أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ماريو أنور - أربع لوحات فى القصر القديم














المزيد.....

أربع لوحات فى القصر القديم


ماريو أنور

الحوار المتمدن-العدد: 1403 - 2005 / 12 / 18 - 10:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ايها الرسام المجهول ,
لم اتمكن من معرفة اسمك . لكننى سررت لرؤيتى لوحاتك الأربع . لقد بدت لى بسيطة فنياً اما موضوعها فكله ايحاء و مادة للتفكير .
اللوحة الأولى تمثل الطفولة . هناك مراكب شراعى يخرج من المرفأ . فى وسطه يجلس ولد وهو يتأمل بلا مبالاة حركة الامواج . قد يكون سبب جلوسه بلا مبالاة ان ملآكاً يمسك بدفة المركب ويتحكم بها . صحيح ان فى مؤخرة المركب شبحاً اسود , غير انه نائم نوماً عميقاً ولا يبدو على وشك الاستيقاظ .
اللوحة الثانية تمثل المراهقة . فالولد الذى رأيناه فى اللوحة الأولى اصبح كبيراً . انه واقف فى المركب و ينظر الى الخارج بفضول كأنه يستكشف البعيد المجهول الواعد بجمالات لا حد لها . ان دفة المركب لا تزال فى يد الملاك غير ان الأمواج اصبحت متوجة بالزبد و الشبح الأسود استيقظ من نومه وعيناهالحادتان لا توحيان بالخير , بل أنهما تطمعان بالاستيلاء على الفة و تنذران بهجمات وشيكة .
اللوحة الثالثة تمثل سن النضج . فى المركب الآن رجل يناضل بكل قواه ضد الأمواج الثائرة , السماء مغبرة و الرجل متجهم و الشبح الأسود يمسك بالدفة بينما الملاك منزو فى مؤخرة المركب .
انى اشاركك , ايها الرسام العزيز , الفكرة القائلة ان حياتنا رحلة لها بداية و نهاية , و ما سن العشرين أو الخمسين أو الستين سوى مراحل بين هذين الحدين . فبينما نعلم بدقة المسافة التى اجتزناها حتى الآن , فاننا نجهل تماماً المسافة المتبقية . كم يبقى لنا من السنين ؟ فبينما نقدر ان نعرف الرسم و الميكانيك و اللة الانجليزية و الحساب , فهذا الأمر الصغير لا أحد يعرفه . ازاء هذا الواقع يرتعد الانسان و حينئذ يأخذ هذا القصد : (( قد تكون سنوات عمرى قليلة جداً . وربما كان هناك فقط أشهر و ايام . فيا ربى . لن اضيع دقيقة واحدة .))
هناك مشكلة مقلقة للغاية , وهى انه يوجد مرفآن فى نهاية الرحلة . الجنة والجحيم . فالانسان يشتهى الجنة فقط , فهل سنحظى بها ؟ هذا هو السؤال ! اما الباقى فلا يهم كثيراً : (( حظيت بالغنى و الشهرة و كل الامجاد التى توفرها وظيفة كبيرة . فاذا لم ابلغ المرفأ الأول , الميناء الامين , فكل ذلك لن يكون سوى كارثة كبرى
انى اشاركك الرأى بأن البلوغ الى الصلاح يقتضى النضال خاصة فى الأوقات العصيبة , و بأن القداسة هى ثمرة معارك و انتصارات نحوزها بحد السيف يوماً بعد يوم . هذا صحيح .
انى اشاركك الرأى القائل باننا نعيش صدام مع الاهواء البشرية . وقد وصف ذلك الشاعر دانتى عندما قال انه اصطدم فى بداية رحلته بثلاثة حيوانات مفترسة سدت طريقه : الفهد و السد و الذئبة . الفهد المعروف بالخفة و الليونة و بعدم مهادنة عدوه هو الشهوة . فهذه تستعمل كل شىء لتطفى فينا حاسة ذوق اللذات العقلية و لتشعل نار الرغبات الدنيئة . انها تلاحقنا باستمرار . ولولا حماية الله لنا لكانت حملتنا على اليأس و الاستسلام . و الأسد (( برأسه الشامخ )) يمثل الكبرياء , كبرياء الذين يمشون شامخى الرأس منتصبى القامة و منتفخى البطن . بالطبع لا داعى لهذا الشكل من الابتهاج . فى عصر الشاعر جيوستى كان هناك رئيس مغتبط للغاية بوظيفته يلبس (( طربوشاً )) , و كان اثناء الجلسات يضع طربوشه على مقعد بقربه . وحدث ان جلس يوماً احدهم عليه بدون انتباه , , مما اوحى للشاعر هذه الأبيات الاذعة :
(( لقد حطوا طربوش الرئيس لكن , لحسن الحظ , كان الطربوش فارغاً )) .
هناك من الناس من يعتمر الطربوش فى حضرة الله اى انهم يدعون انهم كل شىء و انهم يعرفون كل شىء و انهم احرار و مستقلون و معترضون ! لكن بالنتيجة الى أين يقودهم تبجحهم ؟.
أما الذئبة النحيلة الجسم وذات الشهية الكبيرة فقد تمثل روح العالم التى تفترسنا بالتزاماتها المستمرة : الزيارات , الامتحانات , المسابقات , الأعمال التجارية , المباريات الرياضية , المسرحيات , ونحن ندع هذه الأشياء تبتلعنا كالهوة . وماذا عن الله ؟ و عن نفسنا ؟ انهما فى المرتبة الثانية من اهتماماتنا ! من وقت لآخر نختلس النظر اليهما فى الضباب و نكرس لهما لحظات قليلة انما نادراً و سريعاً , وذلك بفعل انقلاب للقيم مفاجىء و غير معقول .
انى اشاطرك الرأى بأن قوى الخير ترد بهجوم مضاد حسب استرتيجية مناقضة لاستراتيجية الحيوانات المفترسة , والحمد لله على ذلك !
بالنسبة للشهوة , الفراغ . نعم يوجد اوقات يصنع فيها الله الفراغ فينا . نشعر بأن بعض الأشياء لا تليق بنا , لا تكفينا ولا تملأ فراغنا , (( هوذا النحلة تحط على براعم الورود تمتص رحيقها ثم تطير . فالسعادة , وحق الله , يست فى الوجود سوى هباء و شىء يسير . ))
أغلب الحيان ليس هناك سعادة بل لذة عابرة و بل انزعاج . نشعر بألم فى الأسنان فنسمع صوتاً ينادينا : (( اذهب الى طبيب الأسنان )) . فى كلامه عن السنين السبع عشرة التى قضاها فى الفساد اعترف أغوسطينوس قائلاً (( كان ضميرى يعذبنى فى ذلك الوقت . فتلك لم تكن حياة , يارب ! )) و كميل يقول : (( عمل الشر يسبب لنا اللذة , غير ان اللذة تمضى سريعاً و الشر يبقى لنا . عمل الخير يتبعنا , غير ان التعب يزول سريعاً و الخير يبقى ! )) .
يا صديقى الرسام . لقد تمكنت بواسطة رسومك ان تلمس فى وتراً حساساً , فشكراً لك . اما بعد فانى أخشى ان اكون سبب الازعاج للآخرين .
قد تشألنى : اىازعاج تعنى ؟
فأقول لك سراً : انا خائف ان اكون خيبت امل بعض قرائى برومنطيقيتى الساذجة و بكلامى عن قصور الأجيال , وبعضهم الآخر بالوعظ الاخلاقى الذى حفل به مقالى .



