أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشار إبراهيم - السينما المستقلة في سوريا















المزيد.....


السينما المستقلة في سوريا


بشار إبراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 1403 - 2005 / 12 / 18 - 11:20
المحور: الادب والفن
    


خارج المشهد السينمائي الرسمي في سوريا، أي خارج «سينما القطاع العام»، يأتي الحديث عن «سينما القطاع الخاص»، باعتبارها:
1- سينما تجارية تافهة!.. يكاد يستحي من أمرها الجميع، حتى من الفنانين الذين خلقتهم هذه السينما، وصنعت نجوميتهم..
2- سينما راحلة، لا يكاد يأسف على انطفائها أحد من السينمائيين، أو من النقاد، أو من الجمهور!..
وإذا كانت معظم الكتابات النقدية السينمائية، التي تناولت السينما السورية، طيلة العقدين المنصرمين على الأقل، قد ركَّزت حديثها على «سينما القطاع العام»، أي السينما التي أنتجتها بشكل أساس «المؤسسة العامة للسينما» في سوريا، وأهملت أو تجاهلت «سينما القطاع الخاص»، فإننا هنا سنفارق هذين الاتجاهين معاً، لنحاول تسليط شيء من الضوء على نسق آخر من السينما في سوريا، نقصد «السينما المستقلة»؛ هذا النسق الذي يقترح نفسه، في الكثير من بلدان العالم، بديلاً عن السينما السائدة، أو الرائجة!.. دون أن يتجرأ أحد على مجرد التفكير بأنها يمكن أن تكون البديل المستقبلي للسينما في سوريا، أو الحلّ العملي، والإبداعي، لحالة الانسداد الإنتاجي، أو الضيق التعبيري، في السينما السورية.
السينما المستقلة..
عادةً، تُعرَّف «السينما المستقلة»، بأنها الخطّ الثالث بين الأنساق السينمائية، أي تلك التي تأخذ لنفسها مكاناً ما بين سينما القطاع العام، وسينما القطاع الخاص، في البلدان التي لازالت تحتفظ بهذين النمطين من الإنتاج، (ومنها سوريا طبعاً، بعد أن انطفأت تجربتا سينما القطاع العام الرائدتان في كل من مصر، ومن ثمّ في الجزائر)..
أو تلك السينما التي تقف في المسافة، بين السينما التي تنتجها المؤسسات الرسمية، وسينما الإنتاج الضخم، التي تتولاها الشركات الكبرى، وتتحكَّم بالسوق، في البلدان التي تحظى بشرف امتلاك صناعة سينمائية قائمة بذاتها.. وبالتالي فإن «السينما المستقلة» تحاول الخروج على قوانين السوق السينمائي، من حيث آليات العرض والطلب، وشروط التوزيع، القاسية في غالب الأحيان، والاحتكام المطلق إليها.. تماماً، في الوقت الذي تريد فيه صناعة أفلام ذات ميزانيات ضئيلة، وجودة فنية عالية، ورؤية فكرية عميقة.. وفسح المجال أمام المواهب الشابة للتعبير عن ذاتها إبداعياً سينمائياً..
وبالتالي فإن «السينما المستقلة» هي، بالتعريف المُتفق عليه، «سينما خارجة عن إطار المؤسسات الرسمية، والشركات الكبرى، وتعبِّر عن طموحاتها، في أن تكون متمردِّة على كافة القيود، بما فيها قيود السوق والرقابة، متحرِّرة على مستوى اللغة والأفكار، متَّخذة من التكنولوجيا الرقمية وسيطاً يلائمها، على كافة المستويات التقنية، وبخاصة في ظلّ ميزانيتها المتواضعة».
وإذا كان من المُتفق عليه أن «السينما المستقلة» نشأت بدايةً، في الولايات المتحدة الأمريكية، منذ أواخر الستينيات، وأوائل السبعينيات، من القرن العشرين، ومن ثم عرفتها السينمات العالمية، وفي مقدمتها السينما الفرنسية، ومن ثم الأوروبية، على تفاوت فيما بينها.. فينبغي الانتباه إلى أن «السينما المستقلة» بدأت مسيرة البحث عن مكان لها، في مجالات السينما العربية، بدءاً من مصر ولبنان وفلسطين، قبل أن تعرفها البلدان العربية الأخرى.. وقبل أن تصل إلى الحقل السينمائي في سوريا.
