أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامي عبدالعال - ظاهرة الأسئلة الزائفة















المزيد.....

ظاهرة الأسئلة الزائفة


سامي عبدالعال

الحوار المتمدن-العدد: 5239 - 2016 / 7 / 30 - 21:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


توصف الأسئلة بالزيف نتيجة غياب الموضوع الأصيل لها. ففي مجتمعات لا تعيش عصرها، ولا تبتكر رؤاها الحيوية لن تثار إلاّ اسئلة تافهة. وهي كضرب من المعرفة كانت في غير موقعها النوعي. بكلمات أخرى تعتبر مجرد ادعاءات بصيغة الطلبrequest خلف أشياء خارج الواقع ميتافيزيقياً أو افتعالاً أو استعارةً. ذلك بسبب مفارقات واضحة: كيف نتساءل عن الحقائق في مجتمع كذوب؟ كيف نبحث عن الإنسان وسط انسانية مهدرةٍ قبل كل شيء؟ على المنوال نفسه: لماذا تأتي المساواة والعدالة ضمن أنظمة سياسية لا تعترف بأية عدالة؟ إذا طُرحت هكذا أسئلة باحثين وراءها عن إجاباتٍ كانت مضللةً إلى درجةٍ بعيدةٍ. بل قد تؤكد علاقات وصوراً وأبنية فكرية لها ذات التكوين.
لكن بأي معنى هناك أسئلة زائفة false questions؟ هل يجري الزيف منطقياً أم بلاغياً أم وجودياً؟ الاسئلة حينما تعد مزيفة لن تكون تقنية طرح. ربما طرحها بهدف مغاير لما يفهم منها مبدئياً. فالسؤال -وإن كان غير ضروي - يثير أسئلة تالية لا تتوقف. وهذه سمة لا تتضح في أغلب الممارسات الفكرية الأخرى. فسؤال: لماذا لا نطير مثل الطيور في السماء؟ يبدو سؤالاً مصوغاً على نحو خاطئ. بيد أننا لو دققنا النظر سنكشف تلاعبه بمستويين مختلفين. نحن لا نطير لأننا كائنات مختلفة جسداً وطاقة وقدرة. بينما الطيور كائنات مزودة طبيعياً بتلك الإمكانية. ومع ذلك كان السؤال السابق مؤولاً لإبداع تكنولوجيا الانتقال عبر الفضاء وتجاوز حدوده. إذن ليس ثمة سؤال مزيف إلا باستطاعتنا تأويله. سيكون مزيفاً طالما وجد ثمة سائل يلقيه في المكان الخطأ وعبر دلاله ليست له. إضافة إلى هذا يرتب وضعاً ما.
إنَّ أسئلة بهذه المعالم هي افراز لحياة مزيفة. فكلُّ واقع زائف لن ينتج إلاَّ شيئين: وعيٌّ فارغ تغذيه المشكلاتُ المفتعلة. فالجذر الدلالي للزيف مرتبط بالتكلف والاصطناع. ثم تضخم اللغة في أشكال استفهاميةٍ لا قيمة لها. والاثنان يتسعان إلى عصرٍ كاملٍّ بحجم التخلف الذي نعيشه. فيحدث هناك امتلاءٌ فارغ كالريح التي تصْفُر في كهفٍ أجوف أو داخل بطن خاوٍ من الطعام.
على أنَّ الاستفهام بذلك الوضع يعد عرضاً. لكنه سرعان ما يشكل جوهر الأفعال والتصورات المترتبة عليه. والمتوقع أنَّه يربك العقل الناقد بكم الإجابات التي في غير مسارها. وقد يحاول حتى الامساك بمعايير للنقد حيث لا مشكلة ولا سؤال من أساسه. وتصبح هناك قضايا زائفةٌ وأفكار زائفة وثقافة زائفة.
هكذا في تاريخ العالم العربي لدينا سياسيون دون سياسة. ورجال دين من غير دين كمشروع إنساني. وعلماء عباقرة في كافة العلوم بلا علم ولا إبداع. واساتذة لامعون وألقاب أكاديمية دونما مضمون. ودولة بلا دولة لكونها خارج التاريخ. وقوانين سماوية بلا مشروعية حقيقية. قِسْ على ذلك جميع الكيانات والأسماء والخطابات. عندئذ: ماذا سيقدم السؤال غير التزييف؟ هو سيطرح نفسه بجدية التفكير لكن بلا قدرة على الاستفهام!! هكذا يطلقون على العملات المزيفة في الاقتصاد أوراقاً مالية بلا قيمة. إما لأنها لا تساوي شيئاً في الواقع الفعلي. وبالتالي تكاد تنعدم قوتها الشرائية. وإما أنها مزيفة فعلاً لتكون مجرد ورقة عليها أرقام عشوائية.
وبالتالي ستكون كلُّ تداعيات الاسئلة المزيفة غير حقيقيةٍ. الأمر الذي يعطي مشروعية لكيانات تعيش في اللغة وحسب. لأنَّ الأسئلة ستعود إليها في محاولة لتأكيد مكانتها. كما أنها ستظل مرتبطة بظروفها الفكرية والثقافية. فالأزمات لها آثارها في أشكال عدة. من بينها تلك الأسئلة السطحية. ولئن أظهرت شيئاً فإنّها تفضح خلل استعمال اللغة بذهنية غارقة في الأوهام. والسؤال المزيف بالنسبة للثقافة العربية هو فتيل الأزمة. تلك التي ليست خاصة بمجال معين بقدر ما تتغلغل عبر مجالات أخرى.
بالرغم من كون السؤال صيغة محدودة العبارة لكنه واسع الأثر. وكلما تلقى إجابة كلما ازداد التأكيد على موضوع "غير موجود". وتعبير "غير موجود" لا يعني معدوماً. فقد يمثل انشغالاً بما لا يجب. أو بعبارة ابي العلاء المعري " لزوم ما لا يلزم". فالثقافة المزيفة تجعل الهامشي –على أهميته أحياناً- متناً ضخماً. حيث ينشغل الناس والاعلام والكتب الصفراء(كتب الأرصفة) بقضايا تافهة. مثل فضائح رجال السياسة والدين وجرائم العائلات والعلاقات الجنسية.
