أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - خادمات - رسول الصغير: البنية الهذيانية والإيغال في التغريب-















المزيد.....

خادمات - رسول الصغير: البنية الهذيانية والإيغال في التغريب-


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1401 - 2005 / 12 / 16 - 10:33
المحور: الادب والفن
    


إن النظرة الفاحصة والمدققة للنص المسرحي الذي أعده المخرج رسول الصغير عن مسرحية " الخادمات " لجان جينيه تؤكد على تركيزه الشديد على عدد من الموضوعات الحساسة، والإحالات التعبيرية، والرموز الدالة. فمن خلال الصراع الطبقي غير المُعلن، والقائم بين الخادمات من جهة، والسيدة التي لم تستشعر بهذا الصراع من جهة أخرى نتوقف من دون إرادتنا أمام فكرة الاستبداد والتسلط والتلاعب بمصائر الناس ومقدّرات الآخرين. وهذه الفكرة تتوسّع لتشمل أية سلطة فيها طعم الاستبداد ورائحته ونتائجه، كأن تكون السلطة الدكتاتورية، أو السلطة الحزبية، أو الأبوية وهلّم جرا، غير أن السلطة في النص المسرحي الأصلي قد تجسدت في هيمنة الأثرياء على الفقراء، وتحديداً، سلطة السيدة على الخادمتين اللتين تعملان في تدبير الشؤون المنزلية، وتقومان على خدمة السيدة ورعايتها في كل صغيرة وكبيرة. كما يركّز النص المسرحي سواء المكتوب أصلاً من قبل جان جينيه، أو المُعَد لاحقاً من قبل رسول الصغير على النزوع الإيروسي، وخاصة المثلي بين الأختين كلير وسولانج، وربما بين السيدة والخادمتين أيضاً. وكلنا نعرف أن فكرة " الجنسية المثلية " هي من الأفكار التي تعاطى معها جان جينيه بشجاعة نادرة. كما يتمحور النص المسرحي على هاجس الجريمة، وطريقة تنفيذها، أو القيام بها من قبل الخادمتين اللتين تفكران ليل نهار بالتخلص من سيدتهما، والهيمنة على ثرواتها الطائلة كي يتخلصا من سنوات الفقر المدقع التي طالتهما منذ الولادة وحتى الآن. وقد سعى رسول الصغير منذ البداية أن يغيّر من بنية النص، ويعززه بأفكار جديدة يعتقد أنها قد تحول مسار النص، وتدّعمه بعناصر قوة جديدة اجترحها من رؤاه وتصوراته الفنية والفكرية. فبدلاً من أن تظهر السيدة مرة واحدة قبل نهاية العرض المسرحي بقليل، قدّمها لنا ثلاث مرات ليؤكد صحة ما يذهب إليه. ففي المرة الأولى يصادفها الجمهور في أثناء الدخول إلى صالة العرض حيث تستقبلهم وكأنهم لبّوا نداء الإعلان الذي نشرته في الصحف وصفحات الإنترنيت والذي يكشف عن حاجة السيدة لخادمتين تعملان في قصرها الباذخ الكبير، غير أن رؤية المخرج كانت تعبيرية، وصادمة حقاً، وعبثية حينما قدّم لنا السيدة وهي رمز واضح للسلطة، والهيمنة، والثراء، ولكنها صلعاء، مقززة، مبتورة اليدين والقدمين، لكنها ما تزال تتحكم بمصائر الناس، وهي صاحبة القرار الأول والأخير، وعلى التابعين أن يطيعوها، وينفذوا أوامرها، ويستجيبوا لطريقة تفكيرها. وهذا الإسقاط السياسي جاء به رسول الصغير من واقع تأثره بالسياسة العراقية، وما آل إليه مصير الدكتاتورية في العراق، ولولا هذه النهاية المفجعة لصدام حسين والتي ساهم فيها كثير من العراقيين والعرب، وبالذات وعّاظ السلاطين، والنافخين في قِرَبِهم، والمروّجين لأفكارهم من المثقفين والمُزوِرين الكَذَبة لما أختار رسول الصغير هذه " السيدة " كرمز لدكتاتورية السلطة في الأقل، بل لربما انحرف برمزيتها إلى السلطة الأبوية، أو سلطة الأثرياء على الفقراء وما إلى ذلك من عناصر الهينمة، والسيطرة، والتجبّر. وفي المشهد الثاني تدخل السيدة إلى فضاء العرض المسرحي مجتاحة الخادمتين والجمهور معاً، هذا الجمهور الذي جاء ليبحث عن فرصة عمل لديها لكي يقوم بخدمتها ورعايتها أو يقبل بالعيش في كنفها كتابع لا غير. في هذا المشهد ثمة إشارة رمزية قوية وهي أن عطر السيدة كان نفّاذاً إلى درجة أنه فاح في كل أرجاء القاعة وشمّه الحضور برمتهم، ولكنها مع ذلك ظلت صلعاء لا شعر جميل يتوّج رأسها في إشارة إلى التلميع الإعلامي الذي يخدم المتسلطين والأثرياء وصنّاع القرار. وفي المشهد الثالث الذي لا يخلو من رموز مقصودة دفع بها مُعد النص ومخرجه إلى أقصاها، وتتمثل في الإطلالة الثالثة للسيدة التي عادت تواً من رؤية زوجها السجين الذي يعيش الآن وسط اللصوص والقتلة والمجرمين. عادت لتسوي مكياجها أمام مرآة متخيلة تارة وهي تقف أمام الجدار، وتارة ثانية وهي تقف في مواجهة الجمهور. وفي هذا المشهد، على وجه التحديد، يتجسد فعل الجريمة الرمزي، لكنه لا يخرج عن إطار الإيحاء الذي تقوم به كلير عندما تضع الحبل على رقبة السيدة، وتقتلها في خيالها فقط، إذ سرعان ما تعود السيدة إلى الكلام لتكشف لنا أن الجريمة قد وقعت في ذهن الخادمتين فقط، واللتين ظلتا مشغولتين بهذا الهاجس طوال مدة عملهما في منزل السيدة التي يشعران بظلمها، وإحتقارها لهّن كونها هي المركز وهنّ الأطراف أو الهوامش.