أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محرز راشدي - مِنْ إِمْبِرْيَالِيَّةِ العَقْلِ إِلَى غِنَائِيَّةِ الجُنُونِ














المزيد.....

مِنْ إِمْبِرْيَالِيَّةِ العَقْلِ إِلَى غِنَائِيَّةِ الجُنُونِ


محرز راشدي

الحوار المتمدن-العدد: 5238 - 2016 / 7 / 29 - 09:50
المحور: الادب والفن
    


لقد مثّل الجنون مفتاحا من مفاتيح الاطّلاع على المعرفة الأسراريّة ومأتى من مآتي القول البديع، بل« إنّ قدماء اليونان ربطوا بين الجنون والنّبوءة »، ولذلك لا يمكن أن نعتبر وضعيّة الجنون حرجة أو متأزّمة، حتّى في حال وقع طرد الشّعراء من مدينة أفلاطون(Platon) الفاضلة بدعوى أنّ أقاويلهم الشعريّة بعيدة عن الحقيقة.
فالجنون وإن شرُّح غالبا من منظور ميتافيزيقي، فإنّه حظي بحقّه في الوجود والحضور محاطا بدارة من القداسة، وكما قالت شوشان فلمان: « مفهوم الجنون في العصور الوسطى، مفهوم كوني دراميّ تراجيديّ...»، ورغم ذلك فإنّ الحداثة بصفة عامّة ستكرّس منظورا وحيدا تطلّ منه على العالم والأشياء، هو منظور العقل محدّدا للذّات الإنسانيّة. وذلك كان تأسيسا على الطّرح الدّيكارتي الّذي دشّن مركزيّة الذّات بوصفها جوهرا مفكّرا، معتبرا التّفكير أرضًا صلبةً يتأسّس عليها الوجود الإنساني، وماعدا ذلك في حكم المعدوم.
ولعلّ كتاب ميشال فوكو ) Foucault Michel ( "تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي" أفضل دليل على سقوط الثّقافة الغربيّة في التّمركز، والاحتفاء بتاريخ العقل، فيما سكتت عن الجنون وأهملت القطاع الهامشي. ففي تعليقه على الكوجيتو الدّيكارتي ) cartésien Cogito ( ذهب دريدا إلى أنّ « ديكارت في تأمّله الأوّل، قد لفظ الجنون خارج حدود الثّقافة وانحدر به إلى مستوى الصّمت»، بمعنى أنّ الكوجيتو نسيان لتاريخ الجنون وتدشين لحقبة العقل، واستتباعا فإنّه يمثّل تعاميا عن الآثار الفنّية والأدبيّة والثّقافيّة المنتسبة إلى الجنون. وفي المحصّلة «بات تاريخ الثقافة الغربية تاريخ فتوحات العقل وتاريخ إمبريالية العقل، ولذلك فهو تاريخ قمع وطمس الجنون »، إذ أنّ الحيف الّذي مورس على الجنون، ثمّ نفيه من منطقة الوجود إلى فراغ اللاّوجود، ليس إلاّ مدخلا إلى محو لغته وتبكيت صوته. وحينئذ، ليس من المغالاة أن يقع اعتبار الجنون الكلاسيكي منتميا قهرا إلى مناطق الصّمت، لأنّه لا وجود لأدب في العصر الكلاسيكي خاصّ بالجنون.
وإذا كانت وضعيّة الجنون في العصر الكلاسيكي حرجة إلى هذا الحدّ، فإنّ طبّ الأمراض العقليّة سيكون صفحة مضافة إلى سرديّات الإكراه والإخضاع والإقصاء المتبلورة في سياق الحتميّة الموضوعيّة المضمّخة بارتكاس الجنون وخنق ضجّته.
وإذا كان في السّابق منطق الإقصاء هو صاحب الغلبة، والمسلك السّالك إلى دحر الجنون، فإنّ العقلانيّة العلميّة بمناهجها الوضعيّة ستعمل على إنتاج خطاب مفهومي بخصوص الجنون قصد تدجينه، واحتوائه من جهة أنّه مرض عقلي. والجليّ أنّ مفهوم المرض العقلي ( Maladie mentale) لا يغطّي مفهوم الجنون، بل إنّ فوكو ذاته وهو يؤرّخ لأركيولوجيا الصّمت ساقط في المطبّ عينه، لأنّه إذ يقارب مفهوم الجنون إنّما ينشئ بشأنه منطوقا متلائما مع العقل، وسلامة المنطق، تجلّيه الأبين ماثل في حبك الجملة السّليمة نحويّا، الحاملة للمدلول السّوي والضّامنة له، وعلى حدّ تعبير جاك داريدا ) Derrida Jacques ( «أيّة فلسفة للجنون هي فلسفة مستحيلة، ذلك أنّ الجنون في جوهره صمت، ولا يمكن أن يقال في لغة العقل logos »، والرّأي عنده أنّ السّبيل الأوحد لإعادة صوت الجنون هو لغة المتخيّل أو متخيّل اللّغة. ويقول تعليقا على "تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي":« إنّ صمت الجنون لم يقل ولا يمكن أن يقال في عقل هذا الكتاب، بل يستدرج بكيفيّة مخاتلة [....] في وجدان – وأنا أشغّل هذه الكلمة في مدلولها الأمثل – هذا الكتاب ». ولا مراء أنّ المجاز والوجدان ولغة المتخيّل أركان ركينة في الأدب الّذي يحضر خفية ملاذا للجنون. وليس من حجّة أمتن على جدارة الأدب وجدواه في هذا المضمار من أنّ فوكو ذاته لم يجد أفضل من الأدب شاهدا على الجنون، يقول:« منذ نهاية ق 18 لم تعد حياة اللاّعقل تكشف عن نفسها إلاّ من خلال التّجسّد في أعمال كأعمال هولدرلين ونير فال ونيتشه وأرتو ...»، وفي هذا المقام يتقدّم الأدب خطابا وسطا بين الفكر والجنون، في كنفه ينطلق صوت اللاّعقل مستعيدا حقّه في التّعبير، بل سيكون إبّان الفترة الرّومنطيقيّة في أدب القرن التّاسع عشر "انفجارا غنائيّا" (Éclatement lyrique) تناقضا مع المرسوم الدّيكارتي القاضي بـ " استحالة غنائية اللاّعقل".



#محرز_راشدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في قلق التّلفيظ الشّعري
- الكلمة نبوءة مبتورة
- الخربشات: الدالّ المتوحّش والمدلول السّديميّ
- فائض المعنى وحصار المبنى
- الشاعر صاحب الهويّات الجوفاء
- محنة الألم عند السياب أو النبي الكسيح
- الشاعر الرّومنطيقيّ آدميّ شقيّ
- الألم مشكلا إنسانيّا
- الرّمز في الخطاب قديما وحديثا
- مفهوم الشّاعر النّبيّ في الكون الشّعري الرّومنطيقيّ
- القَصِيدَةُ اللَّعُوبُ وَالقَارِئُ زِيرُ النُّصُوصِ
- الجنون: من الحفر الايتمولوجي إلى الأنساق التّحويليّة.
- يوتوبيا الشّعر العربي الرّومنطيقيّ أو النّبيّ الطّائر
- الشّعر والسّحر: كيمياء الشّعر


المزيد.....




- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محرز راشدي - مِنْ إِمْبِرْيَالِيَّةِ العَقْلِ إِلَى غِنَائِيَّةِ الجُنُونِ