جاسم المعموري
الحوار المتمدن-العدد: 5231 - 2016 / 7 / 22 - 10:01
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
سوء الادارة في المؤسسات الحوزوية
أثار إنتباهي عدم إدراج مقبرة وادي السلام في النجف الاشرف ضمن لائحة منظمة اليونسكو للتراث العالمي , بسبب النزاع القانوني بين الوقف الشيعي وبلدية النجف حول الحق الاداري لهذه المقبرة , لأن منظمة اليونسكو تشترط وحدة الإدارة لقبول الترشيح لهذه اللائحة , ويبدو جليا للقاريء الكريم ومن الوهلة الأولى ان حق الأدارة يجب أن يكون للبلدية وليس للوقف الشيعي , اللهم إلا بعض الأماكن الموجودة في المقبرة كمرقدي كل من النبي هود والنبي صالح , والاماكن التي نص أصحابها على وقفيتها , والحقيقة ان ارض المقبرة ملك عام , وبالتالي فأن البلدية أحق في ادارته , كما لايخفى ان البلدية ستقدم للمواطنين خدمات يعجز الوقف الشيعي عن تقديمها بسبب الدعم الحكومي لها كما هو مفترض . هذا الموضوع اثار انتباهي حول سوء الادارة لدى مؤسسات الحوزة الدينية في عموم العراق وخارجه , بالرغم من ان الوقف الشيعي مؤسسة مستقلة عن الحوزة , إلا انه يرتبط بها من نواحي اخرى , وله سلبياته وسوء ادارته , ليس الخوض فيها هنا من صلب الموضوع المزمع مناقشته .
تتبع المؤسسات الحوزوية اسلوبا كلاسيكيا في ادارة شؤونها العلمية والخدمية , وهو اسلوب لم يعد ناجحا كما في السابق , اذ تعتمد تكليف احد رجال الدين في ادارة مؤسسة أو اكثر, حيث يجيب على اسألة الناس من خلال الهاتف او الوسائل الاخرى , كما يشكل حلقة وصل بينه وبين العالم المجتهد المتصدي للمسؤولية عن تلك المؤسسة , والواقع اليوم يفرض على تلك المؤسسات ان توظف اداريين متخصصين من اصجاب الشهادات العليا في المجال الاداري , وان يبقى رجل الدين بعيدا عنها الا فيما يخص قضايا الشارع المقدس ,أما اذا كان مختصا بعلم الادارة مع كونه عالم دين , فهذا ارجح وافضل في تكوين فريق عمل من المتخصصين , يأخذ على عاتقه مسؤولية ادارة المؤسسة .
يعاني طلبة الحوزات العلمية من امور كثيرة , منها على سبيل المثال , النقص في الدراسات الاكاديمية التي من الممكن ان تعزز من متانة العلوم الدينية , وتساعدها بشكل افضل في الاستنتاج العلمي الديني , أو استخراج الحكم الشرعي , فدراسة اصول الفقه - ولو في اعلى المستويات - ربما لاتكون كافية في استنباط حكم شرعي يتعلق بالطب او الهندسة أو التطور التكنلوجي الحديث مثلا , فلو يكون للطلبة مجال او فرصة في دراسة اساسيات هذه العلوم وفي الحوزة نفسها , فمن الممكن ان ننتج علماء اكثر احاطة في المستقبل القريب .
ولا تقف امنياتي وتطلعاتي عند هذا الحد فحسب , بل تتعداها الى محيط اكثر رحابة , وأوسع مجالا , واكثر تخصصا , من خلال بناء الجامعات الدينية المزودة بأحدث الاجهزة والمعدات العلمية والمختبرية وبأمهر الاساتذة الاكفاء , على ان تكون العلوم الحديثة أحد أهم ركائزها , ولا تخلو من العلوم والفنون الانسانية الادبية والفلسفية والعرفانية , جنبا الى جنب مع علوم الدين الاساسية , حيث سيشكل المجموع وسيلة وثقى لانتاج علماء قادرين على التفاعل مع الواقع الحاضر والاتي , بشكل اكثر علمية وقربا الى العقل والمنطق , واكثرانحيازا الى السلم والرحم والمحبة .
