أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مزوار محمد سعيد - بعض توابل التفكير على الضمير قد تنفع صاحبه















المزيد.....

بعض توابل التفكير على الضمير قد تنفع صاحبه


مزوار محمد سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 5224 - 2016 / 7 / 15 - 13:08
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أصحوا وفي يدي اليمنى بركة الروح، أسمع صراخ من سُلِّمَ جسده لسوط ذاك السجن المائيّ كلما صحوتُ، أردِدُ كلمات الحبِ في سرّي العلني كلما كلّمتُ تلك السمراء، أهوي بمطرقة فرحي على كلّ عراقيل الحيـاة، أسترجع أنفاسي من جديد، متذكرا ما قاله بات-مان "الرجل الوطواط" عن السقوط والنهوض، فيمرّ في خيالي اصرار أبراهام لينكن بطل العبيد، وتتبعها مشاهدٌ أخرى كلحظات سقوط لوثر كينغ أو كينيدي، أتنهّد، فيزور ذهني هنري فورد أو ابراهيم الفقي أو إمبراطور الفايسبوك، ثمّ أنحني أمام الإله "توكودا توراو"، حاملا احتراما عظيما لصديقي الوحيد، بعدها أنهال على أيّامي بكل لوم واصرار، لأحمل تناقضاتي وأتحمّل أعبائي كاملة، مثلما فعل محمد علي كلاي رحمه الله، أو أختفي كما فعل براد بيت عندما أحبّ أنجلينا بعمق الرجل المثابر، أعود وأقف للمرّة الأخيرة أمام قبر أفكار ابن رشد، أرمم ذاكرتي بمالك ابن نبي، لأتعلّم من إلياس زرهوني فارس جورج بوش الابن رغما عن أنفه، بأن للأنديجان حياة بعيدا عن أرض القراصنة، يتملكني يأس خافت خفي، لكنه لا يلبث طويلا حين أتذكر من جديد ما قام به جاكس تيلر من أجل زوجته وصديقه وعائلته وناديه، فلكلّ رجل دوره في الحياة، عبارة خرجت من عمق ذاك اللورد الانغليزي من القرن التاسع عشر، حين أحبّ احدى خادماته، صحيح! لما يحبّ الإنسان من يخدم روحه ويجلدها في الآن معا؟ هي رحلتي بين أكوام مجرّات الكتب والأقراص المضغوطة وبعض عطور ما أنا فيه، ما أنا مقبل عليه كأيّ إنسان أحب الكلمة غير آبه بحبها له، فكلّ كلمة هي سانتا لاكلارا جديدة وكلّ مفكّر كاتب هو أرنسيتو شي غيفارا أبدي.
يشارك الإنسان داخله لطمة لا يفهمها، يشاركها كل ما من شأنه أن يجعله ضمنها وفي دائرتها الغريبة عنه، فيتحمّل الكثير من ألغازه العلمية عن كل تصوّر يمكن أن يراود عاقلا، وينجوا من فضاءات الإنكسار بشعلة الداخل التي يستعيرها من جذوة الانتصار، هناك في نور العمق، هناك في صحوة الألغام تتبدّى غيوم الأنهار الفكرية بشكل عريق، ولهذا يصبح أمام البشر قَدَر لا يتدخلون في تغييره عبر صمودهم، بينما هم يتمنون تغيّره كل وقع ثانية عليهم منه، حتى يصبح هذا الفعل المجاني مكلفا للغاية على قائمة فاتورة الأرواح، الأمر يبدوا للوهلة الأولى غريبا، لكنّ صمود عناوين التقديرات كلها في وجه مجون الإنسان وجنونه، هي بالذات ما تحمله على صياغة قدراته بالشكل الذي يرجوه الجميع، ولا يصل إلى تحقيقه كل من يحمل رجاء كهذا؛ لما حمل الفرد بيانه الشهير منذ صعود الأرواح ونزولها، فإنه استمّد قوة ما من جانب هو بالذات لا يعتقد أنه كان حاضرا فيه كلغط أو كتواجد مميَّز، ولما سار الوضع على ما هو عليه، فإنه مدّ حضوره بشكل متواز جدا مع قدراته، لكنّ هذه العلاقات الواضحة المتجذرة في العمق البشري، هي الأقرب إلى صناعة واقع يستمدّ حضوره في الجانب الإنساني من صهوة عقل لا دخل له فيه، فهو يسبح ضمن عنجهيته بشكل متفاخر ومتعالي جدا، ومع ذلك يحمل القليل من رنين العزم في مواجهة ما هو بصدد التركيز عليه.