أما المشهد الإيروسي الذي تجسّد أمامنا وهو مشهد القبلة الذي لم يكتمل، فقد همّت كلير أن تقبّل أختها سولانج لكنها سرعان ما ثارت ثائرتها، وولجت في سَوْرة غضب مفاجئة. أما مَشاهد الدريمة فقد تكررت في النص الأصلي غير مرة إلا أن رسول الصغير إرتأى أن يقدّمها مرة واحدة، إذ تقتل سولانج التي تلعب دور الخادمة شقيقتها كلير التي تحب أن تجسّد دور السيدة دائماً، كما جعل كلير تقتل السيدة الحقيقية قتلاً رمزياً، غير أن فعل الجريمة غالباً ما ينال حظاً كبيراً من قبل جان جينيه نفسه. في هذا العرض المسرحي لـ " خادمات " جان جينيه قسّم رسول الصغير المسرحية إلى اثتي عشر مشهداً يبدأ بصنع الدكتاتور وينتهي بالتحية، ويمر مشهد " البطاطا " و " المرايا " و " السرعة " و " النزاع " و " الإعداد للجريمة " و " السيدة " و " إنكشاف السر " و " الهروب " و " الكاشفة " و " الهذيان " ولا بد من الإشارة إلى أن الفنان صالح حسن قد تدخّل في بعض المشاهد، وساهم في تدريب الخادمتين على تأدية حركات لها علاقة بمسرح الجسد والحركة، وبالذات في مشهد " السرعة " و " النزاع "، وقد أتقنت كلير مشهد الحركة، لكن سولانج تعثرت بعض الشيء، ولكنها أنقذت نفسها حينما دخلت في الصراع الرمزي التعبيري مع شقيقتها داخل الرحم والذي نفذتاه أسفل المنضدة، وقد نجح فعلاً ونال استحسان الحاضرين. لا بد من التنويه إلى أهمية الديكور، فبرغم إقتصاده إلا أنه كان معبّراً، ومستوفياً لشروط العرض المسرحي، هذا إذا ما استثنينا " الملابس الفاخرة، والأحذية الثمينة " التي بذلت الفنانة كارولين نايلاند " السيدة " جهداً جهيداً في جمعها من بعض الصديقات الثريات اللواتي يقطنّ في أمستردام. فباقات الزهور، والأحذية الموزعة في أركان الخشبة، والكرسي والمنضدة المعلقتين في السقف قد ساهمت في مجملها باستكمال فضاء العرض المسرحي. أما المؤثرات الصوتية والضوئية فقد كانت متقنة، وناحجة، وقد تطورت مع استمرار العروض، بحيث كان تقني الإضاءة يتلاعب بإنارته لدرجة يندر أن يقع فيها خلل أو ارتباك. إذ كان أداءه أقرب إلى الأداء السمفوني الذي يتعذر فيه وجود زلات أو أخطاء عابرة. بقي أن نشير إلى الجانب السايكودرامي في هذا النص المسرحي، فثمة أسئلة مُثارة من قبل كاتب النص الأصلي ومُعده من قبيل: منْ هو المسؤول عن الصراع الطبقي في المجتمع؟ هل هي السلطة أم الناس العاديين؟ ومنْ هو المسؤول عن ظلم الخادمات وإحساسهم بالدونية أو الانحطاط؟ هل ثمة سبب يبرر حقد الخادمات على السيدة؟ وهل يجوز التخطيط لقتلها بحجة أنها غنية، وأنها تمثل بالنتيجة السلطة والقوة والمال؟ أليست هناك حلول بديلة تنصف السيدة والخادمات معاً؟ إن تبادل الأدوار بين الخادمتين قد منحهنّ متنفساً كبيراً للترويح عن همومهن وإحباطاتهن عندما لعبن دور الخادمة تارة والسيدة تارة أخرى. وما لم يقلنه في حياتهن العادية الرتيبة قد قلنه حينما تبادلن دور الخادمة والسيدة، فعبّرن عن حبهّن وكراهيتهن، ولكنهن مع ذلك لم يتوصلن إلى نتيجة، فسولانج كانت تريد أن تسرق أي شيء وتهرب، بينما ظلت كلير ترى في سيدتها " طيبة وجميلة وناعمة " فالإنسان على أية حال هو الإنسان، لكن وعيه، وثقافته، ورؤيته للحياة هي التي تحدد له مساره الصحيح أو الذي يعتقد أنه كذلك. من هنا تأتي أهمية النقد السايكولوجي لهذا النص النفسي الشائك الذي تتعقد تفاصيله كلما أوغل في ثنائية الخير والشر، والسمو والدونية، والتعالي والإنحطاط. وبالرغم من أن هذا النص المسرحي يكشف عن الهوّة الكبير بين الطبقة البرجوازية فاحشة الثراء، وبين الطبقة الفقيرة المُعدمة إلا أن الكاتب أو المخرج لا يقدّم حلاً لهذا الإشكال، وإذا كان جان جينيه قد اكتفى بصدمهِ للمتلقي فإن رسول الصغير قد أدخل مُشاهديه في جوِ من الهذيان!