ذلك عودة مرة أخرى إلى الثالوث المحرم(الدين والجنس والسياسة) في المجتمع العربي. فنتيجة انعدام الحرية وغياب المعرفة الفعلية شكل الثالوث السابق هوساً جمعياً. بل جعل الحديث فيه- ولو كان تافهاً هو الآخر- موضوعاً لجذب الانتباه والرواج والأوصاف الاجتماعية والأخلاقية. الأنكى أن ثمة عناصر في المجتمع تعرف هذه الآلية فيتربحون مادياً ورمزياً من هذا الوضع. ففي المشهد المعاصر(مصرياً وعربياً) نجد الاسفاف الفني يأخذ مداه على هذا النحو. الغناء مجرد مُواء أنثوي أو تخنث رجولي لكنه في النهاية يسمى فناً. كذلك التمثيل الفني صراخ وعويل في الأفلام والمسلسلات ناهيك عن التكرار والسطحية. وفوق هذا يدر ارباحاً لا طائل لها مثلما يبدو في أجور الممثلين والفنانين المصريين. كما أنه يضع منتجيه والقائمين عليه في صدارة المبدعين كأن الأمر حقيقي.
ونتيجة الأسئلة المزيفة في هذا الباب تظهر أوضاع جانبية لكنها مرضية. بمعنى أن العرضي يحتل مكانة ليست له. ليغدو ثقافة رائجة تعيد هيكلة القيم والأولويات في المجتمع والأنشطة الإنسانية. فأصبح الكسب الخاطف فرصة لمن يتطلع للثراء السريع. وبات معروفاً لكل شاب وفتاة أنَّ الممثلين والممثلات هم أيقونة المجتمع. وفي هذا المناخ ظهر أيضاً بذات الأسلوب الخطاب الديني ودعاته الديجيتال. هؤلاء الذين جعلوا الدين ظاهرة زائفة وكهنوتاً قرووسيطياً.
أبرز مثال الفتاوى الدينية حينما تمثل صلب الاسلام الراهن وجماعاته المتطرفة. وإذا كانت الفتوى قائمة فقط على أسئلة فهي ظاهرة التزييف المترابط: الأسئلة والحياة معاً. بينما الدين لا يحتاج سؤالاً ينحرف به عن الإيمان الشخصي. هكذا رأينا الفتاوى المعاصرة تغزل سلطتها على استفهامات زائفة. مثل: هل اللحية من الشريعة أم لا؟! هل يكون جلباب الرجال قصيراً أم طويلاً؟ هل لبس النقاب من ضرورات الإسلام أم غير ذلك؟
أسئلة تعمي من يطلقها ومن يجيب عنها على السواء. ذلك لأن القضية بالأساس ليست مهمة دينياً ولا أخلاقياً ولا لإنسانياً. كقول أبي الطيب المتنبي: أغاية الدين أنْ تحفوا شواربكم...يا أمة ضحكت من جهلها الأمم. كما أنها تستفتي كهنوتاً في شعيرات وملابس!! بينما تجز الجماعات الإرهابية رؤوس المسلمين وغير المسلمين. أي منطق وراء استفهام يجتزئ موضوعاً تافهاً؟ على أن الواقع الآسن والمتدهور لم يمس. لقد غدا الدين الإسلامي فتاوى وراء فتاوى. إحداها بإمكانها تفجير الناس وغيرها باستطاعتها شق المجتمع طولياً بعمق التاريخ الاسلامي. أخطر الأمور أن يصبح الدين والله والجهاد والآخرة مجرد فتاوى. لأنها لن تكون اعتقاداً خاصاً بل سيتلاعب بها صاحب الفتوى.
هناك خاصية لأي استفهام مزيف: أنه يأخذ دوراته الثقافية في عمق المعرفة الجارية. وبالطبع يكون معه اجابات وهمية. ويجري وراء المعنى جريَ السراب. ولدى هذا السؤال هناك الجديد: لأن رواج الاجابات يُمكِّن أصحابها من البناء عليها. فيأتي آخرون لتكملة المشوار في الطريق الخطأ. إن أصحاب مشاريع النهضة العربية والاسلامية وقعوا في هذه الفخاخ. كان هاجسهم الأول التوفيق بين "الأصالة والمعاصرة". بينما اغفلوا جوهر الحياة العربية ذاتها الآن وليس بالأمس وليس غداً. فكانت رؤيتهم للتراث غير ذات أهمية. لكونهم لا يرون فيه غير التاريخ الماضي لا الثقافة المتواصلة. وكذلك رؤيتهم للمعاصرة القائمة على الاستعارة والنقل. فهي ظاهرة غريبة على المجتمعات الشرقية حينما افتقدت لروح الإنسانية المواكبة لها.
ليس السؤال المزيف فردياً. إنه يدور مع التصورات المتداولة. ولا ينتهي عند هذا الحد. لأنه قد يتغلغل في وعينا الهائم نحو التاريخ. فيحيي صراعاً أو مفهوماً غابراً أو يستحضر صورة غابرة من التراث. وبالتالي لا يعد السؤال المزيف عرضاً إنما يكمن في طرائق الحوار والتفكير. ليشكل بنيه فارغة تفترض أجوبة من ذات القبيل.
كذلك لا يعد السؤال الزائف كاذباً. لأن الكذب صورة مخالفة لواقع الحال. بينما الزيف عبارة عن وهم هذه الصورة كأنها الحقيقة. أي إرجاع كل صفات الحقيقة لهذه الصورة ولا شيء سواها. بالتالي سيكون الزيف كذباً وتشويهاً في الآن عينه. وهو أيضاً صادق منطقياً في زيفه. وفارق آخر مهم أن السؤال السابق لا يموت لكنه يستفيق في أوقات الأزمات. ويصر على طرح نفسه رغم عدم وجود مبرر له. ومع اكتشاف أمره بهذا الفهم السالف يمكن معرفة أصالته المفقودة. هذا فقط إذا أدى إلى استفهامات نقيضة تضعه خلال إطار إشكالي يتجاوز ادعاءاته وإجاباته. بمعنى أننا يصعب التخلص من الأسئلة الزائفة. فهي مفتاح لخريطة الأزمات وجزء من الحلول.