في عموم العالم، ظهرت «السينما المستقلة» من أجل التمرّد على الأنماط السينمائية، في الغرب، أما في العالم العربي، فقد نشأت لعدم وجود مناخ سينمائي مناسب، بدءاً من الصعوبات الإنتاجية، وصولاً إلى سطوة الرقابات المعلنة، أو المضمرة، على السواء، ولهذا تحاول «السينما العربية المستقلة» إثبات وجودها، من خلال أفلام لمبدعين شبان، قدموا شرائطهم السينمائية، بـ «الفيديو» أو «الديجيتال»، بأرخص التكاليف، ومن خلال أساليب فنية تنحو غالباً إلى التجريبية.
ويمكن ذكر أن من أبرز النتاجات السينمائية، التي تنتمي إلى سياق «السينما العربية المستقلة»، العديد من الأفلام، ربما أبرزها، من مصر: «الصباح التالي» لأحمد رشوان، و«العنف والسخرية» لأسماء البكري، و«ألوان الحب» لأحمد غانم، و«من بعيد» لأحمد أبو زيد، و«مربع داير» لأحمد حسونة.. والكثير من طراز هذه الأفلام لعبد الفتاح كمال، أو كاملة أبو ذكرى.. وآخرين..
ومن لبنان، جاءت أفلام جديدة، وبارعة، يمكن أن نذكر منها أفلام: «لما حكيت مريم» لأسد فولادكار، و«قريب بعيد» لأليان الراهب، وأفلام مها حداد، وكارول منصور، ورندا شهال الصباغ، فادي عليوان، وغسان سلهب، وبهيج حجيج، وخليل توما، وأكرم الزعتري، خاصة في فيلم «فيزا ترانزيت» الاستثنائي، إذ هو عبارة عن مشروع سينمائي جماعي، ضم تسعة مخرجين من لبنان وسوريا ومصر والأردن وإيران..
ومن فلسطين ستأتي أفلام المخرجين: مي المصري وإياد الداود ورشيد مشهراوي وإيليا سليمان وهاني أبو أسعد وعلي نصار وحنا إلياس وعبد السلام شحادة.. من الذين بنوا مشاريعهم السينمائية، من خلال وحداتهم الإنتاجية الخاصة، ذات الدعم المتعدد المصادر.. تلك الأفلام التي نالوا بسببها العديد من الجوائز السينمائية الهامة..
أما في بلدان الخليج العربي، فيمكننا الانتباه إلى تجارب عدة، كتبنا ذات وقت (في مجلة العربي) عن تجربة كويتية ملفتة، للمخرج ناصر كرماني، في فيلمه «مهرجون»، كما عرفنا الكثير عن التجارب التي يقوم به مجموعة من المخرجين الشباب، في دولة الإمارات العربية المتحدة، ساهم في تعزيزها المهرجان الفريد من نوعه، وهو «مهرجان أفلام الإمارات»، الذي ينعقد سنوياً في «أبو ظبي»، بإشراف المخرج والفنان مسعود أمر الله علي.. ونرى أن غير بلد عربي بحاجة لطراز هذا المهرجان!..
في العموم.. إذا كان اعتماد التصوير بكاميرا الديجيتال، هو السمة الأساسية (وليست الوحيدة طبعاً) في هذه السينما، فمن الملاحظ أنه لم تتوقّف المساهمة في هذا الطراز من السينما على المخرجين الشباب، أو من الهواة، بل ساهم فيها عدد من المخرجين المعروفين، أمثال يسري نصر الله في فيلمه «المدينة»، ومحمد خان في «كلفتي»، وخيري بشارة في «ليلة في القمر»، الذي قال، كما يورد أحمد رشوان، عن هذه التجربة: «لو أردتَ أن تصنع فيلماً كل شهر، فهذا في استطاعتكَ. في أي لحظة تستطيع أن تصوّر.. الديجيتال جعلني لا أعرف الإحباط»!.. وذلك تماماً قبل أن ينضم مخرجون سوريون معروفون، أمثال نبيل المالح، ومحمد ملص، إلى السياق ذاته..