تحمل ذاتك كل صباح وتتحجب مخافة بروزها للعيان، وهم كثر للغاية، تغسل وجهك الفضيّ، ثم ترتشف القليل من الحليب المزيّن بسمرة القهوة، بعدها تجمِّل مظهرك باصلاح شعرك وثيابك، ثم تحمل حقيبتك وتخرج إلى الدنيا، تصادف البعض ممن هم تائهون مثلك، ممن هم يغيرون كل صباح على مواعيد ارتياحهم المؤقت، لتضع بين أياديهم آمالك الصغيرة، فتسير على طرقات مغلقة، مسارات عفيفة؛ من أجل الوصول إلى ما كان بالأمس البعيد أمرا "مستحيلا"، في نظرك أو في نظرهم، لأنها بالشكل الموجود هي بالطبع أمر محدود، وبلا نزاع هي أمور تخفق مع كل دقة لقلبك، حين ينبض بالمنعش من الحيـاة.
لما حكت الأساطير تلك الكلمات تاهت وهي تردد ما كان بالأمس شكلا عبثيا، وهذا ما دفع أثينا إلى السير في مسار آخر، دفع الجميع إلى اللغو بدل الحديث، دفعني إلى نفسي! إلى مرتبة الصفاء حين أجلس لروحي بشكل متغيّر، هنـاك على راحة اليد الواحدة يجتمع كل سكان الأرض، يتسامرون وينهلون من اختلاف منابعهم الجليلة بشكل مؤثر، هناك على طرف زوايا الديانات تحمل الثقافات أثوابها الغريبة لترفعها إلى مقالات الأوّلين، هناك أين يكون الإنسان لوحده وحيدا، أين تتلقف السعادة حجمه الصوري بعيدا، أين يكون له ما لم يكن لغيره، أين يدرك بأنّ ما هو قائم هو نتيجة من نتائج كثيرة لا دخل له فيها سوى بارادة تغييره وتغيّره عبر ترشيد مصيره لا أكثر، هناك أين يلتقي الإنسان بما جعله إنسانا لـيحتار بشدّة، يحمل إلى قفاه بعض قطرات من المياه لينتج عنها بعض الرطوبة التـي تؤسس بيئة صالحة لانتاج الفكر، لإنتاج المستقبل.
من يتابع الأحداث الإنسانية سواء من قريب أو من بعيد يجد فيها الكثير من المواد التعقيدية التي من شأنها أن تجعل الفرق واضحا بين البشر، ولهذا يكون من الجيّد مراجعة الأمور الخاصة بالإنسان بين الحين والآخر تداركا منه لبعض الهفوات وتجديدا إياه للبعض الآخر، في محاولة صريحة لتدبير كل ما من شأنه رفع مستواه والارتقاء به من صف لآخر وفق الآلة الروحية التي تعتزم أخذ المبادرة إلى أرض أخرى. عندها فقط نصنّف البشر بين مجدّد ومجيد، ولا ندرك أكثر من ولوجنا إلى قصد ما، بأنّ العلامة التي تفرّق بين العلاقات المهمة بين البشر، هي تلك الخاصة بتفاعلات إنسانية رهيبة، تبدأ بشكل قد تلعب الصدفة فيه دورا حاسما، ثمّ نعيدها إلى مكانها من حيث بدأت، وهي بالذات أمر يستعصي على البعض بشكل قد يختلّ بين الحين والحين. لم يكن هناك من مكان أسلم من الروح لبقاء الإنسان، ولم يكن هناك أكثر من الإنسان لبقاء البشر، ولم يكن هناك أسلم ولا أبلغ من البشر لاستمرار الحياة، فهذه