أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - شيءٌ من العبث لن يفسد العالم














المزيد.....

شيءٌ من العبث لن يفسد العالم


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5217 - 2016 / 7 / 8 - 20:46
المحور: الادب والفن
    


وصفةٌ مجرّبة عشرات المرات. حينما يتملكك الحَزَن، أو القنوط، أو تواجهك مشكلةٌ لا حلَّ لها، أوتشعر أن طاقتَك على وشك النفاد، اهربْ إلى العبث. توجه إلى مكتبتك واختر إحدى مسرحيات صمويل بيكيت أو هارولد بنتر. وسوف ترى النتيجة بعد صفحات قليلة. الحوارات في المسرحيات العادية؛ الكلاسيك منها والحديث، العربيّ منها والغربيّ؛ تشبه قطارًا يمشي فوق قضيبين. القطارُ يحكمه منطقُ الوظيفية وينتظمه قانونُ المرور. القطار يسير من نقطة إلى نقطة في تصاعد دراميّ مع الزمن من محطّة إلى محطة حتى يصل إلى نقطة النهاية حيث فصل القول. لكن، في مسرح العبث، أولا اللامعقول، يتحول القطارُ ليغدو طائرةً. ليس طائرةً معدنية لها خطُّ سيْر محدّد ورحلةٌ مُبرجمة بالدقيقة والثانية، بل طائرةٌ ورقية في يد طفل. لا قانون لها ولا أفقَ لتحليقها. لا نقطةَ بدء أو نهايةَ ولا هدفَ منشودًا سوى التحليق الحر "اللا معقول". واللا هدف هو في ذاته هدفٌ. هو أجملُ الأهداف في دنيا الفن (مع الاعتذار لسارتر والتزامه)، وطبعًا في دنيا طائرات الورق. الطائرةُ الورقية أثناء حركتها تمارس فوضى إبداعية تتحكم فيها محصلة عدة قوى تتجاذب وتتصارع. قوى الرياح وضغط عمود الهواء وجاذبية الأرض ومناوشات ذيل الطائرة المصنوع من قصاصات ورق ملون هو عادة جلادات كراسات الأطفال.
رجلان يلتقيان في ذات المكان كل صباح منذ خمسين عامًا. ينتظران شخصًا اسمه "جودو". لا نعرف لماذا. امتداد انتظارهما لسنوات وعقود يوحي بأن لا غنى لهما عن ذاك المنتظَر. وفي المقابل نفكر: "طيب كيف عاشا نصف قرن دونه، إن كان لا غنى لهما عنه؟!” لا نعرف أبدًا. وتنتهي مسرحية "في انتظار جودو" دون أن يخبرنا بيكيت من هو هذا المنتظَر ولا متى يأتي. ليست العبقرية فقط في عبثية الفكرة، على عمقها، لكن كلَّ العبقرية في الحوار العجائبي بين الرجلين. أما هارولد بنتر (نوبل2005) فيضيف إلى عبثية حواراته عنصر الصمت. الشخوص يصمتون فجأةً صمتا محسوبًا، وعبثيًّا أيضًا. هو صمت الطيارة حين تتوقف فجأة في الهواء لتفكر في حيلة جديدة تغلب بها قوى الجذب التي تناوشها من كل اتجاه. ثم تعدل بغتةً عن وجهتها وتغيرها إلى اتجاه عبثي فوضوي جديد.
اخترتُ لكم اسكتش "تلك مشكلتك" كتبها بنتر العام 1959.
رجلان (أ، ب) في حديقة عامة. أحدهما يجلس على العشب والآخر يلهو بمظلّته.