تقوم الحوزات العلمية بتزويد طلبتها بالمساعدات المالية لتغطية احتياجات الحياة اليومية الاساسية , وهي بهذا تنتهج نهج اغلب الجامعات في العالم , الا ان المشكلة تكمن في سوء ادارة هذه الميزة الجيدة , وكذلك الفساد الواضح في التوزيع الذي يوضحه عدم وجود العدالة , فطالب الحوزة الذي يعيش في لبنان على سبيل المثال هو غيرالذي يعيش في مصر , حيث غلاء المعيشة في لبنان ورخصه في مصر, فلا يمكن ان يتساوى الاثنان في العطاء والحالة هذه , اما مايسمى بوكلاء المراجع وبطانتهم , فهؤلاء يتمتعون بامتيازات اكثر , لأنهم يقومون - بالاضافة الى الدراسة - بواجبات وأعمال اخرى تناط بهم من قبل المرجع الذي يقوم بتكليفهم , ولكن ما كان يجب ان يخرج عن حدود المعقول والسيطرة و حيث يتمتعون بما لذ وطاب من النعم , بينما يعاني الاخرون الأمرين ممن نذروا انفسهم لخدمة الدين , واضطروا هم وأسرهم ان يعيشوا عيشة ضنكا, والسؤال- ايضا هنا - هل يمكن تساوي العطاء للغني والفقير من الطلبة , أم هناك تمييز بينهما ؟
لذا ارى ان على المراجع الكبار ان يعرفوا الجغرافيا الاقتصادية لتلاميذهم , وان يعرفوا من منهم الغني ومن الفقير , قبل تقسيم المنح والعطايا , وان يكونوا اكثر حرصا في متابعة اموال الحقوق التي هي في ذمتهم وأمانتهم , وتحت رعايتهم وتصرفهم , كما ارى انه وبالرغم من عدم وجود امكانية – او اجازة - التصرف بهذه الاموال الشرعية الا حسب تعاليم الشارع المقدس , لو أمكن شرعا انشاء بنك اسلامي لاربوي تملكه الحوزة , تودع فيه هذه الاموال جميعا , على ان يكون تحت ادارة مصرفية متخصصة , ثم تمنح بطاقات ذكية تصدر من البنك نفسه لجميع طلاب الحوزة العلمية , - وهناك - في ذلك البنك يتم التخطيط العلمي الصحيح شرعا وقانونا , لاستثمار تلك الاموال بشكل يضمن عدم تعرضها للخطر او الخسارة , وذلك من خلال بناء المشاريع التي تتصدى لها تلك الحوزة , كالمدارس والمشافي والمساجد , ومؤسسات التنوير ونشر العلم , من خلال المكتبات ووسائل الاعلام , وما يصرف في المناسبات الدينية على السياح والزائرين وغيرها .
هنالك الكثير مما يمكن الحديث عنه في هذا المجال , الا ان الخوض فيه جميعا اطالة , ولكن احب ان اذكر امرا واحدا فقط لأختم به , وهو عدم وجود تواصل مباشر بين العلماء الكبار وأتباعهم , الا ما ندر , ولقد خفي عليهم - مع الاسف الشديد - التطور الحاصل في وسائل الاتصال الحديثة , فلقد عانيت كثيرا في محولاتي للاتصال بهم , وفي احدى المرات ارسلت الى سماحة السيد السيستاني رسالة هامة عن طريق البريد الالكتروني , والبريد العادي , ونسخة ارسلتها بيد احد الاصدقاء , ومع ذلك لم تصل الرسالة اليه, يبدو انها توقفت عند الحاشية او البطانة , ولا اعرف مصيرها , وهذا - مع الاسف - يحصل ايضا عند الاتصال بالسياسيين , او غيرهم من قادة الفكر او الثقافة او الفن الخ , في عالمنا الاسلامي والعربي خصوصا, اعتقد ان عليهم ان يدرسوا فن الاتصال , لأنه ميزة مهمة يجب ان يتحلى بها القادة والزعماء , وارباب الفكر والعقيدة وغيرهم , وبدونه يفقدون الفائدة المرجوة منه , فضلا عن فقدانهم لقواعدهم الجماهيرية .. في الوقت الذي نراسل فيه نظرائهم في انحاء العالم ونحصل على اجوبة سريعة منهم , تتضمن احترامهم وشكرهم مع اجوبتهم , لتدل على وعيهم , جنبا الى جنب مع تواضعهم الشديد .
جاسم المعموري
20-7-2016
#جاسم_المعموري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