الأخيرة هي حفيدة الروح، وهي الأقرب إلى الوجود على الدوام، بفعل يكاد يكون غير قائم على الوجود عبر تدخّل فاعل ما، لولا انتصار ديناميكيتها الذاتية منذ أمد بعيد. حين يبلغ الإنسان مداه، يحمل منفاه ويتخذ من مسائل الرجة الروحية أساسا يتعامل الفرد وفقه مع جوانب لم تعد ظاهرة، وبهذا الأساس يصبح لزاما عليه أن يتخذ من كلّ أرقام الغلواء قطعة سجية تتراكم بالشكل الذي ينعتق وفقه ظل شامل يترك صاحبه مع دخوله النور، لقد برز للضمير الكثير من متخيلات البقاء، وبهذا يكون على الإنسان فهم ما يجول من حوله أولا وأخيرا، تبدأ قاعدته من إلقاء الجميع لشكواهم الأبدية على مفترق طرق المبهمات، ثم يسترجعون كل ما ألقوه فردا، فردا، وواحدة واحدة، لتصل هذه العملية إلى جمع الشتات، واقتران تفنّن الذات بالذات، فتصوغ مجموعاتها الكثير من اكتناز المغازي أمام ما يصادفها من مآسي، ثم تتدارك حصصها الغافية بصورة تمتدّ على مصرع الكفاءة المغرضة، حيث يصبح المجتهد شهيد ذاته فقط. هي اللغة التي لا يفهمها سوى المظلومين، وهي قرارة العملية التدريبية وسقياها حين تتعلّم الإنسانية أنّ أبناءها المخلصين هم هؤلاء الذين تضطهدهم على حسابها الخاص والفوريّ. الفرد لا يخسر حياته بشكل مباشر، هو يخسرها بالتقسيط، ثم يعلوا صوته مناديا، متبجلا، زاهدا ورعا، فيصادف أعلى مواقف الحضور وأسماها، حين يحاول أن يثبت وجوده ضمن شبكة تتخذ من الإنسانية قصدا ضمنيا، وهي حالات تغزوا الفرد بشكل تام، تجتاح جوارحه وتفقد معاليه بشكل غزير، بعدها ترفع كل تتماته لتصوها على حسب القالب الهام فيها، لتعاود بذلك الإنتساب إلى الإنسان، إلى النقص الخالص، لتؤسس لما بعده، وتتحوّل بعيدا عنه. يحمل الفرد مسعاه بيديْه، يتفاءل بالغد، يركن إلى مجمعاته الروحية وحيدا على فترات، ثم يتخذ من مساعيه علاقات ذروة تتوالد بثقة، لتجافي أخبارها المواويل والأحزان، لكن رغم النكبات هناك أفق ما في داخل الإنسان، هناك أمر ما لا يفهمه، وإن فهمه فإنه سيفسده، وإن ألغى لغاته وذاته سيجعله أكثر إقترانا بما ليس له، هي قصة تدريبية بين الركون والمناورة، بين علاقات الذات بالغزاة، بين ذهن المتلقي وترجيح المنتديات، بين تعاليم تستند إلى مغرياتها وزحاما يستند إلى عفوية كاذبة، لقد حلّ الإنسان محلّ صلات الأوهام ببعضها، تتراشق بسلّم غزير المعاني، ثم تحتفل به لتتدارك أهمية وقوع الإنسان أمام الإنسان، لهذا فإنّ الحياة تستمر بين هذه المبهمات، والضمير ينتعش في ظل هذه الاستفهامات، وشرائح البقاء تلتهب بين هذه المستحيلات الممكنات، ولو على شاكلة الخبر العاجل.
