أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - بيروت تل أبيب القسم الأول بيروت الفصل الأول2















المزيد.....

بيروت تل أبيب القسم الأول بيروت الفصل الأول2


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 5231 - 2016 / 7 / 22 - 22:13
المحور: الادب والفن
    


خلافًا لما كان يدل عليه اسمه، لم يكن عبد السلام يتمنى سوى الحرب. ولأنه كان ماهرًا في التخطيط، كان يدفع خصومه إلى الإطلاق أولاً، ليدَّعي أنه ضحية الرعب ونصير السلام في نفس الوقت. كان يعلم أن الحرب الأهلية تقترب، لأنه كان محركها بشكل من الأشكال. كان يستبق الأحداث، هدم بيروت، بناء بيروت، ارتفاع أسعار الإسمنت، ولهذا السبب عندما التقت بعيني برناديت عيناه، ابنة أكبر تاجر إسمنت في البلد، قرر إغواءها. لم يكن لزيارته لنا هدف آخر غير أن يطلب من العمة مريم مساعدته على إيقاع برناديت في شِباك العاشق الزائف الذي كانه، فلم تكن الكلاشينكوفات سوى وهمٍ خادعٍ لإلهائنا.
العمة مريم، التي تعرف برناديت جيدًا، ابنة عم بطرس الأحمر، كانت قد دعتها عندها عندما كان عبد السلام يوجد "بالصدفة" هناك. ما أن رأت برناديت سلاحه حتى اختلجت، فلم تكن تعلم أنها على صلة برامٍ للنار، وخافت من وقوع حادث. أبعدت بأصابعها المرتعشة السلاح، واستأذنت الحضور بالانصراف، دون أن تبالي بنداءات العمة مريم. تذرعت بواجب حضورها القداس مع أسرتها، وغابت. لم نعد نراها خلال وقت بدا لنا طويلاً جدًا. أرسل عبد السلام في طلبها بعض الفدائيين، فذهبوا إلى الكنائس، وذهبوا إلى الشواطئ، تحدوا الموج، تحدوا القروش، تسلقوا حتى الصخور، بلا جدوى.
في الليل، كنا نراقب، بصحبة عبد السلام، المكان الذي كانت تسكن فيه. كان يبدو أن برناديت قد اختفت تمامًا. الشيء المهم الوحيد الذي لاحظناه كان التصرف الغريب لأبيها. كنا نتساءل عما يمكن أن يكون قد وقع لها، كنا مستعدين لكل شيء لنعلم.
في الصباح، عادت إلى الظهور أخيرًا. تقدمت مباشرة من عبد السلام بوجه شاحب، وأخبرته أن أباها كان على وشك الإفلاس، وأن أمها تقضي نهارها في الصلاة كآخر استجارة. كانت برناديت قد بادرت بالذهاب إلى قصر أبي أرز الجاثم في الجبل لتعرض وضع أسرتها. كان قد رفض استقبال أبيها، وفيما يخصها، كان قد احتجزها بضعة أيام. رغم التواطؤ الذي كان يربط أبا أرز بالعمة مريم، كان رئيس الميليشيا المارونية الأكثر بطشًا. هو أيضًا كان ماهرًا في التخطيط. كان يصل دومًا إلى إخضاع الجميع وضمان ظهره. هكذا كان قد نجح في نزع مِلكية أبي برناديت. كان يضارب كعبد السلام على تفجر سوق الإسمنت بعد الحرب. كان هذا المنافس الحقيقي لذاك.
كانت برناديت تبكي. كانت تشد صليب المعمودية المعلق على عنقها. كان رجال أبي أرز قد رموها ساخرين أن تقترح على أبيها الصعود إلى نوتردام لبنان، فالله وحدة القادر على إخراجه من هذه الورطة.
طمَّن عبد السلام خواطرها:
- لا تقلقي. كل شيء سيكون على ما يرام غدًا!
- كيف يمكنك أن تقول هذا؟ استشاطت برناديت. سيكون الوقت متأخرًا.
- أبوك رجل قوي!
- لن يتردد أبو أرز عن قتله.
- لن يقتله. سأحميه لأني أحبك.
- أنت لطيف، لكن...
- اسمعيني! سأتكلم مع أبي أرز أولاً، وإذا لم أصل إلى شيء، سيذهب رجالي لمحاصرة الميناء لمنع تهريب الأسلحة.
نظرت إليه. تابعت أنها قد حاولت تحذير أبيها من أبي أرز مؤكدة أنه لا يسعى إلا لاحتكار سوق الإسمنت. أبوها الذي كان مؤمنًا جدًا لم يكن يصل إلى أدراك أن الطيبة التي يُعَلِّمُهَا الإنجيل لم تكن لأبي أرز سوى وسيلة لدعم سلطته.
إن كان قد تشوش من كلام ابنته، فهو لم يكن يصدقها. كان يفكر أنها تبالغ.
سكتت، ثم أضافت موجهة الكلام إلى عبد السلام:
- هل تعرف ماذا فعل أبي؟
- لا.
- ذهب عند أبي أرز، فوق، في الجبل، ليبلغ عني، فرفض استقباله للمرة الثانية. عند ذاك، نصحه رجال أبي أرز أن يقول كل شيء لأبي مزة.
- أبو مزة القذر!
- نعم، أبو مزة، قبضاية الحي! منافس العمة مريم. هذا الدجال الذي يصطف على المكشوف إلى جانب أبي أرز، الذي يتبرأ من أقربائه، الذي يعتدي على الكل باسم الدين المسيحي، الجاهل بأمور الدين! كان يريد من أبي أن يعيد عليه كل ما قلته عن أبي أرز ليعاقب "الكافرة"!
- أقسم بالله العظيم أن أعاقبه أنا إذا مس شعرة من شعرك! اكتفى عبد السلام بالقول.