#ماريو_أنور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما هو الوحى ؟؟
- الإسلام والمسيحية: نقاط تلاقي
- إشكاليّة الاعتراف بالآخر
- الميلاد ومسألة الظهور الإلهي في المسيحية والإسلام
- في مجتمع متعدّد الأديان
- العروبة والإسلام
- هل ظروف العلاقة الزوجيّة اليوم
- -المرأة في الإعلام والإعلان-
- أيهما أهمّ العلمنة أم الإيمان؟ أم الثاني يتبع الأول؟
- الثالوث في الإسلام
- -أمّيّة- محمّد . وهي الأساس الأوّل للإعجاز
- العَيش في عالم مُتعدِّد الأديان
- القرآن كتاب دين ، لا كتاب علم - الكونيات -
- كيف نختار شريك الحياة..؟
- الغريب فى القرآن الحلقة الأخيرة
- الغريب فى القرآن الحلقة الثانية
- الغريب فى القرآن
- الحوار بين الأديان: ثقافته ومنطلقاته
- الشرُّ وَالخطيئَة الأصلية
- فى سبيل الحوار بين المسيحيين و المسلمين


المزيد.....




- السعودية.. ظهور معتمر -عملاق- في الحرم المكي يشعل تفاعلا
- على الخريطة.. دول ستصوم 30 يوما في رمضان وأخرى 29 قبل عيد ال ...
- -آخر نكتة-.. علاء مبارك يعلق على تبني وقف إطلاق النار بغزة ف ...
- مقتل وإصابة مدنيين وعسكريين بقصف إسرائيلي على ريف حلب شمال غ ...
- ما هي الآثار الجانبية للموز؟
- عارض مفاجئ قد يكون علامة مبكرة على الإصابة بالخرف
- ما الذي يمكن أن تفعله درجة واحدة من الاحترار؟
- باحث سياسي يوضح موقف موسكو من الحوار مع الولايات المتحدة بشأ ...
- محتجون يقاطعون بايدن: -يداك ملطختان بالدماء- (فيديو)
- الجيش البريطاني يطلق لحى عسكرييه بعد قرن من حظرها


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ماريو أنور - أربع لوحات فى القصر القديم