ترتيب كهذا يسمح بوقوع الإنسان في خطاياه، ثم يعرّج على نوافذ الفكر، ليسترجع روحه بين الفينة والأخرى، ما قيمة الإنسان؟ حين نصنع بين أفراده أوهاما ونداري سيّئاته بفعل مسبّباته الكثيرة، حين نغلق أمامه أبواب الوجود على أن نحمل معه جوانب أكثر بقاء من سماحة الوجود بشكل غريب، لا يمكن أن يقوم هو بأدواره كافة لوحدها، ولا يمكنه أن يستغلّ تراشقه برشفات البراهين من وصوله إلى حلقة التعيين، لا يمكن أن يصل إلى مداه بشكل جزافي، ويعرّج على دنياه بشكل أكثر أسفا، لأنـه يدرك جيّدا أنّ علاقاته بالفعل هي نسيج من التكاليف الزهيدة التي تجعل منه كائنا مستقلا بالذات، تحمله على فهم الفهم أولا وأخيرا، ثمّ تسترجع مكتسباته واحدة بعد أخرى، فالإنسان ليس واحد وإنما له شركاء، وهم كثر للغاية. فمن غير اللائق أن يعاود الفرد تواجده على خط مستقيم، من العجز أن يغرف الفرد من روحه كل مرة من أجل نتيجة مفادها أنّ الإنسان هو إنسانيّ على الدوام، بينما توحشه هو ظرف عرضيّ، إنه جزء منه، نعم! هو متوحش بقدر ما هو إنسانيّ، وهذا ما يدفعه ليكون أكثر أمنا في وجه قضاياه المختلفة، حيث تتراكم لغة مجسات التفاصيل وتعاليم الخضوع واحدة بعد واحدة، لينجرّ عن ذلك كل سلوك يعتمد على الروح كانطلاقة، فهناك ما يجعل الطاقة تتدفق بالشكل الذي يسعى إلى وجودها الفرد، من أجل إقناع ذاته بأنه أكثر أمنا تحت الفضيلة، لكن هذا أقرب إلى الوهم من قربه إلى الحيـاة، إنها سرّ نجوى الإنسانية، وسرّ تألّق الإنسان في سبيل إعطاء البشر صكا خالص التوحّد وبنرجسية واضحة، فلا يمكن أن يصبح الفرد عبقريا في شكل أبله، ولا ذاتيا في شكل غبي، وإنما هناك فرق بين الذات والغسق التبشيري لدى الكثير من متدفقات البشر، لا يمكن أن يصبح الإنسان بشريا إلا إن كانت هذه الأخيرة قابعة بداخله منذ البداية، ومع ذلك فهو أقرب إلى الصفح من قربه إلى ارتكاب الموبقات الاجتماعية. سيكون من اللائق أن نحلم بصومعات الشهادة الروحية كلما كان ذلك متاحا، سيكون من الجيّد أن يسترسل الجميع على مائدة القفا، حينما يجد أمامه الكثير ليغذيه من مكتسباته الجليلة، لقد حانت ساعات البرْق الذي يغذي كثافة الوجود العيني الخالص، ولقد بقيت جموع الإنسانية على نفس المستوى من رمضائها، متعطشة إلى خوض المزيد من مغامرات التفكير بشكل غريب، هي أنسجة التفكير في كل ما من شأنه أن يكون عاملا حاسما في فهم خطوات البشرية بشكل كبير، لهذا بالذات، فإنّ الإنسان له لغته الخاصـة وفق اعتقاده الذي يبنيه منذ الصغر؛ مهما تخلّصت الإنسانية من معتماتها، أو حاولت ذلك على الأقلّ، فإنها ستعاود إلقاء ذاتها ضمن معمعة التفكير بمنطقها المتجلّـي في خواطرها وسجياتها، الإنسانية أكثر كفاءة مما يعتقد أيّ بشريّ، وأكثر أمنا والتزاما بما يدور من حولها، هي أكبر بكثير مما قد يشكّلها واقع ما في رصيد بعينه، لذلك يبقى الإنسان أكثر تبجيلا لذاته أكثر حتى من غيره له، ولهذا يصبح عليه أن يقتدي بـما للفرد من لغة، تتطاول وتتركّز على أشهاد الكلّ بلا تمييز؛ ومن هذا المنطلق، يبقى الفرد قائما على مشروعه في الحياة، يخدمه ويحاول تحسينه دائما بكل ما له من كبرياء وشهامة.