ولابد أن نذكر أنه في مجال محاولة جادة لمأسسة «السينما العربية المستقلة»، أعلنت مجموعة من المخرجين الشباب المصريين، يُذكر منهم: (هالة جلال، كاملة أبو ذكرى، سامي حسام، إسلام العزازي، أحمد حسونة، عبد الفتاح كمال..) عن إنشاء أول شركة مصرية، تُعنى بمفهوم «السينما المستقلة»، هي شركة «سمات للإنتاج الفني»، التي وضعت لنفسها برنامج عمل يستهدف إنتاج أفلام روائية وتسجيلية، طويلة وقصيرة، بالإضافة إلى إقامة دورات تدريبية في فنون السينما، وفي فنون المونتاج (AVID)..
أما في لبنان، فستبدو تجربة «تعاونية بيروت للتنمية»/(بيروتDC)، التي ولدت مجرد فكرة مع نهاية العام 1998، واتخذت شكلاً قانونياً في نيسان 1999، باعتبارها إحدى التجارب المتميزة في مجال «السينما العربية المستقلة»، إذ جاء تأسيسها بمبادرة فريق من الشبان العاملين في حقلي السمعي المرئي, والتنمية البشرية. وأعلنت أن غايتها هي خلق رؤية لسينما جديدة, وتصور لعمل إنساني واجتماعي أكثر فاعلية.
بينما لا يمكن إنكار المساهمة التي يقوم بها «مركز المعلومات العربي للفنون الشعبية»/(الجنى)، في بيروت، بإدارة الأستاذ معتز الدجاني، من خلال تحقيقه للعديد من الأفلام التي ينتجها، بناءً على سيناريوهات ومساهمات يقوم بها الأطفال اللاجئون في المخيمات الفلسطينية، في لبنان، ويشرف عليها فنياً المخرج الشاب هشام كايد، وربما من المفيد النظر إلى أفلام هذا المشروع المنجزة حتى الآن، وهي: فيلم «أحلامنا.. متى؟» 2001، و«الله يستر» 2001، و«طفولة بين الألغام» 2002، و«سكر يافا» 2002، و«ليمونادة» 2003.. ولاسيما أن بعض هذه الأفلام استطاع نيل العديد من الجوائز الهامة من مهرجانات سينمائية عربية، خاصة في المهرجانات المنعقدة في مصر، للسينما التسجيلية، أو سينما الطفل..
السينما المستقلة في سوريا..
ربما يبدو من المفاجئ للبعض، بمن فيهم بعض السينمائيين، والمهتمين بالسينما، في سوريا، الحديث عن «سينما مستقلة» في سوريا.. فغالبية الكتابات المتعلقة بالشأن تذهب، كما ذكرنا من قبل، إلى دائرة الحديث عن سينما القطاع العام/سينما المؤسسة العامة، وتتعالى بأنفة مزعجة عن الخوض في موضوع سينما القطاع الخاص.
وتلك الكتابات بين هذا الموقف وذاك لم تشأ الانتباه إلى المحاولات الجادة، التي تمضي على طريق «السينما المستقلة».. تلك المحاولات التي انجلت، حتى الآن، عن عدد من التجارب الشابة المتميزة؛ منها ما كان نتاج مبادرات فردية، لهذا المخرج أو ذاك، كما في حال المخرجين الشباب عمار البيك، وهشام الزعوقي، وفجر يعقوب.. ومنها ما كان نتيجة إقامة ورشات عمل سينمائية، من طراز الورشة التي أقامها في العام 2003، المخرج السوري محمد قارصلي، وانتهت إلى تقديم قرابة 15 فيلماً، قصيراً، تتنوع بين ما هو روائي، وتسجيلي، تجريبي..
وكذلك ما تحاوله «مؤسسة بيت الفن»، بإشراف المخرج الشاب علاء عربي كاتبي، والتي نفَّذت «ورشة أيلول»، عام 2004، وكان من نتائجها أن تمَّ إنجاز عدد من الأفلام القصيرة، منها: فيلم «بوستر» إخراج سامر برقاوي، عن فكرة لعدنان عودة، وفيلم «يا.. سلام» إخراج علاء عربي كاتبي، عن سيناريو منذر غنوم، وفيلم «أمام سرّ» إخراج جماعي، عن سيناريو نديم آدو، وفيلم «نجاة» إخراج نجاة الكفري، عن سيناريو عدنان عودة.. وأفلام أخرى، حاولت جميعها أن تقول شيئاً جديداً، على المستوى المضموني، كما على المستوى البصري..
