والمسلمين؟؟؟ ...... والحال كذلك, أليس فتح خيبر "البعيد المنال" بالنسبة لظروف المسلمين آنذاك يزداد بعداً لأن مجرد المحاولة بقوتهم غير المتكافئة يمثل "إنتحاراً" وتهلكة بكل المقاييس إن لم يضمنوا حياد قريش وأحلافها قبل الإقدام على هذا الفتح البعيد المنال؟؟؟

أليست أي خطة إستراتيجية تقتضي وضع أطراف هذه المعادلة المركبة في الإعتبار ووضع مسارات تكتيكية واضحة ثم وضح آلية محكمة للتنفيذ وفق أولويات يستحيل أن يقدر عليها وعلى صياغتها بشر حتى في الألفية الثالثة حيث الطفرات العالية في فقه الإستراتيجيات والتخطيط المدروس ومتابعته بمعايير الأداء المتوازن.

أليست فكرة إتفاقية صلح مع قريش تعتبر من عاشر المستحيلات, لإستحالة أي لقاء آمن بين الطرفين لتأزم الوضع بينهم ومؤامرات وفتن يهود خيبر وأنصارهم الذين يصبون الزيت على النار بلا كلل ولا ملل ولا رادع, بالإضافة إلى خطر الطابور الخامس من المافقين المندسين بين المؤمنين في المدينة؟ .... لذا أليس التدبير الإلهي لتهيئة الجو للإتفاقية "المستحيلة" بأن يحرك النبي والمؤمنين إلى مكة "معتمرين", وذهنهم خالٍ تماماً عن أي مقاصد أخرى أو نية أو إحتمال في قتال,,, حتى يتم اللقاء مع زعماء قريش "لقاءاً بارداً" لأن ظهور المسلمين بلباس الإحرام وشبه عزل من السلاح, وبعدد لا يستهان به,, لا شك في انه سيوجد أرضية أرحب خالية من التوتر, وفسحة من الحوار بعيداً عن الحرب,,, فكان هذا اللقاء قد حقق أهم مرحلة من مراحل الفتح, وهي أمن شر قريش التي أيضاً كان يهمها أن تدخل في هدنة مع المسلمين لأمنها؟؟؟

أليست هذه الإستراتيجية الإلهية قد وفرت للنبي والذين معه شرطان من شروط الرؤيا:
الأول: الدخول الآمن لأداء العمرة وبأريحية كاملة سيكون خلالها أهل مكة خارجها ثلاثة أيام حتى فراغ المسلمين من مناسكهم كاملة – أنظر إلى قوله تعالى: (... لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ...), وها هو ذا قد شاء الله تعالى وحقق لكم الدخول ليس فقط العام القادم, بل لديكم الآن إتفاقية صلح مدتها عشر سنوات.

الثاني: أنه أمَّنكم من عدو شرس وقد وصلتم معه إلى إتفاقية صلح مشروطة لعقد من الزمان وهذا يعني أن الله قد كفاكم شرهم فلم يبق الآن أمامكم سوى العدو التقليدي الشرس يهود خيبر الحصين العنيد. فهل دخولكم البيت الحرام آمنين بموجب الإتفاقية هذه سيذهب عنكم الخوف من عدوكم المتربص بكم من أن يهدد المدينة و/أو ينتهذها فرصة ليغدر بكم إما في ذهابكم للعمرة أو إيابكم منها؟؟؟ ..... هذا يعني أن العمرة الآمنة لن توفر لكم إستقراراً نفسياً وتصرف عنكم الخوف من العدو المتربص الخبيث, ولكن مشيئة الله تعالى ليس فقط توفير الأمن لكم في البيت الحرام, وإنما قال سبحانه وتحالة في الآية الكريمة (... «« آمِنِينَ »» - مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ - «« لَا تَخَافُونَ »» ...).