يبقى الكدر المتخفي لكلّ فرد من بني الإنسان في جوف مواقفه، ولهذا يكون عليه بصفة متجددة أن يحفّز عقله في اتجاهات عديدة ليرسخ مقاماته بأشكال مختلفة، هذه الإمكانية تدفع البعض إلى تغيير وضعياتهم واتجاهات مساراتهم نحو أهداف متحركة الوضوح لكنها ثابتة التموقع، قد تختلف وسائل ومعدات السير على طرقها المتشعبة، لكنها ستحتفظ حقا بالقليل من نورها، بالقليل مما يميّزها حتى تبقى ضمن حياتها حية، هي خاصية تتكاثر وتنتشر بشكل دوري في فؤاد من يحمل بذور العزيمة باتجاه التوق إلى مشعل الفوز.
لا يحنّ الإنسان سوى إلى وضعه المريح، أينما كان، وكيفما كان، وعلى أي هيئة كان، فهو لا يلتفت للثمن الذي يقدّمه، عندما يكون هدفه هو "الـراحة الأبدية الداخلية"، فهناك جملة عوارض تتقد بداخل الإنسان، تصبح عبارة عن تحديات فردية، تعاود إنتاج مسالكها كل مرّة، ثم تتخذ من كليات الفهم مرجعيات لها، حيث تقبع هذه الأمور كلها داخل العهر الظاهر، داخل ما يبدوا للناس أنه رفاه، في حين أنّ الداخل يفقد تنازلا آخر وفق آليات أخرى مختلفة تماما عمّا يظهر.
فـي سبيل قبول المرء بما هو موجود، في خضم حدوث الموروث عندما تتراجع الأمور بالشكل الخاص، لـمّا تتكوّن الأمور بشكلها النهائي وفق ما هو خاص، ترتفع أمور كثيرة فوق ما هو مقدَّم، لتنكسر على وقع جليل مقدّس، حيث تغتنم الأشياء فرصها عبر إلتقاء الضاد وما يجعله كذلك، هو لا يقتحم ذاته بشكل عام، سوى إن تعلّقت التشكيلات النهائية لها بما لها هي بذاتها دون غيرها، هي عمود تسلّق يصل إلى قمة مجهولة، يصلها الفرد بطريقة غير مفهومة، هو بالذات لا يفهمها، ليجد ذاته في قلب صراعاتها وترسباتها، يحاول أن يصكّ عناوين أخرى، أن يجول فوق متحركات أخرى مختلفة، لكنّ عموم المسالك هذه لا تترك مجالا ما لما هو مستوي فوقه، لما هو قابل للتحيّز إليه، مثل صرخة تتصاعد وفق الكلّ، وفق آليات صعود وسقوط الامبراطوريات على رقعة التاريخ، وهي عمليات تتكرر، تختلف من حيث الموارد والأدوات، إلى أن تصل إلى نقطة التلف، الناتج عن صخب الترف، ظلال ضِلال الذات حين تتصلّب بشكل تام، تتراجع وتراجع إمكاناتها من جديد، تعدّ مركباتها وتركيباتها أيضا، تعيد رصف أمورها على حسب تبدّل مفاهيمها ومضامينها، تتحلّق حول مركز ذاتي متصاعد الذمم، ثمّ تنحدر من قمة جبال تتولّد عنها كل مرّة مهالك القضمات اليسيرة، كلّ فرد له ما يحرّكه، وقليل فقط من الأفراد يتحرّكون وفق ما يؤمنون به، أو يتظاهرون بأنهم مؤمنون به، حيث نصلب أنفسنا كل يوم، ونرتل تسابيع الغفران كل ساعة، لا يهمّ كيف نفعل ذلك، لكنّ البشرية تقوم بذلك، بشريتنا تحرّك كل ذلك بوسائل لا تتصل سوى بحرق التلازم والجثم على تكتلات المآزق، لا يمكن أن يصبح الفرد ما هو فيه سوى إن ما فهم ما هو عليه، ولهذه الخطوة فاتورة باهضة، تستغلّ موردها الذاتي من أجل التعلّق بما لديها من مقدّرات، الله بريء مما تصنعون وتنسبون له بالبهتان، الله أعظم مما تحصرونه فيه يا علقم بني البشر. من الشمال تولد مصائب الباقي، من القضاء تصرخ كلمات البقاء، وترتدي جبة التقليد كلما اقترب الفرد من التحرير لتكبله بما لها من سلطات، أنـا ضدّ ما هو ضاغط على الإنسان بحجة الأجداد أو ما يترتب عنهم، دعونا نبقي أجدادنا في عروش وقصور قبورهم الفاخرة، دعونا نبني قصورنا الخاصة بعيدا عن أرضهم وسلطانهم، فقد حكمونا بما يكفي من سنين، حكمونا بتقليدهم الذي يلازم الفضائح، فضائح الرهاب الذي يسكن ذواتنا المتعبة، بل أنهم تغلغلوا فينا وفي وعيّنـا، حتى صرنا نقدّم قرابين كل ما هو غالي فينا من أجل رضاهم "المزعوم" عنـا، وكم هي مكلفة أن يراضيهم شخص ما، وكم هو مكلف رضاهم الذي يبقى برتبة سراب يؤمن به الكثير منا بلا أي مجال لاختياره طريقا آخر، يكون طريقا إلى باب حريته واسترجاع نفسه المسلوبة منه بوسائل التاريخ الظالمة.