#سامي_عبدالعال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللغة والفكر: تحطيم الأنماط السائدة.
- قُرون الفَحْل
- بحر الظُلمات: إيلان كردي مرة أخرى
- خيال العنف: المسلمون في أوروبا الكافرة!!


المزيد.....




- الرئيس الإيراني: -لن يتبقى شيء- من إسرائيل إذا تعرضت بلادنا ...
- الجيش الإسرائيلي: الصواريخ التي أطلقت نحو سديروت وعسقلان كان ...
- مركبة -فوياجر 1- تستأنف الاتصال بالأرض بعد 5 أشهر من -الفوضى ...
- الكشف عن أكبر قضية غسل أموال بمصر بعد القبض على 8 عناصر إجرا ...
- أبوعبيدة يتعهد بمواصلة القتال ضد إسرائيل والجيش الإسرائيلي ي ...
- شاهد: المئات يشاركون في تشييع فلسطيني قتل برصاص إسرائيلي خلا ...
- روسيا تتوعد بتكثيف هجماتها على مستودعات الأسلحة الغربية في أ ...
- بعد زيارة الصين.. بلينكن مجددا في السعودية للتمهيد لصفقة تطب ...
- ضجة واسعة في محافظة قنا المصرية بعد إعلان عن تعليم الرقص للر ...
- العراق.. اللجنة المكلفة بالتحقيق في حادثة انفجار معسكر -كالس ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامي عبدالعال - ظاهرة الأسئلة الزائفة