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية/ الروائي جاسم ...
- في ضيافة الوحش - لطارق صالح الربيعي: سيرة ذاتية بإمتيار يتطا ...
- الفيلم التسجيلي - مندائيو العراق- لعامر علوان: فلسفة الحياة ...
- استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي/ الشاعر وديع العبيدي: - ...
- -استفتاء الأدباء العراقيين من المنافي العالمية /مهدي علي الر ...
- (استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية / الشاعر كريم ...
- رسام الكاريكاتير الجنوب أفريقي زابيرو جونثان شابيرو ينال الج ...
- استفتاء الأدباء العراقيين: زهير كاظم عبّود: إن العراق حاضر ف ...
- الإرهاب الأسود يغيّب المخرج العالمي مصطفى العقاد الذي روّج أ ...
- تقنية - الوسائط المتعددة - في مسرحية ( أين ال - هناك -؟ ) تم ...
- فلاديمير بوتين أول رئيس روسي يزور هولندا بعد ثلاثة قرون: هول ...
- عزلة البلَّور
- د. نصر حامد أبو زيد يفوز بجائزة - ابن رشد للفكر الحر - لسنة ...
- استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية / الشاعر باسم ...
- استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية: د. حسين الأنص ...
- الناقد عدنان حسين أحمد ل - الحوار المتمدن -: أنا أول من يخوّ ...
- المخرج المسرحي المغربي الزيتوني بو سرحان ل - الحوار المتمدن- ...
- استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية / الشاعر سنان ...
- استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية - الحلقة الثان ...
- الروائي العراقي محمود سعيد ل -الحوار المتمدن -:الرواية الجيد ...


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - خادمات - رسول الصغير: البنية الهذيانية والإيغال في التغريب-