هي حالات تنفرد بشكلها الخاص كلّ حين، هي سلسلة من تفاعلات الضمير، حين يتعلق بمآل البشريّ، ثم تتصاعد أنغامه بشكل يرتقي إلى درجات سامية جدا، حين أنهار الأفكار تصبح مصبا لكافة انفعالات الإنسان، هي قلب ما يمكن للإنسان من الوصول إليه وفق ما هو بصدد إثباته كواقع، ولنا في قصص كثيرة خير العِبَر، فلا يوجد من يولد ساميا، وهذا هو عزاء كلّ ضمير لا يشغل دوره المناسب له. مهما يضيع الإنسان في هذه الحياة، مهما يكن توجهه، ومرجعياته، مهما يكن لونه أو صوته أو لسانه أو جنسه، فهو في النهاية إنسان، يمكنه أن يصبح إله إن ما أراد هو ذلك وألحّ على البقاء ضمن ما هو فيه، يشتغل ويعمل ويصمد من أجل تحقيق هدفه، من أجل بلوغ مقام ما يكون أجمل ما توجه إليه وما أراد أن يكون عليه، فالضياع عبر الفكر والتفكير هو أرقى من معرفة زهيدة تتضخم عند صاحبها فقط، تجعل من السائر على مرتع الأفق حافة فجّة ترسل بآخر تنبيهاتها إلى عصب التنبيه، إلى فهم كل تقارب بين الإنسان وذهنه على أنه تهديد للنازي اللعوب، هناك حين أقف، عندما أسترجع كل هذا، أبقى أنـا دون غيري أو سواي.

[email protected]



#مزوار_محمد_سعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زحمة يا دنيا زحمة؛ زحمة وتاهوا الحبايب
- حريق على أعتاب دار التفكير إنتقاما من ذاته الموغلة فيه وتحرش ...
- -بريك-إقزيت- عنوان مسرحية خروج شكسبير بوند من إتحاد أوربا
- لا يمكننا شراء الجرءة
- أكتبُ ما يحلو لي رغم أن هذا يسبب لك مشكلة
- معاني أسماءنا المكتوبة على جبين نيويورك
- التفكير في الممنوعات طريق الحرير الجديد إلى الشهرة
- سرقة الزمن كأداة للاضطهاد الجماعي والبؤس الروحي بين أزمة الأ ...
- أورلاندو فلوريدا تذكرنا بالخفيّ من وجهنا
- بكلّ مودة ورحمة أحمل الثمن الاجتماعي وأتحمّله
- مؤتمر التخلّف بعد قرون من التعرّف
- دعاء الفحم
- ومع ذلك هناك ألم
- المسابقات الاكاديمية الجزائرية: حتى أنت يا بروتوس!؟
- ماذا لو صار غاليلي رئيسا للجزائر؟
- جوزفين (Joséphine): بإمكاني ان أوجد في الغرفة وخارجها في الو ...
- أرقام الرهبنة الثقافية
- تفاصيل العودة إلى التدبير، طلقات نحو جسد الماهية
- تسوّلٌ دقّ باب الفلسفة، ابتعد لأرى الشمس
- فلسفة اليونان لم تقنع أخيل بأنّ طروادة بريئة


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مزوار محمد سعيد - بعض توابل التفكير على الضمير قد تنفع صاحبه