وعلى الرغم مما يمكن أن يقال بصدد المآخذ، أو الهفوات، التي ارتكبتها، أو وقعت بها، هذه التجارب، بدرجات متفاوتة.. إلا أن ثمة تجارب سينمائية مستقلة، متميزة، يمكن التوقّف الآن عند بعض المخرجين، من الذين حققوا حضورهم في المجال السينمائي، من خلال أفلامهم المستقلة تلك، ونذكر منهم:
تجربة المخرج الشاب عمار البيك..
لا يستند المخرج عمار البيك إلى منتج سينمائي حقيقي، بمقدار ما يتعاون مع ورشة عمل سينمائية، يرئسها ميشيل ميليكيان، وهو صاحب أستوديو تصوير فوتوغرافي معروف في دمشق، وينضوي في إطارها مجموعة من الشباب، من الهواة، أبرزهم: محمود إيبش، وهنادي العمري.. فاستطاع البيك مع الورشة، خلال سنوات معدودة من العمل، تحقيق العديد من الأفلام، منها: فيلم «أشخاص» وهو تسجيلي تجريبي قصير (مدته 6 دقائق)، وفيلم «16 ملم» وهو تجريبي قصير (مدته 4 دقائق)، وفيلم «الثور أنا» وهو تجريبي قصير مدته (7 دقائق)، وفيلم «نهر الذهب» وهو تسجيلي وثائقي قصير (مدته 15 دقيقة) ويرصد فيه مصير نهر بردى، والمشاركة في فيلم «فيزا ترانزيت» بفيلم تجريبي قصير (مدته دقيقة واحدة)، وذكرنا قبل قليل إنه مشروع سينمائي قاده المخرج اللبناني أكرم زعتري، مع تسعة مخرجين، (مدته 120 دقيقة)، وفيلم «باولو» وهو فيلم تسجيلي تجريبي طويل (مدته 54 دقيقة)..
هذا فضلاً عن فيلمين نشاء التوقّف أمامهما هنا، باعتبارهما يمثلان حالة نموذجية، مما صنعه المخرج عمار البيك، ففي فيلم «حصاد الضوء»، أول أفلامه، والذي أنجزه في العام 1997، يبدو انهماك المخرج في التأسيس لصورته السينمائية، ليس فقط من خلال الاشتغال على ثنائية الضوء والعتمة، والنور والظل، بل أولاً من خلال التعبير بالصورة عن الكثير من الكلام، وبدونه.. ومن خلال التقاط أدق التفاصيل، ومراكمتها لبناء الصورة الكلية، أو لجوانب من صورة أولئك الذين يبنون الوطن بكدهم وعرقهم..
ثلاث دقائق ونصف، هي مدة الفيلم.. في مكان عتيق كانت له أبهته ذات زمن مضى، وربما كانت له رهبته، لكنه الآن بات مخزناً، أو مستودعاً، لا ينكر نصيبه من الظلمة والرطوبة، ومن نكراننا له، واحتقارنا لتاريخه.. هل انتبهنا في لحظة ما إلى أننا حولنا البيوت العربية القديمة، في دمشق، كما في غير مدينة عريقة، إلى مخازن ومستودعات، أو إلى ورشات نسيج، أو صباغة، أو إلى مطاعم سياحية؟..
أما فيلمه «إنهم كانوا هنا» المنجز في العام 2000، فقد أراده المخرج أن يكون تعبيراً عن حالة عشق سينمائي صافية، وعن إدراك ذكي وعميق، لمفهوم السينما وحقيقتها وجوهرها، وقدرتها على القول.. ومن البراعة أن يختار المخرج عمار البيك، وهو من قام أيضاً بالتصوير والمونتاج، إنجاز الفيلم باللونين الأبيض والأسود، مما منح الفيلم جمالية خاصة، على مستوى المشهدية البصرية، كذلك على مستوى الدلالة والتعبير، ليس فقط في التقابل بين الحاضر والماضي، والإيغال فيما مضى، بل كذلك في عمق التعبير عن صمت الأمكنة وسباتها، بعد أن كان من يملؤها هنا..
ثماني دقائق، فقط.. كانت كافية لنعيد قراءة تجربة عمر أفل، وأيام مضت، وأناس يعششون في ثنايا الذاكرة.. ثماني دقائق، فقط.. كانت كافية لتتسرَّب الرعشة إلى أبداننا، ونحن نرى صورتنا في صورة من مرّوا في هذه الأمكنة، ونتلمَّس نبض أحلامنا في أحلامهم.. وكي ندرك مدى القسوة التي ننغمس بها، عندما نمرّ بهم، دون أن نلقي التحية على غفواتهم القصيرة، على رصيف العمر الذي تأكلته السنون..
ثمراتهم نحن.. فينا زرعوا أحلامهم، وبنا تجسَّدت خيباتهم.. ونحن نعبرهم إلى وقتنا، متجاهلين أوقاتهم.. وإلى حلمنا دون أحلامهم.. كأنما لم تعد تنفعنا صلواتهم، ودعاءاتهم، ولا تثير في أنفسنا دفء همساتهم وبسملاتهم.. ترى أيّ رضى كان يعمر صدورهم؟.. أي جحود ونكران نتلذَّذ به؟.. أيّ قسوة نجترحها؟..
ومن الملاحظ، أن المخرج عمار البيك أراد لأعماله أن تكون من النوع التسجيلي، المترع بأنفاس تجريبية، تريد امتحان حقيقة السينما، وقدرتها على القول، بعيداً عن التنظيرات والشعارات والمصطلحات الكبيرة.. وكان له أن حظي بتقدير من عرف عالمه، ومن أطل على نتاجه السينمائي..
لقد نال البيك العديد من الجوائز، إذ حصل فيلمه «حصاد الضوء» على جائزة عمدة مدينة لييج البلجيكية عام 2000، كما حصل فيلمه «إنهم كانوا هنا» على جائزة لجنة التحكيم من مهرجان الشاشة العربية المستقلة، في الدوحة عام 2001، وجائزة لجنة التحكيم في مهرجان الإسماعيلية، في العام ذاته، وجائزة مماثلة من مهرجان أيام تونس الدولية للفيلم القصير، وجائزة وشهادة تقدير من الاتحاد الدولي السينمائي..
إنها سينما حقيقية، وإبداع متميز.. فمن ينتبه؟..
تجربة المخرج الشاب هشام زعوقي..
بعد معاناة مريرة، وتجربة أكثر مرارة، غادر هشام زعوقي بلده سوريا، ليحطَّ به المقام في أقصى الشمال الأوروبي، في النرويج تماماً، هناك حيث عثر على السينما وسيلة إبداعية للتعبير، بعد أن كان في سنوات الثمانينيات أحد المبرزين الرياضيين في سوريا، إذ نال بطولات محلية متعددة، في واحدة من الألعاب الرياضية الفردية (الجودو)..
ويبدو أن هشام الزعوقي، الذي عرف اللعبة الرياضية الفردية، تلك التي يعتمد فيها على قدراته الشخصية، وذكائه الخاص، وإن مدعوماً بملاحظات المدرب، لم يذهب بعيداً عندما أراد صناعة سينما من نوع خاص، هي «السينما المستقلة»، فكانت تجربته البارعة في فيلم «الباب» الذي أعلن عن ولادة مخرج سوري شاب، يمتلك من البراعة الفنية، والنباهة الفكرية، وعمق الرؤية، ما استطاع أن يختزله خلال دقائق معدودات، هي مدة هذا الفيلم الروائي التجريبي القصير..
بصمت صارم، وعينين ذاهلتين، ينطلق بطل الفيلم، الشاب ذو الملامح العربية، حاملاً باباً خشبياً على رأسه، (تماماً كما كانت أمهاتنا يحملن دلاء الماء على رؤوسهن، يطفئن عطشنا)، متجولاً من مكان إلى آخر، في بلاد لا تحمل سمات أي بلد عربي، ليؤكد لنا أن الأحداث تدور في بلد ما من بلدان المهاجر.. سنرى الشاب يمضي باحثاً عن مكان، يمكن لهذا الباب أن ينغلق عليه.. سنراه يمضي من المدينة، وشوارعها، إلى الأرياف، فالغابات، ليصل إلى شاطئ مهجور!.. وهناك سيرسم بكعب حذائه، على الرمال الرمادية الرطبة، صورة البيت الذي يحلم به، قبل أن يضع له بابه العتيد، ويجعله ينغلق عليه، هابط إلى الأسفل، كما لو أنه قبر.. تماماً!..
ببراعة حاذقة، يقول المخرج هشام الزعوقي، الكثير مما يمكن قوله، عن معاناة المغتربين العرب، المهاجرين، في بلاد تحتاج للكثير من الدفء، حتى تتمكّن من تحسُّس معاناتهم، وتلمُّس توقهم إلى الأمان!.. الأمان في بيت، أو في قبر..
يكثّف هشام الزعوقي الحديث عن معاناة المغتربين، أو المهاجرين العرب، الذين افتقدوا دفء أوطانهم، واستبدلوها مرغمين عن أنفهم، ببرودة المهاجر، بحثاً عما لم يجدوه في بلادهم، التي لم تستطع منحهم الحرية التي يريدون، عبر شريط سينمائي بارع، ففي ثماني دقائق، لا وجود لأي كلمة فيها، ثمة الكثير من الكلام، من الشكوى، والتأفف، واللوعة، والحرمان، والبحث الذي لا ينتهي..
تجربة المخرج الشاب فجر يعقوب..
ينتمي فجر يعقوب إلى الجيل الثاني من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، فهو من مواليد العام 1963، وبالتالي فهو قد ولد ونما وترعرع في سوريا، دون أن يعرف غيرها ملجأً، وحتى عندما ذهب إلى بلغاريا لدراسة السينما، لم يكن له من بدّ سوى العودة إلى سوريا، ولعلّه لم يفكر بسواها بديلاً أبداً، طالما أنه غير قادر على العودة إلى قريته «الطيرة»، القرية الفلسطينية الجميلة، المنتظرة عودة أبنائها، قرب حيفا..
وفجر يعقوب، الذي عمل في صحافة الثورة الفلسطينية، شوطاً من الزمن خلال الثمانينيات، وراود الشعر بثلاث مجموعات شعرية، وجد نفسه يحطُّ أخيراً على شاطئ السينما، مخرجاً وكاتباً للسيناريو، وناقداً في المسافة بين فيلم وآخر.. فخلال قرابة عقد من السنوات استطاع بمثابرة وجهد، أن يقدم أفلاماً من طراز: «سراب» عن قصة للأديبة السورية الكبيرة كوليت خوري، وهو فيلم روائي قصير، وفيلم «صورة شمسية» 2003، التسجيلي القصير، وفيلم «متاهة» 2004، التجريبي القصير، وفيلم «روميو وجولييت» 2005، الروائي التجريبي القصير..
التجريب، هو السمة الأساسية في السينما التي يصنعها المخرج فجر يعقوب، سواء أكان يتناول قصة إنسانية المغزى، كما في «سراب»، أو قصة نابعة من قلب المعاناة الفلسطينية، مباشرة، كما في «صورة شمسية» و«متاهة»، أو عندما يتناول قصة حبّ، أزلية الاغتيال، وتراجيدية النهايات، كما في «روميو وجولييت».. وفي الاعتقاد أن التجريب الحقيقي غالباً ما يرتبط بطزاجة الفكرة، وطرافتها (إن شئت)، وبعمق الرؤية، وحرية التفكير والتعبير، حتى درجة النفاذ إلى المسكوت عنه، وهو ما لا يقبل أي منتج سينمائي خاص التورط فيه، كما تحاذر المؤسسات الإنتاجية السينمائية العامة من الذهاب إليه.
أربعة دقائق فقط.. كانت تكفي المخرج فجر يعقوب، ليتحدث لنا في فيلمه «متاهة» عن مخيم شاتيلا في العام 2067، ليصدمنا بصورة المخيم الباقي، بعد قرن من النكسة الحزيرانية، تماماً، وفي مكانه، وكأنما هو في تحذير يريدنا الانتباه إلى أن لا شيء يتغير، طالما أن حالتنا العربية، هي محض كلام في كلام..
وفي ثماني دقائق.. هي مدة فيلم «روميو وجولييت»، وفي غرفة عناية مركَّزة (أو مشدَّدة)، نرى عاشقين شابين، مستعارين من عالم غسان كنفاني في وهلة، ومن عالم السحق والقهر، الذي يجثم الآن، بكلكله علينا، في وهلة أخرى، وهما يعيدان التراجيديا الأزلية التي تحيق بالبشرية.. هاهنا شاب وفتاة يتحايلان على واقعهما، من خلال الادعاء بالمرض، علَّ غرفة العناية المركَّزة، في إحدى المستشفيات، تجمعهما!.. ولكن الفتى العاشق يمضي في اللعبة إلى نهايتها، ويموت، قبل أن تنهض الفتاة من لعبة الاستغماء، التي اصطنعاها من قبل!..
في أفلام «السينما المستقلة» نجد أنفسنا، نقاداً ومشاهدين، أمام تجارب إبداعية سمعية بصرية، تحاول النفاذ من بين أصابع المعيقات جميعها، لتقدم رؤى سينمائية إبداعية بارعة، قليلة التكاليف، رخيصة الإنتاج، تنفلت من خلالها المخيلات لتقول أشياء لم يكن بالإمكان صناعة أفلام تحملها، لولا خيار «السينما المستقلة» التي تحاول بدأب اختراق الجدران السميكة، والتحصّل على نص سينمائي خاص.
المؤسسة العامة للسينما.. والسينما المستقلة
في المرسوم التشريعي رقم 258، والصادر في 12/11/1963، في سوريا، والذي تضمَّن إنشاء المؤسسة العامة للسينما في سوريا، ورد بوضوح أن أحد مهمات هذه المؤسسة، «دعم الإنتاج في القطاع الخاص».. ولما كان الإنتاج السينمائي للقطاع الخاص، لفظ أنفاسه (غير مأسوف عليه، عند الكثيرين)، منذ النصف الثاني من عقد تسعينيات القرن العشرين، فإن هذا مما يعني أن المؤسسة العامة للسينما، قد فشلت في تنفيذ هذا البند، من المهمات الموكلة إليها، (وهو ما لا تتحمَّل ذنبه الإدارة الحالية للمؤسسة، أبداً)..
وبالتالي فإنه من المنطقي التوجّه للمؤسسة العامة للسينما في سوريا، والتي لا تتحمل إدارتها الحالية أيّ مسؤولية عن دم سينما القطاع الخاص، بالدعوة للانتباه إلى «السينما المستقلة» في سوريا، وأن تمنحها العناية والرعاية، والحرص على عدم قتلها، وهي في المهد، إذ أن المؤسسة العامة للسينما، في سوريا، تستطيع أن تكون الداعم الحقيقي لتجارب السينمائيين الهواة، الطامحين إلى إبداع أفلام سينمائية حرّة، ومستقلة، يمكن لها أن تكون نواة لسينما عربية جديدة، مميزة بصرياً، وعميقة فكرياً. ومما لاشك فيه أن الأستاذ الناقد محمد الأحمد، المدير العام للمؤسسة العامة للسينما، في سوريا، بوصفه ناقداً سينمائياً خبيراً، خير من يعرف ذلك.



#بشار_إبراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشاهد من الاحتلال في غزة1973
- ألمودوفار في سينما الرغبات
- فلسطينيات بعيون إسرائيلية
- عطش.. الذات الفلسطينية.. في المرآة السينمائية
- فيلم (ارتجال) لرائد أنضوني.. ميوزيكال دافق من فلسطين إلى فرن ...
- هل تصلح الناقدة السينمائية ما أفسده المدير التلفزيوني؟..
- في «القارورة» لديانا الجيرودي.. «بضع حكايات» عن المرأة والحر ...
- قبلتان.. على اسم برهان علوية
- عن المخرج جان شمعون
- عبد الله المحيسن والسينما السعودية
- عن فيلم «الجنة الآن» للمخرج هاني أبو أسعد


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشار إبراهيم - السينما المستقلة في سوريا