( أ- انظرْ إلى ذلك الرجل، هو يحمل فوق ظهره صندوق ساندويتشات./ ب- وماذا في الأمر؟/ أ- الأفضل أن يُنزله من فوق ظهره لكيلا يصاب بالصداع./ ب- هراء./ أ- ماذا تعني؟/ ب- لن يصاب بصداع./ أ- بل يصاب، أراهن./ ب- إنها الرقبة! الثِقَل يؤثر على الرقبة. رقبته ستؤلمه./ أ- ثم يصعد الألمُ إلى الرأس./ أ- هل حملتَ صندوقا به ساندويتشات من قبل؟/ أ- أبدً ا./ ب- إذن كيف تعرف مسارَ الألم؟ (صمت) الألمُ يهبط! يتحرك إلى أسفل، يبتدئ عند الرقبة ثم يهبط لأسفل، الرقبة ثم في الظهر./ أ- ثم يصيبه صداعٌ في النهاية./ ليس من نهاية. / أ- عند المخ./ ب- عند ماذا؟/ أ- المخ./ ب- لا شأن للمخ بهذا./ أ- صحيح؟/ ب- لن يقرب الألمُ المخَّ أبدًا./ أ- هذا هو خطؤك./ ب- لستُ مخطئًا بل مصيبًا. (صمت). أنت تتحدث إلى رجل يعرف ما يقوله. (صمت) المخُّ لا شأن له بالأمر. الألمُ يهبط. الألمُ مختلفٌ عن الحرارة./ أ- ماذا تعني؟/ ب- (بغضب) إذا كان لديك ألمٌ فإنه يهبط! أما الحرارة فتصعد!/ أ- أنت تقصدُ الصوتَ./ ب- أنا ماذا؟/ أ- الصوتُ يصعدُ لأعلى./ ب- الصوتُ يذهبُ حيث يشاء! هذا يتوقفُ على الفضاء، مسألة فيزياء، وهو علمٌ أنت تجهله تمامًا، عليك فقط أن تحملَ صندوقَ ساندويتشات لتفهم ما أعني. الرقبةُ ثم الكتفان ثم الظهرُ، ثم يسري الألمُ إلى الردفين. هذا هو ما يسري إليه الألمُ: الردفان. الردفُ الأيمنُ أو الأيسر، هذا يعتمد على طريقة الحمل. ثم يهبطُ الألمُ إلى الفخذين، ومنهما رأسًا إلى القدمين، عندئذ يقع الرجل./ أ- لكنه لم يقع./ ب- سوف يقع. بعد برهة. صداع! كيف يصاب بصداع؟! إنه لا يحمل ثقلاً فوق رأسه! أنا مَن أصابه صداع، (صمت) والمشكلة أنك لا تجيد الإنصاتَ للآخرين. تلك هي مشكلتك./ أ- أنا أعرف مشكلتي./ ب- بل لا تعرف مشكلتك يا صديقي. تلك هي مشكلتك.)
لو لم تجد في مكتبتك أية مسرحية لبنتر أو بيكيت، اصعدْ من فورك إلى سطح البيت وطيّرْ طيارة ورق. وحينما يتوتّر الخيطُ ستكون طائرتُك قد قطعت من الفضاء ثلاثين فرسخًا. قُصّ الخيط. واستمتعْ.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقلُ الألغام
- مصرُ التي نشتاق إليها
- يومٌ من عمري، وشموعٌ كثيرة بعد لم تُقَد
- موسم تسريب الامتحانات
- كيف سمحنا بأن نسقط؟
- ناضجون ومراهقون
- عين الطائر ودو كيخوتي
- البابا شنودة يرفض اعتبار أقباط مصر أقليلة، هل سينال سبابكم م ...
- كل سنة وأنت طيب أيها الصندوق الطيب
- جنونٌ أمْ كفر؟ 1/3
- أمّة تقرأ | ماذا تقرأ هذه الأيام؟
- لماذا يهاجمني نشاط من أقباط المهجر؟ بيان فاطمة ناعوت
- لماذا يحمل الشباب المسيحي التمرَ على النواصي؟
- فين شيوخ القبيلة يا بلد؟
- كلمة الكاتبة فاطمة ناعوت في مؤتمر (دعم الأقباط) بواشنطن
- رصاصةُ فرج فودة؟
- الأبكم
- يقتلون براءتَهنّ!
- فين شيوخ القبيلة يا بلد؟!
- هل الأقباطُ أقلية في مصر؟


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - شيءٌ من العبث لن يفسد العالم