كانت مدينة بيروت صامتة. لم نكن نسمع سوى ارتداد الأمواج. كانت بيروت تكره الشتاء. كانت قد اعتادت على حرارة الرمل. أردنا أن نرافق برناديت حتى بيتها، فرفضت متذرعة بأن زعران أبي أرز إذا ما رأوها معنا قتلوها. لم نلح. قبل أن تصل إلى بيروت الشرقية، أشارت بإصبعها إلى أبي مزة، وهو مشغول ببناء سور في قلب حينا. كان في حوزته عدد كبير من أكياس الإسمنت.
- لا حق له، قال عبد السلام بذهول.
ابتسمت:
- لو سمعك تقول هذا لأجاب أنك أنت الذي لا حق لك أن تكون هنا! سيستفزك لتذهب، وإذا بقيت، فسيضربك حتى الموت لو يلزم. اللبنانيون على شاكلة لبنانهم: عبثيون!
- لكنه يقسم الحي، المدينة، البلد، هذا القذر!
كانت برناديت تريد أن تقول شيئًا، عتمت ملامحها، وسكتت. كانت تعرف أن العمة مريم وحدها من تستطيع التدخل، بينا العمة مريم لم تكن تريد أن تعرف شيئَا. كانت سياستها أن تترك منافسها يفعل ما يشاء. كانت تغمض عينيها لئلا تفسد الجو. ثم، بالنسبة لها، كان الكل يساوي الكل. لو كانت هي نفسها مكان أبي مزة لفعلت مثله. قرع جرس، فرفع أبو مزة رأسه من فوق سوره عاليًا، عاليًا، حتى أمكننا الاعتقاد بظهور رئيس الملائكة القديس ميخائيل. عندما مضت برناديت من أمامه، توقف عن العمل، فشعرت عليها بثقل نظرته المليئة بالغضب، حتى دخلت دارها.
بعدما اطمأن عبد السلام على برناديت، ذهب عند أبي أرز. استقبله بحرارة، وقدم له كأس عرق من الصنف الفاخر. تبادل ومضيفه بعض عبارات المجاملة، وبعجلة كشف عن موضوع زيارته.
- أبو مزة يبني سورًا يقسم بيروت قسمين، قال له، أحدهما مسيحي والآخر مسلم.
- ما الأمر ألا محض صدفة، أجاب أبو أرز بصوته الأخن. نريد فقط بناء مساكن شعبية نبدأها بجدار، ونعطي عملاً لعاطلي العمة مريم عن العمل. هناك القليل من الأبنية المشتركة في بيروت لدرجة أن لا أحد يعرف كيف هو البيت بغرفتين. الشقق فارغة، والأزمة خانقة. أعرف أن بناء السور لا يحل المسألة، غير أنه يهدئ بعض النفوس، ويملأ بعض الجيوب، ريثما نصل إلى حل يسمح لكل واحد بأن يجد فيه فائدة لنفسه.
تظاهر عبد السلام بأنه لم يسمع شيئًا:
- بناء سور هذا يعني كثيرًا من الإسمنت. فعلت كل شيء لتضع يدك على إسمنت أبي برناديت، وأنا لن أقدر على نسيان ذلك.
- هل ستقبل نصف السوق؟
- أفضِّل العمل مع واحد آخر، واحد لا علاقة له بك، وأفضَل شخص هو أبو برناديت.
- أنت خائف من أن يعرف رجالك؟
- أنا وأنت صُنعنا لنتفاهم على شيء واحد: الفوائد التي يمكننا أن نجنيها من الحرب. لا تنس أننا في أعين رجالنا ألد أعداء.
- ليكن. سأعيد سوق الإسمنت إلى أبي برناديت، لكني سأحتفظ ببرناديت لي إضافة إلى نصف الأرباح.
- ثلث الأرباح فقط، وبرناديت ستكون خطيبتي، لن تكون أبدًا لك.
- لنتركها تختار أحدنا، يا صديقي.
- سبق أن اختارت، يلعن دين!
تردد متحيرًا، ثم قال:
- موافق.
- أَتْرُك لك حرية البدء بالحرب متى تريد.
قهقه.
- سأشن الحرب، أكد، لكنك ستدمر بيروت حجرًا حجرًا.
- يجب أن نحتفل بهذا.
نهض، وليختم اتفاقهما، أمر ميليشياه بذبح عشرة خراف على شرف عبد السلام. قامت العمة مريم وعشر نساء بالطبخ، وأمضينا، نحن مرافقو عبد السلام وعبد السلام وأبو أرز، المساء، ثم الليل، ونحن نأكل، ونشرب، ونضحك، ونغني.

يتبع...





#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيروت تل أبيب القسم الأول بيروت الفصل الأول1
- بيروت تل أبيب كلمة الغلاف
- المؤتمر العربي العالمي فرنسا هذا لا يعنيك!
- المؤتمر العربي العالمي فرنسا سرقت فكرتي
- المؤتمر العربي العالمي إلى الحمير من المحيط إلى الخليج
- المؤتمر العربي العالمي المكتوب واليوتيوب
- المؤتمر العربي العالمي يا كتاب -الحوار- أين أنتم؟
- المؤتمر العربي العالمي انعقاده في 5 حزيران
- المؤتمر العربي العالمي
- النظام العالمي
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني النص الكامل
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 51
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 50
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 49
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 48
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 47
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 45
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 44
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 43
- الحداثة الزرقاء دراسة في أدب غسان كنفاني 42


المزيد.....




- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - بيروت تل أبيب القسم الأول بيروت الفصل الأول2