ولكن,,, كيف تستطيعون إبعاد هاجس الخوف وأنتم لا تعلمون من أين يأتيكم الخطر فاليهود يؤلبون عليكم ويحرضون الأعراب البدو ويتواصلون مع المنافقين من بينكم,,, الخ ولكن الله علام الغيوب عالم بكل شيء ودبر أموركم لتتم الرؤيا بكاملها وبشروطها: (... فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا...). فالحل الوحيد الذي لا بديل له هو "الفتح" القريب, وحتى يكون قريباً لن تدخلوا البيت الحرام هذا العام, لأن إحضاركم هنا للحديبية فقط لتتم إتفاقية الصلح لتأمينكم داخل البيت الحرام وخارجه تمهيداً للفتح, وذلك لتحقيق الأمن كاملاً. والآن عليكم بالعودة من حيث أتيتم في إنتظار المرحلة التالية من الله تعالى والتي لا علم لكم بها ولكن الله يعلم وقد قدر وقضى.

وقد كانت بوادر هذا الفتح أن أمِنَ الناس كلهم بعضهم بعضاً، فالتقوا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، فلم يُكلَّم أحد بالإسلام - يعقل شيئا - إلا دخل فيه، ولقد دخل في الإسلام – خلال سنتين - مثل من كان في الإسلام قبل ذلك وأكثر, هذه أولاً.
وثانياً تم للمسلمين فتح خيبر وكان فتحاً معجزاً بكل المقاييس, كيف لا يكون كذلك وقد قال الله تعالى فيه: (... فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا)؟؟؟

هذه هي الآية الكريمة: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا 27). التي أردت أن تخوض فيها بمظان مفتراة وبقدرات ضحلة في فقه المعرفة لا تتوافق مع تدبير الخلاق العليم, وكما رأيت كيف كانت عظمة التخطيط الإستراتيجي المحكم الذي تضمنته آية واحدة من كتاب الله تعالى تجرأتم في الخوض فيها بإستهجان, وقد رأيتم ما لم يدركه أو يبلغه علم التخطيط الإستراتيجي الحديث حتى الآن وغداً.

لا يزال للموضوع بقية,

تحية طيبة للقراء الكرام

بشاراه أحمد



#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ A:
- الإعجاز العلمي القرآني1 (تصحيح مفاهيم ج ):
- الإعجاز العلمي القرآني1 (تصحيح مفاهيم ب):
- الإعجاز العلمي القرآني1 (تصحيح مفاهيم أ ):
- لمحة من الإعجاز العلمي القرآني الخالد 1:
- قَبَانْجِيْنَآتٌ مُتَهَآفتة ... لَاْ حَمْدَ فِيْهَاْ (F):
- قَبَانْجِيْنَآتٌ مُتَهَآفتة ... لَاْ حَمْدَ فِيْهَاْ (E):
- قَبَانْجِيْنَآتٌ مُتَهَآفتة ... لَاْ حَمْدَ فِيْهَاْ (D):
- قَبَانْجِيْنَآتٌ مُتَهَآفتة (تصحيح مفاهيم C1):
- قَبَانْجِيْنَآتٌ مُتَهَآفتة ... لَاْ حَمْدَ فِيْهَاْ (C):
- قَبَانْجِيْنَآتٌ مُتَهَآفتة ... لَاْ حَمْدَ فِيْهَاْ (B):
- قاهر الطواغيت وماحق البدع:
- مختوم من البقرة مزنوم 1:
- قَبَانْجِيْنَآتٌ مُتَهَآفتة ... تصحيح مفاهيم (أ):
- قَبَانْجِيْنَآتٌ مُتَهَآفتة ... لَاْ حَمْدَ فِيْهَاْ (A):
- ... أَفِي اللَّهِ شَكٌّ!!! ...؟؟؟ (تصحيح مفاهيم B):
- ... أَفِي اللَّهِ شَكٌّ!!! ...؟؟؟ (تصحيح مفاهيم A):
- ... أَفِي اللَّهِ شَكٌّ!!! فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ...
- ... أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ!!! السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ...
- قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (ج):


المزيد.....




- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ B: